الحق التاريخي
إستندت
الحركة الصهيونية في تسويقها لحق اليهود في فلسطين بأن هذه الأرض كانت لهم وأسسوا
فيها دولة وحضارة وتم تشريدهم منها على أيدي الاشوريين والبابليين والرومان وغيرهم
وقد آن الأوان لهم ليعودوا إليها. ومارسوا
هذه العودة طوال الخمسين سنة التي سبقت نكبة 1948 بفعالية عالية مستفيدين من نفوذهم
وإنتشارهم والتأييد الفطري – القائم على عقائد ونبوءات متجذرة - لهم من قبل بعض
القوى الأوربية
.
هذا
الطرح لا يقنع كل من يقرأ تاريخ فلسطين مهما كان حجم التزوير والتحريف
.
فقد
كان في فلسطين شعب، هم الكنعانيون بشكل أساسي، وكان لهم دولتهم ومدنهم وقراهم
ولغتهم وحضارتهم. وإستمر الكنعانيون وغيرهم، مثل اليبوسيون في التواجد خلال
الفترة المحدودة التي حكم بها اليهود فلسطين، كما تواجدوا قبل وبعد اليهود، إضافة
إلى أن اليهود لم يفرضوا سيطرتهم على كامل فلسطين بالكامل، فقد كانت غزة بيد
الفلسطينيين وكانت عكا والشمال بيد الفينيقيين، كما كان النقب تحت سيطرة الأنباط
وقبائل عربية. لم ينتشر اليهود في كل فلسطين إلا بعد الإحتلال الروماني
لفلسطين وسوريا كمواطنين رومان، وهكذا كان الوضع عند ظهور المسيح عليه السلام
.
تعمل
الدعاية الصهيونية على الإدعاء أن سكان فلسطين لا يمتون للكنعانيين واليبوسيين
والفلسطينبين القدماء بصلة، وهذا أمر لا يصمد أمام المنطق العلمي، فالشعوب
لا تختفي ولاتتبخر، إنما تختلط بشعوب أخرى وتذوب بها، وتتبنى لغات وثقافات
ومعتقدات دينية جديدة ضمن ظروف تاريخية معينة، وكثيراً ما تغير الشعوب إنتماءاتها
العرقية مثلما تغير دينها ولغتها. لقد عرفت فلسطين هجرات عربية كثيرة، وينسب
كثير من العائلات والعشائر الفلسطينية نفسها إلى قبائل عربية معروفة، وهذا لا يمنع
أن يكون لها إنتماءات كنعانية كذلك بالمصاهرة والحلف. والحلف نظام إنتماء
قبلي عرفه العرب قديماً، كما عرفته أمم أخرى، حيث ينتمي شخص أو مجموعة من الأشخاص
لقبيلة أو عشيرة ويأخذوا إسمها
.
العرب
الفلسطينيين هم ورثة الكنعانيين وهم أصحاب الحق الشرعي في فلسطين بقدر ما فقد حق
اليهود – إن وجد أصلاً – فيها بدخول أعداد كبيرة من السلاف والعرب والهنود
والصينيين في اليهودية، وهذا واضح من أشكالهم وسحنهم. وهذه ليست إزدواجية
معايير، فكلا الفلسطينيين والعبرانيين إختلطوا بشعوب أخرى، إختلط الفلسطينيون
بشعوب جاءت إلى فلسطين وتبنت ثقافتها، وإختلط اليهود بشعوب أخرى عاشوا في أوساطها
وتأثروا بثقافاتها. كما أن اليهود ضموا جماعات إعتنقت الديانة اليهودية دون
أن تختلط عرقياً باليهود مثل اليهود السمر في الهند
Brown Jews
، وأُعطي هؤلاء حق في فلسطين يفوق حق
الفلسطيني الذي سكن أجداده فلسطين لأكثر من أربعة آلاف سنة، وذلك بسبب أن الأول
يهودي والثاني مسلم أو مسيحي، اي منطق هذا...
نديم أسـعد
لقراءة باقي سلسلة مقالات أوراق من دفتر أيار: