أوراق من دفتر أيار(19) - حجم المعاناة
 
 


حجم المعاناة 
تتخطى النكبة بأبعادها وآثارها حجم أي كارثة أُصيب بها أي شعب  عبر التاريخ، فقد إحتل الفرنسيون الجزائر وكان ذلك نكبة، وحاول الفرنسيون فرنسة الجزائر وكان ذلك تعدي على الهوية الجزائرية.  وعندما حاول الفرنسيون جلب بعض أبناء جلدتهم ليستوطنوا الجزائر كان ذلك تعدي على حقوق الملكية الخاصة بالجزائريين ومقدمة لما هو أسوأ، وهو تعزيز الوجود الفرنسي في البلاد.
وحدث هذا في جنوب إفريقيا حيث تولى البيض سياسة البلاد وإستوطنوا أفضل الأراضي، وتكرر ذلك في أماكن أخرى.  ولكن ما حصل في فلسطين، ولا يزال يحصل، هو إستعمار إستيطاني إحلالي، قائم على تفريغ البلاد من أهلها بالإبادة والطرد والتهميش، وجلب كل من إدعى شبهةً أنه يهودي من سلاف وأفارقة وصينيين وهنود، بل وهنود حمر.  أُناس لايمكن لعاقل أن يصدق إنتمائهم للعرق السامي المزعوم.  فالذي حصل في فلسطين لا سابقة له.
لقد نجم عن النكبة تدمير الهيكل الإجتماعي الفلسطيني والتعدي على الملكية الفردية والعامة للفلسطينيين وتهديد ثقافتهم الوطنية إضافة إلى مصادرة أو إلغاء حقوقهم السياسية.  أصبحت العائلة الواحدة مقسمة بين دول ومدن، كما أصبح القادرون منهم عاجزين عن الإنتاج بسبب فقدان وسائل وأدوات الإنتاج، فتراجعت إقتصاديات الأسر كما تراجعت القدرة على تعليم الإبناء.  نجم عن ذلك تحول في سمات شخصية الفلسطيني؛ فبعد أن كان غالبية الفلسطينيين قرويين يتعاطون الزراعة ومتعايشون مع ما تمنحه لهم، أصبحوا يقطنون مجتمعات مدينية ( بما في ذلك المخيمات ) وأصبحت للحياة متطلبات أخرى.  وتغيرت أولويات الفلسطيني فأصبح البقاء والذاكرة في مقدمة أولوياته.  البقاء، كأفراد وجماعات مع الحفاظ على الهوية، ومن هنا تعمق الإنتماء للقرية وفاق الإنتماء للحمولة أو العشيرة.  والذاكرة، التي تبقي العودة حاضرة في ذهنية الفلسطيني أينما ذهب ومهما بلغ من تحقيق ذات.
لم يكن الفلسطينيون بحاجة إلى هذه التغييرات، ففي داخل كل فلسطيني أمنية يتمنى فيها أن يكون قد بقي في أرضه وتسول الخبز الحاف.                                                                     

نديم أسـعد            

لقراءة باقي سلسلة مقالات أوراق من دفتر أيار:


 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter