كايد الأردني وحنفي المصري
منذ أن ظهرت القضية الفلسطينية وهي محط إهتمام الشعوب العربية. وعلى عكس أداء الحكومات، الذي إتسم أداؤها بالتقصير والغباء في أحسن أحواله والإتمار بأمر الدول الداعمة للمشروع الصهيوني بأسوأ الأحوال فقد تبنت الشعوب قضية فلسطين.
الشعوب العربية، وخصوصاً المجاورة منها لفلسطين قدمت الكثير. الشعب الأردني قدم 500 شهيد في حرب 48 لوحدها، وقدم قبلها وقدم بعدها. وكان حادي قافلة الشهداء الأردنيين، بل والفلسطينيين الشيخ كايد عبيدات. فقد إستشهد في بداية العشرينات، أي قبل أن يبدأ الكفاح المسلح في فلسطين، حيث كان النضال المناهض للمشروع الصهيوني ذا طابع سياسي يعتمد على التظاهر والإجتماعات بشكل أساسي. إستشهد الشيخ كايد العبيدات في غور بيسان عندما كان يهاجم مستعمرة مع رفاقه. ومنذ ذلك إستمر تدفق المتطوعين الاردنيين إلى فلسطين.
لقد كانت فلسطين مكان جاذب للعمل في الثلاثينات والأربعينات، فكان الأردنيون والسوريون واللبنانيون والمصريون يذهبون إلى فلسطين للعمل، وكانوا يشاركون في الإحتجاجات والتظاهرات التي كانت تزدحم بها شوارع المدن الفلسطينية، وكانت السلطات البريطانية تلجأ إلى إبعاد من يتم إعتقاله منهم إلى بلده. مما حدا بالفلسطينيين لإتخاذ إجراء وقائي بمنح هؤلاء العمال هويات أو أوراق ثبوتية صادرة عن مخاتير بعض القرى حتى ينجوا من خطر الإبعاد.
في تلك الأيام لم تكن النزعة الإقليمية قد قويت، فقد رسمت الدول الإستعمارية الحدود، وعمقتها الأنظمة، أما الشعوب فقد كانت تتطلع للوحدة. كانت مظاهرات الفلسطينيين تجوب شوارع القدس ونابلس ويافا وغيرها رافعة شعارات مثل " فلسطين جزء من سوريا ". وطبعاً سوريا جزء من وطن عربي أكبر. فلا غرابة أن يكون مفجر الثورة المسلحة شيخ جليل من سوريا، وهو الشيخ عز الدين القسام، كما قاد الثورة العربية، لاحقاً، فوزي القاوقجي، وكان لبنانياً، أما حنفي المصري فقد كان رفيقاً لفرحان السعدي، الفلسطيني الذي وقع في أسر الإنكليز بعد إحدى المعارك فحكموا عليه بالإعدام، وكان يوم إعدامه صائماً ورفض أن يفطر.
كان هناك متطوعون من العراق واليمن وليبيا والمغرب والسودان.
في هذا السياق يحضرني ذكرى متطوع جاء من حلب إلى القدس، وكان يحمل معه سلاحاً صنعه بنفسه، على شكل قاذف من نوعٍ ما، وفي إحدى الهجمات التي شنتها القوات الصهيونية على القدس قام بإستخدام سلاحه المبتكر، فوقف الناس ليروا تأثير هذا السلاح فنجم عن إطلاقه صوت شديد ودخان كثيف، وبعد أن هدأ الدخان كان الرجل قد إختفى فقد إنفجر المقذوف في داخل القاذف فمزق جسده الطاهر. رحمه الله فقد نال الشهادة ونال شرف الإعداد ورحم الله الشهداء جميعاً.
نديم أسـعد
لقراءة باقي سلسلة مقالات أوراق من دفتر أيار: