الفصل
التاسع
الإمبراطورية
والبابوية
كان التوازن في قوة البابوية
والإمبراطورية الرومانية المقدسة في أواسط القرن الحادي عشر قد تحقق، بعد تفوق
واضح في رجوح كفة الإمبراطورية خلال المائة وعشرين سنة السابقة منذ إعتلاء أوتو
الأول لسدة الحكم في العام 936م. ففي
العام 1056 إعتلى عرش الإمبراطورية هنري الرابع وهو في السادسة من العمر، حيث لبث
تحت الوصاية لأكثر من خمسة عشر عاماً، مما تسبب في ضعف الإمبراطورية. وكانت البابوية في قوةٍ متزايدة بعد الإصلاح
الكلوني الذي نفخ فيها روحاً جديدة
[1]
.
كما بدأت تظهر كيانات جديدة أحدثت توازناً سياسياً في القارة.
الإصلاح
الكلوني
دفع الفساد الذي تفشى في أوساط
الكنيسة في القرنين التاسع والعاشر إلى إيقاظ بعض أصحاب الضمائر لإصلاح ما آل إليه
وضع الكنيسة
[2]
،
فإنبعثت حركة إصلاح في النصف الأول من القرن العاشر في منطقة اللورين، حيث
كانت حركة الديرية سليمة وقوية، فبدأت حركة إصلاحية تدعو إلى العودة إلى تعاليم
بندكت، الذي أسس إحدى أهم الحركات الديرية في أوربا. ولكن هذه الحركة لم تستطع أن تحقق إنتشاراً
خارج إقليمها بسبب المقاومة القوية للمسيطرين على الأديرة في أنحاء أوربا
المختلفة.
أما في حوض الرون فقد إنتشرت
حركة مشابهة، فقد أسس دوق أكيتانيا ديراً جديداً قائماً على أُسس جديدة وسليمة في
كلوني . وقد روعي في وضع نظام الدير
الجديد تجنب نقاط الضعف التي أدت إلى إنتشار الفساد. فكان حظ حركة الرون أفضل من حركة اللورين، فسميت
الحركة على إسم دير كلوني، حركة الإصلاح الكلونية.
وحسب النظام الجديد منع الأديرة
من قبول هدايا وعطايا مقابل خدمات من الدير والكنيسة، كما تم مضاعفة ساعات
العبادة، وتم التشديد على الإلزام والطاعة في تنظيم الدير. ثم فُصلت الأديرة عن الكيانات السياسية وأصبحت
تتبع البابوية ومستقلة عن الملوك والدوقات والكونتات وغيرهم من رجال الحكم، وهذا
ما جعل موقف البابوية يتعاظم قوة رغم مقاومة الحكام .
وجدت هذه الحركة دعم البابوية
ولاقت إنتشاراً واسعاً في فرنسا وألمانيا وغيرهما، فتبعت كثيرٌ من الأديرة النظام
الكلوني وإنخرطت تحت قيادته، بينما إكتفى البعض الآخر في تقبل النظام مع حفاظه على
إستقلاليته
[3]
.
كما لاقت دعم الإمبراطور هنري
الثاني ( 1002- 1024)، وهو الذي إعتلى العرش بعد وفاة أوتو الثالث، الذي توفى دون
أن يترك وريثاً، فنُصب هنري، الذي كان ينتمي إلى أسرة أخرى من البيت السكسوني
الحاكم. وكان هنري رجلاً تقياً، فأحبه
رجال الدين وكان له نفوذ كبير على الكنيسة.
بلغت الإمبراطورية أوج عظمتها في عهد هنري الثالث ( 1039- 1056) ، الذي لم
يكن من أسرة هنري الثاني إنما من أسرة دوق سوابيا، فورث الحكم عن أبيه كونراد
الثاني ( 1024-1039). وفي زمن هنري الثالث
حدثت أزمة في البابوية، فقد اعتلى سدتها أحد النبلاء تحت إسم بندكت التاسع سنة
1033 على الرغم من حداثة سنه. ثم قام ببيع
المنصب إلى شخص آخر سمي جريجوري السادس.
وعارض ذلك رجال الكنيسة من دعاة الإصلاح فعقدوا مجمعاً دينياً وطلبوا
مساعدة الإمبراطور. فعبر جبال الألب سنة
1016م، حيث عقد مجمعين نجم عنهما عزل البابوات المتنازعين، وعين البابا كلمنت
الثاني.
من أهم القضايا التي سعى
المصلحون للقضاء عليها، التدخل العلماني في إنتخاب البابا. فمن الناحية النظرية كان البابا ينتحب من قبل
رجال الكنيسة وسكان روما بموافقة الإمبراطور.
وعملياً كان رجال الدين يتعرضون للضغط، ويتم إسترضاء سكان روما ويتلاشى
تأثير الإمبراطور لبعده، فتقع الخيوط جميعاً لإي أيدي نبلاء روما، الذين كانوا
يقومون بتعيين البابا فعلياً. وهذا كان
يؤدي إلى فساد كبير
[4]
.
إحتدام
الصراع
لقد
كان اعتلاء هنري الرابع عرش الامبراطورية فرصة لاستعراض العضلات بين الامبراطورية
والكنيسة، قام أدلبيرت- رئيس أساقفة كولونيا - مدعوماً من قبل عدد كبير من الدوقات
و الأمراء بتحدي الملكة اجنس - الوصية على العرش - الأمر الذي أدى بعد صراع إلى
تنحي الملكة و تولي أدلبيرت- رئيس أساقفة بريمن - الوصاية على الملك قاسم.
وفي
العام 1072م، توفي أدلبرت وتولى هنري الرابع الحكم، حيث باشر بمواجهة ثورة عارمة
في شمال الامبراطورية فأخمدها بقوة. وفي هذه الأثناء اعتلى سدة البابوية جريجوري
السابع، الذي كان معروفا بشدته وصرامته. لم يرق هذا للأساقفة الألمان فحرضوا هنري
الرابع عليه، ودعوه لإلغاء تعيينه بحجة أنه لم ينتخب بطريقة شرعية، وإنما بوصاية
من البابا السابق، فأرسل هنري إلى روما مستفسراً عن ظروف تعيين البابا، وبادل
البابا اعتداله باعتدال، فأجل بقية مراسم التنصيب حتى تتم موافقة هنري الذي أصدر
موافقته في 1074م.
فبدا
وكأنهما متفقان تماما، حيث سافر البابا إلى ألمانيا واستقبله الامبراطور أحسن
استقبال وقام بعزل خمسة من الأساقفة الذين كان البابا السابق ينوي عزلهم. ثم باشر
جريجوري السابع بإجراء إصلاحات داخل الكنيسة بمنتهى الحزم. فأصدر قراراً بمنع رجال
الدين المتزوجين في ألمانيا من مباشرة الشعائر الدينية في الكنائس مما تسبب
باستياء وهيجان في أوساط ال
كنيسة الألمانية ثم قام بإصدار قرار بإلغاء التقليد العلماني، وهو حق الملوك بتعيين رجال الدين، ما أثار سخط
هنري الرابع، ففتح بذلك باب الصراع بين البابوية والامبراطورية. ولقد تصاعد هذا
الصراع عندما دعت الحاجة إلى تعيين أساقفة في شمال إيطاليا وغيرها، حيث تمسك كل
منهما في حقه بالتعيين. حيث استمد الامبراطور ذلك من حق أسلافه ، بينما اعتمد
البابا في إثبات حقه على أن البابا يمثل خليفة المسيح في الأرض و وريث القديس
بطرس. تعقد الموقف عندما قام الامبراطور بتعيين أسقفاً جديداً لمدينة ميلان، سنة
1075م . الأمر الذي أغضب البابا فأرسل برسالة شديدة اللهجة إلى هنري الرابع يهدده
بالعزل والحرمان. فثارت ثائرة الامبراطور،وبادر إلى عقد مجمع ورمز، الذي أصدر
قراراً ببطلان انتخاب البابا و عزله. وعندما بلغت هذه الأخبار مسامع البابا قام
بدوره بعقد مجمع في الفاتيكان واستصدار قرار بعزل هنري الرابع وحرمانه، فكان أن
احتدم الصراع بينهما، وتخلى كثيرون عن هنري الرابع. وعقد أمراء ألمانيا وأساقفتها
اجتماعاً قرروا فيه إنظار الامبراطور بالعزل ما لم يغفر له البابا خلال أربعة
أشهر. فاحتار هنري الرابع فيما يفعله فقرر التوجه إلى إيطاليا في الوقت الذي كان
البابا قد بدأ رحلته إلى ألمانيا، ولكنه أقفل راجعاً حين علم بقدوم هنري واحتمى
بقلعة كانوسا الجبلية، فتقدم هنري باتجاه هذه القلعة، وصعد الطريق الجبلي الوعر و
ظل واقفاً خارج بابها ثلاثة أيام في البرد القارس حتى تعطف عليه البابا، و سمح له
بالمثول بين يديه، حيث انكب الامبراطور على قدمي البابا يقبلهما صائحاً "
اغفر لي أيها الأب المقدس "، فعفا عنه البابا بعد أن ألقى عليه الكثير من
االنصح والإرشاد، و فرض عليه شروطه. وهكذا سددت البابوية للامبراطورية ضربة قاصمة
وعززت مكانتها.
لم تنته محنة هنري الرابع بعفو البابا عنه، فقد
اجتمع أمراء ألمانيا وقرروا عزله وتعيين دوق سوابيا ملكاً بدلاً منه. وهنا بدأ التعاطف مع هنري الرابع بالتزايد، حيث
انحاز معظم الألمان إلى جانبه، ماعدا سكسونيا التي ناصرت دوق سوابيا، فنشبت حرب
أهلية استمرت ثلاث سنوات، حيث أيد البابا دوق سوابيا، ثم سرعان ما جدد قرار
الحرمان بحق هنري بعد هزيمته في إحدى المعارك. مما حدا بالامبراطور إلى عقد مجمع
قام بعزل البابا جريجوري السابع وانتخاب بابا جديد باسم كليمانت الثالث. وهكذا
اشتد الصراع في أوروبا حيث كان اثنان من الأباطرة يتنازعان عرش الامبراطورية،
واثنان من البابوات يتنازعان البابوية. فتجدد القتال حيث قُتل دوق سوابيا في إحدى
المعارك. ثم توجهت الجيوش لحصار روما، التي اعتصم جريجوري السابع معتمداً على
حصانتها، ولكن هنري استطاع دخول المدينة برشوة الحرس، فسارع إلى عقد مجمع أكد
المشاركون فيه انتخاب كليمانت الثالث وتتويج هنري الرابع في كنيسة القديس بطرس.
أما جريجوري السابع فقد اعتصم بإحدى القلاع الحصينة طالباً مساعدة النورمان في
جنوب إيطاليا.
غادر هنري الرابع إيطاليا على عجل ليتجنب الصدام
مع النورمان, الذين وصلوا إلى روما ليجدوا أبوابها مغلقة, ولكنهم استطاعوا
اقتحامها عام 1084م فشرعوا ينهبون ويقتلون ويحرقون، بل قاموا بسبي بعض أهلها
وبيعهم في أسوااق الرقيق. ثم انسحب النورمان ولم يجد جريجوري بداً من أن ينسحب
معهم خشية نقمة أبناء روما الساخطين، وما لبث أن مات في العام التالي في جنوب
إيطاليا. وغادر البابا كليمنت الثالث روما إلى رافنا في شمال إيطاليا. فاجتمع
كرادلة روما واختاروا فيكتور الثالث لمنصب البابوية، وكان الأخير من أتباع جريجوري
السابع ومؤيداً لأفكاره. ولكنه لم يفعل الكثير لكبر سنه. وفي العام التالي, 1087م
توفي فكتور الثالث وقام الكرادلة باختيار رجلاً اخر من مدرسة جريجوري السابع, أشد
عوداً هو أوربان الثاني، الذي أطلق صيحة الحروب الصليبية ضد المسلمين، ربما، كحل
لمشاكل أوروبا الداخلية.
اضطر أوربان الثاني لمغادرة روما إلى جنوب
إيطاليا لسيطرة قوات الامبراطور عليها، قام كونراد - ابن هنري الرابع- بالثورة
عليه بتحريض من أمراء ألمانيا، مما شجع البابا أوربان الثاني على العودة إلى روما
في أواخر العام 1093م ، حيث باشر بالإعداد لمجمع كليرمونت، الذي أعلنت به الحروب
الصليبية على المسلمين عام 1095م، فتعززت بذلك مكانة الكنيسة. ثم توفي أوربان الثاني عام 1099م ولحق به
كليمنت الثالث. وبدأ البابا الجديد باسكال الثاني عهده بإصدار قرار حرمان بحق هنري
الرابع، الذي استسلم لابنه هنري الخامس وتوفي في العام 1105م.
تجدد الخلاف بين هنري الخامس والبابا بسبب قيامه
بتعيين اساقفة في المانيا .وعلى الرغم من محاولات التهدئة تمسك كل من البابا
والامبراطور بحقوقه في تعيين الاساقفة وبعد مضي سنتين من الحروب ضد المجر و
بوهيميا توجه هنري الخامس الى ايطاليا سنة 1110م على رأس جيش قوامه ثلاثين الف
مقاتل ليتوج اميراطوراً من قبل البابا .وعندما اقترب هنري الخامس مع جيشه من ايطاليا
بادر البابا الى عقد اتفاق مع الامبراطور قبل بموجبه بحقه تعيين اساقفة وتم تتويج
الامبراطور في شهر شباط سنة 1111م ثار الاساقفة الالمان والايطاليون جميعاً لعدم
رضاهم على بنود الاتفاقية التي حرمتهم من املاكهم وحقوقهم. وامتدت الثورة الى
شوارع روما مما جعل البابا يتراجع عن الاتفاقية فقام الامبراطور بالقبض على البابا
والكرادلة واجزمهم بالاتفاق.
عاد البابا ونقض الاتفاق ثانيةً لعدم رضا أتباع
الكنيسة عليها. زحف الامبراطور مع جيشه ودخل روما سنة 1117 م ففر البابا الى
الجنوب ليحتمي بالنورمان ومات في العام التالي .وخلفه البابا جلاسيوس الثاني ،الذي
توفي في العام التالي.ثم البابا كالكستس الثاني ، الذي أثبت أنه سياسياً قديراً .
ولحل النزاع مع الامبراطورية دعا إلى مجمع ديني
في ريمس و أرسل مندوبين الى الامبراطور للتفاهم ولكن المباحثات فشلت مما أدى إلى
اصدار قرار الحرمان بحق هنري الخامس لسنة 1120م ثم عاد الطرفان إلى التفاوض الذي
تتوج بعقد اتفاقية ورمز.التي تنص على أن يكون انتخاب الأساقفة خارج المانيا وفق
القانون الكنسي دون أي تدخل من جانب السلطات العلمانية أما في المانيا فيكون
اختيار الاساقفة عن طريق الانتخاب وللامبراطور أو من ينتدبه حق حضور عملية انتخاب
الاساقفة،الامر الذي يعني السماح للأمبراطور بالتأثير على مجريات الانتخابات.
توفي البابا و الامبراطور بعد الأتفاق بقليل الذي
انهى صراعاً أفاد الاقطاع وكبار الامراء
حيث زاد نفوذهم السياسي.
هوهنشتاوفن
تم اختيار لوثر الثاني ( 1125- 1138)، دوق
سكسونيا ملكاً، وعند موته سنة 1138 تم إختيار كونراد الثالث ( 1138-1152) خلفاً
له، وهو من أسرة هوهنشتاوفن الحاكمة في سوابيا.
وقد كان ضعيفاً لدرجة أنه الوحيد الذي لم يتوج إمبراطوراً منذ
أوتوالأول. شارك كونراد في الحملة
الصليبية الثانية، التي كانت عديمة التأثير.
الأمر الذي أضعف موقفه مما حدا بالبابا إنوسنت الثاني أن يعلن عدم إقراره
لإتفاقية ورمز. ولكن كونراد الثالث لم
يحرك ساكناً.
إعتلى عرش ألمانيا فريدريك الأول ( 1152- 1190)،
المعروف ببربروسا ( اللحية الحمراء ) بعد وفاة عمه كونراد الثالث. وكان فريدريك شاباً في الثلاثين معروفاً
بشجاعته وفصاحته. وباشر الإمبراطور الجديد
العمل على إستعادة مكانة الإمبراطورية الضائعة.
ولكنه بدأ بترتيب البيت الداخلي، فضمن ولاء الدوقات والكونتات بإسترضائهم
.
وفي هذه الفترة بدأت المدن اللومباردية في شمال
إيطاليا في التحرر تدريجياً وتأسيس جمهوريات مستقلة. وقد إمتدت هذه النزعة إلى روما، التي طالب
أهلها البابا بأن تحصل مدينتهم على إستقلالها مثل بقية المدن. تصاعدت الحركة في زمن البابا يوجينيوس الثالث،
الذي إضطر للهرب من روما سنة 1147.
وإستنجد بالإمبراطور، الذي هرع كعادة أسلافه لمساعدة البابوية على رأس جيش
صغير، فتمكن من إخضاع المدن المستقلة، ثم إتجه إلى روما، حيث كان البابا أدريان
الرابع قد إعتلى سدة البابوية. وهو شخص
قوي إستطاع إخضاع روما بما لديه من قوى غير عسكرية، فقد أصدر قرار الحرمان بحق
مدينة روما، مما جعل الحجاج يحجمون عن الحج إليها، الأمر الذي أفقدها مصدر رزقها
الأساسي. ومع هذا قام أدريان بتتويج
فريدريك إمبراطوراً في كنيسة القديس بطرس، ولكنه إضطر أن يغادر روما بصحبة البابا
هرباً من جماهيرها الغاضبة، ومن المدينة التي يعتبر نفسه حاكمها
[5]
. ثم إضطر إلى مغادرة شمال إيطاليا تاركاً البابا
في مواجهة أهالي روما، حيث إضطر إلى مصالحتهم على أساس الإعتراف بمدينتهم جمهورية
مستقلة مثل بقية المدن الإيطالية. فعاد
إلى روما سنة 1155م.
عاد فريدريك إلى ألمانيا ليواصل جهوده في تعزيز
مكانة الإمبراطورية، حيث تمكن خلال سنوات من فرض التبعية على معظم ملوك
أوربا. كما قام البابا، في هذه الأثناء
بتهدئة خواطر أهالي روما وعقد تحالف مع النورمان في جنوب إيطاليا.
تخوف كل منهما من تحالفات الآخر. وعندما إعتقل فريدريك كبير أساقفة لوند، وهو
صديق حميم لأدريان الرابع، ذهب الكاردينال رولاند إلى ألمانيا، الذي حيا فريدريك
بتحية غير مألوفة قائلاً " إن البابا يحيك كوالد والكرادلة يحيوك كأخوة"
[6]
. وقد إستغرب فريدريك من التحية
التي تساويه مع الكرادلة، ولكن ما ضايقه بالفعل عبارة وردت في رسالة البابا مفادها
أن التاج الإمبراطوري منه بابوية. فثار
الإمبراطور لكرامته وأيده بذلك الأساقفة الألمان.
وأصر مندوب البابا قائلاً " ممن إذن يتسلم الإمبراطور إمبراطوريته، إن
لم يتسلمها من البابا؟." فرد فريدريك " إنا نتسلم الإمبراطورية من الله
ومن إنتخاب الأمراء "، ولكنه أضاف " إن شريعة الله تقضي بأن يحكم العالم
بسيفي الإمبراطورية والبابوية ". لقد
أربكت نقاشات فريدريك البابا الذي حاول إعطاء تفسيرات مخففة لما ورد في
رسالته.
إستمر الصراع بين القطبين، وكانت الساحة الحاسمة
هي إيطاليا. وجاءت الفرصة عندما إنقسمت
المدن الإيطالية المستقلة فيما بينها، حيث شكلت كتلتين؛ الأولى بقيادة ميلان
تحالفت مع البابا، بينما تحالفت الكتلة الثانية بقيادة بافيا وكريمونا مع
الإمبراطور، فقام فريدريك بعبور الألب في العام 1158 وأخضع ميلان وأعلن أن من حق
الإمبراطور تعيين ممثلين في المدن الإيطالية للإشراف على سك العملة وجمع الضرائب.
ولكن الصراع لم ينتهي، توفي أدريان الرابع وتولى
البابوية إسكندر الثالث، الذي كان حريصاً على حقوق البابوية مثل سابقيه، فقام
بتشكيل تحالف مع ميلان والنورمان. ولكن
فريدريك هاجم ميلان وإستولى عليها بعد مقاومة، وقام بتدميرها وأخذ قادتها
أسرى. ولم يكن فريدريك سعيداً بالبابا
الجديد الذي لم يكن إلا موفد البابا السابق إلى ألمانيا والذي أظهر جرأة وتشدد
كبيرين. فلجأ إلى تنصيب بابا آخر، وهو
فكتور الرابع.
|
الصراع
بين الأباطرة والبابوية
|
|
البابوية
|
الإمبراطورية
|
السنة
|
يوجنيوس 3
|
فريدريك 1
|
1150
|
أنسطسيوس 4/ أدريان 4
|
|
1155
|
اسكندر 3
|
|
1160
|
|
|
1165
|
|
|
1170
|
|
|
1175
|
لوكيوس 3
|
|
1180
|
اوربان 3/ كلمنت 3
|
|
1185
|
كلستين 3
|
هنري 6
|
1190
|
|
|
1195
|
إنوسنت 3
|
فيليب 2
|
1200
|
|
|
1205
|
|
اوتو 4
|
1210
|
هنوريوس 3
|
|
1215
|
|
فريدريك 2
|
1220
|
جريجوري 9
|
|
1225
|
|
|
1230
|
|
|
1235
|
كلستين 4/انوسنت 4
|
|
1240
|
|
|
1245
|
|
|
1250
|
جدول يظهر فيه أباطرة
الإمبراطورية الرومانية المقدسة ومعاصريهم من البابوات أثناء فترة الصراع بينهم
حصل الإسكندر الثالث على تأييد ملكي فرنسا
وإنجلترا، لويس السابع وهنري الثاني. وهنا
قرر البابا مغادرة إيطاليا إلى فرنسا، وهناك أصدر قراراً بحرمان فكتور الرابع
والكرادلة المؤيدين له.
وفي أثناء زيارة الإمبراطور التالية لإيطاليا سنة
1164 مات فكتور الرابع فإختار باسكال الثالث خلفاً له. وأصبح أهالي المدن الإيطالية يكرهون الإمبراطورية
ويعادونها، فتألف حلف فيرونا لمقاومة الإمبراطورية. مما إضطر البابا باسكال الثالث إلى مغادرة
روما، مما شجع إسكندر الثالث على العودة إليها عودة المنتصرين. ثم قام بإصدار قرار الحرمان بحق الإمبراطور
فريدريك الأول سنة 1165.
لم يترك خيار لفريدريك إلا أن يهاجم إيطاليا
وتحديداً روما. فحاصرها مستعيناً بإثني
عشر سفينة بيزاوية
[7]
، حتى سقطت سنة 1167، ولكن
البابا تمكن من الفرار إلى الجنوب محتمياً بالنورمان. ثم تفشى الطاعون في جيش فريدريك، وقوي تحالف
المدن الإيطالية ليشمل جميع مدن شمال إيطاليا، فلم يتمكن فريدريك من العودة إلى
بلاده إلا بشق الأنفس.
وفي العام 1174، بعد ست سنوات من الهدوء، عاد
فريدريك إلى إيطاليا بجيوشه ولكنه هزم بالقرب من ميلان.
لجأ الطرفان إلى المفوضات، حيث تعرض فريدريك إلى
ضغوط داخلية. وفي العام 1177 حضر فريدريك
إلى البندقية، التي سبقه إليها البابا، فإرتمى الإمبراطور على قدمي البابا، تماما
كما فعل سلفه هنري الرابع قبل مائة عام سنة 1077.
فإتفق الطرفان على مساعدة بعضهما، ووافق الإمبراطور على إعادة ممتلكات
البابا. وعقد الإمبراطور هدنة مع النورمان
ومع المدن الإيطالية، وقبل أن تنتهي هذه الهدنة عقدت معاهدة كونستانس سنة 1183،
التي بموجبها أصبحت المدن دولاً مستقلة.
كما لم يعد للإمبراطورية وجود سياسي في إيطاليا سوى تواجد شكلي لا قيمة
له.
في
فترة الهدوء التي عقبت إتفاق البندقية حقق فريدريك إنتصاراً على خصمه دوق سكسونيا،
الذي إستفاد من إنشغال فريدريك فوسع دوقيته وعزز مكانته في القارة من خلال
المصاهرة والدبلوماسية، فهزمه وقسّم دوقيته.
ثم حقق إنجازاً آخر عندما خطب كونستانس وريثة عرش صقلية النورمانية لإبنه
ووريثه هنري. وفي العام 1181 توفي البابا
إسكندر الثالث، وخلفه مجموعة من البابابوات الضعاف والذين لم يعمروا طويلاً
ليفعلوا شيء. فخلال سبع سنوات إعتلى سدة
البابوية خمسة باباوات. فوقع خلاف على
تعيين رئيس أساقفة تراير، ولكن فريدريك إصبح أقوى بحلفاءه الجدد في الجنوب
الإيطالي وصقلية، كما تحالف مع ميلان، التي إستضافت عرس هنري على كونستانس. وعندما إعتلى أوربان الثالث سدة البابوية أصر
على موقف البابوية فيما يتعلق بتعيين رئيس الأساقفة المذكور، وعزم على إصدار قرار
بحرمان فريدريك عندما وصلت أخبار حطين وفقدان الصليبيين للقدس وغيرها من المدن
والقلاع. فتغير الموقف وأخذ البابا يدعو
لحملة صليبية جديدة لإستعادة القدس، ولإصلاح ذات البين. فوعد بتتويج إبنه هنري وعاد النفوذ الإمبراطوري
في إيطاليا.
قرر
فريدريك المشاركة في الحروب الصليبية، وهو الذي كان يراسل الحكام المسلمين، ولكنه
مات غرقاً في أحد أنهار الأناضول سنة 1190
[8]
.
تولى
الحكم بعد فريدريك إبنه هنري السادس ( 1190 – 1197 )، الذي ورث عن أبيه قدراته
وقوته وإيمانه بعالمية الإمبراطورية،
فإمتدت طموحاته إلى صقلية وجنوب إيطاليا.
ولكنه إصطدم مع خصوم عديدين مثل هنري الأسد، دوق سكسونيا الذي جرده فريدريك
من قسم كبير من ممتلكاته، فسافر إلى إنجلترة، حيث تربطه علاقة مصاهرة مع بيتها
الحاكم، وها هو يعود ليتحدى هنري مطالباً بأملاكه. كما ظهر تيار قوي في صقلية يدعو إلى توريث
العرش النورماني إلى تنكرد بدلاً من كونستانس، زوجة هنري.
عبر
هنري السادس جبال الألب في العام 1191 إلى إيطاليا، بعد أن حل مشاكله مع هنري
الأسد. قام البابا كالستين الثالث بتتويج
هنري وكونستانس بعد مماطلة. ولكنه فشل في
حملته على الجنوب، بسبب الطاعون وبسبب مقاومة نابولي له.
وعندما
عاد إلى ألمانيا وجد أن معارضة هنري الأسد قد تجددت، كما ثار أمراء الراين
إحتجاجاً على سياساته. فقوي تحالف أسرة
الهوهنشتاوفن وأسرة كابيه الحاكمة في فرنسا.
فقد كان هناك أعداء مشتركين مثل ملك إنجلترة، ريتشارد قلب الأسد، الذي كان
يحارب المسلمين في فلسطين. وعندما كان
عائداً من الشرق جنحت سفينته إلى سواحل النمسا.
وكانت النمسا، في ذلك الزمن، دوقية تتبع الإمبراطورية المقدسة وتمتد في
حدودها حتى ساحل الأدرياتيك. فسلمه
النمساويون للإمبراطور، وقام ملك فرنسا فيليب بتحريض هنري السادس على عدم إطلاق
سراحه. وفعلاً مكث في الأسر أكثر من
سنتين.
إستطاع
هنري السادس إن يحسم الوضع مع هنري الأسد وأمراء الراين، فأخضعهم جميعاً، وتفرغ
لإيطاليا. إستغل هنري السادس تفاقم الخلاف
بين المدن الإيطالية، دون أن يتحالف مع أحد مما فتح له جميع الأبواب، ولم ينشط
البابا في عداءه لهنري وإكتفى بالوسائل السياسية.
وحصل هنري على مساعدة جنوة وبيزا، ولم يقف بجانب الملك النورماني وليم
الثالث أحد، وكان تنكرد قد توفي قبيل وصول جيش الإمبراطور. إستطاع هنري السادس من الإستيلاء على مملكة
النورمان المعروفة بمملكة الصقليتين، صقلية وجنوب إيطاليا،
Kingdom
of
the
two
Sicilies
.
وقد ورث هنري مملكة النورمان، كما ورث عداءهم
المستحكم مع بيزنطة، فتغيرت السياسة الخارجية للإمبراطورية، وأصبح التنافس مع
بيزنطة ركنها الأساسي، كما أصبحت الإمبراطورية دولة بحرية متوسطية. عاد هنري إلى المانيا وترك زوجته على عرش
صقلية. توفي هنري في إيطاليا وهو يتأهب
لحرب صليبية سنة 1197م.
ومات البابا بعد ذلك بعدة أشهر وخلفه إنوسنت
الثالث، الذي كان محنكاً وعاش طويلاً ليحقق للكنيسة وللمسيحية إنجازات عظيمة. وخلف هنري السادس إبنه فريدريك الثاني الذي كان
قاصراً.
وبوفاة هنري إنفصل عرشي ألمانيا وصقلية، فلم يُبذل جهد لتوحيدهما. وقنعت كونستانس بصقلية، وأعلنت تبعيتها للبابا،
وقامت بطرد الموظفين الألمان، الذين شكى منهم الأهالي، وقبل وفاتها أوصت أن يكون
البابا وصياً على عرش إبنها القاصر.
وفعلاً إضطلع إنوسنت الثالث بهذه المهمة على أكمل وجه.
لم
يستسلم بقية الهوهنشتاوفن، فأسرع فيليب، دوق سوابيا، وعم فريدريك إلى المانيا،
فأنتخب ملكاً في العام 1198. ورغم ذلك بقي
عددٌ كبيرٌ من أمراء ألمانيا يؤيدون أوتو بن هنري الأسد، الذي دعمه ملك أنجلترة
ريتشارد بالمال، فنشبت حرب أهلية دامت عشر سنوات، إنتهت بإنتصار فيليب سنة
1207. ولكنه قُتل في العام التالي.
إنتهز
أوتو الفرصة، وسارع إلى الزواج من إبنة فيليب والتحالف مع البابا، فتم إنتخابه
ملكاً، ثم سافر إلى ألمانيا حيث تم تتويجه إمبراطوراً من قبل إنوسنت الثالث، بعد
أن وعد بالتعاون مع البابوية وأن يحافظ على حرية إنتخاب الأساقفة.
لم يدم
الود كثيراً بين الإمبراطور أوتو الرابع والبابا إنوسنت الثالث، فقد أخذ
الإمبراطور بالعمل على ضم مملكة فريدريك إلى الإمبراطورية. مما أثار حنق البابا. بدأ الإختلاف يتحول من مساجلات كلامية إلى عمل
عدائي عندما قام الإمبراطور بإحتلال توسكاني سنة 1210. ثم غزا أبوليا، وأخذ يستعد لغزو صقلية بمساعدة
أسطول بيزا. عندئذٍ أصدر البابا قرار
الحرمان بحق أوتو الرابع. ثم أعلن فريدريك الثاني إمبراطوراً. وفعلاً إجتمع عدد من الأمراء الألمان في
نورنبرج وإعتبروا قرار البابا عزلاً، وإنتخبوا فريدريك ملكاً على ألمانيا. لقد أعاد البابا البابوية إلى ما كانت عليه
قبلاً، بين حجري رحى، ألمانيا وصقلية.
كان فريدريكالثاني ( 1212 - 1250 ) قد بلغ
السادسة عشرة عند ذلك، فتوجه إلى روما حيث أعلن ولاءه للبابا. ثم توجه إلى ألمانيا حيث رحبت به جميع المانيا
ما عدا سكسونيا. دار الصراع على صعيد
أوربي، هذه المرة، فإنخرطت فرنسا وإنجلترة، فمر ست سنوات منذ تُوج فريدريك في
كاتدرائية مينز سنة 1212 إلى إن إستتب الأمر تماماً له في العام 1218. وقد سجل الفرنسيون نصراً كاسحاً ضد الإنكليز
سنة 1214 في موقعة حاسمة. وفي العام 1218
تراجع أوتو الرابع إلى سكسونيا، وإستسلم أتباعه
[9]
.
وكان
فريدريك الثاني محباً للعلم والأدب ويتقن اللغة العربية وثماني لغات أخرى، وكان
يكتب ويقرأ سبعة لغات في وقت كان فيه بعض ملوك أوربا لا يتقنون قراءة وكتابة لغة
واحدة. وكان يسمى أعجوبة الدنيا
Stupor mundi
،
وقد ساعد فريدريك على إيجاد مدرسة جديدة في الشعر في صقلية، وقد أستخدم في بلاطه
شكل من أشكال اللغة الإيطالية سبق إستخدام اللهجة التوسكانية بقرن كامل.
وقد كان لهذه اللغة، التي
نشأت في أوساط مؤثرات عربية قوية، أثر كبير على تكوين اللغة الإيطالية، كما أن
المدرسة الصقلية الشعرية كانت معروفة لشعراء مثل دانتي.
توفي
أنوسنت الثالث سنة 1216 فتحرر فريدريك الثاني من سيطرته، وهو صاحب الفضل عليه في
تنصيب فريدريك. وخلفه هونوريوس الثالث،
وكان هادئ الطبع وركز جهوده على متابعة الحروب الصليبية.
وعد
فريدريك الثاني إنوسنت الثالث بالقيام بحملة صليبية سنة 1215، قبل وفاته بقليل،
ولكنه لم ينفذ ما وعد، وأخذ يماطل. كما
إستمر بالمماطلة مع البابا الجديد هونوريوس الثالث.
كما
وعد البابا إنوسنت الثالث بفصل صقلية عن الإمبراطورية، ولكنه لم يوفي بوعده، بل
مضى في تعزيز الوحدة بينهما بتتويج إبنه الرضيع ملكاً على صقلية والإمبراطورية
معاً. فحنق عليه البابا هونوريوس الرابع. لقد كان فريدريك يعتبر ميراث صقلية " أكثر
مجداً من كل ممتلكاتنا "، كما كانت أكثر ثراءاً، فقد كانت ضرائب صقلية
ومواردها الأخرى تمول جهود فريدريك الحربية
[10]
.
وفي
العاد 1220 تم تتويج فريدريك في روما بعد أن أعطى وعداً بالقيام بحملة
صليبية. وكان البابا شديد التوق لتنظيم
حملة جديدة بعد فشل حملة جون برين على مصر في 1219/1221م. وليشجع البابا فريدريك عرض عليه الزواج من
يولاند وريثة عرش مملكة القدس اللاتينية.
قبل فريدريك العرض وجدد وعده بالقيام بحملة صليبية، ولكنه طلب من أن يكون
الزواج في صقلية. وفعلاً تم الزواج سنة
1225، ولكن فريدريك لم يوفي بوعده، بل زاد الأمر تعقيداً عندما فرض قوانين مشددة
على رجال الدين. كما عقد مجمعاً في
مريمونا أعلن فيه تمسكه في حقوقه في لومبارديا، مما نشر الفزع في المدن
اللومباردية، التي بادرت إلى إغلاق الممرات الجبلية في الألب. مات هونوريوس سنة 1227 قبل أن يبدي أي رد فعل
على أعمال فريدريك. وجاء خلفه جريجوري
التاسع صاحب إرادة قوية، فأصر على فريدريك أن ينفذ وعوده. فقام فريدريك بالإبحار من برينديزي بإتجاه
الشرق، ولكنه عاد خلال أيام بحجة المرض.
ولكن البابا لم يقبل ذلك العذر فأصدر بحقه قرار الحرمان
[11]
.
لم يهتز
فريدريك من قرار البابا، فقد إستطاع أن يحرض أهل روما على البابا، مما إضطره إلى
الفرار منها في سنة 1228. وفي نفس السنة
غادر فريدريك إلى الأراضي المقدسة على رأس قوة صغيرة.
وكان
فريدريك تربطه علاقة صداقة مع الملك الأيوبي الكامل، وكان بينهما مراسلات. فطلب الكامل مساعدته ضد أخيه الملك المعظم،
الذي نازعه الحكم، وعرض الكامل على فريدريك مديمة القدس. ولكن الملك المعظم مات قبل وصول فريدريك إلى
المنطقة. فطالب بالقدس. فوقع الكامل في الحرج. فمضت بينهما مفاوضات طويلة، إلى أن إتفقا على
تسليم المدينة وفق شروط تضمن حقوق المسلمين.
ودخل فريدريك المدينة المقدسة دون أن يحتفل بذلك أحد، فقد قاطعه الصليبيون
بسبب حرمانه، فقام بتتويج نفسه بنفسه في كنيسة القيامة، لرفض رجال الدين التعامل
معه في آذار 1229. لم تفرح أوربا بإستعادة
القدس، بل يقال إن بعض الأوربيين كتب يحرض الكامل على عدم تسليم المدينة
لفريدريك.
عاد
فريدريك إلى أوربا، ليجد إشاعة مفادها أنه مات في البلاد المقدسة، ثم ووجه بقرار
حرمان آخر سنة 1239، فرد عليه بطرد رجال الكنيسة من لومبارديا وتعيين إبنه إنزيو
كرئيس لكنيستها، الذي قام بضم اقاليم اخرى كانت تتبع، ولو إسمياً، للدولة
البابوية. وفي نفس السنة إستولى فريدريك
على توسكانيا وهاجم روما ولكنه لم يتمكن من إقتحامها، فعاد إلى الجنوب، وفي طريقه
نهب جيشه بينيفنتو التي كانت من ممتلكات البابا.
توفي البابا سنة 1240، بينما كان فريدريك بينما كان فريدريك يعد لمهاجمة
روما. ولإثبات أن صراعه كان مع البابا
وليس مع الكنيسة تراجع فريدريك وأطلق سراح رجال الدين الذين كانوا بحوزته. ولكن هذا لم يغير شيئاً، إذ هوجمت قواته من قبل
جيش روما، فأعاد الكرة على روما ثانيةً، وتكرر المشهد إلى أن إعتلى إنوسنت الرابع
سدة البابوية سنة 1243م، بعد سنتين من الفوضى، حيث تعذر إنتخاب بابا خلال
سنتين.
سُر
فريدريك لإختيار إنوسنت الرابع، فقد كان من أسرة إمبراطورية، وكان لديه أقارب في
معسكر فريدريك. ولكن إنوسنت الرابع سيثبت
عما قريب أنه أشد أعداءه ضراوة. فالصراع
كان بين مؤسستين ولم يكن بين أشخاص. عندما
أُنتخب إنوسنت الرابع كانت المفاوضات جارية بين الطرفين، ولكنها لم تؤدي إلى حل.
فقد تمسكت البابوية بالسيطرة على الموقف بين الإمبراطور والمدن اللومباردية. لقد كان فريدريك مستعداً للتساهل في كل
القضايا، بما في ذلك الكنسية منها. وإزاء
إصرار البابا على متابعة سياسة جريجوري التاسع قام الإمبراطور بمهاجمة روما بقواته
المكونة من المسلمين سنة 1244
[12]
. ففر البابا إلى جنوا
ومنها إلى فرنسا، حيث دعا إلى عقد مجمع في ليون سنة 1245 لمناقشة الصراع بين
البابوية والإمبراطورية. قرر المجمع عزل
فريدريك، إلا أنه أعطاه حرية إختيار خلفاً له.
وقام فريدريك بالتوجه إلى ملوك أوربا، الذين لم يفعلوا شيء، على الرغم من
تخوفهم من تعاظم دور الكنيسة. عمل البابا
على زععة مكانة فريدريك في ألمانيا، فبإستثناء بعض الأساقفة بقيت غالبية ألمانيا
موالية للإمبراطور. وفي السنوات التالية
أحرزت الإمبراطورية تقدماً كبيراً فقد تحقق بناء إمبراطورية تمتد من شمال ألمانيا
إلى صقلية. فأصبح فريدريك يفكر في غزو ليون حيث يقيم
إنوسنت الرابع. ولكن إشتعلت ثورة في مدينة
بارما سنة 1247، لم تتمكن القوات الإمبراطورية من إخمادها. كما ثار أمراء أبوليا، كما إشتدت مقاومة مدن
شمال إيطاليا. وقام البابا بإختيار اميراً
هولندياً ملكاً على ألمانيا. وفي سنة 1250
بدأت كفة الإمبراطور ترجح عندما حقق عدداً من الإنتصارات في شمال إيطاليا، كما
إنتصر كونراد إبن الإمبراطور على الأمير الهولندي المعين ملكاً على ألمانيا. ولكن فريدريك لم يعش ليعزز هذه الإنتصارات،
فمات في نفس السنة. وبموته إنتهت الصفة
العالمية للإمبراطورية، وإنتهى الصراع، فقد كان فريدريك آخر الأباطرة العظام الذين
تمسكوا بهذه الفكرة. وخرجت البابوية من
الصراع منتصرة قوية.
لقد كان
فريدريك شخصاً لم تلد أوربا العصور الوسطى مثله.
فقد كان متنوراً محباً للعلم، بل كان عالماً. أسس جامعة نابولي وجلب لها المحاضرين، ووضع لها
المناهج. وله مؤلفات مثل " أسئلة
صقلية " نشر فيه عن أشهر علماء العالم العربي سلسلة من التساؤلات ذات الأهمية
[13]
.
لا
يزال المؤرخون الأوربيون يختلفون في تقييم شخصية فريدريك الثاني، وكذلك إختلف في
تقييمه العرب، ولكن أحدهم، وهو سبط بن الجوزي، وصفه وصفاً عنصرياً فقال إن جسمه
مغطى بالشعر الأحمر وأنه أصلع وضعيف النظر، وأضاف أنه لو كان عبداً لما تخطى ثمنه
مائتي درهم.
العصبة
الهانزية وعصبة الراين
نجم عن
ضعف الإمبراطورية الرومانية المقدسة، أن قوي الأمراء والدوقات والكونتات، وكثر
عددهم حتى بلغ عدد الأمراء في ألمانيا أكثر من ثلاثمائة، يتقاتلون فيما بينهم
بإستمرار، ويغيرون على المناطق المجاورة، لدرجة أُطلق عليهم إسم الفرسان اللصوص. ففقد النظام والأمن. فتمسك كل صاحب سلطة بسلطته، من أمراء وأساقفة
وزعماء المدن. فضعفت السلطة المركزية أكثر
وأكثر. فكان وضع ألمانيا في نهاية القرن
الرابع عشر يتصف بالتمزق والإقتتال المتكرر وإنعدام الأمان، وفرص قيام سلطة مركزية
منعدم.
ولم
يكن هذا الوضع يناسب التجار لممارسة تجارتهم، التي تتطلب طرق سالكة بأمان ومدن
مستقرة وحالة يسود فيها القانون وغلإحساس بالأمان . فلجأ تجار ألمانيا إلى تأسيس مراكز تجارية لهم
في أماكن آمنة خارج المانية في مدن قريبة.
فإنصرف تجار مدن الشمال الغربي، مثل كولون، نحو الغرب وإتخذوا من بروجر
بالفلاندرز، ولندن بإنجلترة مراكز لهم، يمارسون عمليات التبادل التجاري فيها. وإتجه تجار الشمال الشرقي، مثل هامبورغ، شرقاً،
وأسسوا مراكز تجارية في نوفجورد بروسيا وبرجن بالنرويج ووتن بالسويد وويزبي بجزيرة
جوتلاند. وبدأت المراكز تتطور وتتنظم
لتأخذ شكل النقابات، بدافع تضامن المصالح المشتركة. وقد بدأت هذه النقابات بالظهور منذ القرن
الثاني عشر. فظهرت إحداها في لندن بين
تجار مدينة كولون. ثم توسعت فضمت تجار
كولون في جميع المدن الإنكليزية، فنشأت نقابة عامة تحتكر التجارة بين البلدين،
إنجلترة وألمانيا.
ولكن
الحاجة للتنظيم كانت في ألمانيا أكثر من إنجلترة.
فبدأت النقابات والإتحادات تنظم نفسها في ألمانيا ذاتها. فظهر في حوض الراين تنظيم يربط تجار الإقليم
ببعضهم سُمي بعصبة الراين. وهكذا ظهر
التحالف بين تجار مدينتي ليوبك وهامبورغ، ثم إنضم إليهم تجار ويزمار وروستوك ولحق
بهم تجار مدن بقية الإقليم. ثم إرتبطت
بالإتحادات الموجودة بالخارج، فتشكلت العصبة الهانزية سنة 1350، وكان لها أربع
مراكز في الخارج وهي نوفجورود ولندن وبروجز وبرجن.
وعلى
الرغم مما كان يظهر من خلافات بين قادتها وأعضائها تمكنت العصبة من تحقيق حالة
وحدوية عجز عنها الأمراء والفرسان والأساقفة.
فبدأ خطرالعصبة يزداد فسيطرت على التجارة، ليس في ألمانيا فحسب، وإنما في
شمال غرب أوربا كلها. فإمتلكوا الأساطيل
والمحطات التجارية، كما إمتلكوا القوة المالية، التي يملكها التجار في
العادة. وإستطاعوا الوقوف في وجه القراصنة
الفايكنج، أو ما تبقى منهم.
وكان
لهم قواعد يتمسكون بها ، مثل عدم جواز إفتداء من يتم إختطافه من قبل القراصنة
والمجرمين ، وعدم قبول أي شخص يطرد من إحدى المدن في أي مدينة أخرى، كما لا يجوز
دعم الأمراء ضد المدن ، وإذا نشبت الحرب في البلاد لا يجوز لمدينة إساءة معاملة
مدينة أخرى بسبب الحرب ، وأيضاً .. إذا تزوج رجل إمرأة في مدينة وجاءت إمرأة من
مدينة أخرى وأثبتت أنها زوجته فيجب قطع رقبته
[14]
. والذي يدقق في هذه
القواعد يستطيع الإستنتاج ماذا تهدف إليه العصبة .
وقد
دخل ولدمار الرابع، ملك الدنمرك في صراع عنيف مع العصبة، وتمكن من إنتزاع ويزبي
منهم. ولكنهم تمكنوا من إستعادتها، بل
وأصبحوا قوة تتدخل في إختيار الملوك في حوض البلطيق.
وأخذت
العصبة تضعف في القرن الخامس عشر، ونجم ذلك عن فقدان دورها بإستقرار الأوضاع في
الإقليم وظهور ملكيات قوية. كما أن السياسات
التي إتبعتها العصبة ألبت عليها أعداء كثيرون، فمثلاً كانت ترفض اعضاء جدد، كما أن
المدن الأجنبية التي كانوا يتخذونها مراكز لم تعد تتقبل مبدأ الإحتكار. لقد كانت العصبة تختكر صيد وتجارة سمك الرنجة
من بحر البلطيق، ولأسباب طبيعية هاجر هذا النوع من السمك من هذا البحر، ففقدت
الرابطة أحد مجالات عملها وخسرت دوراً مهماً، مما أدى إلى إختفاءها.
الأسر
البابلي
لم
تتمكن الكنيسة والبابوية من الحفاظ على قوتها التي وصلت ذروتها في القرنين الثاني
عشر والثالث عشر، ففي القرنين التاليين بدأت الكنيسة والبابوية تعاني من مظاهر ضعف
عام. فقد تطور المجتمع الأوربي بإتجاه
علماني، بحيث أصبح الإنسان الأوربي يقدم مصالحه الوطنية على مصالح الكنيسة، ونجم
ذلك عن إنتشار التعليم وتطور التجارة وتجربة الحروب الصليبية، سواء تلك التي شنتها
أوربا ضد المسلمين أم تلك التي وُجهت ضد أهداف أوربية.
لقد
إمتازت علاقة البابوية مع الملكية الفرنسية بالإتفاق الكامل طوال فترة الصراع مع
الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولكن شهدت نهاية القرن الثالث عشر تحولاً في هذه
العلاقة، حيث ساءت في زمن الملك فيليب الرابع والبابا هونوريوس الرابع، ثم مع البابا
الذي خلفه نقولا الرابع. وبعد وفاة البابا
نقولا الرابع تعذر إنتخاب بابا جديد نتيجةً للفوضى التي شاعت في روما والخلاف بين
عائلاتها، الذي تحول إلى نزاع مسلح. فأصبح
الكرادلة يتعرضون لضغوط شديدة من قبل عائلات روما، ومع هذا فقد تمكنوا أن ينتخبوا
كلستين الخامس ولكنه لم يعمر، فخلفه في العام نفسه بونيفيس الثامن، وقد كان طاعناً
في السن، ولم يتورع عن إستغلال منصبه في إثراء ذوي قرباه مما أضر بسمعته وسمعة
البابوية
[15]
.
وفي
هذه الفترة قام ملكي إنجلترة وفرنسا بفرض ضرائب إضافبة على رجال الكنيسة. فقام البابا بإصدار مرسوم يمنع فيه رجال
الكنيسة من دفع أية ضريبة دون موافقته.
فقام فيليب الرابع بالرد على ذلك بمنع تصدير الذهب والفضة إلى خارج فرنسا،
مما حرم البابوية من مصدر هام للدخل. وبعد
وفاة
البابا
حل محله البابا بونيفيس ، الذي عمل على إصلاح ذات البين . وبعد وفاة بونيفيس حل محلة رئيس أساقفة بوردو
في فرنسا. الذي تمسك في البقاء في فرنسا
وأرسل للكرادلة للحضور إليه. وقام بإشتراء
قطعة من الأرض في أفينون ليبني عليها
مقراً للبابوية
[16]
.
وهكذا
إستقرت البابوية في مبنى جميل وفخم على ضفاف نهر الرون في محيط فرنسي. وكان هذا تحولاً له دلالات غير مقبولة
للبعض. فملوك إنجلترة، الذين كانوا يخوضون
حرب المائة عام ، أو يعدون لها ، مع فرنسا، لم يقبلوا بابا لا يُضمن حياده.
ولكن
المحيط الفرنسي وفر للبابوية تخلصهم من إضطرابات إيطاليا وحروبها ، وضغوط
أرستوقراطية روما ، وكان هذا السبب وراء بقاء ستة من البابوات في فرنسا. وقد أتاح هذا الجو للبابوية التوسع في مجالات
عديدة من بينها الجانب المالي وإحكام سيطرة البابوية على ترقيات القساوسة
وتعييناتهم. فوضع في افينون نظام تعيينات
يضمن السيطرة البابوية . فإحتكر البابوات
التعيين في المناصب الهامة . وقد كانت هذه
التعيينات مصدر دخل مهم للكنيسة . فعندما كان
البابا يعين شخصاً في منصب ، كان الحق للبابا الحصول على عائد الوظيفة بالكامل في
السنة الأولى ، كما كان هناك رسوم يتم تقاضيها مقابل الحصول على حجز مناصب ، وعلى
التعيينات . كما كان هناك ضرائب تفرض على
الدخول السنوية للقساوسة ، وهي إستمرار لضريبة كانت تُفرض لتمويل الحملات الصليبية
، كما كانت تجمع مبالغ طائلة من بيع صكوك الغفران ، التي ، هي الأخرى ، كانت تكرس
لتمويل الحروب الصليبية ، وإستمرت بعد الإنتهاء منها . وقد تم جمع أموال طائلة من هذه المصادر وغيرها
، وقد كان البابوات يودعونها لدى الوكلاء المصرفيين ، حيث كانوا ينفقون مبالغ
كبيرة على الصراعات الدائرة في إيطاليا.
وقد نجم عن هذا الإصلاح إيقاف النزاعات التي كانت ترافق تعيين الأساقفة
وغيرهم ، ثم أصبح الإختيار للأفضل عموماً ، بتغييب تخل الأرستقراطيات المحلية
. وقد أحكم البابا قبضته لدرجة أن أحد أن
إيراسموس علق على هذا الحال بقوله " إن المسيح نفسه لم يكن ليسمح له بالدخول
في هذه الهيئة بدون ترخيص من البابا " وكان يشير إلى إحدى الكاتدرائيات في
ألمانيا
[17]
.
أثارت
هذه الإصلاحات معارضة شديدة لدى الملوك والأمراء الذين فقدوا سيطرتهم على رجال
الكنيسة في مناطق نفوذهم . كما نظر البعض
لهذه الوضع على أنه وسيلة لإستنزاف الأموال من بلادهم لتنفيذ المشاريع البابوية
وتمويل الحروب في إيطاليا تحديداً. وقد
كانت المعارضة قوية في إنجلترة تحديداً ، التي إعتقدت الدوائر الحاكمة فيها أن
الأموال التي ترسل إلى أفينون قد تنتهي في خدمة المجهود الحربي الفرنسي. فعمل الملك على إصدار قانون يعطيه حق التدخل ،
ولكنه لم يلغي القانون البابوي أو يعطله ، كما لم يفرض قانونه بإنتظام ، وقد سانده
المصلح جون وايكلف ، الذي عُرف بمعارضته للكنيسة .
وفي
ألمانيا أخذت المعارضة شكلاً عنيفاً ، إذ تم إلقاء قساوسة ثلاث ، جاؤوا لتعيين أحد
المرشحين، في نهر الماين . ثم ساءت
العلاقات بين البابا والإمبراطور لدرجة أن قام البابا جون الثاني والعشرين بإصدار
قرار حرمان بحق الإمبراطور لويس البافاري .
فأصبح بلاط الإمبراطور الألماني ملاذاً للمعرضين في أوربا جميعها ، وبرز من
بينهم الفيلسوف الإنكليزي وليم أوكهام ، الذي وضع قلمه في خدمة الإمبراطور، فكان
يدعو إلى أن تكون إدارة المصالح الدنيوية المتعلقة بالكنيسة من إختصاصات
الإمبراطور . وقد كان لكتاباته تأثير واسع
، وقد إعتمد المنهج المنطقي . وقد إختلف
معه وايكلف ، الذي كان مثله ، معارضاً للبابا ، ولكنه إختلف مع أوكهام فرفض المنهج
المنطقي . وكان لكلٍ منهما أتباع وتلاميذ
في أنحاء مختلفة من أوربا ، مما ولد حركة فكرية واسعة . وقد أسس الناسك الفلمنكي جيرارد جروت جماعة
كانت تعيل نفسها بنفسها ، من صغار القساوسة والمعلمين سماها " إخوان الحياة
المشتركة ". وتأسس على نمطها الكثير
من بيوت الإخوان في ألمانيا والبلاد المنخفضة .
وعلى الرغم من عدم تسيس هذه الجماعات ، كان هناك نفور من ثروات الكنيسة
وإساءة إستخدامها . وبدأ إتجاه جديد يتمثل
بالكتابة والوعظ باللغات المحلية
[18]
.
ومع
هذا إستقر في أفينون ستة من البابوات، إلى أن قرر جريجوري الحادي عشر الرجوع
بالبابوية إلى روما سنة 1376 ، فإنتهى بذلك ما عُرف بالأسر البابلي . وقد حدث هذا تحت ضغط هذه المشاكل جميعاً ، لقد
وجد رجال الكنيسة أنهم يستطيعون مواجهة هذا الوضع الجديد المتسم بالمعارضة من طرف
الساسة والمفكرين من روما ، المقر الطبيعي للبابوية ، ويمكن الخروج بحل بحيادية
أفضل.
الإنشقاق
الكبير
توفي
البابا جريجوري الحادي عشر، وعند إنتخاب خليفة له عادت أرسطوقراطية روما في لعب
الدور نفسه. فعارضوا رغبة الكرادلة إنتخاب
فرنسيٍ آخر خوفاً من نقل مقر البابوية إلى فرنسا.
فبذلوا ضغطاً شديداً على الإجتماع وأطلقوا التهديدات . فقام الكرادلة بإنتخاب بإنتخاب كبير أساقفة
باري ، المدينة الإيطالية الجنوبية ، حيث تسمى إربان السادس . ولم يكن إختياراً موفقاً فالرجل لم يكن قادراً
على التحكم بأعصابه ، فبدأت تبدر عنه إساءات غير مبررة للكرادلة ، فغادر معظمهم
روما. حيث أخذوا يصرحون أن إنتخاب البابا
تم تحت الضغط ، وأنهم يعتقدون أن مركز البابوية لا يزال شاغراً
[19]
. وسرعان ما قاموا بإنتخاب
بابا بإسم كليمنت السابع ، الذي إنتقل إلى القصر البابوي في أفنون . أما أوربان فقد قام بدوره بتعيين كرادلة بدل
الكرادلة المنشقين. فأصبح هناك رأسين
للمؤسسة نفسها.
بابوات الإنشقاق الكبير
|
|
|
|
|
|
|
|
|
إنكلترة
|
فرنسة
|
بيزنطة
|
العثمانيين
|
الإمبراطور
|
بابا مجمع بيزا
|
بابا أفينون
|
بابا روما
|
السنة
|
ريتشارد الثاني
|
شارل الخامس
|
جون الخامس
|
مراد الأول
|
ونسلاوس
|
|
كلمنت السابع
|
أوربان السادس
|
1378
|
|
شارل السادس
|
|
|
|
|
|
|
1380
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1382
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1384
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1386
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1388
|
|
|
مانويل الثاني
|
بايزيد الأول
|
|
|
|
بونيفيس التاسع
|
1390
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1392
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1394
|
|
|
|
|
|
|
بندكت 13
|
|
1396
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1398
|
هنري الرابع
|
|
|
|
روبرت
|
|
|
|
1400
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1404
|
|
|
|
|
|
|
|
إنوسنت السابع
|
1406
|
|
|
|
|
|
اسكندر الخامس
|
|
جريجوري 12
|
1408
|
|
|
|
|
سجسموند
|
جون 23
|
|
|
1410
|
هنري الخامس
|
|
|
|
|
|
|
|
1412
|
|
|
|
محمد الأول
|
|
|
|
|
1414
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1416
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1418
|
|
|
|
|
|
|
|
|
1420
|
|
|
|
مراد الثاني
|
|
|
|
|
1422
|
إستمر
الإنشقاق ثلاثين سنة ، وقد ترك ذلك أثراً عميقاً على أتباع الكنيسة ، الذين وقعوا
في حيرة شديدة وإعتقدوا أن هذا الخلاف يجب أن يُحل بأسرع وقت ، وإعتقدوا كذلك
بضرورة إصلاح نظام الكنيسة . وكان كل بابا
يتم إنتخابه يقسم على أن يستقيل إذا كان ذلك يسهل تحقيق الوحدة. وفشلت جميع المحاولات التوفيقية ، فقد كان
البابوات يمتنعون عن الإستقالة ويتمسكون بالمنصب بعناد . ولم يكن هناك آلية أخرى ، فعندما يختلف طلاب
العروش كثيراً ما يلجأون إلى الحلول العسكرية، وهذا غير وارد في حالة زعامة
الكنيسة. كما أن عقد مجمع ديني يمكن أن
يكون حل نموذجي ، ولكن من هو البابا الذي سيدعو إلى مجمع كهذا . لقد هناك مأزق دستوري . وقد حاول الكرادلة ، في المعسكرين ، العمل على
توجيه دعوتين متزامنتين . ولكن هذا الخيار
لم ينجح. ثم قام الكرادلة بالدعوة لمجمع
في بيزا سنة 1409. ولم يكن الجميع واثقون
من قانونية المجمع، فكان الحضور محدوداً.
ومع هذا فقد مضى المجمع وخلع البابوين وإنتخب ثالثاً ، الذي تسمى جون
الثالث والعشرين. فاصبح هناك ثلاثة بابوات.
لقد
حدث هذا الإنشقاق في وقت كانت فيه أوربا منقسمة على نفسها تحت وطأة الحرب
الإنكليزية الفرنسية ، حرب المائة عام ، وكان هناك خلاف على منصب الإمبراطور بين
وينسلاس وروبيرت . وهذا زاد وضع القارة
تعقيداً .
روما
تعد روما من أعظم مدن العالم عبر التاريخ ، وقد
لعبت دوراً كبيراً في تغيير مصائر شعوب عديدة في العالم . وكانت قد تأسست في سنة 753 ق م على يد رومولوس
، وهذا ما سلتقي عليه علماء التاريخ والرواة ، وقد حكمها سبع ملوك قبل أن تتحول
إلى جمهورية سنة 509 ق م . وقد هوجمت للمرة الأولى من قبل شعب الغال سنة 390 ق م ،
ولكنها صمدت في حروبها مع قرطاجة بل إنتصرت ودمرت جيوشها قرطاجة ، وقبل ميلاد
المسيح ( ع ) كان معظم حوض المتوسط يتبع لروما .
وبعد ظهور السيد المسيح ( ع ) ، عارضت روما الدعوة المسيحية وحاربتها
ولكنها وصلتها في مرحلة مبكرة ، جعلتها إحدى المراكز الرئيسية للدعوة مما جعلها
أسقفية من أصل خمس أسقفيات ، ثم تحولت إلى أهمها عندما أصبحت مقر البابوية . ومع نهاية القرن الثالث بدأ الأباطرة يعترفون
بالديانة المسيحية إلى أن تقبلوها . وفي
هذه الأثناء بدأت روما تفقد جزءاً من أهميتها عندما تأسست القسطنطينية كعاصمة
ثانية للإمبراطورية . ثم تعرضت للنهب
مرتين ، على يد القوط سنة 410م ، وعلى يد الوندال سنة 455م . وفي العام 476 تمت الإطاحة بالإمبراطور رومولوس
، فأصبحت روما تتبع القسطنطينية .
وبعد ذلك دخلت في تبعيات مختلفة ، من دولة
الفرنجة والإمبراطورية الرومانية المقدسة ، كما هاجمها اللومبارد وهاجمها المسلمون
من صقلية سنة 846 م. ثم هاجمها النورمان
ونهبوها . وفي العام 1144 تشكلت كومونة
روما ، حكومة مستقلة ، أقرب إلى النظام الجمهوري . بحيث تتمتع المدينة ببعض الإستقلال عن
الإمبراطورية والبابوية . وقد أصبح ذلك
ممكناً بعد دمار روما على يد النورمان ، حيث ساهم في ذلك عائلات جديدة تستمد
ثراءها وقوتها السياسية من التجارة وليس من الملكية العقارية .
لقد وصلت روما إلى حالة من الدمار لدرجة أن كان
جزءاً كبيراً منها غير مأهول وقد إنخفض عدد سكانها إلى درجة تعادل قرية كبيرة في
زماننا ، فقد بلغ تعدادها ثلاثين ألفاً في الوقت الذي كان تعداد القسطنطينية أكثر
من عشرة أضعاف ذلك . ويعزى دمارها
وتراجعها إلى الأسباب التالية
[20]
:
الأول: مؤثرات الزمن والطبيعة ؛ فبحكم القدم
تهدمت الكثير من المباني والمرافق التي كانت روما تفخر بها ، كما كان للظروف
الطبيعية مثل الزلازل والأمطار والرياح وعوامل التعرية الأخرى التي تعمل عاماً بعد
عام بغياب سلطة قوية تتولى أعمال ألصيانة .
الثاني : الإجتياحات المتكررة للمدينة من قبل
القوط والفندال ومن قبل جيوش مسيحية أيضاً ، وقد كانت ثروة روما تغري الجيوش
بالنهب . ولم يقتصر نهب روما على أعدائها
فقد قام بعض أباطرة القسطنطينية بتجريد بعض مباني روما من حليها وأخذها إلى
عاصمتهم . لقد كانت الكثير من مباني روما
الكبيرة مهجورة ، وهذا سهل ذلك . وقد
أتلفت المباني الخشبية بالحرق ، وقد كانت تعرضت لحريق في أيام نيرو إستمر لعدة
أيام . كما صُهرت الأجزاء الرصاصية ، مثل تيجان الأعمدة ، ووضع المعدن في إستخدامات أخرى . وحملت ألواح رخامية وتماثيل مصنوعة من مواد
مختلفة إلى عواصم مختلفة ، مثل أكس لا شابل في زمن شارلمان وغيرها من المدن
الأوربية الصاعدة .
الثالث :
نزاع نبلاء روما وعائلاتها فيما بينهم .
وقد كانت مباني روما تخضع للدمار أثناء النزاع ، وعندما تضع الحرب أوزارها
تهب روما لتصلح مبانيها ، فيضطر بناؤوها من إنتزاع أحجار من مباني أخرى لهذه
الغاية ، مما يسبب بدمار آخر لتلك المباني .
عائلات روما
وقد أشتهر من بينها عائلتي كولونا
Colonna
وأورسيني
Ursini
، اللتان تنافستا وتصارعتا لفترات طويلة في العصور الوسطى ، وقد
كان الخلاف يتعدى زعامة المدينة إلى زعامة العالم المسيحي ، في إنتخاب البابوية ،
ولذلك كانت هذه النزاعات خطيرة ووقعها يتخطى الرقعة الجغرافية الخاصة
بالعائلة. وقد كان البابا مارتن الخامس من
عائلة كولونا ، كما كان منهم رجال دين وسياسة في أوقات مختلفة . أما عائلة الأورسيني فقد تم إختيار ثلاثة
باباوات منها . أحدهم سيلسيتين الثالث ،
الذي إختار إثنين من أبناء إخوته كاردينالات .
وكانت عائلة بيرليوني شديدة الثراء قبل أن تصبح
صاحبة نفوذ ، وقد إنحدرت هذه العائلة من أصل يهودي ، ولذلك كانت تعير من قبل
خصومها بتعاطي الربا ، وقد كانوا في العموم مؤيدين للبابوية في جميع مراحل النزاع
، كما تبوأ بعض أبنائها مناصب رفيعة في روما، وقد أصبح أحد أبناء العائلة بابا . وقد كان خصومهم الرئيسيون عائلة فرانجيباني ،
الذين كانوا يقفون في الحزب المعادي للبابوية .
وقد تحزبت عائلات روما وإيطاليا في حزبين كبيرين
الجلف
Guelphs
والجبلين
Ghibellines
، فكان أحدهما يساند البابا ،
بينما يساند الآخر الأباطرة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، أيام الصراع بين
البابوية والإمبراطورية .
الإمبراطورية
المقدسة في نهاية العصور الوسطى
بعد
وفاة فريدريك الثاني في العام 1250 وإبنه كونراد سنة 1254م لم يتوج أحد كإمبراطور
لغاية العام 1272م ، عندما تنازع هذا الحق وإدعاه لنفسه كل من ريتشارد الكورنولي
الإنكليزي وألفونسو العاشر الإسباني، دون أن يحاول أن أحدهما أن يحكم الإمبراطورية
فعلياً . فأصبح الدوقات والكونتات أقوى
فتمادوا في منازعاتهم وتقوية مواقعهم في داخل إماراتهم وخارجها. وبعد وفاة رتشارد رغب مؤيدوه في إنتخاب خليفة
له يرث حقه في عرش ألمانيا ، فإختاروا رودولف كونت هابسبورغ سنة 1273، وأيدهم
مسعاهم البابا .
تنحدر
أسرة الهابسبورغ من سويسرة الألمانية ( سوابيا ) ، وينسبون إلى قلعة ، تسمى قلعة
الصقر.
تنازل
رودولف للبابا عن ممتلكات الإمبراطورية في إيطاليا وركز جهده على عصيان أوتوكار
الثاني، ملك بوهيميا ، حيث إستطاع هزيمته وقتله بعد عدة معارك . توفي رودلف سنة 1291 وهو يحاول كبح جماح
الدوقات والكونتات ويوقف من إقتتالهم الداخلي دون نجاح. وبعد وفاته تم إنتخاب أدولف كونت ناساو ، ولم
يتم إنتخاب إبن رودولف ألبرت. فبدأ أدولف
حكمه بمحاربة ألبرت ، الذي إعتلى العرش في العام 1298، وإستمر في الحكم لغاية
العام 1308 ، حيث إعتلى العرش هنري من أسرة لوكسمبورغ ، وتلقب هنري السابع ، وكان
ألبرت حاكماً قوياً ، ولكن مقتله المفاجئ على يد إبن أخيه، لم يمكنه من إنجاز
مشروعاته، وكان من الممكن أن يعزز فرص الإستمرار لأسرته في الحكم، ويمنع وصول أسرة
لوكسمبورغ من الوصول إلى الحكم
[21]
.
وقد
تأسست الإمبراطورية الرومانية المقدسة على أنقاض الإمبراطورية الكارولنجية ، أو
جناحها الشرقي . وقد تكونت الإمبراطورية
من عدد من الدوقيات والكونتيات والممالك ، وقد كان بعضها كبيراً جداً مثل سكسونيا
وبافاريا واللورين ( لوثرينجيا ) وفرانكونيا والنمسا وسويسرة وبوهيميا وإيطاليا
وبرجنديا . وقد كان منصب الإمبراطورية
إنتخابي ، وقد تعزز ذلك بالقانون الذهبي الذي صدر سنة 1356 ، وكان الجسم الإنتخابي
يتشكل من الأمراء وأساقفة مينز وكولون وفيريرا وممثلين المدن الحرة . وكان الأباطرة يوازنون قوة الأمراء بقوة
الأساقفة ، الذين كانوا يعينونهم ، وقوة ممثلي المدن من برجوازية المدن الصاعدة
. وكان الأباطرة يدعمون هذه الفئة ، مما
كان يدفع إقتصاد البلاد إلى الأفضل . ولم
يكن الإختيار كاملاً ما لم يقوم البابا بتتويج الإمبراطور ، وإلا فهو " ملك
الرومان ". وفي القرون الأخيرة أصبح
عرش الإمبراطورية يورث ، وتم الإستغناء عن تتويج البابا.
وقد
صمم هنري السابع الذي كان إبن كونت لوكسمبورغ هنري السادس، وأخا جون ملك بوهيميا،
على إستعادة أمجاد الإمبراطورية . فعمل
على فرض سيطرتها على المدن الإيطالية ذات النزعة الإستقلالية ، مثل البندقية ،
وهزم فريدريك هابسبورغ الذي كان يطمع في العرش الإمبراطوري ، الذي كان دوق النمسة
. كما كان مصمماً على معاقبة ملك نابولي
روبرت ، ولكنه توفي في العام 1313م ، وخلفه لويس الرابع البافاري.
فبعد
وفاة هنري السابع إستبعد الأمراء المنتخبون
Prince electors
إبنه لصغر سنه ، وإختاروا لودويج ( لويس ) سنة 1313 ليكون نداً
لفريدريك الوسيم من أسرة هابسبورغ الطامحة لعرش الإمبراطورية. وقد تم تتويجه من قبل أسقف مينز.
وقد نجم عن إنتخابه حرب
إستمرت لغاية العام 1322، حيث هزم فريدريك هابسبورغ ووقع في الأسر. وبعد بقاءه في
الأسر إعترف فريدريك بلودويج كإمبراطور، وقد تعهد أن يعود إلى الأسر إذا لم يقنع
أخاه بالإعتراف بلويس، ولكنه فشل في ذلك ، وفعلاً عاد إلى ميونخ حيث وضع نفسه تحت
تصرف لويس، الذي أُعجب بأخلاقه وفروسيته ، فعرض عليه أن يحكما الإمبراطورية
معاً. ولكم ليوبولد ، أخو فريدريك ، نوفي
في العام 1326 ، فتسلم فريدريك حكم النمسا ، وتنازل عن منصبه الإمبراطوري .
وعلى
الرغم من إستتباب الأمور للودويج بقي البابا على موقفه فلم يقر تتويجه، ثم أصدر
قرار حرمان بحقه. ولم يكن قرار الحرمان
يحمل نفس الوزن الذي كان عليه قبل قرن .
فقام بمهاجمة إيطاليا ودخل روما حيث تم تتويجه من قبل أحد السناتورات ، ثم
قام بعزل البابا وتعيين بديل له. ولكن
البديل تم عزله بمجرد مغادرة لودويج لروما .
تمت
هذه الأحداث في زمن الصراع الإنكليزي الفرنسي وفي زمن الأسر البابلي، حيث قام
البابا بنيديكت الحادي عشر بنقل مقر البابوية إلى أفينون في فرنسا . وقد تحالف لويس مع إدورد الثالث ، ملك إنجلترة
ضد الملك فيليب السادس ، ملك فرنسا ، الذي قام بتأليب البابا ضد الإمبراطور
لودويج. فقام لودويج بدعوة مجلس
الناخبين
electors
الذي قام بتأكيد إنتخاب لويس إمبراطوراً على الرغم من ممانعة
البابا.
توفي
لودويج سنة 1347، وخلفه شارل الرابع ، وهو إبن جون الأعمى ، كونت لوكسمبورغ وملك
بوهيميا. وقد تم تتويجه في سنة 1335. وقام بنقل العاصمة الإمبراطورية إلى براغ ،
ووضع نظام الخلافة الذي إستمر لأربعة قرون وتسمى المرسوم الذهبي
[22]
. وقد كان ، إضافةً
لإمبراطور ، ملكاً لبوهيميا وإيطاليا وبيرغندي وألمانيا وكونت لوكسمبورغ . تربى شارل في فرنسا، وكان يتقن خمسة لغات ، لم
تكن العربية واحدة منها مثلما كان في حالة فريدريك الثاني قبل مائة عام . وقد كان أبوه حليفاً للفرنسيين في حربهم مع
الإنكليز وقضى في إحدى المعارك . توفي
شارل سنة 1378 وخلفه إبنه سيجسموند، الذي لم يكن أكبر الأبناء . الذي تدرج في مناصب عديدة في خدمة والده
وإخوته، الذين كانوا ملوكاً وأمراء يمارسون سلطات فعلية . لقد ترك شارل أبناء وبنات كثيرين، وقد تزوجوا
جميعاً زيجات ملكية عززت من موقع أسرة لوكسمبورغ.
لم يكن
سيجسموند بلا منافس ، فقد نافسه على العرش إثنين من إخوته ، ولكن تم حسم الصراع
على العرش في مجمع بيزا عندما تم إنتخاب سيجسموند إمبراطوراً ، بعد أن تنازل له
أخوه وينسلاس ، وبعد وفاة أخوه روبيرت.
وقد حدث هذا بجهود فرنسية وإنكليزية .
وحدث ذلك أثناء فترة من الهدوء بين الدولتين المتحاربتين ، مما جعل جهداً
مشتركاً أمراً ممكناً بينهما.
وقد
أثبت سيجسموند أنه قادرٌ على الخروج من الأزمة ، وقد سنحت له الفرصة عندما قام ملك
لومبارديا بغزو الأراضي البابوية . فلجأ
البابا جون الثالث والعشرين إلى سيجسموند طلباً للمساعدة، فطلب منه أن يدعو إلى
مجمع في كونستانس، وأيد غالبية الكرادلة ذلك.
وسنرى في الصفحات التالية كيف تم وضع نهاية للإنشقاق في المجمع. وكان
سيجسموند يحظى بتأييد إنجلترة وفرنسا. وقد حكم لغاية العام 1437 وقد عاصر حرب
الهصيين في بوهيميا، كما عاصر توسع العثمانيين في أوربا.
وقد
خلفه فريدريك الثالث ، الذي كان ينتمي إلى بيت هابسبورغ ، وتم تتويجه سنة 1452،
وكان قد تولى عرش ألمانيا ، كملك ، سنة 1440، وقد عاش لغاية العام 1493م ، وتلاه
مكسميلان المتوفي سنة 1519م.
حرب
الهصيين
وفي
وسط هذه الفوضى إشتعلت حرب الهصيين ، وهي حرب شنتها أوربا على أتباع جان هص، وهو
مصلح ديني تشيكي عاش في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ، وقد إختلف مع الكنيسة
الكاثوليكية ألتي أعتبرت آراءه هرطقة.
في
بداية القرن الخامس عشر كانت البابوية منقسمة على نفسها، بين أفينون وروما، وكذلك
كانت جامعة براغ، حيث كان جان هص يعمل، وحيث كان يدعو إلى أفكار إصلاحية متأثراً
بمصلح إنكليزي، وهو جون وايكليف .
وعندما
قام مجمع بيزا بإنتخاب أليكسندر الخامس ،
بابا ثالث ليحل محل الحبرين المتنافسين، قام ملك بوهيميا وينيسيسلاوس ، وهو
أخو الإمبراطور ، وهص وأسقف براغ بتأييده.
ولكن البطريرك شكى للبابا الجديد أفكار هص
وتعاليمه. وفي العم 1409 قام البابا
بحرمان هص وأتباعه، وأوصى البطريرك بمصادرة كتب وايكليف وحرقها . فنجم عن ذلك إستياء شديد في صفوف أتباعه ، ثم
حدثت إضرابات واسعة في البلاد. وساندت
الحكومة هص ، مما وسع قاعدة مؤيديه ، وأصبحوا أقوياء . وإستمر هص في تقديم موعظاته في كنيسة بيت لحم
في براغ، حيث أصبح يهاجم الكنيسة بعبارات أوضح وأقوى. فشمل التحريم براغ وكنائسها
.
وفي
العام 1411 قام البابا جون الثالث والعشرين ، خليفة اليكسندر الخامس بعد وفاته ،
بالدعوة إلى إطلاق حملة صليبية ضد ملك نابولي لحمايته للبابا جريجوري الثاني عشر ،
أحد البابوين المتنازعين، فعارض هص ذلك ، بل قال أنه لا يستطيع أحد أن يرفع السيف
بإسم الكنيسة . وفي الأيام التالية تظاهر
بعض أتباعه حيث رفعوا شعارات ضد الكنيسة تسيء لرجالها، حيث تم إعتقال بعضهم وقطع
رؤوس ثلاثة منهم.
ثم جرت
محاولات للصلح ، حيث كانت كلية اللاهوت في الجامعة تقف ضد هص ، بينما حاول الملك
التوفيق .
ولكن
رجال الكنيسة المعارضين لهص صعدوا الموقف فإستصدروا قرار بإعتقاله وتدمير
كنيسته. ونجم عن ذلك مزيد من التضييق على
أتباعه. وعلى ردود فعل معاكسة من طرف
أتباع هص . ثم صرح هص أن يسوع المسيح هو
الحكم الأعلى وليس البابا. فتأجج الموقف
مما جعل الملك يقوم بطرد هص من براغ. ولكن
هذا لم يهدئ الأوضاع على الرغم من محاولات الملك لتهدئتة الطرفين. ثم دعا إلى عقد مجمع لمناقشة القضية .
وعقد
مجمع كونستانس من 1414 إلى 1418، وكان الموضوع الأساسي حل النزاع بين البابوات
الثلاث ، وإحتلت الحركة الهصية
Hussite
Movement
المرتبة الثانية في الأهمية بين مواضيع
المجمع ، وقد كان الإنكليز والألمان يصوتون سوياً وكان الإيطاليون يساندونهم في
العادة
[23]
، وكان الأكاديميون الفرنسيون يعارضون أفكار وايكليف وهص ،
وبالتالي كانوا أكثر تشدداً في الحكم على هص.
ودعي جان هص إلى المجمع ، حيث أُدين وتم حرقه في العام 1415على الرغم من
إعطاءه الأمان والوعد بضمان تأمين سلامته
[24]
، عندما دُعي للحضور .
وحال
وصول الأخبار إلى براغ أخذت الحركة منعطفاً أكثر عنفاً ، وقام فرسان بوهيميا
ومورافيا بإرسال إحتجاج شديد اللهجة للمجمع شجبوا فيه إعدام هص . وقام إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة
سيجيسموند بإرسال تهديد إلى أتباع هص ، فثارت ثائرتهم . فطردوا رجال الكنيسة الكاثوليك من المدن
والقرى. وصمم ملك بوهيميا وينسيسلاوس ،
أخو الإمبراطور، على إستئصال الحركة .
فغادر
بعض قادة الحركة براغ إلى مدن وقرى بوهيميا حيث حرضوا ضد الملك والإمبراطور. وبدأ الإعداد للحرب. ثم وقع صدام في براغ بين أتباع هص وخصومه ذهب
فيه ضحايا. ومات الملك بعد ذلك بأيام
. فتجددت الإضطرابات ، وطُرد الكثير من
الألمان من المدن البوهيمية لمعاداتهم للحركة وقائدها. وفي العام 1419 نشب قتال عنيف بين أتباع
الحركة وجنود ألمان جمعتهم أرملة الملك .
ثم أعلنت الهدنة بعد أن وقع دمار شديد في مدينة براغ ، وقد توسط فيها نبلاء
بوهيميا ، الذين كانوا يؤيدون هص وحركته ، ولكنهم بقوا على ولائهم للملك. ووافق الهصيون على تسليم قلعة إستولوا عليها
للحكومة . وفي الريف أحرزت الحركة تقدماً
كبيراً ، وقاموا بتأسيس مراكز جديدة لإقامتهم ، ومن أهم هذه المراكز " طابور
" ، على إسم جبل مقدس بالقرب من الناصرة في فلسطين. وفي هذه المراكز تم إنتخاب القيادة بطريقة
ديمقراطية ، وإنطبعت الحياة بصورة عسكرية .
وفي
العموم كان التاريخ الديني لبوهيميا فريداً في تلك الفترة. لأنها البلد الوحيد الذي إتحدت فيه نزعة معاداة
رجال الكنيسة بين الأكاديميين في جامعة براغ مع التدين الشعبي في موقف واحد ،
وكانت كنيسة بيت لحم في براغ هي مكان إلتقاء الفئتين ، فكان الواعظ أحد أكاديميي
الجامعة وكان الحضور من عامة سكان المدينة وأبناء ريفها، وقد كان الوعظ باللغة
التشيكية
[25]
.
ثم
أُثيرت مسألة وراثة عرش بوهيميا ، هل هو وراثي أم إنتخابي. ثم تمكن الإمبراطور من إستصدار قرار بشن حملة
صليبية ضد الهصيين من البابا مارتن الخامس ، بابا روما في سنة 1420. وبنفس السنة
ظهر الإمبراطور سيجيسموند خارج براغ على رأس جيش صليبي يضم متطوعين من جميع أنحاء
أوربا. ثم ضربوا حصاراً على المدينة .
وحاول قادة الحركة عرض أفكارهم ومعتقداتهم ، التي إشترطوا تطبيقها في
بوهيميا على طريق حل النزاع. ولكن البابا
رفض العرض تحت تأثير رجال الكنيسة . ثم
غادر الإمبراطور بوهيميا ، وإستمر القتال ، حيث إستطاع الهصيون السيطرة على القلاع
والمدن ، حتى سيطروا على معظم بوهيميا. ثم
شُنت حملة صليبية ثانية ضد الحركة ، ولكنها هُزمت في عدة معارك ، وهُزم جيش
الإمبراطور نفسه سنة 1422م.
ثم دب
الخلاف بين أجنحة الحركة المختلفة، وجرى إقتتال فيما بينهم. مما جعل خطرهم العسكري يتضائل، ولكن خطرهم
الفكري بقي قائماً ، وكانت هذه الحركة مقدمة لحركة مارتن لوثر في القرن التالي.
وفي
العام 1426 قدم البولنديون دعمهم للهصيين، على أساس سياسي بحت دون أن يشاركوهم في
أفكارهم . وقد عُرض عرش بوهيميا على ملك
بولندا ، ولكنه رفضه ، ثم قبله إبن أخيه ، الذي حاول أن يعيد أتباع هص إلى الكنيسة
الكاثوليكية، دون نجاح ، الذي لجأ للقوة في محاولاته. ثم قام الهصيون بإعتقاله ، فإنسحب البولنديون
من بوهيميا.
وقد
أرسل الهصيون مندوبين إلى مجمع بازل ، ولم ينجمعن ذلك أي تقارب فتجدد الثتال في
العام 1431 حيث أُرسلت حملة عسكرية كبيرة ، وعندمل تواجه الجيشان، حيث شارك هصيون
بولنديون، هرب الصليبيون من الميدان .
وعلى أثر ذلك قرر مجمع بازل الذي كان لا يزال منعقداً ، أن يدعو الهصيين
للمشاركة بالمجمع لغرض إيجاد حل. ولم تسفر
المباحثات المطولة عن أي تقارب ، وكان الهصيون ممثلون بالفريقين المتنازعين . وفي هذه الأثناء وقعت الحرب بين الفريقين في
بوهيميا ، وخسر الطابورين المتشددون
المعركة وقتل قادتهم فيها، وقُضي على معظم قوتهم.
فرجحت كفة المعتدلين الذين إستطاعوا التوصل إلى إتفاق مع الكنيسة
الكاثوليكية.
ويذكر
على صعيد المعارك أن الهصيين إستخدموا تكتيكات لم تكن معروفة من قبل وهو بناء
تحصينات من عربات تجرها الخيل. كما تم
إستخدام الأسلحة النارية المحمولة للمرة الأولى ، مثل البنادق . وفي ميادين المعارك إستطاع المقاتلون الهصيون ،
الذين كانوا مشاة خفيفة أن يواجهوا فرسان الإمبراطورية الرومانية المقدسة الثقيلة
والمدرعة . وبينما كان هذه الحرب مستعرة
ما بين عامي 1420 وعام 1434 كان العثمانيون في زمن مراد الثاني يسيطرون على معظم
ممتلكات بيزنطة الأوربية ويهددون العاصمة ، التي كانت تنتظر المساعدة من
الإمبراطور سيجسموند.
مجمع
كونستانس
وجاء
هذا المجمع بعد مجمع بازل المتعجل الذي قام بإنتخاب بابا ثالث هو جون الثالث
والعشرين. ثم
عقد
مجمع في العام 1414 في مدينة كونستانس لحل مشاكل الإنشقاق والتعقيدات التذ أضافها
مجمع بازل قبل خمس سنوات ، وقد إستمر مجمع مونستانس إلى العام 1418 ورأس جلساته
الإمبراطور وحضره 600 مندوب ، بعضهم تأخر في الإنضمام إلى المجمع مثل أرجون وقشتالة
والبرتغال ، الذين إنضموا في السنة الثانية ، فزادوا المجمع قوة.
وقد
إتخذ المجمع قرارات حاسمة بشأن البابوية ، فقد تم عزل البابا جون الثالث والعشرين
وقبول إستقالة البابا جريجوري الثاني عشر، وعزل البابا بنيدكت الثالث عشر ،
وإنتخاب مارتن الخامس، وقد إستغرق المجمع اربع سنوات . ففي بداية المناقشات وُجهت إتهامات لجون الثالث
والعشرين جعلته يهرب من المجمع ، ولكنه أُعيد معتقلاً ، وكان من بين الإتهامات
" القرصنة والقتل والإغتصاب واللواط والزنا بالمحارم "
[26]
.
وقد حكم عليه بالسجن
. وقد لعب الإسبان ، القشتاليين والأرغونيين
، دوراً هاماً في المجمع وأصبحت إسبانيا ، قبل توحدها ، وقبل إستيلاءها على غرناطة
وقبل إكتشاف أميركا ، من أمم أوربا المهمة .
وقد
زار موقع المجمع مائة ألف شخص طوال فترة إنعقاده.
ويبدو
أن الأمور كانت متشابكة أكثر مما يعتقد المراقب غير المطلع . فتقارب بسيط بين إنكلترة وفرنسا أدى إلى حل
أزمة التوريث في الإمبراطورية، التي كانت تتباين مصالح الأسر الحاكمة حولها كثيراً
، وجاء حلها برجل قوي ساعد على حل مشكلة البابوية ، سيجسموند ، الذي إستقبل بإسم
الجميع سفيراً عثمانياً ، الذي وضع عند قدميه إثنا عشر إناءاً خزفياً تحتوي ملابس
حريرية وقطع ذهبية
[27]
.
ويبدو أن السلطان
العثماني تحول إلى لاعبٍ أوربي . ويبدو أن
السفارة ، التي كانت تهدف إلى تحييد أوربا الكاثوليكية ، لم تنجح في مهمتها ، إذ
قام المجمع بتوجيه دعوة إلى الإمبراطور البيزنطي وبطريرك القسطنطينية . وقد كانت القسطنطينية قد أرسلت سفراءها أيضاً. وقد قبل الإمبراطور الدعوة مسروراً ولكنه إشترط
مكاناً أقرب لعقد المجمع، فتم الإتفاق، بعد مداولات طويلة على مدينة فيريرا الساحل
الأدرياتيكي
[28]
. وتفاصيل اللقاء موجودة
في حديثنا عن آخر أيام الإمبراطورية البيزنطية، حيث قبل الإمبراطور والبطريرك
المذهب الكاثوليكي ، ولكنهم لم يتمكنوا من إقناع جماهير بيزنطة بذلك فوضعا قيادتي
البلاد في عزلة.
عقدت
المجامع الدينية منذ القرن الرابع لمنافشة قضايا عقيدية جوهرية ، وقأُشتهر عبر
التاريخ مجمع خلقيدونيا ونيقيا والقسطنطينية .
وقد كان اللجوء إلى عقد مجامع يظهر بعد تفاقم أزمة. وهذا نهج لم يعرفه المسلمون ، وأقرب ممارسه إلى
المجامع قام بها المسلمون هو التجكيم ، الذي إرتحل لحضوره العشرات من الصحابة
والتابعين . وقد أقر مجمع كونستانس
مرسومين عززا مؤسسية المجامع؛ فقد أقر المجمع أن المجمع الكنسي هو السلطة العليا
بالكنيسة في أمور الدين . أما المرسوم
الثاني فقد وضع ترتيبات لعقد إجتماعات منتظمة ، كل عشر سنوات على أقصى حد
[29]
.
ولم تنجح محاولات بعض الأطراف لإجراء إصلاحات ،
حيث أيد الكثيرون التركيز على إنتخاب بابا واحد للخروج من الأزمة .
مجمع
بازل ( وفلورنس وفيريرا )
عقد
مجمع بازل على خلفيات مختلفة قليلاً ، ولكنه إستمرار للروح نفسها التي تولدت في
كونستانس ، فقد عقد لمواجهة الخطر العثماني الذي يهدد أوربا من الشرق، ومشروع
توحيد الكنيستين الكاثوليكية والأرثودكسية ، الذي طرحه إمبراطور بيزنطة جون الثامن
كطُعم لكسب تأييد أوربا ، على الرغم من المعارضة المحلية . وكذلك للتعامل مع الهصيين في بوهيميا .
إستمرت
مداولات المجمع من العام 1431 إلى العام 1445م .
وقد إضطر المشاركين ، الذين بلغ عددهم 148 مندوباً ، بينهم 31 مندوب
أرثودكسي ، إلى تغيير مكان الإجتماع مرتين .
وقد تم
عزل البابا في المجمع مما نجم عنه " إنشقاق " جديد ، ولكن تم تفاديه قبل
نهاية المجمع وأُعيد البابا .
وفي
العام 1439 تم إعلان توحيد الكنيستين. ولم
يقرالبابا شروط المصالحة التي أقرها المجتمعون ، وإستمر ، الهصيون ، على خلافهم
فيما بينهم ، يشكلون حالة خروج عن الكنيسة .
إنته
ى
عهد مجامع القرن الخامس عشرالكبيرة ، وكان مجمع
بازل ، على الرغم من كل الجهود ، عديم التأثير ، إذ لم يغير شيء من نظام البابوية
ونمط عملها ، وفشل في حشد حملة عسكرية ضد العثمانيين ، كما أن قرار التوحيد مع
كنيسة بيزنطة بقي على الورق ، وبقي الخلاف مع أتباع جان هص متقداً إلى أن ظهر
مارتن لوثر بتشجيع من طروحات هذا الداعية.
[1]
تاريخ
اوربا العصور الوسطى ، عاشور .
[2]
تاريخ
اوربا العصور الوسطى ، عاشور ، نقلاً بينتر .
[3]
تاريخ
اوربا العصور الوسطى ، عاشور .
[4]
تاريخ
اوربا العصور الوسطى ، العريني .
[5]
Roman
Empire, Gibbon , VIII.
[7]
Roman Empire, Gibbon, VIII.
[9]
اوربا
العصور الوسطى، د سعيد عاشور.
[10]
حضارة
أوربا العصور الوسطى، موريس كين.
[11]
اوربا العصور
الوسطى ، عاشور .
[13]
حضارة
اوربا العصور الوسطى، موريس كين.
[14]
تاريخ
أوربا العصور الوسطى ، عاشور .
[15]
عاشور،
نقلاً عن بينتر، تاريخ العصور الوسطى.
[16]
اوربا
العصور الوسطى، عاشور.
[17]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[18]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[19]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[20]
Roman Empire, Gibbon, VIII.
[21]
أوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[22]
أوربا
العصور الوسطى، عاشور.
[23]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[24]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[25]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[26]
Roman
Empire, Gibbon, VIII, page 255.
[27]
Roman
Empire, Gibbon, VIII.
[28]
Roman
Empire, Gibbon, VIII.