المماليك
كيف تحول الإنسان إلى سلعة
منذ بدأ الإنسان يمارس القتال
الجماعي ، كان مقاتلي الطرف المهزوم يُقتل بعضهم ويهرب أو ينسحب البعض الآخر ويقع
قسمٌ منهم قي الأسر نتيجة لجرح أصابهم أو لتعذر الإنسحاب . وفي البدايات كان الأسرى يُضمون إلى القبيلة
. وبعد إكتشاف الزراعة ، وإزدياد الحاجة
إلى الأيدي العاملة ، بدأ المنتصر يستعبد الأسرى الذين يحصل عليهم في الحروب
ويشغلهم في الحقول وفي أعمال أخرى .
وطبعاً لم يكن الإستعباد ينطبق على الجميع ، فكان الطرفان ، كثيراً ما
يلجآن إلى تسوية يتم بمقتضاها تبادل للأسرى وفديتهم. ولكن كثيراً ما كان يُحتفظ بالأسرى أو يتم
بيعهم، فيستخدموا، عموماً، الرجال في العمل كعبيد، وتستخدم النساء كجواري للولادة
أو الخدمة ، فقد كانوا يعتزون بكثرة الولد.
لقد جُلب إلى أسواق بغداد ودمشق
والقاهرة وقرطبة والقيروان ، عبر قرون طويلة ، آلاف وآلاف من الأسرى ، الذين
إنخرطوا في المجتمعات التي بيعوا بها وذابوا فيها ، وكان نسبة غير قليلة منهم
أوربيين ، وكان كذلك أتراك وصقالبة وقفقاس وأفارقة . كما بيع الآلاف من ألأسرى المسلمين في أسواق المدن
الأوربية المختلفة ، مثل القسطنطينية وجنوة والبندقية وغيرها . وهؤلاء ، أيضاً إندمجوا في المجتمعات الأوربية
وذابوا فيها . كان من الممكن لتاجر ، أو
حاج مسلم أو مسيحي مسافرٌ على متن مركب في البحر الكتوسط أن يقع في الأسر ..
ويُباع . في الأندلس كان هناك على الدوام
أسرى لدى كل طرفٍ من الطرف الآخر ، وكان الأمر نفسه ينطبق على البيزنطيين
والعباسيين ، وعلى الصليبيين وجيرانهم من الإمارات السورية . ولم يكن الأسر يقتصر على وقت القتال ، بل كان
من الممكن لسرية من المقاتلين أن تتوغل في أراضي العدو وأن تأخذ بعض المزارعين
أسرى .
ولجأ بعض الحكام إلى تجنيد
المماليك ، لضمان ولائهم . ومنذ القدم كان
الجيش هو الطريق إلى السلطة. فالجندي
النابغ يصبح ضابطاً ، ومن بين الضباط من يصبح قائداً كبيراً للجيش أو لجزءٍ منه. وتأتي ظروف تاريخية معينة تمكن الجيش من أن يضع
أحد رجاله على رأس الدولة، فيصل من كان مملوكاً بالأمس إلى رئاسة الدولة. وقد حدث هذا في دول عديدة.
وهؤلاء المماليك ليسوا جميعاً
نتاج حروب. بل عندما يزيد الطلب عن العرض،
تتشكل سلسلة توريد عالمية تمتد عبر قارات وأقاليم واسعة. تبدأ في إقليم يمر في أزمة، حرب أو مجاعة أو
غير ذلك ، حيث يمكن الحصول على أطفال من الجنسين بسن صغيرة معينة، بالشراء أو
بالخطف. ومن ثم يتم نقلهم إلى حيث يوجد
مشترين محتملين في بلاد موسرة ، وقبل بيعهم يتم تعليمهم وتدريبهم، مما يرفع سعرهم. وكان غالبية العبيد والجواري في البلاد
الإسلامية من البيض، وكذلك في روما وأثينا، فكلمة
slave
الإنكليزية مأخوذة من إسم الأمة السلافية،
لأن معظم العبيد كانوا منهم.
والفرق بين العبد والمملوك ، هو
أن العبد إبن عبد ، بينما المملوك هو من وُلد حراً ثم أُستعبد، وهو غالباً أبيض
البشرة، ومصطلح مملوك بدأ في زمن المأمون
[1]
.
يجمع المؤرخون على أن أول من
جند العبيد أو المماليك كان العباسيين، في زمن المهدي والرشيد والمعتصم، ولكن هذا
ليس دقيقاً تماماً . ففي العهد الأموي نال
هؤلاء نصيبهم في بناء الدولة وتوسعة رقعتها كعسكريين، مثلما قاموا بالمساهمة
بنهضتها العلمية والعمرانية، فنبغ من بينهم مئات الأشخاص العظام . فموسى بن نصير كان إبن أحد سبايا عين التمر،
وكذلك كان طارق بن زياد. يمكن القول أن
الأمويين لم ينشئوا جيوش قائمة على المماليك.
وهذا بقي صحيحاً إلى زمن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، الذي إعتمد على
العنصر المملوكي في جيشه إلى حدٍ كبير.
ولكن تزايد هذا النهج في زمن العباسيين، لدرجة أنهم سيطروا على الخلافة بعد
قرن من تأسيسها، فما حصل للمتوكل كان فاتحة عهدٍ جديد. ولكن في زمن الأيوبيين أصبح قادة الجيوش من
المماليك. كما كانوا يساهمون في صنع
القرار السياسي. وكان أول من تولى منهم
السلطة شجرة الدر، زوجة الملك الصالح الأيوبي الذي بالغ أكثر من غيره في الإعتماد
على المماليك، وكانت أول إمرأة تحكم في الإسلام.
الوسائد
والقباقيب
وقد تسلمت الحكم في ظروف خاصة
جداً، فقد كانت مصر تُهاجم من قبل حملة صليبية بفيادة لويس التاسع، وكان الملك
الصالح يقود الدفاع عن مصر وهو مريض، فتوفي في ظروف حرجة جداً ، فقامت زوجته، التي
كانت مملوكة وأعتقها وتزوجها، بإخفاء خبر موته، وإستمرت بقيادة الجهد الحربي
بالتعاون مع قادة البلاد من مدنيين وعسكريين، وكان قادة الجيش من العسكريين من
كبار المماليك، الذين سيلمع نجمهم في العقود التالية، وعلى أيديهم سيُقضى نهائياً
على الأخطار التي عصفت بالأمة وهددتها.
إنتهت الحملة الصليبية بهزيمة
الصليبيين ووقوع لويس التاسع بالأسر
[2]
. وكان لشجرة الدر دوراً كبيراً في صنع
النصر، ومع هذا قامت بتسليم السلطة لإبن زوجها توران شاه ، الذي كان بحصن كيفا في
أعلى دجلة حين وفاة أبيه. وصل توران شاه
قبل حسم المعركة، فساهم بحسمها. وبعد
إنتهاء الحرب بادر توران شاه بمعاداة زوجة أبيه ومماليكه. فطالب شجرة الدر بأموال أبيه، وأخذ يتوعد قادة
الجيش من المماليك، مما دعاهم إلى التآمر عليه وقتله. فإنتهت بذلك الدولة الأيوبية. حيث تولت الحكم شجرة الدر. ولكن ذلك لم يكن مقبولاً، فحتى الخلافة
العباسية لم يرق لها ذلك فأفاقت لتعرض على وجهاء مصر رجلاً ، إن لم يكن لديهم
واحداً. فقامت شجرة الدر بالزواج من
عزالدين أيبك، حيث تولى السلطنة. ولكنه
أثار حنق شجرة الدر عندما علمت بخططه للزواج من إبنة حاكم الموصل. فطلبت من خادماتها أن يخنقنه بالوسائد. فتسلم الحكم إبنه الحدث وتسمى المنصور. ثم قامت زوجة أيبك بقتل شجرة الدر، حيث طلبت من
خادماتها ضربها بالقباقيب حتى الموت. ماتت
شجرة الدر مكروهة، حيث أُلقيت جثتها في مزبلة.
وبهذا بدأ عصر المماليك ، الذي إتسم
بالتآمر وتكرار إنقلابات القصر والإنشغال بالإقتتالات الداخلية ، التي زعزعت
إقتصاد مصر والشام ، وهدرت مواردها وأضاعت عليها الفرص .
الحرب
مع
المغول
على إيقاع هذه الخلافات
المنزلية وصل رسل هولاكو يطلبون من المماليك التسليم. فقاموا بعزل السلطان الصبي وتعيين قطز مكانه،
وهو أيضاً من مماليك الملك الصالح. وهو
الذي قاد جيوش المماليك ضد المغول وحقق أول نصر حاسم ضدهم في تاريخهم، ولم يتحقق
نصر آخر عليهم بنفس الوقع إلا في اليابان بعد نحو ثلاثين سنة. ولكن المظفر قطز، كما كان يلقب، قُتل قبل أن
يصل إلى القاهرة، عاصمته. وكان قتله على يد الظاهر بيبرس، ثأراً . ثم تولى بيبرس السلطنة بعده وتلقب بالظاهر
وأحيا الخلافة العباسية في القاهرة. وقد
إنشغل الظاهر بيبرس طوال فترة حكمه بمحاربة الصليبيين والمغول.
ففي سنة 663 هـ ( 1265م) هاجم المغول البيرة فحاصروها، فبعث بيبرس
أحد قواده ففر المغول تاركين أثقالهم، فنهبها العسكر
[3]
.
وكان الظاهر قد سار إلى غزة، فهاجم قيسارية ، التي كانت إحدى معاقل
الصليبيين ، وحاصرها وفتحها، ثم فتح قلعتها وريفها. ثم إتجه إلى حيفا ففتحها، وحاصر أرسوف فملكها. ثم عاد إلى مصر حيث بلغه خبر وفاة هولاكو. كما بلغه إنشغال دولة الإلخانات في حرب مع دولة
القبيلة الذهبية المسلمة .
وتابع بيبرس حربه مع الصليبيين
فإستعاد يافا والشقيف وطرابلس وأنطاكيا.
كما أوقع هزيمة بالأرمن، الذين كانوا قد تحالفوا مع المغول في زمن هولاكو،
الذي كلف هيثوم الأول بمحاربة مسلمي الشام.
وفي سنة 666 هـ إنطلق بيبرس على
رأس جيش لمحاربة الصليبيين بالشام. ففتح
يافا وإنطاكيا وحصون أخرى
[4]
.
وفي العام التالي ظهر تنسيق بين المغول والصليبيين. فهاجم جيش مغولي من الأناضول وجيش صليبي حلب
. فلما بلغ ذلك بيبرس نهض بجيشه إلى الشام
ففر المغول والصليبيون، فقام بهاجمة عدد
من حصون ومواقع الصليبيين والإستيلاء عليها، ولكنه إضطر للرجوع إلى مصر عند علمه
بخروج حملات صليبية جديدة وتجمعها في صقلية.
فرجع إلى مصر ليستعد لمواجهتهم رغم عدم معرفته بإتجاههم. وفباشر بتحصين المدن الساحلية. ثم وصله الخبر أن إتجاههم تونس
[5]
.
وفعلاً قام الملك لويس التاسع والأمير الإنكليزي إدورد بغزو تونس، ولكن
المرض إنتشر في أوساط الجيش، فمات كثيرون من بينهم لويس التاسع نفسه. وفشلت الحملة وعاد الجيش الفرنسي إلى فرنسا،
وواصل الجيش الإنكليزي طريقه إلى عكا.
عاد بيبرس الى الشام وفتح عدداً
من الحصون بينها حصن الأكراد وعدد من حصون صور، كما إستولى على خمسة من حصون
الإسماعيلية . وأثناء وجوده بالشام هاجم
المغول البيرة ثانيةً، فتوجه إليهم وهزمهم.
وفي العام 674 هـ رد بيبرس على
هجمات مملكة النوبة على جنوب مصر، وقد تكرر ذلك بهجوم آخر أدى إلى هزيمة ملك
النوبة وتنصيب ملك آخر مكانه
[6]
.
كان وسط وشرق الأناضول قد وقع
تحت سيطرة المغول عند وصولهم إلى المنطقة.
وكانت قبل ذلك تنتشر فيها إمارات سلجوقية وتركمانية عديدة، فأبقوا بعضاً
منها تحت تبعيتهم. فإتصل بعض الأمراء بالظاهر
بيبرس لتخليصهم من المغول، وكان مغول الأناضول يشكلون تهديداً مستمراً لشمال
الشام، فجهز بيبرس جيشاً كبيراً سنة 674 هـ وإتجه إلى الأناضول ، فطلب حاكم
الأناضول المغولي مدداً من أباقا خان، الذي أمده بجيش لمساعدته. لم يلتقي الجيشان ورجع جيش المماليك إلى مصر،
ولكن في العام التالي هاجم المغول شمال الشام ، فوجه بيبرس جيشه إليهم فهزمهم،
ووقع كثيرٌ من المغول في الأسر. وفي
أثناء عودته من الأناضول مرض بيبرس ومات سنة 676هـ. وبويع لإبنه السعيد.
تحالفات بيبرس الأوربية
أقام
بيبرس سلسلة من العلاقات مع بعض القوى الأوربية لمواجهة الخطر المتكرر للحملات
الصليبية التي أُبتليت بها المنطقة منذ أكثر من قرنين. فقامت علاقة مع الإمبراطورية البيزنطية، فراسل
إمبراطورها ميخائيل الثامن باليولوج. فطلب
منه إرسال بطريرك ليشرف على شؤون أبناء المذهب الملكاني. كما أرسل وفداً إلى القسطنطينية ، فتم تجديد
مسجدها.
كما أقام علاقات مع فريدريك
الثاني إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وأرسل إليه هدايا من ضمنها عدد
من الزرافات ، وقد كان لدى فريدريك حديقة حيوان متنقلة. كما كان من بين الهدايا أسرى من المغول الذين
أُسروا في معركة عين جالوت ومعهم خيولهم وعرباتهم.
كما أرسل ألفونسو العاشر ملك
قشتالة عدداً من الخيول العربية لبيبرس سنة 1261 ، ورد عليه بيبرس بهدية تحتوي
تمساح وزرافة وسن فيل
[7]
.
علاقة مغول القبجاق مع
المماليك
أقام المماليك علاقة وطيدة مع
دولة مغول القبجاق، القبيلة الذهبية، وهي إحدى أربع دول تقسمت إليها إمبراطورية
جنكيز خان، وقد تحول ثلاثة منها إلى الإسلام .
وكانت دولة مغول القبجاق أولها إسلاماً، وعلى هذا الأساس قامت علاقة قوية
مع دولة المماليك ، ونشبت عداوة شديدة بين مغول القفجاق ودولة الإلخانات في العراق
وفارس.
وقد إعتنق بركة خان ملك مغول القفجاق
الإسلام في زمن بيبرس، فكتب إليه يغريه بقتال هولاكو ورغبه في ذلك
[8]
.
فتبادلا السفارات والرسائل والهدايا.
وفي العام 661هـ ( 1263 م ) وصل رسل بركة خان إلى القاهرة. وورد في رسالة بركة خان " فليعلم السلطان
أنني حاربت هولاكو الذي من لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصباً لدين الإسلام
، لأنه باغي.." ويعرض عليه إرسال جيش إلى معابر الفرات لقطع الطريق على
هولاكو
[9]
.
وبناء على ذلك طلب بيبرس من الأئمة الدعاء لبركة خان بعد الخليفة والسلطان
على منابر مكة والمدينة وبيت المقدس والقاهرة.
وعاد وفد المماليك من بلاد
القفجاق منبهرين بمدى إنتشار الإسلام بينهم.
ثم تحول هذا الحلف إلى حلف
رباعي ، إذ إنضم إليه إمبراطور بيزنطة وأحد سلطاني سلاجقة الروم في الأناضول عز
الدين كيكاوس. وقد حد هذا التحالف من
طموحات الإلخانات وحلفاءهم من صليبيين وأرمن ، من التوسع غرباً
[10]
.
قلاوون
( 1280 – 1290 )
إعتلى قلاوون سدة السلطنة بعد
وفاة بيبرس بثلاث سنين، حكم فيها إثنين من أبناء بيبرس تم عزلهما لعدم إقتناع
المماليك بقدراتهما القيادية وعدم إقتناعهم بمبدأ التوريث. وهو سيف الدين قلاوون ، أحد القادة العسكريين
الذين إعتمد عليهم بيبرس في كثيرٍ من الأعمال الحربية. وقد ثار عليه نائب دمشق سنقر الأشقرولكنه تمكن
من إجهاض حركته.
إتجهت أنظار قلاوون نحو الشام
فور إنتهاءه من قمع الثورات التي قامت ضده في بداية حكمه.
معركة حمص
إستغل المغول حالة الإرتباك
التي تلت وفاة بيبرس ومن ثورة سنقر الأشقر، الذي كاتب المغول وحرضهم على قلاوون
والمماليك، فأرسل قوة إستطلاعية في محرم 659 هـ ( أيلول 1280م ) إستطاعت الإستيلاء
على بعض المدن من بينها حلب حيث إرتكبوا الفظائع.
فقام قلاوون بإرسال قوة بقيادة أحد قادته، كما أرسل موفداً إلى سنقر يناشده
أن لا يحارب مع المغول وينضم إليه، وفعلاً وافق سنقر على ذلك. فإنسحب المغول من الشام على أثر سماعهم لهذه
الأخبار.
وإستمر الطرفين في الإستعداد
لصدام حتمي بينهما. فقام قلاوون بعقد
هدنات مع الإمارات الصليبية وتصالح مع سنقر، ثم توجه بجيشه إلى الشام، وفي دمشق
أعلن التعبئة فإجتمع عليه خلق كثيرون، ومن دمشق إنتقل إلى حمص حيث وافاه سنقر مع
جيشه.
ثم زحف جيشان مغوليان على شمال
الشام ، الأول بقيادة أباقا وصل من الجزيرة وقوامه ثلاثة آلاف فارس، أما الجيش
الثاني فكان بقيادة منكوتيمور أخي أباقا ، إنطلق من كبادوقيا في الأناضول ويتكون
من مائة ألف مقاتل . وإنضم إليه ليون
الثالث ملك أرمينيا الصغرى. وصل الجيشان
إلى حمص ، حيث تقابلت الجيوش بالقرب من مشهد خالد بن الوليد.
بدأ القتال، حيث حارب الطرفان
بضراوة شديدة. ورجحت كفة المغول في بادئ
الأمر، فقد كانوا متفوقين عددياً
[11]
.
ولم يلبث الأرمن أن هزموا سنقر الذي تراجع إلى حمص. وإضطربت صفوف جيش المماليك، وأشرف على الهزيمة،
ولكن قلاوون كان صامداً ، الأمر الذي شجع القادة والجنود على الصمود ، فالتفوا
حوله وإستبسلوا في القتال. وإهتم المغول
بجمع الأسلاب ، فإنقض عليهم المماليك فسقط منكوتيمور عن حصانه وجُرح ومات لاحقاً،
وبدأت جبهة المغول تنهار فوقع بهم القتل والأسر وإنهزم الباقي وعبروا الفرات. تعد معركة حمص من المعارك الفاصلة التي، لو كانت نتائجها مغايرة لتغير وجه التاريخ
[12]
.
الصدام مع الصليبيين
وكان قلاوون قد جدد الهدنة مع عكا وطرابلس
والإسبتارية سنة 1281. وقد كان خطر المغول
لا يزال قائماً في عهد أباقا خان، الذي كان ميالاً للصليبيين. وكان الصليبيون يفتقدون إلى القيادة الحكيمة
التي تجمعهم وتستفيد من الوضع الجديد الناجم عن وجود المغول في المنطقة.
وفي سنة 682هـ ( 1284 ) قرر
محاربة الإسبتارية الذين كانوا يمالئون المغول ويعتدون على القوافل التجارية ،
فحاصر حصن مرقب بجيش كبير وتمكن منه بعد مشقة.
وفي هذه الأثناء إزدادت
الخلافات الداخلية بين الأمراء الصليبيين، وقد إمتدت الحرب التي نشبت بين جنوة
وبيزا سنة 1287 إلى بلاد الشام ، فقد هاجم أسطولٌ جنويٌ ممتلكات بيزا وسفنها في
عكا ، بعد أن مر على الإسكندرية للحصول على تأييد السلطان قلاوون . وفي نفس السنة إستعاد المماليك اللاذيقية ،
التي لم تكن داخلة في هدنة مع المسلمين.
وفي العام 1289 بلغ قلاوون من
نائبه على دمشق أن صليبيي طرابلس نقضوا العهد وإعتدوا على قافلة للتجار. فجمع جيشاً قوامه أربعين ألفاً وهاجم المدينة ،
التي كانت منشغلة بمشاكلها الداخلية. تمكن
الجيش من فتح ثغرة في السور، بينما قام البنادقة والجنويين بترك المدينة، ودخل جيش
المسلمين ، وأمر السلطان بتدمير المدينة التي بقيت مع الصليبيين مائة وخمسة
وثمانين عاماً. ثم وضع حجر الاساس لمدينة
جديدة بعيدة عن الشاطئ.
وبعد سقوط طرابلس أطلقت الصيحات
للمساعدة، فلم يتحرك أحد ، بإستثناء جنوة التي قدمت سفناً، كما قدمت أرغون ، التي
بدأت قوتها البحرية تظهر ، بعض السفن .
وصل الصليبيون الجدد بحماستهم ، فهاجموا المسلمين حول عكا. ولما إعتقدوا أن كل ذي لحيةٍ مسلم، فقد قتلوا
بعض المسيحيين السريان. ووصلت أخبار المذبحة إلى مسامع السلطان، فإستشار السلطان
في أمرهم عدداً من الفقهاء، الذين أجازوا خرق الهدنة في هذه الحالة . فجمع الجيش وزحف نحو عكا، ولكنه توفي على مسافة
صغيرة من القاهرة.
الأشرف خليل
( 1290 – 1293 )
ماتقلاوون وهو يستعد
لفتح عكا، فأوصى لإبنه أن يتابع ذلك.
فبادر الأشرف بالزحف على رأس جيش بإتجاه عكا متجاهلاً محاولة صليبية
لإقناعه بالعدول عن مهاجمة عكا. وقام
بإرسال رسائل إلى جميع الولاة يطلب منهم حشد كل مواردهم لهذه الغاية. وقد تجمع ستين ألف فارس و مائة وستين ألف من
المشاة. وجمعوا أدوات الحصار، بينها اثنين
وتسعين منجنيقاً ضخماً.
وإستغاث صليبيو عكا بأوربا ،
فلم يصلهم الكثير من المدد والدعم. فوصلهم
عدد من الفرسان الإنكليز ، كما أرسل ملك قبرص الصليبي عدد من الجنود، فبلغ ما حشده
الصليبيون ثلاثين إلى أربعين ألف مقاتل ، منهم ثمانيمائة فارس، وأربعة عشر ألف من
المشاة والباقي حجاج متطوعين للقتال.
أطبق المماليك حصارهم على المدينة
، وأخذوا يقصفونها بالمنجنيق. وفي هذه
الأثناء شن الصليبيون هجمات خارج أسوار المدينة ولكنها فشلت ووقع في صفوفهم قتلى
وأسرى، فتوقفوا عن ذلك. ثم إنضم إليهم
الملك هنري الثاني مع مدد ومؤن فرفع معنويات المدافعين. ولكن الملك بادر إلى التفاوض، فأرسل برسولين
إلى السلطان ، الذي بادر بسؤالهما إذا ما كانا قد أحضرا مفاتيح المدينة معهما،
مضيفاً أنه لا يرضى بأقل من ذلك. فشلت
الدبلوماسية ونجح المحاصرون في إحداث نقب في السور وتسرب بعض المقاتلين إلى
الخرائب التي أحدثها الضرب المتواصل في تحصينات المدينة. ثم أمر السلطان بهجوم شامل من جميع الجهات ،
فتحرك الجميع وهم يهتفون بصيحات الحرب فتسبب ذلك في نشر الهلع في نفوس المدافعين ،
فلم يمر وقت طويل حتى تمكن المسلمون من الدخول إلى المدينة، فدار القتال في شوارع
المدينة ، وقام الملك هنري الثاني بمغادرة المدينة ، مما إنعكس سلباً على من تبقى
في المدينة ، فإندفعوا يتزاحمون على القوارب والسفن الراسية في ميناء المدينة. وقد وقع عددٌ كبيرٌ في الأسر ، كما قُتل
الكثيرون منهم . وكان آخر المواقع سقوطاً
هو مقر فرسان الداوية البارز في البحر.
فقد إستمر فرسانه في القتال ببسالة حتى تداعى المبنى وإنهار. وبعد المعركة قام المماليك بتدمير المدينة ،
لكيلا يحاول الصليبيون إستخدامها كنقطة إنطلاق لغزو بلاد الشام. وقد تحولت إلى قرية صغيرة لايسكنها إلا عائلات
قليلة من صائدي الأسماك لمدة خمسمائة سنة.
ولم
تحتاج المواقع المتبقية إلى الجهد الذي إحتاجته عكا، فأرسل السلطان الجيوش بقيادة
أمراءه إلى صور وصيدا وبيروت وجبيل وحيفا وعتليت ففتحوها جميعاً خلال أشهر. ولم يتبقى سوى مجموعة من الفرسان الذين تحصنوا
في جزيرة أرواد لغاية العام 1302 حيث هاجمهم أسطول مملوكي في زمن السلطان الناصر ،
فقتل وأسر جميع من في الجزيرة
[13]
. وبهذا أُسدل الستار عن
فصل دامي من العلاقة بين الشرق والغرب إستمرت قرنين من الزمان. زاد الكراهية وعمق الفجوة بينهما.
نصف قرن غير العالم
إستمرت دولة المماليك لغاية بداية القرن السادس عشر. وقد إستمرت على نفس الوتيرة في كيفية إنتقال
السلطة من حاكم إلى آخر بالمؤامرات والثورات التي إستهلكت الكثير من الموارد. ولهذا فإن متوسط حكم الحاكم لا يزيد عن خمس
سنوات للسلطان الواحد. ولكن المماليك
كانوا يمتازون بميزة إيجابية، وهي توحدهم أمام الخطر الخارجي. فخلال قرنين ونصف من حكمهم إعتلى سدة الحكم
سبعة وخمسين سلطاناً. وكان النصف قرن
الأول من حكمهم مليء بالأحداث المصيرية؛ حيث سقطت الخلافة العباسية وهُزم المغول
وأُوقف زحفهم وهُزم الصليبيون تكراراً إلى أن تمت تصفيتهم نهائياً. من أهم التغييرات التي حدثت في هذه الفترة ،
ولم يكن للمماليك يد فيها، هو إسلام المغول.
فقد تقسمت إمبراطورية جنكيز خان إلى أربع أجزاء، أسلم ثلاثة منها. أما الحدث الذي منع حدوثه المماليك فهو تحالف
الصليبيين والمغول. الذين تراسلوا
وتبادلوا السفارات في وقت كانت تفصل بينهم آلاف الأميال، وعندما تجاوروا في شمال
الشام جعل المماليك من تحالفهم أمر غير ممكن من خلال المعاهدات وفرض الهيبة وسرعة
تحركهم وشبكة تحالفاتهم . لو حدث التحالف
بين المغول والصليبيين لتغير مسار التاريخ.. في غير صالح المسلمين. ولكن يبقى النصف الثاني من القرن الثالث عشر،
بما جرى فيه من أحداث، فترة مصيرية في التاريخ تغير فيها شكل العالم.
علاقة المماليك ومغول
الإلخانات بعد إسلامهم
لم يغير إسلام مغول فارس من
واقع العداء القائم بينهم وبين المماليك كثيراً.
فقد هاجم محمود غازان خان، الذي جعل الدين الإسلامي دين الدولة الرسمي،
شمال سوريا. وكانت مظاهر العداء لا تزال
تسيطر على العلاقات بينهما رغم تحول المغول إلى الإسلام. فقد دعم المماليك ثائر مغولي في الأناضول وهاجم
أحد أمراء المماليك شمال الجزيرة التابعة
للمغول، كما لجأ إلى غازان بعض أمراء
المماليك المعارضين لسلطانهم وشجعوا غازان على غزو الشام وسهلوا له ذلك. وكان السلطان الناصر محمد قد إسترد ملكه في هذه
الأثناء.
فقام غازان بتجهيز جيش كبير
ومهاجمة الشام سنة 699 هـ/ 1299 م. وقام
غازان بالتحالف مع هيثوم الثاني ملك مملكة أرمينيا الصغرى، الذي شارك بخمسة آلاف
مقاتل. فبادر الناصر إلى إرسال أحد قادته
على رأس جيش للتصدي للمغول وتبعه بجيشٍ كبير،
بعد أن رتب أوضاع الدولة. ويبدو أن
أوضاع الدولة ونخبتها الحاكمة لم تكن متسقة، فما أن وصل الجيش إلى غزة حتى إكتشف
السلطان مؤامرة عليه، فإرتبكت أوضاع الجيش.
ولكن السلطان أحبط المؤامرة وعاقب المشاركين فيها، وتابع الجيش مسيره. إلتقى الجيشان شرق حمص عند مجمع المروج
[14]
.
وكان مع المغول بالإضافة إلى الإرمن عدد من أمراء المماليك الذين كانوا قد
لجأوا إلى غازان.
إنهزمت ميمنة المغول ، ولكن
غازان ثبت وهاجم قلب جيش المماليك فإنهزموا وقتل كثيرٌ من قادتهم. وغادر السلطان الناصر أرض المعركة إلى بعلبك،
بينما دخل جيش المغول حمص وإستولوا على الذخائر السلطانية
[15]
.
وصل خبر الهزيمة دمشق فشاع فيها الذعر و الفوضى فغادرها كثيرٌ من الأهالي، ولجأ بعض الفقهاء ، ومن
بينهم إبن تيمية، إلى لقاء غازان وطلب الأمان منه للمدينة ، فأجابهم أن الأمان
سبقهم إلى دمشق. فعادوا أدراجهم، حيث قُرأ
كتاب الأمان في المسجد الأموي، شرح فيه غازان أسباب حربه على المماليك ، وهو
معاقبتهم على خروجهم عن الدين وظلمهم للعباد،
ووعد بحكمٍ عادلٍ لجميع الملل.
ولكن المغول لم يلتزموا بالأمان الذي أعطوه للمدينة، فعاث جندهم فيها
فساداً ، وإمتدت أيديهم إلى القدس والخليل وغزة وغيرها نهباً ودماراً. فحاول إبن تيمية أن يشتكي لغازان فلم يتمكن من
مقابلته، ولكن إثنين من وزراءه أجاباه " أن لا بد من المال "
[16]
.
وبعد أن إستتبت الشام له غادر
غازان إلى فارس ، بعد أن عين قبجق والياً عليها.
وهو أحد المماليك المنصورية، وكان معروف بسرعة التقلب، فما لبث أن إتصل
بالسلطان المملوكي وأعلن تبعيته له وطرد المغول، وهكذا عادت الشام ببساطة إلى
الحظيرة المملوكية.
لم يرق ذلك للخان المغولي غازان
، فزاد تصميمه على ضم الشام ومصر إلى
مملكته. كما أن السلطان المملوكي الناصر محمد بدأ بالإستعداد للقاء ثاني
كان يراه حتمياً . فضبط أوضاع الجيش وفرض
ضرائب إضافية للحصول على الأموال وحض أمراء الشام على الصمود.
وفي العام 700هـ/ 1300م رأى
غازان أن الفرصة مؤاتية لغزو الشام من جديد.
فإنطلق من تبريز على رأس جيش كبير إلى حلب عن طريق الموصل. وكان الفصل شتاء، وهو الفصل المفضل لهم في
العادة للقيام بأعمالهم الحربية، فغادر
أهل حلب مدينتهم وإنتشر الذعر في شمال الشام.
وعندما بلغ السلطان الخبر خرج على رأس جيشٍ كبير. ولكن الأمطار الغزيرة والأوحال تسببت في وفاة
الكثير من جند المغول الذين وصلوا إلى أنطاكيا، فنهبوها . عند ذلك قرر غازان العودة إلى تبريز. وكان قد راسل ملوك أوربا لعقد تحالف ضد
المماليك ولكن التجاوب كان سلبياً على الرغم من تبادل الوفود. ولا تزال إحدى رسائله موجودة إلى الآن يشكو
فيها من تقاعس الدول الأوربية
[17]
.
وكان ممن جاء إلى المنطقة رامون لل
Ramon
Lull
، رجل الدين الميورقي المتعصب، الذي كان يتمنى تحول المغول إلى
الكاثوليكية للقضاء على الإسلام، ولكنه لم يتمكن من فعل شيء.
إتجه غازان إلى الدبلوماسية،
فأرسل وفداً إلى القاهرة يحملون كتاباً يتضمن تهديداً أكثر مما تضمن أي شيء
آخر. فأحسن المماليك إستقبال الوفد،
ولكنهم لم يجيبوا إلى كل طلبات غازان بما في ذلك طلب أن يرسلوا له الهدايا. ولم تنفع دبلوماسية الديكة هذه، فكلا العاهلين،
أو كلا النظامين إفتقدا الحد الأدنى من المرونة الذي يؤهلهما للدخول في مفاوضات.
وفي العام 1303 قرر غازان تكرار
محاولاته للإستيلاء على الشام. فعبر
الفرات بجيشٍ كبير، وإستولى على الرحبة
بالقرب من عانة . عاد غازان إلى تبريز
وترك الجيش بقيادة قتلغ شاه. ووصل الجيش
إلى حماة ، حيث وقعت معركة مع قوة إستكشافية هُزم فيها المغول، فرفعت معنويات
المماليك. ثم وصل الجيش المغولي الرئيسي
إلى قرب دمشق، ووصل السلطان وبصحبته الخليفة العباسي، وإلتقى الجيشان في مرج الصفر
بالقرب من دمشق، وهو المكان الذي طالما إلتقت فيه الجيوش عبر التاريخ، ولكن
المعركة سميت بمعركة شقحب نسبة إلى موقعٍ هناك .
وبدأت المعركة في عصر يوم سبت وإستمرت إلى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم
الأحد التالي
[18]
.
هزم المغول وقتل منهم عددٌ كبير ، كما أُسر الكثيرون . وطورد جيش المغول حتى الرحبة على الحدود، وغرق
قسمٌ منهم أثناء عبور الفرات. ويقدر بعض
المؤرخين أن قتلى المغول كانوا بحدود تسعين بالمائة من جيشهم
[19]
.
وقد شارك إبن تيمية في المعركة، بينما كان أبو الفدا في حماة في مهمة
إستطلاعية، حيث كان يزود السلطان بمعلومات حول تحركات المغول ، ويذكر أن المؤرخ
أبا الفدا كان والياً على حماة
[20]
.
إغتم غازان كثيراً للنتيجة التي
آلت إليها الأمور. وما لبث أن مات شاباً
وعمره 33 سنة. وقد أوصى لأخيه أولجايتو
محمد ، الذي تحسنت العلاقة بينه وبين سلطان المماليك حيث بادر إلى إرسال وفد إلى
القاهرة ، ورد المماليك بإرسال وفد إلى تبريز، حيث ظهرت بوادر تحسن في العلاقات ،
مما نجم عنه توقف العداوة والتهديد فيما بينهما.
ويبدو أن أولجاتو لم يكن صادقاً في نواياه. فقد أرسل إلى البابا كليمنت الخامس وملك
إنجلترة إدورد الأول وفيليب ملك فرنسا يعرض إستعداده للتحالف معهم ضد
المماليك. وقد طلب أولجاتو من موفده أن
يخفي عن زعماء أوربا نبأ إعتناقه للإسلام، فقد تكون لديهم إنطباع أنه ميال
للمسيحية، ومع هذا لم ينجم أي تحرك ملموس عن هذه المبادرة
[21]
.
ولكن في عهد إبنه أبي سعيد بهادور تمكن الطرفان من عقد معاهدة سلام ، أدت
إلى مصاهرة. وقد بقيت علاقة المماليك مع
مغول القفجاق قوية ، وبعد صلح المماليك ومغول تبريز ، حاول القبجاق تحريض المماليك
على مغول تبريز، ولكن حكمة السلطان الناصر محمد منعت إنجرار المماليك إلى حرب لا
طائل منها رغم محاولات طقطقاي خان القبجاق المتكررة
[22]
.
وفاة السلطان الناصر محمد
تعد فترة حكم السلطان الناصر
عهد قوة وإزدهار ، ولم يقتصر نشاطه ومنجزاته على الحروب بل تخطت ذلك إلى النواحي
العمرانية؛ فبنى المساجد والزوايا والقصور والقلاع ومشاريع المياه. وإهتم بالعلم
فبنى المدارس وإنفق عليها ومنها المدرسة الناصرية ومكتبتها ، كما إهتم بالعلماء ،
فقد كان السلطان شديد التدين، وكانت سيرته حسنة بين رعاياه وكان محبوباً من
قبلهم. وكان يجلس للمظالم كل إثنين وخميس
وبصحبته قضاة المذاهب الأربعة
[23]
وعاش في عهده الفقيه المعروف إبن تيمية وكان
يجله كثيراً إلا أنه إضطر إلى سجنه[24]. وكان الناصر سياسي محنك شجاعاً سديد الرأي
داهية . وقد طبق نظاماً سياسياً مبنياً
على العدل. ونجح في إقامة شبكة علاقات
دولية واسعة.
وقد
كان السلطان ينفق على المرافق التي يؤسسها من أمواله الخاصة، وكذلك كان يفعل
المماليك عموماً.
لقد عُرف السلطان الناصر بالتسامح
الديني، إذ بنى بعض الكنائس للمسيحيين واليهود، وضمن لهم حرية العبادة.
لقد حكم الناصر ثلاث عهود، كان يفقد
السلطنة ويستعيدها، وفي المرة الثالثة حكم اثنتين وثلاثين سنة وهي أطول فترة حكم
في عهد المماليك
[25]
.
التجارة العالمية في زمن
المماليك
لقد بسط المماليك نفوذهم على
أربعة بحار، المتوسط والأحمر والعرب والمحيط الهندي. لذلك سيطرت مصر على طرق التجارة بين الهند
وأوربا. وقد إنتهجت دول مصر المختلفة
سياسة تضمن تأمين خطوط التجارة عبر هذه البحار من خلال دوريات سفنها الحربية ووجود
قواعد عسكرية. وكذلك إتفاقات وتعاقدات
تضمن هذا الغاية.
وقد كانت الخطوط التجارية بين
الصين والهند من جهة وأوربا جهةٍ أخرى تسلك مسارات عديدة، برية كانت أم بحرية،
باحثة عن الأمن لضمان وصول البضاعة وسلامة المرافقين لها. وكانت هذه الخطوط تتغير تبعاً للتغيرات
السياسية. فعندما كانت تقام إمبراطوريات
كبار تمتد بحدودها من أقاليم موغلة في الشرق إلى أقاليم أخرى موغلة في الغرب، كانت
القوافل التجارية تسير لأيام وأسابيع داخل حدود الدولة نفسها. مثل الدولة الرومانية والدولة الأموية والدولة
العباسية وكذلك المغولية لفترة وجيزة.
وهذا يؤثر على نمط التجارة ، فبدلاً من أن تكون مثل سباق التتابع، تتكون من
مراحل، فتمر عبر عشرات التجار، تصبح تجارة تاجرٍ واحد إشترى بضاعتها في سمرقند أو
دلهي وسافر بها إلى القيروان أو أنطاكيا ليبيعها.
تمكن التجار المصريون ، مدعومين
من حكوماتهم ، أن يجعلوا خطوط التجارة بين الهند والصين في الشرق وأوربا وشمال
إفريقيا في الغرب تمر عبر أراضيها. بحيث
يكون هناك محطة واحدة في الفسطاط أو في القاهرة لاحقاً ، أو في الإسكندرية أو في
دمياط. وإعطاء تسهيلات للتجار الأجانب
وتوفير أماكن إقامة مريحة ومخازن محمية وتنقلات آمنة. والأهم حماية خطوط القوافل والسفن بحراستها
والقيام بترتيبات أخرى. وقد خلقت هذه
السياسة حالة من الرخاء في إقتصاد مصر لعدة قرون ، لقد إعتمد الرخاء في الدولة
الأموية والدولة العباسية على الجباية، الجزية وما شابهها، وهي الضريبة التي لا تعتمد
على حركة تجارة وإزدهار صناعة وإنتاج زراعي، ولكن إعتمد الإقتصاد المصري ، سواء في
عهد الفاطميين أو الأيوبيين أو المماليك ، على الرسوم المفروضة على حركة البضائع
وإنتاجها . ولذلك إزدهر الإقتصاد المصري
طالما كان هذا الطريق يشكل الخيار الأفضل.
ولهذا بدأ إقتصاد مصر يتراجع في زمن المماليك بسبب البدء بإيجاد بدائل أخرى
للطرق التجارية، وبسبب عدم إستقرار الأوضاع السياسية في البلاد لكثرة التغييرات
وكثرة القلاقل.
الصناعة في زمن المماليك
لقد ورث المماليك الصناعة التي
نشأت في عهد الفاطميين والأيوبيين. وقد
إشتهرت مصر في عددٍ من الصناعات ، نذكر منها :
1.
صناعة النسيج
2.
صناعة السكر
3.
صناعة الزيوت
4.
صناعة السفن
5.
صناعة لوازم الدواب
6.
صناعة الورق
7.
الصناعات الحرفية مثل
المصوغات الذهبية والفضية واللوازم المنزلية وغيرها.
تراجعت الصناعة في مصر بسبب الضرائب العالية المفروضة
عليها وحالة عدم الإستقرار السياسي وظهور المنافسة الأوربية . فمثلاً صناعة الورق توقفت في القرن الرابع عشر
وبدأت مصر تعتمد على الورق المستورد من أوربا.. فقط بعد قرنين من تاريخ تعلمهم
صناعة الورق من العرب.
[1]
تاريخ
المماليك في مصر والشام، محمد سهيل طقوش.
[6]
تاريخ
المماليك في مصر والشام، محمد سهيل طقوش.
[7]
موسوعة
التاريخ الاسلامي، العصر المملوكي، د مفيد الزيدي.
[8]
تاريخ
المماليك في مصر والشام ، محمد سهيل طقوش، نقلاً عن المقريزي.
[9]
تاريخ المماليك
في مصر والشام ، محمد سهيل طقوش ، نقلاً عن النويري .
[10]
تاريخ
المماليك في مصر والشام ، محمد سهيل طقوش .
[12]
تاريخ
المماليك في مصر والشام / د محمد طقوش.
[13]
تاريخ
دولة المماليك في مصر، السير وليم موير.
[14]
تاريخ
المماليك في مصر والشام، طقوش.
[17]
تاريخ
دولة المماليك في مصر، السير وليم موير.
[18]
تاريخ
المماليك في الشام ومصر.
[20]
تاريخ
دولة المماليك في مصر، السير وليم موير.
[21]
تاريخ
المماليك في مصر وبلاد الشام ، طقوش.
[22]
تاريخ
المماليك في مصر وبلاد الشام ، طقوش .
[25]
تاريخ
المماليك في مصر وبلاد الشام ، طقوش.