نهاية
الأندلس
لقد تسارعت الأحداث في
الأندلس منذ إنتهاء الخلافة الأموية بشكلٍ محموم ، وقد جاء الإنهيار غير التدريجي
للخلافة في الوقت الذي ظهرت فيه صحوة أوربية معادية للإسلام مصحوبةً بإستعداد
لتحدي العالم الإسلامي ، بل وغزوه .
وتعاظمت ، بالتالي روح صليبية عميقة ، تركت إنعكاساتها على حرب الإسترداد
المستعرة في إسبانيا منذ القرن الثامن ، فأخذت شكلاً صليبياً بدورها حققت نتائج
كبيرة على الأرض.
وقد جاء المدد من المغرب،
حيث ظهرت حركتان إصلاحيتان دينيتان ، تحولتا إلى دولتين قادتا تحالفات إسلامية في
مواجهة تحالفات أوربية على مدى قرنين .
لقد تمكنت دولتي المرابطين والموحدين من تأخير إنهاء الوجود الإسلامي في
إيبيريا ، بل تمكن كلٍ منهما أن يحقق إنجازات كبيرة إتسمت بطابعها الدفاعي بالدرجة
الأولى ، ولم يكونوا يعملون على إستثمار الإنتصارات الكبرى التي حققوها سياسياً،
مثل معركة الزلاقة والأراك ، بل كانوا يكتفون بعقد هدنة يطلبها خصمهم، دون ضمان أن
تخدم الهدنة الخصم ليعاود الكرة ثانيةً.
وعلى عكس ذلك كان يفعل الإسبان، الذين كانوا يستثمرون إنتصاراتهم أفضل
إستثمار، مثلما فعلوا بعد معركة العقاب، فإستولوا على المدن والقلاع . لقد كانت معركة العقاب معركة صليبية نموذجية،
بل كانت حروب إسبانيا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أكثر صليبية من الحملات
الصليبية على الشرق. كما كان الطابع
الجهادي الإسلامي، بالمقابل، أكثر حدة من الشرق.
وكذلك كان حجم الكراهية المتراكمة بين الطرفين . لقد كان مجموع الخسائر البشرية في الزلاقة والأراك
والعقاب يعادل ربع مليون قتيل، لقد حدث هذا في جنوب إسبانيا قبل أول تفجير نووي
بسبعة قرون ونصف ، لقد كانت مذبحتين بكل المقاييس. لقد كان لتلك العصور قواعدها، ومن غير الإنصاف
محاكمتها بمقاييسنا المعاصرة.
محاكم
التفتيش
لم تكن محاكم التفتيش منتجاً
إسبانياً ، وإنما أوربياً ، كما لم يبدأ كأداة موجهة ضد المسلمين واليهود وإنما ضد
المسيحيين المختلفين مذهبياً مع روما، مثل الألبيجينسيين أو الكاثار، الذين شاعت
أفكارهم في جنوب فرنسا في القرن الثاني عشر لدرجة إضطرت البابوية لشن حملة صليبية
ضدهم. وقد رافق ذلك مرسوم بابوي صدر في
نهاية القرن الثاني عشر من قبل البابا لوسيوس الثالث.
أما في إسبانيا فقد بدأت محاكم
التفتيش تظهر في القرن الرابع عشر، كنتيجة لتعاليم كاهن كاثوليكي إسمه فيرانت
مارتينيز، التي تسببت بموجة معادية لليهود في إسبانية. ويذكر أن اليهود تواجدوا بأعداد كبيرة في
إسبانية قبل الفتح العربي، وكانوا قد تعرضوا لموجات من الإضطهاد والتنصير القسري
عقب تحول القوط إلى الكاثوليكية. وعاشوا
في ظل الحكم الإسلامي بوئام تام مع المسلمين والمسيحيين لدرجة ظهر منهم الكثير من
المبدعين. كما إعتاد البلاط الأرغوني
توظيف يهود في وظائف مهمة. لقد نجم عن
تعاليم مارتينيز تعميق الكراهية ضد اليهود، الأمر الذي جعل الكثيرين منهم يغادرون
البلاد، كما جعل كثيرين منهم يتحولون إلى المسيحية. ولكن تجربة الإسبان مع المسلمين الذين أُجبروا
على التحول إلى المسيحية في القرنين الماضيين، والذين كانت السلطات الكنسية
الإسبانية تشك في تحولهم كليةً، تطلبت إجراءات خاصة. لهذا ظهرت محاكم التفتيش لمراقبة المسلمين
واليهود والتأكد من أنهم تركوا دينهم تماماً، وتخلصوا من المعتقدات والعادات
والممارسات المرتبطة بالدين القديم ، ومعاقبة المخالف.
وكان التحول يفتح أبواب وظائف
حكومية رفيعة أمام المسلمين واليهود. وعند
دخول فردناند إلى غرناطة ، كان إثنين من كبار موظفي البلاط من المسلمين المتنصرين،
وقد كُلفا بالتفاوض مع موفد آخر سلاطين بني الأحمر على تسليم المدينة. كما كان وزير المالية من اليهود المتحولين
conversos
. وكان هؤلاء موضع شك من قبل الجميع ، كاثوليك
ويهود.
ولكن اليهود غير المتحولين كانوا يتهموا
بالتاثير على اليهود المتحولين ، فمثلاً تم الحكم بالحرق على أربعة من المتحولين
وإثنين من اليهود في العام 1491م. وبعد
ذلك بعدة شهور ، بعد الإنتهاء من غرناطة ، صدر قرار بطرد اليهود من إسبانيا، وكانت
محاكم التفتيش وراء هذا القرار. وقد هاجر
معظمهم إلى شمال إفريقيا والدولة العثمانية وأوربا .
وكان المتنصرون المسلمون يسمون
مورسكيين
moriscos
، وكانت معاناتهم شديدة جداً. وقد تركزوا في غرناطة وفلنسيا وأرغون. وقد تم تنصير جميع المسلمين في قشتالة سنة 1502
م ، أي بعد عشر سنوات من إستسلام غرناطة، التي تم ضمها لقشتالة. حدث هذا في زمن فردناند وإيزابيلا، الملكان
الكاثوليكيان اللذان وقعا معاهدة التسليم التي تنص على حرية العبادة، ضمن ضمانات
أخرى. أما المسلمين في مملكة أرغون
وفلنسية ، التي كانت متحدة مع قشتالة ولكن محتفظة بقوانينها الخاصة، فقد تم تنصير
المسلمين فيها سنة 1526م ، بقرار من الملك.
في البداية لم تدقق السلطات الكنسية
والمدنية كثيراً على مدى صحة تنصر المسلمين.
ويعود ذلك إلى أن المسلمين في أرغون وفلنسيا كانوا يعيشون في الأرياف، أي
تحت سيطرة وحماية وفي خدمة الإقطاعيين ، اللذين لم يأبهوا كثيراً لهذا الموضوع
. أما المسلمين في غرناطة فقد كانوا
أكثرية، على الرغم من ترحيل أعداد كبيرة إلى الداخل، وأي ضغط قد يولد عنه ثورة
تكلف كثيراً، خاصةً بعد أن توسعت الإمبراطورية العثمانية إلى شمال إفريقيا، التي
كانت في أوج قوتها.
وفي العام 1568 م ثارت غرناطة، وإستمرت
الثورة لمدة ثلاث سنوات ، وقمعت بمنتهى القسوة من قبل السلطات الإسبانية، مما مهد
لمحاكم التفتيش أن تنشط في أوساطهم.
وفي بداية القرن السابع عشر تم ترحيل مئات
الألوف من المورسكيين، ما بين السنوات 1609 و1614م بمساعدة الأسطول العثماني.
وكانت محاكم التفتيش تلجأ إلى التعذيب
للحصول على إعترافات، ويذكر هنا أن الفضل بإختراع الكثير من أدوات التعذيب
المستخدمة في سجون الأنظمة القمعية في العالم إلى اليوم يعود إلى إسبانيا القرن
السادس عشر. وكان كثيرٌ من المعتقلين
يموتون في السجن دون أن يعرفوا تهمهم أو من شهد عليهم بها.
وفي رسالة مطولة من مسلمي الأندلس تضمنت
أبيات شعرية تصف معاناتهم :
وقــد أمـــرنا أن
نســب نبــينا ولا نـذكرنه في رخاءٍ
وشدة
وقد سمعوا قوماً
يغنون بإسمه فأدركـهم منـهم أليـم
مـضرةٍ
وعاقبـهم
حـكامـهم وولاتـهم بضربٍ وتغريمٍ وسجنٍ وذلة
[1]
لقد سطرت محاكم التفتيش صفحات
مظلمة في التاريخ البشري وتركت إرثاً بغيضاً للأنظمة القمعية عبر القرون اللاحقة،
فقد إنتقلت آلياتها إلى العالم الجديد، لملاحقة السكان الأصليين المتمسكين بأسلوب
حياتهم.
سبتة
ومليلة
عندما تقدمت الجيوش الإسلامية
وفتحت المغرب الأقصى، كانت مدينة سبتة ولاية تتبع إسبانيا القوطية، وكان حاكمها
يوليان، الذي ساعد العرب أو شجعهم على فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد. وكان والي إفريقيا عندئذٍ موسى بن نصير، الذي
إستشاره طارق ووافق على خطة الفتح. وقد
بقي يوليان يحكم سبتة حتى وفاته ، حيث أصبحت جزءاً من المغرب الأقصى. وبقيت كذلك طوال عهود الخلافتين الأموية
والعباسية ، وفي عهد الدول التي تأسست في المغرب من موحدين ومرابطين وغيرهم .
وفي العام 1415م قامت البرتغال
بإحتلال المدينة تحت قيادة الأمير هنري الملاح، في زمن ملكها جون الأول. وفي العام 1580 م تم ضم مملكة البرتغال إلى
إسبانيا ، بعد حدوث فراغ ناجم عن مقتل الملك سباستيان ، الذي قُتل في معركة القصر
الكبير في المغرب سنة 1478، حيث كان الملك
البرتغالي يساند ملك مغربي ضد
آخر. فحاول أن يخلفه أخوه الكاردينال ولكنه لم يُعفى من قبل البابا. فآل العرش البرتغالي إلى العاهل الإسباني. عند ذلك هاجر الكثير من الإسبان إلى سبتة. وعندما إستعادت البرتغال إستقلالها بقيت سبتة
مع إسبانيا.
أما مليلة فقد تم إحتلالها سنة
1497م من قبل دوق صيدونيا. وقد حدث ذلك
بعد سقوط غرناطة بخمس سنوات، بينما كان أهل غرناطة لا يزالون يأملون بوصول نجدة من
العالم الإسلامي.
وفي العام 1499 قام الإسبان
بمهاجمة تطوان وتدميرها. كما أسس
البرتغاليون مدينة مزغان على الساحل المغربي عام 1506 ، وأستولوا على صافي سنة
1507 وأزمور سنة 1516 ، ثم مدوا سيطرتهم على مهران وبجاية وتلمسان ، كما تعمقوا في
البلاد خلف هذه المدن الساحلية
[2]
.
من هنا يظهر أن حرب الإستعادة
إمتدت إلى البر المغربي قبل سقوط غرناطة.
وهذا له دلالات هامة؛ لقد كان التفوق الأوربي العسكري واضحاً مما يتوجب على
المراقب تقدير صمود غرناطة إلى سنة 1492.
كما أن فضل الحفاظ على المغرب العربي قد يعزى إلى العثمانيين الذين سيطروا
على تونس والجزائر في بداية القرن السادس عشر.
جهود الدول الإسلامية
الدبلوماسية لإنقاذ غرناطة
لقد إعتاد أهل الأندلس ، منذ
إنهيار الخلافة الأموية ، حكامها وفقهاءها ، أن يطلبوا مساعدة حكام المغرب ،
إبتداءاً من المرابطين ثم الموحدين ثم بني مرين .
وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر كان المشرق مستنزفاً في حربه مع أوربا
. وفي المرحلة الأخيرة من الصراع بين
الإسبان والأندلسيين ، فيما يسميه الإسبان حرب الإسترداد " الريكونكويستا
" ، لم تعد في المغرب دولة قوية يمكنها تقديم المساعدة للإندلسيين ، بينما أصبحت
دول المشرق أكثر تفرغاً ، وكان بإمكان دول مثل دولة المماليك ودولة العثمانيين ، أن
تمدا يد المساعدة لما تبقى في الأندلس، في جنوبها، مملكة غرناطة.
وكما في السابق ، لم يكن طلب
المساعدة يقتصر على الحكام ، بل كانت المبادرة في الغالب تأتي من الفقهاء والكتاب
، الذين كانوا يخاطبون حكام المغرب بكلام معد سابقاً مصاغ بطريقة تثير حماستهم
وغيرتهم .
وفي تلك العصور كان موسم الحج
يخدم في تعريف المسلمين بأخبار بعضهم ، بل كانت فرصة لخلق رأي عام ، وتحريض
المسلمين ضد الحكام المتقاعسين في مساعدة إخوانهم في بلاد تتعرض للغزو . ولذلك كان متوقعاً من المماليك والعثمانيين أن
يهرعوا لمساعدة أهل الأندلس .
وكانت أرغون قد أقامت علاقات
تجارية مع المماليك ، وأقامت لنفسها مراكز تجارية في مدن الشام ومصر ، وحدث هذا
بعد أن توسعت أرغون في صقلية واليونان، وبعد السيطرة على دوقية أثينا.
وكانت الدولة العثمانية في حالة
حرب مستمرة مع الدولة البيزنطية وأمم البلقان وشرق أوربا. وقد واجهت الدولة العثمانية عدة حملات صليبية،
ومع هذا كانت أكثر جدية في مساعدة الأندلسيين من المماليك ، الذين كانوا منشغلين
في حروبهم الداخلية، التي كانت تتكرر عند تولي كل سلطان. وكان المماليك حريصين على ترسيخ فكرة قيادتهم للعالم
الإسلامي.
وقد إقتصر تفاعل المماليك على إرسال
رسائل وموفدين يطالبون حكام أرغون وقشتالة الكف عن مهاجمة غرناطة، وإضطهاد
رعاياهما من المسلمين. وكانت آخر سفارة
وصلت إلى بلاط الملكين الكاثوليكيين بينما كانا يقودان الحملة ضد غرناطة، وكانت
السفارة تتكون من راهبين فرانسسكانيين من القدس، وقد حملا ثلاثة رسائل من قايتباي
للبابا ولملك نابولي وللملك فردناند، ملك قشتالة وأرغون. وكانت الرسالة تحوي تهديد واضح، مفاده أن أستمرار
الإسبان في محاربة المسلمين في الأندلس، سيدفع المماليك إلى الإنتقام من مسيحيي
مصر والشام. ولم يأخذ الملك الإسباني هذا
التهديد على محمل الجد، وإستمر في حملته التي إنتهت بالسيطرة على غرناطة. لم يتعرض قايتباي للمسيحيين في الشام ومصر،
ولكنه أساء إلى التاريخ المشترك المتسم بالتسامح والتعاون والبعد عن التعصب.
وكان السلطان العثماني بايزيد
الثاني قد أرسل للسلطان قايتباي ، يعرض عليه السلام فيما بينهما والتعاون لمساعدة
أهل الأندلس ، ولكن المماليك رفضوا العرض، مثلما رفضوا عرض العثمانيين للتعاون ضد تيمورلنك
قبل ذلك.
ويبدو أن حكام قشتالة وأرغون
بلغهم أن هناك خطة لغزو صقلية وجنوب الأندلس من قبل العثمانيين والمماليك، وهذا ما
جعلهم يسارعون في السيطرة على ملقة، ميناء الأندلس المتبقي الوحيد. ويبدو أن أخبار عن قدوم مدد كانت تتردد
بإستمرار. وحتى في المعاهدة التي وقعت مع
غرناطة، أُعطت غرناطة فرصة أن يأتي جيش إسلامي ويساعدها. ولكن هذا لم يحدث.
صمود
غرناطة
كان بنو نصر، وهم من سلالة الصحابي سعد بن
عبادة، يسكنون حصن أرجونة الواقع بالقرب
من قرطبة. وبعد معركة العقاب وهزيمة
الموحدين وحلفائهم الأندلسيين، ثار زعيمهم محمد بن يوسف بن نصر، الملقب بإبن
الأحمر سنة 629 هـ ( 1232م)، فأطاعته جيان
وشريش ووادي آش وبياسة وكان يدعو للحفصيين الذين يحكمون في تونس. وعندما تمكن إبن هود من السيطرة على غرناطة
المجاورة تحالف معه إبن الأحمر ودخل في طاعته وإستمر على ذلك طوال عهد إبن
هود. ولكنه سيطر على غرناطة بعد وفاة إبن
هود سنة 635 هـ ( 1238م )
[3]
، وسيطر على مالقة وبايعه أهل لورقة وإستولى
على المرية، ولكنه لم يتمكن من السيطرة على إشبيلية، التي دخلها ثم ثار عليه
أهلها،
ملوك
غرناطة ومعاصريهم
|
ملوك أرغون
|
ملوك قشتالة
|
سلاطين بني مرين
|
ملوك غرناطة
|
هجري
|
ميلادي
|
جيمس 1
|
فردناند 3
|
عثمان
|
محمد بن الاحمر
|
635
|
1238
|
محمد 1
|
645
|
1248
|
الفونسو 10
|
ابو يحيى /عمر
|
655
|
1257
|
ابو يوسف
|
665
|
1267
|
بيدرو 3
|
محمد 2
|
675
|
1277
|
ألفونسو 3
|
سانشو 4
|
ابو يعقوب
|
685
|
1286
|
جيمس 2
|
فردناند 4
|
695
|
1296
|
ابو ثابت/ابو ربيع
|
محمد
3/ نصر
|
705
|
1306
|
الفونسو 11
|
ابو سعيد عثمان
|
اسماعيل
|
715
|
1315
|
الفونسو 4
|
محمد 4
|
725
|
1325
|
ابو الحسن علي
|
يوسف 1
|
735
|
1335
|
ابو عنان
|
745
|
1345
|
بدرو
|
محمد 2/أبو سالم
|
محمد 5
|
755
|
1354
|
|
ابو عمر/ محمد3
|
اسماعيل 2/محمد6
|
765
|
1364
|
هنري
|
|
775
|
1374
|
جون 1
|
جون 1
|
محمد 4/محمد 5
|
785
|
1383
|
مارتن
|
هنري 3
|
احمد/عبد العزيز 2
|
795
|
1393
|
|
جون 2
|
عبد الله/ عثمان 3
|
805
|
1403
|
فردناند 1/الفونسو 5
|
|
|
815
|
1412
|
|
|
عبد الحق
|
825
|
1422
|
|
|
|
835
|
1432
|
|
هنري 4
|
|
845
|
1442
|
|
|
|
855
|
1451
|
جون 2
|
|
|
865
|
1461
|
|
إزابيلا/ فردناند 5
|
|
875
|
1471
|
فردناند 2
|
|
|
885
|
1480
|
|
|
|
895
|
1490
|
|
|
|
|
905
|
1500
|
|
|
|
|
915
|
1509
|
|
|
|
|
925
|
1519
|
فبنى دولة في جنوب الأندلس ،
وأخذ يحصنها ويقوي جيشها ويوطن المشردين من المدن التي سقطت بيد الإسبان فيما
حولها
[4]
.
لقد حدث هذا أثناء هجمة أوربا
على الأندلس ، فإشبيليا التي منعت إبن الأحمر من حكمها سقطت في يد الإسبان في
العام 648 هـ ( 1248 م ). كما سقطت مدن
أخرى مثل فلنسية وشاطبة وجيان ، وقبلها قرطبة وطليطلة، ولكن غرناطة صمدت.
وقد تجمع في دولة بني الأحمر،
كما أصبحت تسمى، أعداد كبيرة من المهاجرين من المدن التي تم إستيلاء الإسبان عليها
[5]
.
وكان هناك ثلاث خيارات، أُضيف إليها رابعاً فيما بعد ، أمام سكان هذه المدن
؛ إما مغادرة الأندلس ، أو الإنتقال إلى غرناطة أو البقاء تحت حكم الإسبان، وهؤلاء
سموا المدجنين . أما الخيار الرابع فقد
وُجد فيما بعد، عندما بدأ الضغط الممنهج يمارس عليهم للتحول إلى المسيحية.
تجمع أعداد كبيرة من الفارين في
غرناطة وإقليمها ، فقام إبن الأحمر بإستيعابهم بطريقةٍ فذة . فقد عمل على بناء المدن والقرى وإستصلاح
الأراضي وإقامة المشاريع المائية ، فبنى إقتصاداً قوياً قائماً على الإنتاج
الزراعي والحيواني والصناعي ، كما بنى جيشاً كبيراً، وهذا ما مكنه من إيقاف إندفاع
الإسبان وحلفائهم الأوربيين ، ومكنهم كذلك من الصمود لمدة قرنين ونصف . وقد ساعد على ذلك تنوع تضاريس " الأندلس
الصغرى " ، كما تسمى إقليم غرناطة .
فقد كانت جبلية وسهلية وساحلية وتحتوي الأنهار والأودية ، وتمتلك الموارد
المائية والأراضي الخصبة .
كما إهتم بالبناء ، وكان من
آثاره قصر الحمراء الجميل . ثم بنى الحصون
والمستشفيات والمساجد. فأصبحت غرناطة تحوي
نشاطاً علمياً وتجارياً وفكرياً فريداً ، وكانت تربطها علاقات تجارية مع جنوة
وغيرها من الدول الأوربية ، كما حافظت على علاقات متينة مع المغرب .
ومع هذا إضطر إبن الأحمر إلى
مهادنة الإسبان فتنازل لهم عن بعض الأقاليم، وكان يدفع لهم إتاوة منتظمة .
وفي هذه الأثناء كان يحكم في
المغرب بنو مرين ، الذين طلب إبن الأحمر مساعدتهم ، فقد كانت غرناطة تواجه تحالفاً
أوربياً كبيراً.
مشيخة الغزاة
وقد أُقيمت مشيخة الغزاة كنتيجة
للتفاهم بين بني مرين وبني الأحمر وحرصهما على دفع خطر الإسبان. فخصص سلطان غرناطة مكاناً لتجمع المجاهدين القادمين
من المغرب، كما تسلم قيادتهم بنو العلاء، وتربطهم قرابة مع سلاطين بني مرين، فكان
أول من تولى منصب " شيخ الغزاة " عبد الله بن ابي العلاء ، حتى إستشهد
سنة 693 هـ ، فتسلمها أخوه عثمان بن أبي العلاء
[6]
.
وقد قاد الجيش الإسلامي للدفاع عن المرية ، التي هاجمها جيشا فرناندو
الرابع ملك قشتالة وجيمس الثاني ملك أرغون ، على الرغم من وجود معاهدة بين أرغون
وغرناطة . فنجح في فك الحصار الإسباني عن
المرية ، ولكنهم إستطاعوا الإستيلاء على جبل طارق .
المُرابطة
وبالإضافة إلى مشيخة الغزاة ،
كان هناك نظام المرابطة ، الذي بدأ بالشام في القرن الثاني للهجرة. حيث أقيمت حصون
عديدة على حدود دولة غرناطة وكان يرابط فيها متطوعون من خارج الأندلس، وقد شاهد
إبن بطوطة عند زيارته للأندلس، مرابطين من قوميات مختلفة بينهم فرس. وقد ساعد هذا النظام على بقاء قرناطة وصمودها،
ولكنه لم يرتقي، كنظام
order
إلى مستوى نظم الفرسان الأوربية، بحيث يكون له تركيبه التنظيمي وقانونه
وتقاليده.
بنو
مرين
قامت
الدولة المرينية بجهود أبناء قبيلة زناتة، التي لم تكن على وفاق مع دولة الموحدين،
مما حدا بها إلى ال
هجرة إلى الجنوب، حيث
كانوا يمكثون معظم أشهر السنة في الصحراء، ويتجهون شمالاً إلى الأراضي ذات المناخ
الأكثر إعتدالاً في الصيف. وقد كانوا
قبيلة كبيرة العدد قادرة على حشد عدد كبير من المقاتلين. وعندما شعروا بضعف الدولة الموحدية تشجعوا وهبوا
للسيطرة على الحكم والبلاد. وكان المرابطون
والموحدون إعتمدوا في الوصول إلى الحكم على كلٍ من قبيلتي لمتونة ومصمودة .
كانت
بداية حركتهم سنة 613 هـ ( 1216 م ) تحت قيادة عبد الحق بن محيو ( 1195 – 1217 )،
الذي تمكن من السيطرة على مكناس وتازا ، ثم تدعمت أركان الدولة في عهد إبنه عثمان
بن عبد الحق ( 1217 – 1240 ) ، وفي عهد أخيه يعقوب بن عبد الحق المريني تم وضع
نهاية لحكم الموحدين سنة 668 هـ ( 1269م ) بعد أن إستولى على عاصمتهم مراكش . وقد بنى ضاحية جديدة بمدينة فاس، سماها فاس
الجديدة، وإتخذها عاصمة وتلقب بأمير المسلمين.
لم
تستند الدولة المرينية على حركة فكرية مثل دولتي المرابطين والموحدين، ولكنها لم
تكن أقل منهما تمسكاً بأولويات الأمة، ولذلك كان تجاوبها لصريخ أهل الأندلس فوري
وبدون تردد. فقد وصل وفد الأندلس إلى بلاط
السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني ( 1259 – 1286 )، وكان قد إنتهى من حروبه مع الموحدين،
فرحب بهم ووعدهم خيراً. فقام بتجهيز جيش
سلم قيادته لإبنه أبي زيان، فعبر إلى طريف في الأندلس، وبعد ثلاثة أيام إنغمسوا في
القتال مع الإسبان وحلفائهم، فقد كان معظم جنوب إيبيريا بيد الإسبان. وسجلت الإشتباكات الأولى جميعاً إنتصاراً للجيش
المغربي ، الذي سرعان ما تعزز وجودهم بجيش آخر بقيادة السلطان نفسه ، الذي قام
بعمل ترتيبات مع أمير تلمسان يغمراسن بن زيان ، الذي كان يناوءه العداء، فبعث إليه
" في السلم تفرغاً للجهاد وتوفراً على عدو الملة ، وأجابه بالموافقة "
[7]
. فعبر إلى الأندلس بجيش كبير سنة 674 هـ ( 1275م
)، حيث خصص له إبن الأحمر مواقع محددة لينزل بها جيشة.
ثم بدأ
يطلق الجيوش لتحارب الإسبان فإستعادوا حصون كثيرة، وحققوا إنتصارات عديدة. ثم تجمع جيشٌ إسبانيٌ كبير بقيادة " ذننه
" ( دون نونيو ) أمير إشبيلية وصهر ألفونسو العاشر
[8]
، وإلتقى
الجيشان وهُزم الإسبان وقُتل قائدهم وأُخذ آلاف الأسرى . ثم هاجم نواحي إشبيلية وشريش وعاد إلى الجزيرة
الخضراء حيث معسكره. وهناك بنى مدينة لتكون قاعدة عسكرية دائمة. وعاد إلى المغرب.
وفي
نفس الوقت كان إبن الأحمر يقود جيشه على جبهة جيان إلى الشمال من غرناطة، فإلتقى
بسانشو ( شانجة ) ملك أرغون، فهزم الأرغونيين ووقع ملكهم بالأسر، حيث تم قطع رأسه
حسماً لخلاف أوشك أن يدب حول ماذا يصنع بالأسير، أيرسل إلى السلطان المريني أم لا
؟. وقد حدثت هذه المعركة في عهد الملك
جيمس الأول ، الذي مات ميتة طبيعية في بلنسية في تموز 1275، بعد تقاعده بقليل، وقد
عاش 68 سنة، وكان له أولاد كثر، شرعيين وغير شرعيين، وكان قد أرسل إثنين من غير
الشرعيين في حملة صليبية إلى الشرق، وكان يفضلهم على أبناءه الشرعيين، وكان من بين
أبناءه سانشو أسقف طليطلة وفرناندو سانشيز، بارون كاسترو، الذي توفي عام 1275، وقد
يكون هو قتيل معركة جيان، التي حدثت بنفس السنة، وليس ملك أرغون كما ذكرت المصادر
العربية.
وبعد
سنتين عاد السلطان لمقارعة الإسبان. فداهم
إشبيلية وشريش، وإن لم يستولي على المدن فقد دمر العديد من الحصون. ثم توجه إلى قرطبة بالإشتراك مع جيش غرناطة ،
فحاصروها وإمتنع أميرها عن المواجهة ، ثم طلب الصلح. فترك السلطان يعقوب القرار لإبن الأحمر، الذي
أشار عليه الفقهاء بقبول الصلح. فرجعوا
عنها. وعاد السلطان إلى المغرب في سنة
697هـ ( 1297م ).
وإستمر
بنو مرين بدعمهم لأهل الأندلس وبالتعاون مع بني الأحمر، وإن لم تتخلل هذه العلاقة
بعض الشوائب والمنغصات. ولكنهم إستطاعوا
إعادة الهيبة للمسلمين في الأندلس وقللوا من إحتمال ضياع غرناطة أو الأندلس الصغرى
كما سُميت وتوقف الإنحسار
[9]
.
ففي
عهد أبي الحسن علي بن عثمان ( 1331 – 1351 ) حقق المرينيون إنتصاراً كبيراً في
معركة بحرية بالقرب من جبل طارق ، ولكنهم خسروا معركة برية على ضفاف نهر صلاد في
سنة 1340 م بالقرب من طريف في أقصى الجنوب. وقد قاد المعركة ألفونسو الحادي عشر،
قتيل الطاعون، ملك قشتالة وألفونسو الرابع ملك البرتغال، الملقب بالشجاع. وقد تراجع المرينيون إلى الساحل الإفريقي على
أثر المعركة. وحكم بعده إبنه أبو عنان
فارس، الذي كان آخر أمراء بني مرين الذين يستحقون الذكر. فقد كان محباً للعلم وبنى مدرسة في مكناس.
وقد
إستطاع أبو الحسن التوسع شرقاً لغاية تونس ، ولكنه إضطر لإخلاءها بعد أن مني
بهزيمة على يد القبائل العربية في تونس.
وفي عهده عاد الرحالة إبن بطوطة إلى طنجة منهياً رحلته.
وفي
هذه المرحلة بدأ الحكام الإسبان والبرتغاليون يطمعون في الأراضي المغربية.
صمدت غرناطة، ويعد صمودها مثاراً
للدهشة حيث أنها كانت مستهدفة من كل الدول الإسبانية، كما كانت مرفوضة
أوربياً. وكانت أقل حجماً وأضعف موارداً
من أيٍ من الممالك الإسبانية منفردة، على
الأقل قشتالة وأرغون والبرتغال.
وقد
كان لدى غرناطة بعض نقاط القوة التي ساعدتها على البقاء هذه المدة الطويلة، من
بينها وعورة الأرض حولها ومناعة موقعها وقربها من المغرب حيث كانت تأتيها
المساعدات سريعاً. كما ساعد على بقاءها
تجمع اعداد كبيرة من الأندلسيين الهاربين من الإجتياحات الإسبانية المتعاقبة،
والذين نجح بنو الأحمر من تحويلهم من أعباء إلى موارد بشرية ترفد الجهد الإقتصادي
والعسكري بالمال والرجال. كما أن بطش
الإسبان وسوء معاملة أبناء المدن المحتلة خلق تصميم لدى الأندلسيين المجتمعين في
غرناطة للقتال حتى آخر رجل.
سلاطين
بني الأحمر
محمد
بن يوسف ( الأول )، إبن الأحمر، مؤسس الدولة ( 629 – 672 ) ( 1231 – 1273 ). وكان
محارباً متمرساً ميالاً للتقشف ، وعرف بالحزم والإقدام . سيطر على جيان ثم على غرناطة ، التي إتخذها
عاصمة له وبنى فيها قصر الحمراء الشهير. وقد حظي بتأييد غالبية رعيته، وإستطاع
إرساء قواعد دولة في ظروف غير مستقرة. وقد
عاصر ملوك إسبان أقوياء مثل فردناند الثالث وجيمس الأول. وقد إنتصر على جيمس الأول ، ملك أرغون في معركة
قرب حصن بليلش سنة 643 هـ ( 1245 م )
وتصالح معه بعد ذلك. وكان في العموم يعمل
على تجنب الإصطدام مع الإسبان
[10]
.
تذكر
بعض المصادر الأوربية أنه توصل إلى ترتيب مع ملك قشتالة فردناند الثالث ، بحيث يدفع
له إتاوة مقابل إستقلال غرناطة.
وخلفه
إبنه محمد الثاني الفقيه (672 - 701 ) (
1273 – 1302 )، وفي عهده هاجم الملك القشتالي ألفونسو العاشر مملكة غرناطة،
فقام محمد الثاني بطلب مساعدة السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق وذلك بالتوجه
شخصياً إلى المغرب، فأرسل السلطان يعقوب جيشاً بقيادة إبنه أبو زيان وحقق إنتصارات
عديدة على عددٍ من المواقع القشتالية. ثم
عبر السلطان نفسه المضيق إلى الأندلس على رأس جيشٍ كبير، ونجح بإستعادة عدد من
الحصون من الإسبان. و أسس قاعدة عسكرية
دائمة في البر الإندلسي قبل أن يعود إلى المغرب.
وفي
عهده قام دون نونيا، كما ذكرنا سابقاً،
بمهاجمة أراضي غرناطة ومني بهزيمة.
وهنا أود
أن أذكر ملاحظتين ؛ الأولى أن دون ، وهو لقب إسباني ، كان الأندلسيون يلفظونه إما
ذون أو ضون تجنباً لكلمة دون والتي تعني وضيع بالعربية، وهم بذلك يتأدبون حتى مع
أعدائهم . والملاحظة الثانية أن كثير من
الحروب التي خاضها الأندلسيون مع أطراف إسبانية لم تكن بالضرورة مع الممالك
الإسبانية وإنما كان كثيرٌ منها مع الأمراء الإقطاعيين الذين كانت لديهم جيوشهم وإمكانياتهم وأجنداتهم الخاصة.
وقد
حقق التحالف المريني الغرناطي إنتصارات كثيرة تتوجت بطلب الملك ألفونسو العاشر عقد
معاهدة سلام. فقد حاصروا إشبيلية ثلاث
مرات وحاصروا قرطبة مرة، وفي كل مرة إستولوا على حصون حول المدينتين. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، وعلى الرغم من
تنازل السلطان يعقوب عن الغنائم لأهل غرناطة، وقعت الوحشة بين العاهلين، وتخوف
النصري من المريني على عرشه. عند ذلك إتصل
محمد الثاني بألفونسو العاشر، الذي قام بنقض إتفاقه مع المرينيين وهاجم الجزيرة
الخضراء وضرب عليها الحصار. فحشد السلطان
يعقوب جيوشه وأساطيله للدفاع عن المدينة المحاصرة، مما جعل محمد الثاني يندم على
تصرفه وندب جيشه وأسطوله بإتجاه الجزيرة الخضراء للمساعدة في فك الحصار عنها، عند
ذلك إنسحب الجيش القشتالي وفك الحصار.
ثم حدث
ما لم يكن في الحسبان. فقد إستنجد ألفونسو
العاشر بالسلطان يعقوب المريني سنة 681 هـ ( 1282 م )، حيث ثار عليه إبنه سانشو، وطلب دعم
السلطان المريني. ولكن محمد الثاني النصري
تحالف مع الإبن سانشو، بينما قام السلطان يعقوب بمساعدة الملك ألفونسو العاشر
بالمال والعساكر فقضوا على الثورة. ثم تصالح يعقوب مع محمد لحرصهما على الوحدة ولضرورتها،
وقبل مغادرة الأندلس إلى المغرب قام يعقوب بتأسيس مشيخة الغزاة على أرض الأندلس
بالتنسيق مع محمد الثاني.
وفي
العام 1284 مات ألفونسو وفي العام 1286 مات يعقوب، أما محمد الثاني فقد إستمر
بالحكم لغاية العام 1302م، حيث عاصر حكم سانشو الرابع وفردناند الرابع. كما عاصر حكم يوسف بن يعقوب ، سلطان بني مرين ،
وكانت علاقاتهما حسنة وقاما بأعمال حربية مشتركة نجم عنها إستعادة بعض الحصون من
الإسبان. وقد كان حاكماً محنكاً نظم شؤون
الدولة، وكان محباً للعلم والعلماء.
ثم
تولى الحكم بعده أبو عبد الله محمد الثالث
بن محمد الثاني ( 701 – 708 ) ( 1302 – 1309 )، الذي سار على نهج أبيه بعد
أن تدرب على العمل السياسي والعسكري وإدارة الدولة، ولكنه كان ضعيف البصر. وفي زمنه فُتحت مدينة المنظر وسبيت أميرتها ،
كما إستولى بنو نصر على سبتة في البر المغربي.
كما قامت في عهده ثورات من قبل بعض أبناء عمومته، إستغلها فردناند الرابع،
ملك قشتالة وجيمش الأول، ملك أرغون وهاجما المملكة وإستوليا على أجزاء منها. وقد لجأ محمد الثالث إلى دفع مبلغ كبير للملكين
الإسبانيين لإخلاء المناطق التي إستوليا عليها، فأغضب هذا رعيته، كما أغضب السلطان
المريني يوسف
[11]
.
وتم
خلعه وتنصيب أخاه نصر أبا الجيوش (708 – 713) ( 1309 – 1314 ). وفي
عهده هاجم القشتاليون الجزيرة الخضراء ، كما هاجم الأرغونيون المرية وحاصروها . فقام أبو الجيوش بالتصالح مع المرينيين، وأعاد
لهم سبتة وصاهرهم، فتزوج أبو الربيع المريني إحدى شقيقات نصر. عند ذلك قام السلطانان برد الملكين الإسبانيين
عن الجزيرة الخضراء والمرية. وبعد أن إستتبت الأوضاع مع الإسبان ثار على السلطان
إبن عمٍ له ، هو أبو الوليد إسماعيل ونجح في عزله
[12]
.
وتسلم
الحكم إسماعيل ( 713 – 725 ) ( 1314 – 1325 )، بعد أن أرغم نصر على التنازل، وقد
كان وافر العزم وهو حفيد إسماعيل بن يوسف
بن الأحمر، أخو مؤسس الدولة.
وفي
زمنه وقعت معركة مشيخة الغزاة سنة 718 هـ ( 1318 ). وكان جيش قشتالي كبير قد زحف على غرناطة بقيادة
دون بيدرو ودون خوان، الوصيين على عرش ألفونسو الحادي عشر، فبادر إلى طلب مساعدة
السلطان المريني فلم يجبه ابو سعيد المريني لعدم إستجابة إسماعيل لمطالب معينة
طلبها منه. وكان في الجيش القشتالي
متطوعين إنكليز. وحدث اللقاء قرب غرناطة. وكان جيش المسلمين يعد ستة آلاف مقاتل بقيادة
شيخ الغزاة أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء ، فهُزم القشتاليون وقتل بيدرو وخوان
وتجاوز عدد القتلى الخمسين ألف بينهم معظم أمراء الجيش قتلاً وغرقاً ، بينما خسر
المسلمون ثلاثة عشر مقاتلاً
[13]
، فقد كانت
من أغرب المعارك من ناحية النتائج مع عدم تكافؤ العدد. ويلاحظ هنا أن موقف مشيخة الغزاة لم يكن
مشابهاً لموقف بني مرين . كما يلاحظ خروج
المسلمين للدفاع عن غرناطة بقوة صغيرة ولكن محترفة ومتفانية من المقاتلين ،
فأحرزوا نصراً في زمن عزت فيه الإنتصارات.
قتل
السلطان إسماعيل غيلة بعد عودته من غزوة مرتش التي إستعادها بها ، على يد إبن عمه.
وحكم
بعده إبنه محمد الرابع بن إسماعيل ( 725 – 733 ) ( 1325 – 1333). وقد كان شجاعاً
مقداماً محباً للشعر والصيد، وفي زمنه إستطاع الغرناطيون والمرينيون أن يستعيدوا
جبل طارق وحصون عديدة أخرى من قشتالة، ولكنه قتل أثناء عودته من حرب إستعادة جبل
طارق، فخلفه أخوه أبو الحجاج يوسف ( 733 – 755 ) ( 1333 – 1354 )، الذي كان بعيد
الهمة عالي الخلال شاعراً عالماً محباً للعلوم والفنون، وقد أضاف إلى قصر الحمراء
مباني جديدة. وقد جرت في زمانه معركة
بحرية شاركت فيها قشاتلة وارغون والبرتغال في المضيق سنة 740 هـ ( 1339 م ) شارك
فيها المرينيون والحفصيون والأندلسيون وأساطيل إسلامية أخرى ، وإنتصر فيها
المسلمون وغنموا سفن قشتالية وأرغونية عديدة
[14]
. وعلى أثرها تجمعت قوات قشتالية وأرغونية
وبرتغالية وإنكليزية وغيرها بتأييد ودعم من البابا كلمنت السادس فنزلت إلى الساحل
وتوغلت في مملكة غرناطة ، فحشد المسلمون قواتهم بقيادة السلطان المريني أبي الحسن
بن علي وسلطان غرناطة وإلتقوا مع القوات الإسبانية بالقرب من طريف، فخسر المسلمون
المعركة على الرغم من إستماتتهم في القتال وإستخدامهم المدفعية ، أو نوعاً بدائياً
من المقذوفات، يسمى " الأنفاط "
[15]
. لم يتفق العرب والإسبان على تسمية المعركة، فقد
سماها الإسبان معركة
Salado
، لوقوعها على ضفة نهر يحمل هذا الإسم، بينما سماها المؤرخون العرب
معركة طريف لوقوعها بالقرب من بلدة طريف.
وقد شهد المعركة عددٌ من العلماء أُستشهد بعضهم. وقد أخذ الإسبان أعداداً
كبيرة من الأسرى، تم التفاوض فيما بعد على إطلاقهم .
وفي مواجهة لاحقة مع جيش قشتالة تمكن من
الإستيلاء على الجزيرة الخضراء سنة 743 هـ ( 1342م)، على الرغم من جهود السلطان
يوسف لإنقاذها.
ثم وقع
الطاعون الكبير الذي توفي فيه ألفونسو الحادي عشر، وكان هذا سبباً في إنسحاب الجيش
القشتالي، وفرض فترة من الهدوء، حيث تفرغ الطرفان للعق جراحهم التي أحدثها الطاعون
دون تمييز.
توفي
السلطان طعناً من قبل مجنون أثناء الصلاة يوم عيد الفطر، وكان عهده مستقراً
داخلياً ، فلم يثر عليه أحد. وقد وزر له
لسان الدين بن الخطيب، الأديب والكاتب المشهور.
وورثه
ابنه محمد الخامس ( 755 – 760 ) ( 1354 – 1359 ) وقام إبن أخيه إسماعيل الثاني (
1359 – 1360 ) بعزله ، فإنتقل للعيش في فاس.
ولم يحكم إسماعيل أكثر من سنة ، حيث عُزل بدوره على يدي صهره محمد السادس
بن إسماعيل ( 1360 – 1362 )، الذي كان معروفاً لدى الإسبان بإسم البرميخو ، ومعناه
اللون البرتقالي، بسبب لون لحيته، مما يدلل على مدى إختلاط الأعراق في شبه الجزيرة
الإيبيرية.
ثم عاد
الغني بالله محمد الخامس ( 1362- 1391 ) ثانيةً ليحكم تسعاً وعشرين سنة بعد أن
إستطاع أن يستعيد عرشه ويخلع محمد السادس، وليقيم مباني حيوية عديدة مثل مستشفى
ومدرسة وقصر السباع. وقد أرسل إبن خلدون، الذي أعانه على إستعادة عرشه ، ليفاوض
بيدرو القاسي، ملك قشتالة لعقد الصلح ، فورد عليه في إشبيلية. ويذكر إبن خلدون ، الذي يعود لأصول أندلسية وكان
في زيارة لغرناطة، أن الملك القشتالي عرض عليه أن يعيد إليه ممتلكات أجداده مقابل
أن يعمل لديه، ولكنه رفض
[16]
.
وفي
عهده نشبت حرب بين قشتالة وأرغون، تدخلت بها إنجلترة وفرنسا، فإغتنمها محمد الخامس
وقام بإستعادة عدة حصون ومدن من بينها الجزيرة الخضراء سنة 770 هـ ( 1369م )،
ولكنه هدمها خوفاً من إستيلاء الإسبان عليها.
وفي عهده
إزدهر إقتصاد غرناطة، فقد تطورت صناعة الأسلحة والصوف والحرير والجلود والأدوية
والعطور والأصباغ والخزف
[17]
، وقد
إستفادت غرناطة من إنشغال الإسبان ببعضهم لمدة عشرين سنة . وقد كان حاجبه إبن زمرك لمدة ستة وثلاثين سنة ،
وكان شاعراً ، وقد أنشده ستاً وستين قصيدة في ستٍ وستين عيد.
وخلفه
أبو الحجاج يوسف الثاني ( 793 – 795 ) ( 1391 – 1393 ) ، وقد مات مسموماً حسب بعض
الروايات ، وحدثت في عهده تحرشات متبادلة بين غرناطة والإسبان.
ثم
خلفه محمد السادس ( 795 – 810 ) ( 1393 – 1408 ) الذي بدأ عهده بحبس أخاه الأكبر
يوسف بن يوسف ، كما قام بقتل إبن زمرك الكاتب الشاعر الذي خدم أباه لمدة طويلة،
ويذكر هنا أن لسان الدين بن الخطيب ، الكاتب ، مات خنقاً في عهد أبيه أيضاً . وقد كان محمد السادس عنيفاً جريئاً طموحاً
شجاعاً ، قام بمهاجمة حصون قشتالية عديدة ولكنه وقع إتفاقية هدنة مع ملك قشتالة
جون الثاني ، ولم تصمد هذه المعاهدة بسبب الوصي على العرش القشتالي الذي هاجم حصن
الصخرة وإستولى عليه ، فقام محمد السادس بمهاجمة شرق قشتالة. وقبل أن يموت في العام 1408 وقع هدنة أخرى، كما
كانت هناك هدنة أخرى مع مملكة أرغون.
وبعد
وفاته أُخرج أخاه يوسف الثالث ( 810 – 820 ) ( 1408 – 1417 ) من السجن ووضعه على
العرش، وكان محبوباً مجانباً للظلم مسالماً عطوفاً . وفي عهده إنتزع الوصي على العرش القشتالي مدينة
أنتيكويرا ، وأصبح هذا الوصي يسمى بفردناند دي أنتيكويرا. وفُرض على غرناطة معاهدة يصبح بمقتضاها سلطانها
تابعاً لملك قشتالة
[18]
. والتابع
vassal
بمقتضى نظام الإقطاع
الأوربي أمير شبه مستقل في أمارته يلتزم بحشد جيشه للمشاركة في حروب الملك، كما
يلتزم بدفع مبلغ مالي سنوي.
وورثه
إبنه محمد السابع ( 820 – 857 ) ( 1417 – 1453 ) ألملقب بالأيسر، وقد عزل عن العرش
خمس مرات أثناء حكمه الطويل، وكان مكروهاً من شعبه. فكثرت الثورات ضده، فثار عليه وزيره يوسف بن
سراج، فإستغلها جون الثاني ( خوان ) وهاجم أراضي غرناطة، فلم يظهر الأيسر مقدرة في
مواجهة الموقف مما دفع وجهاء غرناطة إلى عزله وتنصيب إبن أخيه ، محمد بن محمد بن
يوسف الثالث ، ففر الأيسر إلى تونس سنة 831 هـ ( 1428 م ). ولم يتمكن السلطان الجديد من إخماد الثورة، حيث
فر قائدها يوسف بن سراج إلى إشبيلية.
أمام
هذا الوضع المعقد أرسل وجهاء غرناطة إلى
الأيسر، الذي كان قد راسل ملك قشتالة طالباً مساعدته في إستعادة حكمه، فحضر من
منفاه في تونس بصحبة مجموعة من الفرسان زوده بها السلطان أبو فارس الحفصي، فنزل في
المرية ، فأرسل له السلطان محمد جيشاً لمقاتلته ، فإنحاز جنود غرناطة إلى جانب
الأيسر. ثم دخل غرناطة وقتل إبن أخيه،
الذي حكم سنتين.
وبعد
أن إستقر الأيسر في غرناطة ، أرسل الملك القشتالي يطالبه أن يدفع له ما أنفقه في
سبيل إعادته إلى عرشه، ويطالبه بالدخول في طاعته ودفع جزية سنوية، فرفض ذلك الأيسر. فقام ملك قشتالة جون الثاني بمهاجمة مملكة
غرناطة والإستيلاء على أريولة سنة 834 هـ ( 1431م ).
وفي
العام 839هـ ( 1436 ) ثار يوسف الرابع بن المول بن محمد الخامس بدعم من قشتالة،
حيث تمكن من هزيمة جيش الأيسر، الذي فر إلى مالقة هذه المرة. ثم دخل إبن المول غرناطة وأعلن نفسه سلطاناً،
كما أعلن ولاءه للملك القشتالي ووافق على دفع جزية سنوية مقدارها عشرين ألف دينار
ذهباً وتقديم ألف وخمسمائة فارس للملك وتعهد بحضور إجتماعات مجلس النبلاء القشتالي
cortes
. فتسبب ذلك بنقمة الأندلسيين مما سهل مهمة
الأيسر الذي كان يسعى بشتى الطرق لإستعادة تأييد قادة الرأي حشد الحلفاء، فشن هجوماً
على غرناطة وتمكن من دخولها وقتل إبن المول، الذي لم يحكم أكثر من ستة أشهر.
فقام الملك القشتالي بإستئناف
تحرشاته، وقام بعدة هجمات ضد مواقع أندلسية، وإستطاع الجيش الغرناطي من صدهم عن
أكثر من مدينة وحصن، وفي العام 838 هـ ( 1434م ) تمكنوا من أخذ أسرى من الجيش
القشتالي، في بعض المواجهات.
وفي هذه الأثناء كانت الدولة
المرينية قد ضعفت، فأرسل الأيسر يطلب مساعدة المماليك، فأرسل له السلطان جقمق
أموال وأسلحة. ولم يتمكن السلطان جقمق من
إرسال جيش لإنشغاله بالتعامل مع جزيرة رودس، التي كانت منطلقاً لغارات صليبية على سواحل
الشام ومصر.
لم يكن أمام الأيسر سوى قواه
الذاتية للتعامل مع قشتالة، التي إزدادت شراسة لدى تسويتها لمشاكلها مع
أرغون. فتمكن القشتاليون من الإستيلاء على
عدة حصون . وسرعان ما إتفق الطرفان على
هدنة ، وقد دفع ملك قشتالة إلى ذلك بسبب تجدد القتال مع نبلاءه، بينما لم يكن
الوضع الداخلي مستتباً تماماً للأيسر بسبب تعاليه وقسوته. وقد سبب ذلك في إنفضاض الكثير من الفرسان من
حوله، لدرجة لجوء بعضهم إلى قشتالة. ثم
ثار عليه إبن أخيه محمد بن نصر المعروف بالأحنف، الذي تمكن من القبض عليه وسجنه
وتولي الحكم من 844 إلى 858 هـ ( 1441 – 1454) ، وفي عهده إستمر القتال بين غرناطة
وقشتالة.
ولكن الأيسر تمكن من إستعادة عرشه،
وهذا غير مستغرب في الأندلس حيث كان يسود مزاج سياسي شديد التقلب.
وبعد سنة من إستعادة عرشه ثار
عليه إبن أخته يوسف بن أحمد بن نصر، الذي تمكن من الإستيلاء على الحكم سنة 849 هـ
( 1445م ). ثم ما لبث الأيسر أن إستعاد عرشه
في العام 851 هـ (1447).
ومن الغريب أن الأندلسيين،
الذين نعموا بفترة قصيرة من الإستقرار النسبي، إستطاعوا إستعادة العديد من الحصون
التي فقدوها مؤخراً، كما ألحقوا هزائم عديدة بجيوش قشتالة وأمرائها.
ففي العام 854هـ ( 1450م) نشبت
ثورة في مالقة، وكان الثوار يأملون في مساعدة قشتالة لهم، ولكن ثورة مشابهة قامت
في قشتالة منعت ذلك، فلم يكن جون الثاني أفضل من محمد السابع ( الأيسر )، فقد كان
كليهما يسيء معاملة كبراء دولته. ولكن
محمد السابع إستطاع السيطرة على ثورته، بينما فقد جون الثاني العرش لصالح إبنه
هنري.
ولكن الأيسر لم يتمكن من تجاوز
ثورة أخرى قامت ضده سنة 857هـ ( 1453م ) قام بها الأمير سعد بن إسماعيل
[19]
( 858 – 868 ) ( 1454 – 1464) الذي كان حكيماً حازماً عادلاً، بذل جهداً
كبيراً في تحصين القلاع والمدن، ورفض الإعتراف بحماية الملك القشتالي الجديد هنري
الرابع والتبعية له، فهاجم غرناطة وعاث فساداً في مروجها ومزارعها ، مما إضطر سعد
إلى دفع إتاوة، أي بالقبول بالتبعية. وفي
زمانه نجح القشتاليون في السيطرة على جبل طارق، بوابة الأندلس.
حدث هذا على خلفية فتح
القسطنطينية، الذي أصاب أوربا بالصدمة، والتي دافع عنها فرسان من قشتالة وأرغون
وكتالونيا.
ثم تولى الحكم أبو الحسن، علي
بن سعد ( 868 – 997 ) ( 1464 – 1482 ) بعد أن ثار على أبيه، الذي توفي بعد قليل،
ولكن إبنه الثاني، أبا عبد الله محمد الملقب بالزغل، إستقل في مالقة وبويع له،
ولكنه رضخ لحرج الأوضاع وجنح للوفاق فبايع أخيه وإنقاد له سنة 880 هـ ( 1475م ).
وقام أبو الحسن بإستعادة عدة
حصون من الإسبان وحقق الكثير من الإنتصارات، وذلك في عهد هنري الرابع، الملك
القشتالي الذي لم تستتب له الأوضاع، فطلب الهدنة فوافق أبو الحسن
[20]
.
عوامل
صمود غرناطة
لقد صمدت مملكة غرناطة لقرنين ونصف
في مواجهة قشتالة وأرغون والبرتغال وبمساندة وتحريض أوربيين، ويبدو هذا الأمر
مستغرباً ، وخاصة عندما نعلم أن قشتالة سيطرت على موقع قدم على الساحل المغربي بإحتلال
سبتة ومليلة قبل سقوط غرناطة بعدة عقود.
كما إستطاعت أرغون إخضاع الحكام الحفصيين في تونس، وسيطروا على جزيرة جربة
أكثر من مرة. فقد أصبحت الدول الإسبانية
تمتلك كل منها قوة برية وبحرية كبيرة، فقد إمتدت حدود أرغون إلى الأراضي الفرنسية
وسيطرت على صقلية ودوقية أثينا وجزء من إيطاليا وشاركت في الحملات الصليبية. وفي بداية القرن السادس عشر أصبحت إسبانيا
والبرتغال سيدتا بحار العالم، وإقتسمتاه.
ولم يكن ينافسهما سوى العثمانيين والجمهوريات الإيطالية. ولذلك ليس من المستغرب أن تسقط غرناطة بيد
الممالك الإيبيرية، بل أن الأمر المستغرب أنها صمدت طوال هذه القرون، وفيما يلي
نستعرض أسباب هذه القوة :
1.
أن المملكة كانت
موطناً لملايين الأندلسيين ، الذين شُردوا من ديارهم التي عاشت فيها عائلاتهم لقرون
طويلة ، ولم يعرفوا وطناً آخر، وبالتالي لم يكونوا على إستعداد لتعرضهم لتجربة
التشريد ثانيةً. فكانوا لا يبخلون على
موطنهم الأخير في الدفاع عنه عند تعرضه للخطر.
2.
كان شعب غرناطة
وفقهاؤها وحكامها متحدين وعلى وفاق فيما بينهم لتحقيق الهدف نفسه، وقد تغير هذا الوضع
قبيل نهاية غرناطة وسقوطها.
3.
لقد ضمت مملكة
غرناطة ستة ملايين نفس، وأربع عشر مدينة وسبع وتسعين حصناً وعدد كبير جداً من
القرى العامرة، وبالتالي فقد كانت مزدحمة
جداً بالسكان. وقد كان معظمهم
منتجون. وهذا جعل غرناطة دولة غنية ذات
موارد وظفتها توظيفاً ناجعاً، سواء في الإنفاق على الجهد الدفاعي أم في دفع مبالغ
مالية للملوك والدوقات الإسبان.
4.
كان حكام غرناطة
يقومون بتدريب الأطفال منذ الصغرعلى العمل العسكري، ويعدوهم للقتال منذ نعومة
أظفارهم.
5.
تراكم موروث عسكري
كبير.
6.
لم يكن في غرناطة
أقلية إسبانية مسيحية.
7.
كانت الممالك
الإسبانية كثيرة الخلاف فيما بينها.
8.
كان ملوك قشتالة
على خلاف دائم مع نبلاءهم، وهذا عامل مهم جداً، إذ أن النبلاء الذين أُتخموا بما
حصلوا عليه من أراضي في القرن الثالث عشر لم يقنعوا بعدالة التوزيع فكان ذلك
مصدراً لخلافات حدودية فيما بينهم ومصدراً للخلاف مع الملكية أيضاً.
9.
كانت غرناطة تتلقى
دعم من العالم الإسلامي، فقد كان بنو مرين يقدمون مساعدات عسكرية بجيشهم، وكانت
هناك مشيخة الغزاة، وكان هناك متطوعون من جميع أنحاء العالم الإسلامي يرابطون في
حصون غرناطة الحدودية. كما كان هناك جهد
دبلوماسي مارسة سلاطين بني عثمان والمماليك وغيرهم يطالب أرغون وقشتالة بعدم
التعرض لغرناطة.
10.
كانت تضاريس أراضي المملكة وعرة تجعل مهاجمتها
أمراً صعباً، فقد كانت تحدها من الشمال سلسلة جبال، وكانت غرناطة نفسها تقع على
سلسلة جبال سييرا نيفادا أو الشارات التي تكسو قممها الثلوج.
11.
لا بد أن يُعطى حكام غرناطة جزءاً من هذا الفضل،
لقد إعتاد المؤرخون العرب على شجبهم، وتحميلهم مسئولية ما حصل. ولكن هناك أدلة قوية على أن إدارتهم لأحوالهم
في القرنين ونصف التي عاشتها دولتهم كانت تتم بصورة تنم عن حصافة عالية، وحس عالي
بالمسئولية التاريخية. فقد كانوا ينفقون
أموال كبيرة على كسب نبلاء إسبان، الذين كان لهم وزنهم في صنع القرار في قشتالة.
12.
كان من المعتاد في العصور الوسطى لجوء الطرف
المنهزم إلى دفع إتاوة إلى الطرف المنتصر لكيلا يتمادى في إستئصاله. وقد ساعد هذا النهج على بقاء الممالك الإسبانية
في مرحلة نشوءها، كما ساعد على بقاء غرناطة وغيرها من بقايا الكيانات الأندلسية في
مراحل الضعف.
نهاية
غرناطة
كانت حكومة غرناطة قد توصلت إلى
إتفاق مع حكومة قشتالة تدفع بموجبه جزية سنوية مالاً وعبيداً
كما ذكرنا آنفاً
. وكانت هذه الجزية مذلة بقدر ما تشكل عبئاً على
إقتصاد البلاد . ولذلك عندما إعتلى أبو الحسن علي بن سعد عرش غرناطة خلفاً لأبيه
سعد بن إسماعيل سنة 868 هـ (1464م )، كان أول ما فكر به التوقف عن دفع الجزية. فقد كان يكلف من قبل أبيه في توصيل الجزية إلى
بلاط قشتالة وكان يعيي تماماً أنه أمرٌ مهين وينبغي أن يتوقف.
وكان القشتاليون منشغلون بحرب مع
البرتغال، كما كانت خلافات الملكية مع النبلاء مشتعلة منذ أيام جون الثاني وهنري
الرابع . وفي سنة 1474 م توحدت قشتالة وأرغون بالزواج بين إيزابيلا ملكة قشتالة
وفردناند ملك أرغون .
وجاء رد فعل قشتالة سنة 1478 م ، بإرسال دون
خوان، أحد فرسان قشتالة على رأس وفد صغير يطالب بالجزية، التي لم تصل. فكان رد أبو الحسن للفارس القشتالي أن ملك
غرناطة الذي كان يدفع لكم الجزية قد مات، وعملتنا اليوم حد الأسنة ورؤوس الرماح
[21]
.
ولم يأتي رد فعل فرديناند ملك
قشتالة إلا بعد ثلاث سنوات ، بعد أن توقفت الحرب مع البرتغال وهدئت الخلافات مع
النبلاء. عند ذلك قرر مهاجمة مملكة غرناطة والسيطرة عليها حصناً حصناً ومدينة بعد
أخرى، وقال أنه سيلتهم الرمانة حبة حبة، ويذكر أن إسم غرناطة – جرانادا – يعني
بالإسبانية رمان. وكانت أوربا في النصف
الثاني من القرن الخامس عشر مشحونة ضد المسلمين بعد سقوط القسطنطينية بيد
العثمانيين. وفي إسبانيا، حيث عاد
المتطوعون القشتال والأرغون والكتلان، ورووا القصص التي لا تزال ترددها أوربا إلى
الآن، كانت المشاعر ملتهبة. وبعيداً عن
العواطف كان هناك توجه أوربي يقضي بضرورة التخلص من الوجود الإسلامي بغرب القارة،
بعد أن تعزز وجودهم في شرقها.
كان أبو الحسن واثقاً من موقفه،
فكان يملك المال والسلاح والرجال المدربين والحصون الحصينة. فقرر البدء بالقتال وعدم ترك التوقيت لخصمه.
فقرر الإستفادة من أحد بنود
إتفاقية الهدنة، التي طالما أُستخدمت ضده، والتي تنص أن أي عمل حربي لا ترافقه
أعلام وطبول ولا يستمر لأكثر من ثلاثة أيام لا يعد نقضاً للهدنة. وطالما هاجم فرسان الهيكل، وغيرهم من نظم
الفرسان العاملة في إسبانية، من حصونهم الحدودية مواقع غرناطية والإستيلاء
عليها. فقرر مهاجمة حصن الزهراء الذي يبعد
عن قرطبة خمسة أميال ، والذي بناه الناصر عبد الرحمن بن محمد
[22]
. فهاجمه سنة 1481م . لم تكن الزهراء مجرد حصن، فقد كانت مدينة تحوي
قصور وأحياء سكنية، وكانت مضرب الأمثال في المنعة، حتى شُبهت بها المرأة العفيفة
في في الأمثال الإسبانية.
فاجأ الجيش الغرناطي حامية الزهراء
في ليلةٍ عاصفة، فلم يحس حرسها إلا والغرناطيون فوق الأسوار. وعاد أبو الحسن إلى غرناطة وبصحبته الغنائم
والأسرى مزهواً بنصره. بعد أن ترك حامية
في الزهراء.
عند ذلك أعلن فرناندو التعبئة
العامة، وطلب من القلاع الحدودية أخذ الحيطة والحذر، وطلب من رجال الدين، نظام
الفرير، الذي تأسس في إسبانيا قبل قرون قليلة، أن يحرضوا الناس على قتال المسلمين. وكان من بين الذين لبوا نداء الملك رون رودريغو
حاكم ليون ومركيز كاديز . وقد كان رودريغو
فارساً نموذجياً بمقاييس ذلك العصر، مقاتلاً محترفاً يمتلك جميع المقومات لينال
تلك الصفة، كما كان يمتلك أراضي واسعة تمكنه من حشد جيش لوحده. وسيلعب هذا المحارب دوراً بارزاً في هذه الحرب
وكان أول من بادر لتوجيه عمل إنتقامي لهجوم الزهراء. وقد كانت ممتلكاته تقع على الحدود مع غرناطة ،
فكان يبث الجواسيس للحصول على معلومات تفيده في مسعاه، فعلم أن مدينة الحمة تحرسها
حامية قليلة العدد، ويعود ذلك إلى موقعها الحصين على ربوة صخرية يحيط بها نهر من
ثلاث جهات، ولا يصل إليها إلا طريق واحد ، كما أنها تقع في قلب مملكة غرناطة، فلم
يكن من المتوقع أن تكون مستهدفة.
تمكن جيش رودريغو المكون من خيالة
ومشاة من الوصول إلى المدينة وتسلق أسوارها دون إثارة ضجيج ولم يشعر بهم المسلمون
إلا وهم على أسوار المدينة، وإستمر القتال من الفجر إلى نهاية النهار، حيث قاتل
أهل المدينة من التجار والصناع بمنتهى البسالة، وإستخدموا في حربهم الأسلحة
النارية ، سواء كانت مدافع أو بنادق " الأراقب " ، وكانوا يأملون أن تصل
إليهم نجدة من غرناطة التي لا تبعد أكثر من 25 ميل وذلك في سنة 887هـ ( 1482م
). ثم غادر الجيش الإسباني المدينة بعد أن
أمعن قتلاً ونهباً، بعد أن تركوا فيها حامية.
كما وجدوا في المدينة بعض أسرى الزهراء من الإسبان فحرروهم، ووجدوا جاسوساً
إسبانياً يعمل لصالح المسلمين فقتلوه شنقاً.
وعند سماعه بالخبر هب أبو الحسن
على رأس جيش صغير وأتجه نحو مدينة الحمة، وكان رودريغو قد طلب مساعدة أصدقاءه من
نبلاء قشتالة، فإستجاب دي جويلار أمير قرطبة، ولكنه هرب عائداً عندما تقدم نحوه
أبو الحسن وجيشه.
وباشر السلطان الغرناطي حصاره
للمدينة المحتلة ، وأرسل الجنود ليتسلقوا الأسوار دون نجاح ثم عمل على تحويل مجرى
النهر ليقتل محتليها بالعطش.
لم تجد زوجة النبيل الإسباني
المحاصر لنجدة زوجها إلا عدوه التاريخي دوق مدينة صيدونيا ، الذي طالما دخل معه في
حروب، كما كان دارجاً بين الإقطاعيين في أوربا، وكان هذا الدوق يملك إقطاعية واسعة
من الأراضي التي كانت بيد المسلمين قبل قرنين من الزمان ، فلبى نداءها وجمع جيشاً
وإتجه نحو الحمة المحاصرة.
أما الملك فردناند، فكان في
الكنيسة يصلي عندما بلغه خبر إستيلاء رودريغو على الحمة ومحاصرة أبو الحسن لها،
فأمر المصلين أن ينشدوا نشيد النصر على
المسلمين
Te Deum
.
وأسرع متجهاً إلى مكان الحدث قبل تجهيز جيشه.
وعندما وصل قرطبة نصحه أمراؤها بعدم المجازفة بأن يتقدم في أرض الأندلس
بدون جيشه، فطلب من دوق صيدونا أن ينتظره فلم يفعل متحججاً أنه من الخطر على جيشه
التوقف، فتوقف فرناندو، الذي كان تواقاً للمشاركة في النصر، على الحدود بإنتظار
جيشه
[23]
.
وصل دوق صيدونا إلى ضواحي المدينة
المحاصرة بينما كانت تجري محاولة للسيطرة عليها من قبل المسلمين الذين نجحوا في
تسلق السور وإدخال سبعين من خيرة فرسانهم، وتذكر بعض المصادر أن المسلمين سيطروا
على إحدى البوابات
[24]
. بينما كان أبو الحسن
يقوم بهجوم وهمي على جبهة أخرى . فإضطر
أبو الحسن للإنسحاب إلى غرناطة، فقد كان جيش الدوق يضم خمسة آلاف فارس وخمسين ألف
راجل .
عاد السلطان إلى غرناطة ، ليجد أن
خطة قد أُعدت للإطاحة به وتنصيب إبنه أبو عبد الله الصغير ، الذي لُقب بذلك تمييزاً
له عن عمه أبو عبد الله الكبير. وكان أبو
الحسن ميالاً لتوريث إبناً آخر له من زوجة إسبانية
[25]
. وكان أبو عبد الله
الصغير معتقلاً مع أمه، إبنة عم أبي الحسن محمد الأيسر، في أحد أبراج قصر الحمراء،
ولكنها إستطاعت تهريبه إلى الخارج. فهرب
أبو الحسن إلى ملقة وإستقر بها .
ويذكر أن إبني الزوجة الإسبانية
وإسمها ثريا ، بقيا في غرناطة بعد سقوطها وتنصرا مع والدتهما وغيرا إسميهما وأصبحا
من نبلاء قشتالة
[26]
.
وفي مجلس حرب عقد في قرطبة قرر
الإسبان أن يستولوا على مدن أخرى قريبة من الحمة لتعزيز وجودهم فيها ، وكان رأياً
آخر طالب بتدميرها والإنسحاب منها. فقرروا
مهاجمة مدينة الأقصى القريبة من الحمة، فأرسل فردناند الرسائل يطلب من النبلاء أن
يحشدوا جيوشهم ومن جمعيات الفرسان أن تتجه بقواتها إلى المدينة المستهدفة. وكان الأمير على هذه المدينة العطار وهو رجل في
التسعين، شاب على مقارعة الإسبان. فإستطاع
بدهاءه ومعرفته بفن الحرب من تشتيت شمل المحاصرين وتعريض حياة الملك للخطر، الذي نجا
بصعوبة. وكانت خسائر الإسبان كبيرة، الذين
دافعوا عن ملكهم برجولة، وكان من بين القتلى رئيس جمعية فرسان كالاترافا. وليغطي فرديناند هزيمته أرسل السرايا لتعيث
فساداً في الأرياف والقرى غير المحصنة
[27]
.
وبمقابل ذلك قام أبو الحسن، الذي
لم يزل يعد نفسه ملكاً ولديه مؤيديه ومقاتليه، بمهاجمة صيدونيا حيث غنم اعداداً
كبيرةً من المواشي، وإستطاع أن يعود بها إلى ملقا من حيث إنطلق، على الرغم من
تعرضه لهجمات عديدة. ويذكر أنه أثناء
مروره بأراضي أحد النبلاء الإسبان أرسل إليه هدية إثني عشر بقرة، فرد عليه بهدية
من الثياب الحريرية.
ودفع هذا الهجوم فرسان إسبانيا
المتجمعين في انتكويرا ( النقيرة ) الحدودية على مهاجمة ملقا. ولذلك تشكل جيشٌ من خيرة فرسان إسبانيا، ولحقهم
قافلة من البغال تحمل تجار شجعتهم ثقة الفرسان بالنصر على أنهم سيملؤون خروجهم
الفارغة بما يشترونه من الغنائم، وهذا كان نهج دارج في العصور الوسطى بين جميع
الأمم. وكان في ملقا ابو عبد الله الكبير،
أخو ابو الحسن وعم عبد الله الصغير ، وكان يلقب بالزغل، أي حجر الطاحون لقوته
وشجاعته، فعلم بخبر تحركهم، فقرر ملاقاتهم بالجبال. وفعلاً قطع عليهم الطريق وهزمهم شر هزيمة
بمساعدة سكان الجبال من أبناء القرى. وقتل
الكثير منهم ووقع في الأسر أعداداً كبيرة ، كما عاد البعض فرادى إلى أنتكويرا
بحالةٍ تختلف كثيراً عن حالة الخيلاء التي غادروها عليها قبل أيام قليلة. أما التجار فقد إستخدموا قدراتهم على المساومة
في تحديد الفدية التي عليهم دفعها لفكاكهم من الأسر، ولا يزال موقع يسمى هضبة
المذبحة معروفاً في هذه الجبال
[28]
.
كما شجعت مغامرة أبو الحسن في
صيدونيا إبنه أبا عبد الله الصغير على القيام بعمل مماثل ليثبت أنه من معدن لا يقل
صلابة. فتشاور مع العطار، والد زوجته
وأمير مدينة الأقصى، فإتفقا على الإغارة على لوشنكا (اللسانة )، جنوب شرق قرطبة
[29]
، على نفس النسق الذي يتضمن السير بقوات خفيفة إلى عمق العدو، ولكن
أمر الجيش إنكشف هذه المرة وتم تحذير جميع القلاع والقرى، فهوجم الجيش من جميع الجهات،
فأخذ يتقهقر وهو يقاتل، إلى أن وقع أبو عبد الله الصغير نفسه بالأسر، وإستمر الجيش
يتراجع تحت قيادة العطار، وعلى ضفة نهر جرت معركة قتل فيها العطار، وقتل عددٌ كبير
من فرسان غرناطة
[30]
.
أما الملك الأسير فقد تم نقله إلى
قرطبة، وتم التفاوض معه على أن يكون تابعاً لملك قشتالة وأن يضع إبنه رهينة لدى
البلاط القشتالي وأن يدفع فدية وأن يطلق 400 أسير و سبعين أسير سنوياً
[31]
، عند ذلك أُطلق سراحه حيث غادر بموكب مهيب بصحبة عدد من الفرسان
الغرناطيين الذين أتوا لمرافقته في طريق عودته. وفي غرناطة إنضم لأمه التي كانت تعيش في حصن في
حي البيازين المؤيد له، أما أبوه فقد كان يسكن الحمراء. وتجنباً للصدام إنتقل أبو عبد الله إلى المرية
التي كانت تؤيده.
ثم نظم أبو الحسن غارة على أعماق
العدو إنتهت بهزيمة وعودة جزء صغير من الفرسان الذين شاركوا في الغزوة، حيث كان
الجميع في حالة إستنفار ويقظة ففُقد بذلك عنصر المفاجئة الضروري لمثل هذه الغارات. ورد عليهم الإسبان بمهاجمة الزهراء وإستعادتها
من المسلمين.
وفي العام 1484 تكررت غارات
الإسبان على الأندلس. وقد كانت هذه
الغارات تستهدف المزارع والقرى والمدن الصغيرة.
ثم شارك الملك فردناند في هذه الغارات حيث إصطحب معه مهندسين ألمان
وفرنسيين ومدافع ثقيلة، وقد سهلت عليه دك الأسوار والأبراج ، مما نجم عنه
الإستيلاء على عدد من الحصون والمدن مثل
ألورا وشطنيل. وهنا قوي أمل فردناند في
الإستيلاء على مملكة غرناطة جميعها.
وفي العام 1485 هاجم ابو عبد الله
الكبير الملقب بالزغل المرية، وكانت شعبية ابو عبد الله الصغير قد تراجعت، فدخلها
الزغل بيسر وهرب ابو عبد الله مع عددٍ قليل من اتباعه، الى ان استقر به المقام في
قرطبة، في ضيافة الاسبان.
وإستأنف فردناند نشاطه العسكري في
العام 1485 فهاجم مدينتي كوين وقرطمة وحاصرهما ، فأما الأولى فقد شهدت قتالاً
شديداً لدرجة أن الإسبان دمروها بعد أن سيطروا عليها، أما قرطمة فقد أصلحوها
وسكنوها وغادرها المسلمون وفرغت الأرياف المحيطة بهاتين المدينتين من المسلمين
الذين هربوا خوفاً من بطش الإسبان. وحاولوا
الهجوم على ملقا التي كان يتحصن بها الزغل، فخرج للقاءهم خارج المدينة، حيث قُتل
من الإسبان أعداد كبيرة من فرسانهم. فعدل
فردناند رأيه وإتجه إلى روندا للإستيلاء عليها.
وكانت حاميتها خارج المدينة في غارة على الأراضي الإسبانية. فعادت وحاولت فك الحصار عن المدينة ولكنها لم
توفق رغم قتالها الباسل . ووصل الجيش
الإسباني بقيادة الملك فردناند إلى خارج أسوار المدينة، وبدأ بدك الأسوار
بالمدفعية والمنجنيق، وكانوا يقذفون بيوتها بكرات مشتعلة تسببت في إحراقها. ثم قام بتقديم عرض على أهل المدينة، بأن يخيرهم
بين الإنتقال إلى إفريقيا أو أي بلد يريدون، أو البقاء في المدينة والإحتفاظ
بدينهم، وهكذا دخل الجيش الإسباني مدينة روندا. ولكن الملك الإسباني لم يلتزم بعهده.
وفي غرناطة قام أمراء المدينة
وفقها
ؤ
ها بتسليم الحكم للزغل. وغادر
أبو الحسن المدينة إلى منفى إختياري ليقضي آخر أيامه حيث ضعف بصره وجسمه، وسرعان
ما توفي بعد قليل.
وتصاعدت الروح الصليبية في العام
1486، فكانت شوارع قرطبة تعج بالفرسان الأوربيين من جنسيات مختلفة، على الرغم من
التفوق العددي الإسباني الواضح في كل معركة خاضها الطرفان في العقود الأخيرة. فكان من بين المشاركين غاستون دو ليون وسنسكال
دو تولوز الفرنسيان وأتباعهما. واللورد
سكاليس قريب ملكة بريطانيا، وقد أحضر معه مائتين من رماة السهام ومائة من
المقاتلين بالفؤوس، الذين إكتسبوا خبرة عالية في القتال في الحرب الأهلية التي
إنتهت مؤخراً في بلادهم.
وفي شهر أيار سنة 1486 تحرك
فرناندو على رأس جيش من إثني عشر ألف فارس وأربعين ألف راجل بالإضافة إلى فرقة هندسة
ألمانية للإشراف على المدفعية والمتفجرات.
وبينما كانت الوحدة الأوربية تتجلى من أجل إستئصال مملكة غرناطة أو ما تبقى
منها، كانت غرناطة تنقسم على نفسها . فقد
تجدد الخلاف بين أتباع أبي عبد الله الصغير وعمه الزغل، أبي عبد الله الكبير. وكان هذا الخلاف يرتقي لدرجة الإقتتال. وحقيقة لم يكن الخلاف عصبوي مزاجي، بل كان
خلافاً بين نهجين، أحدهما سلمي يضمن بقاء المسلمين في قراهم ومدنهم في كيان يتبع
قشتالة ويخضع لها، بينما الحل الثاني كان يرفض الخنوع وينزع للمقاومة ولكنه يعرض
الوجود الإسلامي برمته للخطر في ظل عدم تكافؤ القوى مع قشتالة وحلفائها.
وبدأ الهجوم الإسباني على المدينة،
وكان برفقتهم أبو عبد الله الصغير، الذي جرح في بداية المعركة، كما جرح قائد
القوات الإنكليزية وفقد أسنانه الأمامية.
وسقطت المدينة بعد يومين من القتال الدامي على الرغم من بسالة المدافعين
عنها، وخير سكانها بين المغادرة إلى المغرب أو البقاء دون ضمانات وأن يقيموا في
الداخل الإسباني، فإختاروا المغرب
[32]
.
ويذكر هنا أن هذه المعارك شكلت في
سياقها الزمني، حداً فاصلاً بين تقنيتين مختلفتين في فنون القتال، ولذلك إختلط
فيها السيف والقوس بالبندقية والمدفع والمنجنيق.
وإستمرت المعارك بنفس النسق، فسقطت
إلورا وموكلين، كما إستمر الجيش القشتالي بمهاجمة القرى والمزارع . وهنا تبنى الأندلسيون، الذين تحلوا بشجاعة
فائقة وأظهروا مهارات عالية بالقتال، تكتيك مبني على المبادرة والمواجهة في مناطق
مكشوفة حيث يظهر معدن المقاتلين . فعندما
كانت بعض قطاعات الجيش تهاجم المزارع والقرى بالقرب من غرناطة، خرجت لمواجهتهم قوة
بقيادة أخوين كانا أميري إلورا وموكلين المستولى عليهما مؤخراً. وقاتلا قتالاً شديداً حتى أستشهدا.
وقبل حلول الشتاء عاد فردناند إلى
قرطبة بجيشه، محتفظاً بحاميات في المدن التي إستولى عليها.
وفي بداية العام التالي، 1487 وصلت
البلاط القشتالي أخبار عن تقارب عثماني مملوكي يهدف إلى غزو صقلية من قبل
العثمانيين وجنوب الأندلس من قبل المماليك.
وكان العثمانيون تحت قيادة بايزيد الثاني على خلاف شديد مع المماليك تحت
قيادة قايتباي، وقد خاضوا حروب كثيرة في هذه الفترة. وفي طبيعة الحال لم تكن هذه الأخبار دقيقة،
فالصلح بينهما لم يتم إلا في العام 1491، فربما كانت هناك محاولات لعقد صلح على
خلفية ما يجري في الأندلس.
على هذه الخلفية قرر فردناند
مهاجمة ملقة من أجل الإستيلاء عليها وحرمان المسلمين، العثمانيين والمماليك، من
ميناء مهم يساعدهم في حال وضعوا خطتهم موضع التنفيذ. وكانت المدينة محاطة بسور صخري حصين
[33]
. فحشد جيشاً قوامه عشرين ألف فارس وخمسين ألف راجل، وزحف الجيش بسرعة
بإتجاه ملقة، وعسكر بالقرب من بلدة فلز ملقة وبلاد بني تميز في بقعة محاطة
بالجبال. حيث عانى الجيش من هجمات أندلسية،
تعرض فردناند في إحداها لخطرٍ كبير.
وفي هذه الأثناء تعمق الخلاف بين
أتباع الملكين في غرناطة، فوقع بينهما قتال حتى تدخل فقهاء ورجالات المدينة، فجرت
مفاوضات لم توصل إلى حل نهائي، ولكنها دفعت الزغل إلى مغادرة المدينة على رأس جيش
من ألف فارس وعشرين ألف راجل. وتوجهوا إلى
بني تميز لمواجهة الإسبان وحلفائهم. وقد
مني جيش الزغل بهزيمة أجبرته على إنسحاب غير منظم على أثر هجوم فاشل. على إثر ذلك
سقطت المدن والبلدات المحيطة بملقة، مثل فلز ملقة وبني تميز وغيرها.
ثم تحول الحصار إلى ملقة، وكان
حصاراً برياً وبحرياً مدعوماً بالمدفعية الألمانية الثقيلة. ويذكر أن فردناند وجيشه وصلا إلى هذا الإقليم
قبل أن تصل المدافع المركبة على العربات الضخمة التي تجرها الثيران، التي تأخر
وصولها بسبب وعودة الطرق ووحولتها في ذلك الفصل من السنة. ومما يدل أن الإسبان إعتمدوا على المدفعية
الثقيلة أنهم لم يباشروا تحرشاتهم بالمدينة المحاصرة حتى وصلت.
سقطت ملقة بعد حصار طويل. وككل المدن كان السكان يخيرون بين الرحيل
والبقاء، وككل المدن كانت تتعرض للنهب
والسلب ويتعرض بعض أهلها للأسر.
ثم تركز إهتمام فردناند في العام
1488على المنطقة الشرقية من الأندلس، فهاجم جيشه المرية[34]،
ولكن مقاومتها العنيفة جعلته يعدل عن مهاجمتها وينطلق إلى بازا ( البسطة )، والتي
تمركز فيها الزغل مع حامية قوية. حيث
هوجمت مقدمة الجيش وتكبدت خسائر كبيرة، وعندما وصل فردناند أمر جيشه بالتراجع. فهاجمهم الزغل أثناء إنسحابهم، وكان من بين
قتلى هذه المعركة فيليب الأرغوني، قائد خيالة القديس جورج، وإبن أخ الملك غير
الشرعي. وعاد فردناند إلى قرطبة من هذه
الحملة الفاشلة، وهو يدعي أنه سيطر على ستين مدينة
[35]
.
وعلى إثر هذا الإنسحاب نشط الزغل
مع جيشه يهاجم قوافل الإمداد القشتالية، ويهاجم مواقع يسيطر عليها حاميات قشتالية. كما تشجع أبناء علي العطار وهاجموا مواقع
إسبانية عديدة.
ومع حلول ربيع 1489م حشد فرناند جيشاً
من ثلاثة عشر ألف فارس وأربعين ألف راجل على الحدود لغاية الإستيلاء على بازا (
البسطة ). والتي إعتبرها مفتاحاً لمدن
أخرى مثل المرية وغواديكس، وكان يهدف بذلك السيطرة على المناطق الخاضعة لنفوذ
الزغل. وكان الزغل يغتنم فرصة غياب الملك
وجيشه في تعزيز دفاعات المدن والمواقع المختلفة.
وفي بازا تم حصد القمح قبل أن ينضج تماماً، كما تم نقل المواشي إلى داخل
المدينة المحصنة والواقعة في وادي وتستند إلى جبل.
وعندما وصل فردناند إلى المزارع
المحيطة بالمدينة أرسل عرضه للمدينة بالإستسلام، وجاء رد الأمير يحيى، حاكم المدينة
، الذي ينتمي للعائلة الحاكمة هادئاً " نحن هنا للدفاع عن المدينة وليس
لتسليمها ". فقرر عند ذلك إطباق
الحصار على المدينة فأمر الجيش بالتقدم وأخذ البساتين المحيطة بها، عند ذلك خرجت
حامية المدينة لمواجهتهم. فإشتبك الجيشان
بكل أنواع الأسلحة، وطلبت القيادة القشتالية من فرسانها الترجل ليسهل تحركهم بين
الأشجار. فتحولت المعركة إلى مذبحة
للطرفين، ولم يعد هناك جبهة بالمعنى التقليدي إذ تداخلت الخطوط، وحقق الطرفين
إختراقات لخطوط الطرف الآخر، " وكان العرب أمهر في هذا الصنف من القتال،
لمرونتهم وخفتهم ورشاقتهم وسرعتهم بالضغط على الخصوم كراً وفراً "
[36]
.
وأثناء القتال أصابت قذيفة مدفع يد
الكاردينال الذي يحمل بها العلم، فوقع بيد العرب، ولكن إبن الكاردينال غير الشرعي
إندفع بقوة وإنتزع العلم، وهكذا كانت المعركة.
وقد خرج جريحاً الشاب المدلل لدى البلاط القشتالي دون خوان دي لونا، ومات
بين يدي فردناند الذي كان يرقب المعركة على حافة البساتين. كما سُحب، على الجانب
الإخر، حيث كان القائد محمد بن حسان يرقب المعركة، جثمان رضوان ذو الفقار، وهو
إسباني كان قد إعتنق الإسلام، وكان من أشجع الفرسان، وكان يقود إحدى الكتائب.
ولم تكن المعركة قد حسمت عندما دخل
الليل، فتراجع الطرفان، ولكن الأندلسيون إستمروا بمهاجمة الإسبان طوال الليل، كما
إستمروا بنفخ الأبواق وقرع الطبول فلم يتمكن الجنود الإسبان من النوم.
وفي الصباح كان المنظر مريعاً،
فالبساتين التي إعتاد أهل المدينة التنزه بها كانت مليئة بالجثث وأرضها ملطخة
بالدماء.
قرر مجلس حرب القشتال التراجع،
فحاولوا إظهار ذلك وكأنه تعزيز وتبديل قوات، ولكن الحيلة لم تنطوي على أهل المدينة
الذين إستمروا بمهاجمتهم. وبعد ذلك فكر
فردناند بترك المدينة، ولكن إستقر الرأي على أخذ المدينة بالحصار الطويل، فأقاموا
معسكرين على جانبي المدينة، ثم قاموا بقطع الأشجار ليسهل تواصل المعسكرين. وأثناء
ذلك كانت المناوشات مستمرة بين الطرفين.
سفارة
المماليك
وأثناء الحصار وصلت إلى معسكر
الملك فردناند سفارة من القدس، أرسلها السلطان المملوكي قايتباي، تكونت من إثنين
من الرهبان الفرنسيسكان، وكانا يحملان رسالة يهدد فيها قايتباي بالإنتقام من
مسيحيي بلاده في حال إستمر الإسبان في أعمالهم العدوانية ضد مسلمي الأندلس. وكان
الموفدان قد حملا رسالتين مشابهتين لكل من البابا وملك نابولي، وكانت مملكة
نابولي، التي تحتل النصف الجنوبي من مساحة إيطاليا المعاصرة، تربطها علاقات جيدة
مع دولة المماليك. ولم تجدي السفارة
وإستمر الحصار. وكل ما فعله قايتباي هو
الإساءة لمسيحيي الشرق وللتعايش الإسلامي المسيحي. وقرر فردناند أن يستمر الحصار
في الشتاء، فبدأوا بتحويل المعسكر إلى مدينة، ببناء الأكواخ والمباني. ولكن الشتاء
كان كارثياً على الجيش القشتالي، فشجع هذا الأندلسيين على الخروج من مدينتهم
المحاصرة ومهاجمة الإسبان. ولكن الحصار
إستمر. ولكي يثبت فردناند لأهل المدينة أن
إقامته دائمة أرسل إلى الملكة لكي تحضر، وكان لحضورها وقعاً إيجابياً على الجيش
القشتالي وحلفاؤه، كما كان تأثيره سيئاً على أهل المدينة وحاميتها. وكان فردناند قد عرض شروط إستسلام مخففة قبل
بها أهل المدينة بعد ستة أشهر من الحصار
[37]
. وسرعان ما تصالح الزغل
مع الملك القشتالي وغادر الأندلس إلى المغرب
[38]
، بعد وساطة من الأمير يحيى، الذي تحول إلى المسيحية.
أخيراً .. غرناطة
وكان أبو عبد الله الصغير وعد
فردناند أن يسلمه غرناطة بعد أن يسيطر على غواديكس والمرية وبازا. فأرسل إليه يطالبه بتنفيذ وعده. وكان هذا أمراً لا يقدر عليه السلطان الغرناطي،
فلم يكن يملك السيطرة الكافية على المدينة وشعبها وقواها المقاتلة. ثم جاء رد مجلس شورى غرناطة أكثر وضوحاً في
رفضه للإستسلام . وكان غضب فردناند شديداً. ورد على ذلك بطريقته المفضلة، بتخريب مزروعات
السهول المحيطة بغرناطة. فخرج أبو عبد
الله على رأس قوة من المقاتلين لمواجهة الجنود القشتاليين المكلفين بإتلاف
المزروعات. وقام بمهاجمة حصن همدان، الذي
سيطر عليه الإسبان وكانوا يستخدمونه كقاعدة، وحاصره إلى أن إستسلم، كما قام
بإستعادة حصنين آخرين.
وفي هذه الأثناء كان فردناند يجوب
المدن الأندلسية التي بحوزته، ويخاطب أهلها المسلمين قائلاً أنه بلغه أنهم يتآمرون
عليه، وبالتالي يخيرهم بين الرحيل والتفتيش، أي التحقيق معهم من قبل محاكم التفتيش.
وأعطى هذا العمل الغادر أهالي
غرناطة مزيداً من التصميم، فأخذوا يستعدون للحصار القادم. كما حشد فردناند جيشه ومدفعيته وكافة أنواع
أدوات الحصار، وكانت الملكة إيزابيلا برفقته.
وبدأ الحصار أمام أسوار غرناطة المنيعة.
وحدث في إحدى الليالي أن إشتعلت النار في معسكر الجيش القشتالي، فذعر
الجنود لإعتقادهم بأن الحريق ناجم عن هجوم أندلسي، وعندما تأكد لهم أنه حريق ناجم
عن حادث، حرصوا على أن لا يستغله الأندلسيون.
وفي صباح اليوم التالي شاهد سكان غرناطة معسكر أعدائهم محترقاً ، كما
شاهدوا فرقة من الفرسان تتقدم نحو المدينة، فقد أراد الإسبان أن يظهروا معنوياتهم
العالية لأهل غرناطة، وأثناء تقدمهم أخذوا يخربون المزارع القريبة من الأسوار،
فخرج لهم أبو عبد الله على رأس قوة من الفرسان والمشاة. ولكن المشاة لم يصمدوا في المعركة وبدأوا
يتقهقرون نحو باب المدينة، على الرغم من صيحات التشجيع من قبل قادتهم، فإضطر
الفرسان ومعهم أبو عبد الله أن يتراجعوا أيضاً.
وأغلقوا بابهم وإستخدموا المدفعية لرد الفرسان الإسبان الذين كانوا على
أثرهم. وعلى الرغم من هذا التقهقر فقد
أُعجب السفير الفرنسي، الذي كان شاهداً، بما رأى
[39]
.
وقرر الملكان القشتاليان بناء
مدينة بدل من معسكر جديد، وأطلقت عليها الملكة إسم سانتا في، على إسم القديسة في. وكلف الملك بلديات تسع مدن للقيام بهذا الجهد،
فأخذوا يتسابقوا في عملهم. وكان لهذا
وقعاً سيئاً على أهل المدينة المحاصرة، التي بدأت تنفذ منها المواد الغذائية، فقد
كان يصل إليهم بعض التموين من خلال الجبال، وتعذر ذلك أثناء الشتاء، فنقص الغذاء
[40]
. عند ذلك قرر أبو عبد
الله أن يفاوض على الإستسلام .
وأرسل أبو عبد الله موفداً للتفاوض،
ولم يكن ملوك قشتالة يتقنون العربية في هذا الزمان، كما كان أجدادهم، ولكن إثنين
من كبار موظفي البلاط فوضهما الملكان بالتفاوض لمعرفتهما بالعربية، وهما غوانزافو
دو قرطبة وفرناندو دو ظفار، فقد كانا عربيان ممن تنصر من أهل الأندلس. وبعد عدد من الجولات إتفق الطرفان على أن
يوقفوا القتال، وتأخير أي هجوم على المدينة لمدة سبعين يوماً، وبعدها ستستسلم
غرناطة إذا لم تصلها نجدة من العالم الإسلامي
[41]
، الأمر الذي يدل على وجود آمال كبيرة بوصول نجدة من العالم
الإسلامي، وربما كان هناك وعود. لقد كان
إتفاق هدنة وليس إتفاق سلام. وكان ذلك في
21 محرم سنة 897 الموافق 25 تشرين ثاني سنة
1491م
[42]
.
ولكن آخر سلاطين بني نصر سلم
المدينة قبل إنقضاء المدة بسبب نقص المواد الغذائية في المدينة وفقدان الأمل بوصول
أية مساعدة من الخارج.
غادر أبو عبد الله غرناطة إلى قرية
من قراها إسمها أندرش بناء على طلب فردناند
[43]
، ومكث فيها سنة ويقال أربعة ثم غادر إلى مليلة ففاس في المغرب،
ومن الطريف أنه مات في معركة سنة 1536م شارك فيها مع ملك فاس ضد بني ظريف
[44]
، وينكر ذلك بعض المؤرخون العرب
[45]
.
تضمنت إتفاقية التسليم النهائية
سبعاً وستين بنداً، ونصها الكامل غير متوفر في المصادر العربية، ولكن الإتفاقية
بكامل بنودها لم تُحترم من قبل الملكين الكاثوليكيين، فنقضوها بنداً بنداً. ويذكر أن إتفاقية سرية عقدت بين عبد الله
الصغير وفردناند. أما معاناة من تبقى من
المسلمين في الأندلس فقد كانت شديدة، لدرجة أن بعض الباحثين يجمع على أن معاناتهم
لم يعاني مثلها شعب في تاريخ البشرية جمعاء، فقد إستمر ذلك لأكثر من قرن، حيث
أُجبروا على التنصر وكانت محاكم التفتيش وشرطتها تلاحقهم وتراقبهم وتعد عليهم
أنفاسهم. فقد كان هناك " شرطة لحم
الخنزير "
ham
police
ووظيفتها التأكد من أنهم
يأكلونه بإنتظام، كما كانت العقوبة شديدة لمن يستحم يوم الجمعة، ومع هذا فقد حافظ
الكثيرون منهم على معتقداتهم، فإجاز لهم مفتي وهران أن يستعيضوا عن الركوع والسجود
في صلاتهم بإيماءات من أعينهم حتى لا يُكتشفوا، وبهذا صمدوا لأكثر من قرن، قاموا
خلاله بعدة ثورات، مثل ثورة البيازين سنة 1499 وثورة البشرات والمرية سنة 1501وجبال
بلنسية سنة 1517- 1556م، حتى يأس منهم الإسبان وهجروهم على مراحل، فقد هجروا في
سنوات 1598 و1609 و1621، بعد أن كانوا قد رُحلوا إلى الداخل أملاً في إسيتعابهم،
ويذكر أن إسبانيا فقدت بتهجيرهم زراعات مثل قصب السكر والقطن والحبوب
[46]
. ويسجل للأندلسيين قدرات
عجيبة على البقاء، فقد كانوا منظمين للغاية، وإمتلكوا وسائل إتصال فعالة، كما إخترعوا
لغة جديدة للتفاهم فيما بينهم.
لقد تُوج التهجير القسري إلى
الداخل والتنصير بالقوة والمراقبة الحثيثة والسجن ومذبحة سجن غرناطة وحرق الكتب
بإقتلاعهم من وطن لم يعرفوا غيره لأكثر من عشرين جيلاً. لم تتعلم أوربا من تسامح الحكام المسلمين مع
الصليبيين، التي لم تقتصر على حالة خاصة مثل صلاح الدين، بل عمت أجيال عديدة من
الحكام، الذين مارسوا التسامح عندما قدروا عليه. إن ما جرى في القرن السادس عشر
يعد وصمة في التاريخ الإسباني حتى لو تضمنت على بعض المبالغات. هذا دون أن نضيف إنشغالهم في إبادة شعوب وحضارات
في العالم الجديد، الذي إكتشفوه بنفس العام التي سقطت فيه غرناطة، كل ذنبهم أنهم
كانوا مختلفين.
إنتهت التجربة الأندلسية، التي
كانت مزيجاً حضارياً فريداً، أثرت المعرفة الإنسانية، ونقلت شعلتها من شرق المتوسط
إلى شماله. لا أحد يعرف كيف كان سيكون
العالم لو لم تكن.
[1]
الدولة
العثمانية ، د علي الصلابي .
[2]
أخبار
سقوط الأندلس ، عن مقدمة المترجم د هاني نصري .
[3]
تاريخ
الاندلس ، زكار وكلاس .
[4]
خلاصة
تاريخ الأندلس ، الأمير شكيب أرسلان .
[5]
تاريخ
الاندلس ، زكار وكلاس .
[6]
التاريخ
الاندلسي ، الحجي ، نقلاً عن العبر .
[8]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[9]
التاريخ
الأندلسي ، د عبد الرحمن الحجي .
[10]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د حتاملة .
[11]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[12]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[13]
الأندلس
، د. حتاملة .
[14]
الأندلس
، د . حتاملة .
[15]
التاريخ
الاندلسي ، الحجي ، نقلاً عن نبذة العصر .
[17]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[18]
الأندلس،
التاريخ والحضارة والمحنة ، د حتاملة .
[19]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة ،
نقلاً عن جنة الرضا ، لإبن عاصم الغرناطي وزير الأيسر الذي قتله سعد.
[20]
الاندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د حتاملة .
[21]
أخبار
سقوط غرناطة ، واشنطن إرفنج ، ترجمة د هاني نصري . وهو نقل عن كاتب إسباني معاصر وهو الأب أجيبا
المتعصب والبعيد عن الموضوعية . أما واشنطن
إرفنج فهو يبدو موضوعياً.
[23]
اخبار
سقوط غرناطة ، واشنطن إرفنج.
[24]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. محمد حتاملة .
[25]
تاريخ الاندلس ، زكار
وكلاس .
[26]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[27]
تاريخ
الأندلس ، زكار وكلاس .
[28]
أخبار
سقوط غرناطة ، إرفنج .
[29]
التاريخ
الاندلسي ، الحجي .
[30]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. محمد حتاملة .
[31]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. محمد حتاملة .
[32]
أخبار
سقوط غرناطة ، واشنطن إرفنج .
[34]
بناها الأمويون. ويذكر أن أن لهذه المدينة نادي مشهور لكرة
القدم حالياً.
[35]
أخبار سقوط
غرناطة ، واشنطن إرفنج .
[36]
اخبار سقوط
غرناطة ، واشنطن إرفنج.
[37]
اخبار
سقوط غرناطة ، واشنطن ارفنج.
[38]
التاريخ
الاندلسي ، الحجي .
[39]
أخبار
سقوط غرناطة ، إرفنج .
[40]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. محمد حتاملة ، نقلاً عن المقري .
[41]
اخبار
سقوط غرناطة ، إرفنج .
[42]
التاريخ
الأندلسي ، الحجي .
[43]
التاريخ
الأندلسي ، الحجي .
[44]
أخبار
سقوط غرناطة ، إرفنج .
[45]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[46]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .