السلاح الفاسد
عانت الجيوش العربية الست التي دخلت حرب 1948 من عدد من نقاط الضعف التي كان إحتمال تحقيق أي إنتصار ملموس أمر مستبعد بوجودها؛ أولها عجز القيادات السياسية على إقامة أي نوع من أنواع التنسيق بين الجيوش، بل إنها كانت لا تتقبل المساعدة من بعضها، وثانيها عجز الأنظمة عن حشد العدد الكافي من الجنود يعادل ما حشدته العصابات الصهيونية وثالثها عدم الإستعداد المسبق بشراء السلاح.
فلم توفق الحكومات العربية في شراء الأسلحة، فقد إستطاع عملاء صهاينة من تفجير سفينة أسلحة إشترتها الحكومة السورية في بحر الأدرياتيك، وقامت إحدى الحكومات بشراء طائرات حربية غير مزودة بفتحات للرماية وقامت حكومة الوفد في مصر بشراء أسلحة فاسدة تسببت في مقتل عدد من الجنود المصريين.
أثيرت قضية الأسلحة الفاسدة في مصر عقب إنتهاء الحرب مباشرة، وكان لمجلة روز اليوسف فضلاً في ذلك، حيث كان رئيس تحريرها إحسان عبد القدوس يكتب بإستمرار حتى أضطرت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق توصلت إلى إشتراك بعض أفراد الحاشية الملكية وبعض العسكريين والسياسيين. ثم أحيل الملف إلى القضاء وإمتدت جلسات المحاكم إلى العام 1953، أي إلى ما بعد الثورة. وكان الحكم مخيباً للآمال، فقد حُكم على شخصين بغرامة مقدارها مائة جنيه، ولم يتم التوصل إلى الحقيقة كاملة.
ولغاية الآن لم يكشف عن حقائق تتعلق بالحرب السرية التي شنتها الوكالة اليهودية بالتوازي مع الحرب المعلنة. لم تكن عملية شراء أسلحة فاسدة قضية فساد بريئة، إن صح التعبير، ولكن غالباً ما تكون متعمدة ومدفوعة الأجر. فمن المعروف أن إسرائيل قامت بإتصالات مع الكثير من السياسيين العرب، بل قامت بالإتصال بكثير من الضباط العرب الميدانيين، بغاية التأثير عليهم. وهذا لا يعني أنه تم شراؤهم، فمن رحم هذه الحرب المذلة خرج جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم وعبد الله التل.
نديم أسـعد
لقراءة باقي سلسلة مقالات أوراق من دفتر أيار:
|