|
أوراق من دفتر أيار (27) - بيع الأراضي
|
|
|
بيع الأراضي
بين صنوف الدعاية التي تعمل إسرائيل والمنظمات الصهيونية المساندة لها حول العالم ما يسيء إلى شخصية الفلسطيني بحيث يجعلونه لا يستحق التعاطف. من بين تلك الدعايات التي يشيعونها أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم لليهود، وهذا أعطى اليهود أرضية قانونية للإستيلاء على البلاد، بقدر ما أفقد الفلسطينيين الحق بها.
وهذه دعاية تفندها الأرقام والحقائق.
ففي العام 1948كان اليهود يمتلكون 2 مليون دونم من أراضي فلسطين البالغة 27 مليون، وهذا يشكل 7.5%. كيف حصل اليهود على هذه النسبة من الأراضي الفلسطينية؟.
كان اليهود يشكلون جزءاً من فسيفساء المجتمع الفلسطيني منذ الفتح الإسلامي. وقد نصت العهدة العمرية على عدم السماح لليهود بسكنى القدس. ويبدو أن هذا البند لم يعد يأبه لتطبيقه أحد، فقد كانت هناك جالية يهودية كبيرة عندما إحتل الصليبيون القدس سنة 1097م، حيث تم إحراق بعضهم في داخل كنيسهم والقضاء على الباقي مع من قتل من سكان المدينة من المسلمين. وعندما وصلت الحملة الصليبية الثانية، بعد ذلك بعدة عقود، كانت جالية يهودية صغيرة قد عادت إلى القدس وسكنت بالقرب من قلعة داوود.
في بداية العهد العثماني كانت جاليات يهودية تسكن معظم المدن الفلسطينية. وقد شجع ظاهر العمر بعض اليهود الإيرانيين على الإستقرار في كل من طبريا وصفد. كان هؤلاء يملكون أراضي في فلسطين كباقي مكونات الشعب، ولم يكن أحد يتحفظ أو يجد غضاضة في بيع أرض لشخص ينتمي لدين آخر.
أثناء الحكم العثماني هاجر بعض اليهود من ولايات عثمانية إلى فلسطين، مثل اليمن وغيرها، وهؤلاء تملكوا أراضي وعقارات كمواطنين عثمانيين. وفي العام 1882 بدأت هجرة يهودية أوربية منظمة من شرق أوربا. وقد حصلوا على أراضي بالشراء من حكام إداريين عثمانيين أو حتى من ملاكين محليين، فلم يكن هناك إحساس بخطر من ذلك، كما لم يكن يعد ذلك عملاً غير وطني، وفي جميع الأحوال لم يشكل ذلك شيئاً يستحق الذكر. عندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 كانت أملاك اليهود، الذين كان معظمهم فلسطينيين يتكلمون العربية، قد بلغت 650000 دونم.
بعد الإنتداب حصل اليهود على 665000 دونم من حكومة الإنتداب البريطانية، التي كانت تدير ما يسمى بالأراضي الأميرية، وكان من بينها ممتلكات تعود للسلاطين العثمانيين في سهل الحولة وغور بيسان، وهذا ما يفسر وجود مستوطنات قديمة بنيت على هذه الأراضي الرسوبية الخصبة.
كما حصل اليهود بالشراء على 606000 دونم من عائلات إقطاعية غير فلسطينية؛ لبنانية وسورية، كانت تملك مساحات واسعة في مرج إبن عامر وغيرها من الأراضي الخصبة. وقد تملكوا هذه الأراضي عندما كان أجداد هذه العائلات يعملون كموظفين إداريين في الدولة العثمانية، وتحديداً في دائرة المساحة، حيث قامت الدولة العثمانية بإجراء مسحاً لأراضي الدولة سنة 1860 وكررت ذلك سنة 1870. وقد حصلوا على هذه الأراضي بوسائل شتى.
لا ينبغي الإدعاء أن الفلسطينيين لم يقم أي منهم ببيع أراضي ليهود، هذا حصل ولكن بكميات لا تشكل نسبة تذكر ضمن مجموع ما تملكوا في نهاية الأمر. فالفارق ( 79000 دونم ) لا يتعدى ما يعادل أراضي ثلاث أو أربع قرى. ولكن ينبغي أن نذكر أنه كان هناك من كان يفضل البيع بنصف السعر لمشتر عربي، على أن يبيع ليهودي على الرغم من حاجته. كما كان هناك جهد منظم للتوعية وللشراء ممن يحتاج أن يبيع، حيث تأسست صناديق تمويل للتصدى لعمليات البيع.
أعرف شخصاً كان يملك أرضاً في ضواحي يافا الشمالية، مما يعني أنها في وسط تل أبيب حالياً، وكان يأتيه يهود إلى مدينته نابلس لغاية نشوب حرب 1948 لشرائها بالسعر الذي يحدده. كان هذا الشخص بحاجة إلى المال، ولكنه لم يبع، أما الأرض فقد وضع اليهود أيديهم عليها، ولا نعلم أي مباني أو أحياء تل أبيب يقوم عليها الآن.
في الجانب العربي هناك من يود تصديق هذه الرواية من أجل التهرب من الواجب القومي والديني تجاه فلسطين.. وهذا جزء من الكارثة.
نديم أسـعد
لقراءة باقي سلسلة مقالات أوراق من دفتر أيار:
|
|
|
|
|
|
|