أوراق من دفتر أيار (14) - اليهود العراقيين
 
 


اليهود العراقيين 
في كل مرحلة من مراحل الصراع على فلسطين، كان هناك كذبة يطلقها الصهاينة والغرب المتصهين، ملمعة جيداً بحيث تجد من تُسوق بينهم في الغرب، بل وبيننا، أحياناً.  فكان هناك كذبة الحق التاريخي وكذبة الحق الديني وكذبة أن فلسطين خالية من السكان وكذبة  شراء الأراضي وكذبة أن هناك لاجئين فلسطينيين وهناك لاجئين يهود من الدول العربية، فالأمر سواء. 
لا سواء.  فالفلسطينيين طُردوا من فلسطين بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة من قبل الصهاينة.  واليهود، كذلك الأمر دُفعوا للهجرة من بلادهم بشتى الطرق، من قبل قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل.  ومثال اليهود العراقيين – في هذا السياق - قائم ومعروف. 
لقد عاش اليهود في كافة المدن العراقية بسلام مع باقي فسيفاء العراق الغني، كانوا أثرياء، تشهد على ذلك بيوتهم، التي تسنى لي رؤية أحدها في منطقة المربعة ببغداد.  كانوا يسيطرون على تجارة الجملة في سوق الشورجة في بغداد.  وفي العام 1951 أرسلت القيادة الإسرائيلية بعض عملاءها إلى بغداد لحث اليهود على الهجرة، ولم يحدث أي تجاوب يستحق الذكر.  ثم لجأوا إلى تفجير قنابل صوتية في بعض معابد بغداد.  بعد الإنفجار الأول سجل بضعة مئات أسمائهم لدى الحكومة العراقية طلباً للهجرة، وبعد الثاني سجل ألوف آخرون. 
سهلت الحكومة العراقية الأمر، فقامت الحكومة العراقية بتنظيم رحلات من بغداد إلى نيقوسيا، وكان يرافق كل رحلة شرطي عراقي، وكان يعود وحيداً على متن الطائرة بعد إفراغ حمولتها في العاصمة القبرصية.  ثم أصبحت الطائرة، ضمن ترتيب ما، تختصر الرحلة وتهبط مباشرة في مطار اللد.  إستمر هذا الحال لعدة أشهر حتى تم نهجير 150000 يهودي عراقي، ولم يتبق منهم سوى ما يقارب 10% غادر معظمهم في السبعينات في ظروف أخرى. 
على هامش هذه التطورات حدث أمر غريب بشبه حبكات الأفلام السينمائية، ففي تلك الأيام كان يقف في أحد محال شارع الرشيد ببغداد رجل فلسطيني هُجر حديثاً من فلسطين، عندما رأى شخص يهودي يدخل المحل، فصاح هذا يهودي أعرفه جيداً من فلسطين.  ولكنه تمكن من الهرب بمساعدة آخرين.  ولكن نفس المشهد تكرر بعد أيام قليلة، وفي هذه المرة تم إعتقاله من قبل الشرطة العراقية ليتبين أنه عميل مخابرات إسرائيلي جاء إلى العراق لغاية دفع اليهود إلى الهجرة.  لم يتضح الكثير عن مجريات التحقيق، فقد كانت تلك عراق عبد الإله ونوري السعيد. 
لا يزال اليهود العراقيون يبكون على حياتهم التي نُزعت منهم، وكانوا لغاية الستينات يرددون أغاني تلعن قادة إسرائيل الذين دفعوهم إلى هذا المصير.  لا يزال كثيرون منهم يتقنون العربية، وبعضهم لم يتعلم العبرية.  لقد أخذوا معهم جزءاً من التراث العراقي الغني، فأذكر أنني إستمعت لمغني يهودي عراقي في الإذاعة الإسرائيلية يردد بعض المقامات العراقية التي لم يعد يحفظها أحد في العراق.  الجريمة الصهيونية لها وجوه أخرى ينبغى التنبه إلى عدم السماح لها أن تحمل وزرها لآخرين. 
                                                                                                            نديم أسـعد          

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter