إسبانيا
عندما غزا شارلمان الأندلس ،
قام بتشكيل عدد كبير من الإمارات الصغيرة على طول جبال البرانس، ففصلت بين الأندلس
وبلاد الغال ، فشكلت نوع من المنطقة العازلة ، سميت الحدود الإسبانية
Spanish
Marches
Marca
Hispania
,
. وكانت تتكون من عدد من الكونتيات، التي منحت لأمراء ( كونتات )
بفرمانات صادرة عن الإمبراطور، شارلمان، الذين قاموا بتوطين أعداد كبيرة من سكان
الجبال من القوط والكتلان والباسك والإيبيريين وغيرهم . وكان الهدف إقامة كيانات سياسية يطمح حكامها
وسكانها إلى التوسع على حساب الأندلس كلما سنحت لهم الفرصة، وذلك بدوافع دينية
ووطنية وتوسعية مصلحية[1]
.
وكان من بينها برشلونة ، التي
كانت بيد الأندلسيين لمدة تسعين سنة وإستولى عليها لويس التقي إبن شارلمان ، في
زمن أبيه . وكان عددها ثمانية عشر كونتية
، لم يبقى منها إلا أندورا ، التي حافظت على إستقلالها إلى الآن ، وكانت تسمى
أورغل . وتحولت جاكا إلى أرغون ، وجاكا هي
عاصمة أرغون الأولى . وتوسعت برشلونة إلى
الجنوب ، وبقيت كونتية فرنجية ثم إلتحقت بمملكة أرغون . ومن الكونتيات المهمة نبارة ، التي بقيت هوية
مستقلة إلى العصور الوسطى. وفي بداية
القرن الحادي عشر لم يتبقى منها سوى نبارة وأرغون وأندورا وروسيلون وكتالونيا
.
مملكة أرغون
كانت أرغون في القرن العاشر
واحدة من مجموعة من الدويلات الإسبانية التي تقوم بمهاجمة المدن والقلاع الأندلسية
كلما سنحت لها الفرصة . وفي بداية القرن
الحادي عشر ظهر على مسرح الأحداث ملك ترك أثراً واضحاً على تاريخ أرغون ، وهو
سانشو الكبير ( 1000 – 1035 ) ، والذي سماه العرب شانجة غرسية. وقد تسلم الحكم طفلاً ، تحت وصاية والدته والأسقف ، وقد ورث نبارة
وأرغون . وقد تمكن من ضم إقليم سوبرابي
سنة 1015 ، الحدودي والخالي من السكان ، مستفيداً من أوضاع التشرذم الناجمة عن
إنهاء الخلافة وظهور دول الطوائف . كما
قام بالزواج من وريثة كونتية ريباجورزا بعد ضمها ما بين عامي 1016 و1019م. ثم نجح في جعل كونت برشلونة تابعاً له بدلاً من
تبعيته لملك فرنسة. وقد إلتقى سانشو مع
كونت برشلونة للتنسيق ضد كونت تولوز وراء البرانس في فرنسا، وهذا يدل على رغبة
ملوك أرغون في التوسع في جميع الإتجاهات ، وليس فقط على حساب
المسلمين. ولكنه خاض معركة مع جيش ليون ضد المنصور بن أبي
عامر ، حيث نجم عن ذلك الإستيلاء على أراضي واسعة . وفي تموز 1002 قام جيش إسباني مشترك من قشتالة
وليون وأرغون بخوض معركة مع المنصور، والإنتصار فيها ، وقد كانت معركة
Calatanozor
معركة حاسمة ، توفي المنصور على أثرها وبدأ بذلك عهد الطوائف
بالأندلس.
ثم تزوج إبنة سانشو
الأول ، أمير قشتالة ، ثم أصبح وصياً على عرشها بعد وفاته . وفي العام 1027 تم إغتيال جرسيا الثاني كونت
قشتالة أثناء عرسه من إبنة ليون على يد إقطاعي طرده من أرضه . وكان سانشو الثالث ، ملك نبارة ، معارضاً
للزواج وتبعاته فقام بضم قشتالة وليون .
وقد أصبحت معظم إسبانيا المسيحية تحت حكمه . توفي سانشو إغتيالاً سنة 1035، وترك العديد من
الأبناء ، وقد قسم بينهم مملكته وبذلك ألغى أهم إنجاز حققه في حياته ، وهو توحيد
الكيانات السياسية الإسبانية.
وورث أرغون من بين أبناءه
راميرو ( 1035 – 1063 ) ، وهو إبن غير شرعي من عشيقته وأكيرهم . وفي زمنه عادت أرغون إلى حجمها الصغير لدرجة لم
يطلق راميرو على نفسه لقب ملك ، ولكنه حاول التوسع على حساب إخوته وعلى حساب
الأندلس .
قُتل راميرو في إثناء محاولته
للإستيلاء على مدينة جراوس التابعة لسرقسطة ، التي كان يحكمها المقتدر أحد ملوك
الطوائف . وفي هذه المعركة حاربت كتيبة
قشتالية مع المسلمين بقيادة الأمير سانشو ، الذي أصبح ملك قشتالة فيما بعد، وشارك
فيها " السيد " ، وهو إبن عشرين عاماً .
وخلفه إبنه سانشو راميريز (
1063- 1094 ) . وكان العرب في الأندلس
يسمون سانشو شانجة، وكان هذا اِلإسم يتكرر، ليس فقط عبر العصور بل في الممالك
والكونتيات الإسلامية ، لدرجة أن قامت حرب بين ثلاثة من الحكام ، الذين يحمل كل
منهم إسم سانشو ، فسميت حرب السانشوات الثلاث ، وهم أبناء عمومة. وهم سانشو الثاني ، ملك أرغون ، وسانشو الرابع
ملك نبارة وسانشو الثاني ملك قشتالة . وقد
نجم عنها تعديلات حدودية بين الدويلات ، كما توسع سانشو على حساب دول الطوائف
فإستولى على مدينتين ولكنه ، مثل أبيه ، توفي أثناء حصار مدينة ثالثة . وفي زمانه
وقعت معركة الزلاقة أمام جيشي المرابطين وتحالف دول الطوائف الأندلسيين ، التي
هُزم ألفونسو فيها هزيمة كبيرة وفر من المعركة بعددٍ قليلٍ من فرسانه ، وإضطر على
أثر ذلك إلى إخلاء بلنسيا .
وتولى الحكم بعده إبنه بيتر
الأول ( 1094 – 1104 ) أو بيدرو بالإسبانية أو بطرة بالعربية . وقد خاض معركة الكوراز سنة 1096 فاستطاع
الإستيلاء على مدينة هويسكا التي مات أبوه على أسوارها ، وهي مدينة في أقصى الشمال
، وقد نقل العاصمة إليها . وبعد وفاته إستلم الحكم أخوه ألفونسو الأول ( 1104 –
1134 ) المحارب، ملك أرغون ونبارة، الأدفونش ، كما سمته العرب. وقد إستلم الحكم نتيجةً لوفاة أبناء أخيه في
حياة أبيهم . وكان أبوه قد أرسله في
طفولته إلى دير ليتعلم القراءة والكتابة وفن القتال . وفي شبابه رافق السيد ، ودخل معه بلنسيا وقد
حقق نجاحات عسكرية هامة في إقليم سرقسطة ، حيث إستطاع السيطرة على عدة مدن من
الأندلسيين ففي العام 1110م ( 503 هـ )
خاض ألفونسو الأول معركة بالتحالف مع ملك البرتغال إنريك قرب تطيلة وقد قتل
فيها أمير سرقسطة المستعين بالله
[2]
.
ولكنه توفي بعد فشله في حصار فراجا من الأندلسيين والمرابطين. وحكم بعده راميرو الثاني ( 1134-1137 ) ، حيث
مات أخوه دون وريث . وقد كان راميرو
أُسقفاً في حياة أخيه ، ولكنه تنازل عن قسمه بإذن من البابا ، وخرج إلى الدنيا
ملكاً ليحافظ على الحكم في الأسرة ، الأمر الذي تطلب منه أن يتزوج بدوره ، فتزوج
إبنة دوق أكيتانيا ، وبسرعة حملت وأنجبت طفلة سموها بيترونيلا ، وبسن السنتين تمت
خطبتها لرامون كونت برشلونة. عند ذلك
تنازل راميرو الراهب ، كما كان يسمى ، عن العرش وعاد إلى أسقفيته ، وهكذا وازن بين
الدين والدنيا بكل حذق ، وأثبت أن إغراء الكرسي لم يلاقي لديه ضعفاً .
إعتلت بترونيلا ( 1137 – 1162 )
العرش في حياة أبيها بعد تنازله عن العرش ، على الرغم أن توريث الحكم للنساء لم
يكن معتاداً في أرغون ، بينما كان توريث الأبناء غير الشرعيين مقبولاً. تزوجت بترونيلا الكونت بسن خمسة عشر ، ثم
تنازلت لإبنها رامون ، الذي أصبح ألفونسو الثاني . كان ألفونسو الثاني ( 1162 – 1196 ) يلقب
بالعفيف وكان شاعراً. وقد كان طوال فترة
حكمه متحالفاً مع ألفونسو الثالث ، ملك قشتالة ، ضد ملوك الطوائف في الأندلس وضد
نبارة كذلك. ثم تزوج أخت ملك قشتالة
لتعميق التحالف . وفي عهده تم الإتفاق (
إتفاقية كازارولا ) بين الممالك الإسبانية على حدود كل منهم داخل أراضي الأندلس ،
أي قاموا بتوزيعها قبل إكمال إستعادتها بأكثر من ثلاثمائة سنة . ولهذا نجد حرب البرتغال مع المسلمين توقفت في
مرحلة أبكر ، ثم توقفت حرب أرغون معهم في مرحلة لاحقة ، بينما إستمرت قشتالة حتى
سقوط غرناطة ، أما نبارة فلم تكن نشطة في معاداة المسلمين ، لعدم وجود حدود مشتركة
.
وقد إستطاع ألفونسو الإستيلاء
على بعض الأراضي في الطريق إلى بلنسيا ، ولكنه وبالتعاون مع ملك قشتالة خسرا معركة
الأراك سنة 1195 ، التي كانت خسائرهم فيها فادحة ، فطلبوا عقد معاهدة سلام على
أثرها ، مع سلطان الموحدين في ذلك الوقت أبو يوسف المنصور، فوقعت المعاهدة بعد ذلك
بسنتين .
وفي عهد ألفونسو تم التوسع في
الشمال خلف البرانس ، في بروفانس وروسيلون ولانجيدوك ، كما تزايد تأثير أرغون في
سردينيا .
ثم إعتلى العرش الأرغوني بيتر
الثاني ( 1196 – 1213 )،
بيدرو أو بطرة حسب المصادر العربية ، وهو إبن ألفونسو الثاني . وقد توجه للبابا إنوسنت الثالث في روما ، حيث
أقسم له أن يدافع عن العقيدة الكاثوليكية ، فلقب بالكاثوليكي . وقد تزوج إبنة كونت مونتبليه ، في فرنسا ، التي
كانت شديدة التدين ، وقد ولدت له إبنه جيمس ولكنهما إنفصلا لاحقاً.
وفي عهده وقعت معركة العقاب
Las Navas de Tolosa
سنة 1212 ( 609 هـ ) التي قاد فيها الجيوش الإسبانية وهزم فيها المسلمين هزيمة
كبيرة . وكانت المعركة قد خاضها
تحالفٌ من جيوش قشتالة بقيادة ألفونسو
الثالث والبرتغال بقيادة الفونسو الثاني وارغون بقيادة بيدرو الثاني مدعومين
بأعدادٍ كبيرة من المتطوعين والفرسان الأوربيين، الذين طلب منهم البابا أربان
الثاني البقاء في إسبانيا وعدم المشاركة في الحملة الصليبية الثالثة ، التي كانت
قيد الإعداد ، كما شجعهم كذلك البابا المعاصر إنوسنت الثالث، وشجع كذلك قيام
التحالف بين الملوك المتنافسين. فإلتقى
هذا الجيش المعبأ مع جيش إسلامي موحدي أندلسي مغربي
وهزمه.
وعند عودته من الحرب مع المسلمين وجد أن سيمون
دي مونتفورت إستولى على تولوز . وسيمون
هذا أحد قادة الحملة الصليبية الرابعة والتي إنحرفت عن هدفها وإستولت على
القسطنطينية . فقام بيدرو على الفور بعبور
البرانس إلى فرنسا ، حيث إلتقى مع جيش سيمون ، ولكن جيشه لم يكن منظم فخسر المعركة
وقُتل فيها بيدرو . لقد كانت إنتصار
الإسبان في معركة العقاب من أكبر إنتصاراتهم ، وكوفئ بطلها على ذلك أسوأ مكافئة ،
بعد نصف قرن من معركة العقاب سيكافئ بالمثل قائد مسلم بعد إنتصاره في معركة قادها
غيرت العالم ، وهو قطز.
وتولى الحكم بعده إبنه جيمس
الأول ( 1213 – 1276 ) ، وكانت بعض
المصادر العربية تسميه جاقة
[3]
، الذي كان في مدينة مونتفورت عندما وقعت
الحرب بين أبيه وسيمون دي مونتفورت ، حيث إحتفظ به سيمون ولكن البابا أصر على
تسليمه ، فعاد ليصبح ملكاً . وتولى
الوصاية على العرش عمه . وتزوج في العام
1221من إبنة ألفونسو الثامن ، ملك قشتالة .
وقد واجه في الست سنوات الأولى من حكمه ثورات النبلاء إلى أن توصل إلى سلام
وإتفاق معهم في العام 1227م . وقد كان
نبلاء أرغون معروفون بتوحدهم على عكس نبلاء قشتالة الذين كانوا متفرقين . وقد شارك في الحروب الصليبية بإرسال إبنيه غير
الشرعيين على رأس جيش .
ثم إتجه لمحاربة المسلمين
فإنتزع منهم جزيرة ميورقة سنة 1229 وجزيرة منورقة سنة 1232 وإبيزا سنة 1235
وبلنسيا سنة 1238م ( 636 هـ ) . وقد جدد
الإتفاق مع صهره ألفونسو العاشر على توزيع ما يفتح من أراضي أندلسية ، وبناءاً على
ذلك سلمه مرسية بعد إستيلاءه عليها من المسلمين
[4]
.
وقد كان جيمس الأول محباً للعلم
، وقد تُرجمت له الكثير من الكتب العربية ، وكان راعياً لجامعة مونتبليه في جنوب
فرنسا ، التي كانت ضمن أقاليم تابعة لمملكة أرغون ، التي يعود تاريخ تأسيسها
الرسمي إلى ما بعد عهد جيمس ، إذ أن المشهور أنها تأسست بقرار بابوي بتجميع عدد من
المدارس والمعاهد في مؤسسة تعليمية واحدة ، ويبدو أنه كان يرعاها في مرحلة
التأسيس.
تولى بيتر الثالث ( 1276- 1285) بيدرو ، عرش
أرغون بعد أبيه جيمس الأول ، وكان أيضاً بيتر الأول كونت بلنسيا وبيتر الثاني كونت
برشلونة ، فقد إحتفظت كل من برشلونة وبلنسية بكيونتها السياسية .
وكانت مملكة أرغون تضم ، كذلك جزر الباليار وممتلكات أخرى خلف البرانس ،
ولكنها قُسمت بين الإخوة الثلاث ، فكان نصيب بيتر أرغون وبلنسيا وكتلانية لكونه
الأكبر، وهي الأجزاء الأساسية التي تشكلت منها مملكة أرغون معظم الوقت ، وكانت هذه
الأجزاء الثلاث تحتفظ بقوانينها الخاصة ، ولا يزال الكتلانيون ينزعون إلى
الإستقلال عن إسبانيا.
في السنة الثانية لحكمه
توفي أمير تونس محمد المنتصر ، وكان يدفع إتاوة للملك جيمس ، والد بيدرو. فقام خليفته بالإمتناع عن دفعها . فأرسل أسطولاً في العام 1280، وفي العام التالي
قاد أسطولاً أكبر بنفسه . وبعد رسوه على
الساحل التونسي وصلته سفارة في 1282 من أهالي باليرمو يطلبون منه تولي عرش صقلية
بعد ثورتهم ضد الفرنسيين.
وفي نفس السنة رسى أسطول أرغون على الساحل الصقلي ،
فهرب الأمير الفرنسي شارل الأنجوي، الذي كان قد إحتل صقلية من أسرة هوهنشتاوفن
السوابية بناءاً على تكليف من البابا. عند
ذلك قام البابا بحرمان بيدرو والإمبراطور البيزنطي لتآمرهما ضد حليفه شارل . ثم قام بيدرو بغزو الساحل الإيطالي ، فسيطر على
معظم ساحل كالابريا. وبينما كانت الجيوش
الأرغونية تتقدم ، قام شارل بتقديم إقتراح طريف ؛ وهو أن يتبارز الملكان بدلاً من
القتال بين الجيشين، وإتفقا أن يكون ذلك في بوردو وأن يحكم بينهما الملك إدوارد
الأول ، ملك إنجلترة. وعلى الرغم من وصول
بيدرو إلى بوردو لم تجري المبارزة. وفي
هذه الأثناء حقق الأسطول الأرغوني عدة إنتصارات على الأسطول الفرنسي. ولكن الفرنسيين كانوا يعدون لغزو أرغون ، وفي
العام 1284 أطلق البابا مارتن الرابع حرب صليبية ضد أرغون ، ومنح عرش أرغون لشارل
فالوا ، أخو الملك الفرنسي فيليب الثالث ، وإبن أخ شارل أنجو . وقد حدث هذا بينما الحروب الصليبية لا تزال
مستعرة في الشرق ، وحرب الإسترداد مستمرة في إيبيريا.
صليبية
أرغون
وبنفس الحماس الذي هاجت
فيه أوربا لمساعدة أرغون ضد المسلمين قبل إثنين وسبعين عاماً ، قامت أوربا بغزو
أرغون بحملة صليبية تستهدف إستئصالها سنة 1284.
وكان الفرنسيون كالعادة هم وقود الحروب الصليبية ، فقاد الملك الفرنسي
فيليب الثالث جيشاً قوامه يزيد عن مائة وخمسين ألفاً من المتطوعين والفرسان
والجنود المحترفين حتى دخلوا روسيلون ، المدينة الساحلية الواقعة على الحدود ،
فقاومهم شعبها ، الذين إلتفوا حول حاكمها ، ولكنه هُزم وأُحرقت كاثدرائية المدينة
. وفي العام 1285 تمكن الجيش الصليبي
المهاجم من الإستيلاء على جيرونا بعد مقاومة عنيفة . وفي جيرونا تم تتويج شارل ملكاً على
أرغون. وبعد ذلك شهدت الحرب منعطفاً حاداً
، فقد عاد الأسطول الأرغوني من صقلية وإلتقى مع الأسطول الفرنسي في معركة بحرية
وهزمه . ثم تفشى مرض في أوساط الجيش
الفرنسي . ووقع فيليب نفسه في المرض ،
فقام وريثه فيليب بالتفاوض مع الملك الأرغوني لضمان إنسحاب آمن للعائلة الحاكمة
عبر البرانس . فمنحت العائلة الحاكمة ذلك
، ولم يمنح الجيش الفرنسي ممراً آمناً فمُزق في معركة مع الجيش الأرغوني . ولم يصل الملك الفرنسي إلى بلاده ، حيث مات على
الطريق ودفن في بنبلونة في شمال إسبانيا.
وبنفس العام 1285 توفي بيدرو وكذلك شارل ، وكان بيدرو قد عرض على الباباوية
التنازل عن صقلية قبل وفاته ليخلص من هذا المأزق
[5]
.
خلقت هذه الإنجازات
العسكرية طموحات توسعية في الأوساط الحاكمة الأرغونية ، حيث أصبح الأسطول الأرغوني
قوة بحرية هامة ، وبدأت تطلعات ملوك أرغون تتعدى حدود إيبيريا إلى فرنسا وإيطاليا
وجزر المتوسط وسواحل شمال إفريقيا .
وتولى الحكم بعد وفاة بيدرو إبنه ألفونسو الثالث ( 1265 – 1291
) ، الذي قرر الإحتفاظ بصقلية وإنشغل في إستعادة جزر الباليار من عمه الذي كان ملك
ميوركة بالتوريث وإستعادة منورقة ، من إمارة قرطبة ، فتمكن من السيطرة عليهما في
العام 1287 ، ولا يزال ذلك التاريخ ، السابع عشر من كانون ثاني ، العيد الوطني
لمنورقة . وفي عهده أيضاً ظهرت حركة
دستورية قادها النبلاء ، حصلوا نتيجةً لجهودهم على مايشبه الماجنا كارتا .
وقد تحالف ألفونسو مع إدورد
الأول ، ملك إنجلترة ، ولكن ألفونسو لم يقدر أن يستمر في تحدي الباباوية ، فلم
يلبث أن تراجع ونزل عند مطالبها ، تحت وقع مشاكله الداخلية ، سنة 1291
[6]
.
ثم تولى الحكم جيمس الثاني (
1291 – 1327 ) الملقب بالعادل
Eljus
t
، بأل
التعريف العربية . وفي زمانه تم عقد
معاهدة مع شارل أنجو الثاني تنازل له بموجبها عن صقلية ، ولم يقبل بذلك سكان صقلية
فنصبوا أخاه فريدريك ملكاً عليهم . وفي نهاية عهده غزا إبنه سردينيا ، كما أرسل
محاربين أرغونيين وكتالونيين لمحاربة العثمانيين ، وهم من الشركات العسكرية الحرة
، التي كانت تضم جنود محترفين جاهزين رهن الخدمة لمن يقدر على أجورهم ، وقد قاتلوا
العثمانيين لبعض الوقت ثم إنقلبوا على القسطنطينية وإستولوا على دوقية أثينا
اللاتينية
[7]
وبهذا أصبح لأرغون وجود في شرق المتوسط ، وقد
نجم عن ذلك تواجد تجاري لأرغون في مصر وسوريا مما عزز مكانتها الدبلوماسية
والتجارية.
ثم تولى الحكم ألفونسو الرابع (
1327-1336 ) وفي عهده تمت السيطرة على جزيرة سردينيا ، كما نشبت حرب مع جنوة وبيزا
بسببها. يلاحظ هنا توقف الأعمال العدائية
مع ما تبقى من الأندلس ، وهي ما تسمى الأندلس الصغرى ، ويعود ذلك إلى إتفاق قديم
بين الممالك الإسبانية ، وزعوا بموجبه الأراضي الإسبانية فيما بينهم ، فما تبقى من
أراضي يعود لمملكة قشتالة ، وبالتالي كانت أرغون تدخل مع الأندلس في حرب كمساعدة
لقشتالة . ثم تلاه بيدرو الرابع ( 1336 –
1387 ) وقد خاض حربين أهليتين ؛ الأولى مع نبلاءه ، والثانية مع قشتالة ، التي لم
تتوقف إلا عندما تفشى الطاعون في أوربا والعالم .
وبعد وفاة بيدرو تولى إبنه الأكبر جون الأول ( 1387 – 1396 ) ، الذي مات
دون أبناء فتلاه أخوه مارتن الأول ( 1396 – 1410 ) ، الذي قاد حملات صليبية ( بهذا
المسمى ) ضد المسلمين في شمال إفريقيا في
العامين 1398 و1399. وفي عهده إستعادت
أرغون جزيرة سردينيا وكانت قد فقدت جزءاً منها في عهد بيدرو. وعندما مات مارتن كان جميع أبناءه قد توفوا ،
ولم يعقب إلا حفيد غير شرعي ، فلم يستطع أن يجعله ولياً لعهده، فتسلم الحكم
فيردناند الأول ( 1412 – 1416 )، الذي كان إبن جون الأول القشتالي وإليانور
الأرغونية، وقد ساهم في إنهاء الإنشقاق الكنسي الكبير بمشاركته بمجمع
كونستانس. وبعد وفاته إعتلى العرش
الأرغوني ألفونسو الخامس ( 1416 – 1458
)، وقد جرت بينه وبين ملك إثيوبيا يشاق ( إسحاق ) مراسلات تهدف إلى إقامة تحالف
معادي للمسلمين ، ففي العام 1428 وصل موفدان إثيوبيان إلى بلاط ألفونسو لبحث هذا
الإقتراح . وفي عهده تم ضم نابولي
[8]
.
وبعد وفاته تلاه إبنه جون الثاني ( 1458 – 1479 ) ، وفي عهده ثار الكتلان
. وخلفه إبنه فرديناند الثاني ( 1479 –
1516 ) ، الذي أصبح أيضاً فيرديناند الخامس ملك قشتالة ، من خلال زواجه من
إيزابيلا وريثة العرش القشتالي ، ويعتبره البعض من أعظم ملوك العالم العاصرين
[9]
.
ولادة البرتغال
لقد
شكلت البرتغال هوية مختلفة عن بقية إبيريا طوال تاريخها ، فقد كانت مقاطعة مختلفة
أثناء حكم الرومان ، وعندما غزاها تحالف قبائل جرمانية مكون من الوندال والسوفي
والألان ، كانت من نصيب الألان ، كما كانت دوقية قائمة بذاتها أيام القوط .
في العام 886 م ظهرت كونتية
البرتغال التابعة لمملكة ليون . وقد حدث
هذا على يدي الكونت فيمارا بيريس ، الذي قاد جماعة مسلحة وإنتزع الأرض الواقعة بين
نهري المينو والدويرة . وهذا الإقليم يشكل
الجزء الشمالي من البرتغال اليوم .
وإستمرت كونتية البرتغال في
نزاعها مع الأندلس ، ومع الممالك الإسبانية ، التي سعت إلى ضم أجزاء منها على
الدوام .
وفي العام 1065م تمكن جارسيا
الثاني من إنتزاع إستقلال البرتغال تحت إسم مملكة جاليقا والبرتغال بعد صراع طويل
. ولكن في العام 1072 عادت وإنضمت لمملكة
قشتالة وليون في عهد ألفونسو السادس .
وفي العام 1095 إنفصلت البرتغال
عن جاليقا ، على الرغم من تبعية كليهما لمملكة ليون .
وإغتنمت البرتغال فرصة الحرب
التي إستعرت بين ليون وقشتالة فأعلنت إستقلالها .
وكان ذلك في نهاية القرن الحادي عشر على يدي الكونت هنري ، الذي لم يكمل
المهمة تماماً ، حيث حمل رايتها إبنه الفونسو ، الذي أعلن نفسه أمير البرتغال في
العام 1128 ، ولكن بعد صراع مع ليون وقشتالة وبعد تدخل البابا أُعلن إستقلال
البرتغال ونصب الفونسو ملكاً عليها رسمياً في العام 1179م . وقد كانت العاصمة جيماراس ثم كويمبرا .
وفي العام 1249 تم إستعادة
إقليم الغرب
Algarve
من الأندلسيين ، وهو الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة الإيبيرية ، ويشكل
جنوب البرتغال، وبعد ذلك تم نقل العاصمة إلى لشبونة في العام 1255م . ويعتبر العام 1249 نهاية الريكونكويستا
البرتغالية .
إستقرت دولة البرتغال يحدها
البحر من الغرب والجنوب وحدود طبيعية من الجهات الأخرى ، لذا بقيت حدودها مستقرة
مع إسبانيا إلى الآن، وهذا لم يمنع وقوع بعض النزاعات بينهما.
مملكة ليون
لقد كان الصراع في إيبيريا لا
يقتصر على القتال ، ولكنه كان يعتمد أيضاً على براعة كل طرف في توطين رعاياه حيثما
يوجد فراغ سكاني ، أو في مدينة مستولى عليها حديثاً ، أو سكان بحاجة إلى توطين
. وقد نجح الملك الفونسو الثالث ، ملك
أشتورياس ، في توطين ليون وجعل منها عاصمته ، وشرع في حملة للسيطرة على الأراضي
الواقعة شمال نهر الدويرة . وأعاد تنظيم
مملكته التي تتكون من دوقيتي البرتغال وجاليقيا وكونتيتي سالادانيا وقشتالة ، فبنى
سلسلة من القلاع على الحدود التي تفصله عن الأندلس . وقد تسلم الحكم بعد وفاته سنة 910 م أوردونيو
الثاني ، الذي عاصر عبد الرحمن الناصر ، الذي هاجم مملكة ليون ، فتحالفت مع نبارة
ولكن عبد الرحمن هزمهم سنة 920 م.
في الثمانين سنة التالية عانت
ليون من إنشقاقات ومؤامرات داخلية عديدة ، مثلما عانت من هجمات الأمويين ، الذين
بقوا في الحكم لغاية عام 1031م .
توسع مملكة نبارة
إتسعت مملكة نبارة في نهاية
القرن العاشر عندما حصلت على الإقليم الواقع على خليج بسكاي من قشتالة ، حيث أصبحت
مملكة مستقلة تحت حكم ملكها جارسيا الثاني ، كما تمكن إبنه سانشو الكبير ( 1004 – 1035 ) من ضم قشتالة بالزواج وفتح عدة أقاليم في شمال
إبيريا ، وأصبحت مملكة ليون تابعة له بعد مقتل الوريث الوحيد لملكها . وهكذا أُعيد رسم خارطة إسبانيا المسيحية من
جديد .
ولكن بعد وفاته ، تم تقسيم
المملكة حسب التقاليد بين الورثة . ولفهم
هذا التقليد ، يجب تتبع أصول هذه الممالك التي كانت إقطاعيات ، أي ملكيات شخصية
يتوجب توريث جميع الأبناء والبنات ما كان يملكه الأب .
فتولى فيرناندو حكم قشتالة ،
وتسمى فرناندو الأول ( العظيم ) ( 1033 – 1065 ) . كما تولى روميرو أراغون وسانشو الرابع تولى حكم
نبارة . وأُعطي الأخ الرابع جونزالو
سوبراربي ، الذي إستولى روميرو على ممتلكاته بعد قتله . أما فيرناندو فقد تزوج إبنة آخر ملوك ليون
وأعلن نفسه ملكاً على قشتالة وليون ، التي لم تكن ضمن التركة . وهكذا غدا هناك ثلاث ممالك إسبانية مع إنتصاف
القرن الحادي عشر؛ أراغون وقشتالة ونبارة ، إضافةً إلى البرتغال.
مملكة قشتالة
وقد حكم في هذه المملكة في هذه الفترة ثلاث ملوك مؤثرين ، هم فردناند
الأول وسانشو الثاني ( 1065 – 1072 ) وهو شانجة حسب المصادر العربية ، وهو صاحب
السيد
ElCid
، والثالث ألفونسو السادس ، الملقب بالشجاع .
وقد هاجم جميعهم دول الطوائف ، وكانت أعمال الأخير التي إستدعت طلب مساعدة
المرابطين كما سنرى .
وقد كانت عاصمتها الأولى برغش
Burgos
ثم إنتقلت إلى بلد الوليد ثم طليطلة . وبينما تعني قشتالة القلعة فإن برغش تعني الحصن،
ولهذا دلالات خاصة، فقد نشأت مملكة قشتالة لتلبية ضرورات عسكرية ، فكان الملك
يُفترض به أن يكون قائداً عسكرياً أكثر مما هو زعيماً سياسياً ، وكان النبلاء
يتمتعون بقسط وافر من الإستقلال الذي يوفر لهم مقدر أكبر في صد هجوم أندلسي محتمل
. كما كان لرجال الدين مكانة خاصة أيضاً ،
فكانوا هم الذين يتولون تعبئة المقاتلين لمواصلة قتال المسلمين . وقد كان في قشتالة مجلس
Cortes
، يتكون من ثلاثة فئات ، النبلاء ورجال
الدين وممثلي المدن . وهذا لم يحد من
صراعات الإقطاعيين فيما بينهم ومع الملك ، وكانوا في العموم يتمتعون بدرجةٍ عالية
من الإستقلال في كونتياتهم ، لدرجة أضعفت الحكومة المركزية والملك ، ولكن الصراع
الدائم بين الإقطاعيين منع من إتحادهم ضد الملك
[10]
.
لقد كان فيرديناند الأول ( 1033
– 1065 ) أكبر الأبناء الشرعيين لسانشو الثالث الملقب بالكبير ، والذي كان ملك
نبارة وكونت قشتالة ، حيث كانت قشتالة حتى ذلك الوقت كونتية . و كان سانشو أو شانجة ، حسب التسمية العربية ،
أكبر زعماء الإسبان لدرجة سمى نفسه ملك إسبانيا.
وهو أول ملوك أسرة جيمينيز
Jimenez
.
وبعد وفاته خلفه إبنه سانشو الثاني ( 1065 – 1072 ) ، الذي كان أحد أركان
الحرب التي قامت بين ثلاثة من أبناء العمومة ، كان إسم كل منهم سانشو ، لذلك سميت
حرب السانشوات الثلاث
war of three Sanchos
. ولم يحقق الكثير من حروبه هذه وقد توفي
إغتيالاً من قبل أحد النبلاء الذي تظاهر بتأييده . ثم تولى الحكم أحوه ألفونسو السادس ( 1065-
1109 ) ، الذي كان يلقب بالشجاع ، كما أطلق على نفسه لقب إمبراطور جميع إسبانيا ،
لأنه كان حاكماً على ليون وقشتالة وتوسع
كثيراً على حساب دول الطوائف . وقد كانت
تربطه بالمأمون، أحد أمراء الطوائف، صداقة
قوية ، حيث كان يقول عنه أنه فارس على الرغم من كونه مور ، أي مسلم وعربي
أندلسي. تماماً كما قال الفرسان النورمان
عن أسامة بن منقذ . كما كان صاحب "
السيد " الفارس الإسباني المعروف .
وعلى الرغم من تذوقه للثقافة
العربية ، إلا أنه في زمنه تم الإبتعاد عن المؤثرات العربية في العبادة المسيحية ،
وكانت للإسبانيين صلواتهم الخاصة تختلف عن الطريقة اللاتينية في الصلاة ، وكانت
تسمى
Mozarabic
، وتعني مستعرب ، وهو ما كان يطلق على الإسبان
الذين بقوا على دينهم وعاشوا تحت حكم المسلمين وتأثروا بثقافتهم ولغتهم . فقام ألفونسو بدعوة رجال دين فرنج ( فرنسيين )
لإقامة الصلاة على الطريقة اللاتينية وحسب تعاليم البابوية والمجامع الدينية .
ويروى أنه لعب الشطرنج مع أمير
أندلسي وهو إبن عمار في زمن المعتمد بن عباد ، فكان الإتفاق أن للغالب الحق أن
يطلب ما يشاء ، ففاز إبن عمار ، فطلب من ألفونسو عدم مهاجمة إشبيلية ففعل. ولم يعرف عنه إضطهاده لرعاياه من المسلمين
.
وفي العام 1086م مني بهزيمة
كبيرة في معركة الزلاقة على يدي يوسف بن تاشفين وأمراء الأندلس ، وقد جرح في
المعركة ، ونجا بصعوبة مع خمسمائة من فرسانه ، تاركاً وراءه 59500 قتيل من جنوده
. وقد عاش ألفونسو حتى العام 1109، وكان
قد خسر معركة أخرى أمام المرابطين سنة 1108 قُتل فيها إبنه وولي عهده ، سانشو
. وكان سانشو إبنه من أميرة أندلسية إسمها
زيدة ، يقال أنها كانت زوجة إبن المعتمد بن عباد . ويعد سانشو إبناً غير شرعي لعدم شرعية العلاقة
بسبب دينها.
لم يتبقى لألفونسو سوى إبنته
أوراكا ( 1109 – 1126) ، بعد وفاة إبنه الذكر الوحيد، وقد كانت أوراكا قد تزوجت في
بيرجندي وتوفي زوجها بعد أن رزقت بإبنين .
وقد حاول أباها تزويجها قبل وفاته ، ولكنه مات قبل إتمام ذلك . وكان وقع إختياره على ألفونسو الأول ، ملك
أرغون ، ولكن درجة قرابته من اوراكا كان يجعل الزواج باطلاً . وقد إعترض على ذلك أسقف طليطلة ، ولكنهم تزوجوا
على أية حال سنة 1109م . وحكما سوياً ،
ولكنهما إختلفا لدرجة القتال ، فقد عمل على الإستيلاء على أراضيها . كما لم يكن زواجهما موفقاً على الصعيد الشخصي
كذلك ، فبطل زواجهما في العام 1114 ، ولم تتزوج إوراكا ، وإن كان لها علاقاتها ،
التي أنجبت من بعضها إبنها فيرناندو من كونت بيدرو. وقد خلفها إبنها الشرعي ألفونسو السابع (
1126- 1157 ) ، وقد خاض حروباً وراثية عديدة مع الممالك الإسبانية ، كما خاض معارك
كثيرة مع المرابطين بمساعدة أوربية ، حيث
إستطاع إنتزاع المرية منهم ، فكانت الميناء القشتالي الأول على المتوسط ، ولكن
المرابطين تمكنوا من إستعادتها منهم ثانيةً سنة 1157م . وقد توفي أثناء عودته من معركة خاسرة مع
المرابطين . وعلى الرغم من أن أتباعه من
المسلمين لم يكونوا كثر، إلا انه دعى نفسه " ملك الرجال من أتباع الدينين
". قام ألفونسو السابع بتقسيم دولته
بين إبنيه ، فأصبح سانشو الثالث ( 1157 –
1158 ) ملك قشتالة لمدة عام ثم توفي فجأة .
وتولى الحكم بعده إبنه ألفونسو
الثامن ( 1158 – 1214 ) ، الذي وقعت معركة العقاب في زمنه سنة 1212. وكان ألفونسو قد مني بهزيمة في معركة الأراك
سنة 1195 على يدي السلطان أبي يعقوب يوسف ،
فقام ألفونسو بجهد كبير لتوحيد الممالك الإسبانية وتوحيد نبلاءها ضد
المسلمين ، كما قام البابا القوي إنوسنت الثالث بالدعوة إلى حملة صليبية موجهة ضد
الأندلس ، فشارك فيها فرنسيون وغيرهم ، فكانت هزيمة المسلمين في معركة العقاب
كبيرة ، وقد كانت الخسائر في الأرواح كبيرة جداً . وقد نجم عن هذه الهزيمة ضعف الوجود السياسي
للموحدين في الأندلس وفي المغرب . وخلفه
إبنه هنري الأول ( 1214 – 1217 ) ، الذي كان في العاشرة عندما توفي أبيه ، فتولت
أخته الوصاية على العرش . وقد توفي في سن
الثالثة عشرة . وبعد وفاته تولى فردناند
الثالث ( 1217 – 1252 ) ، إبن أخته التي كانت وصية على العرش وألفونسو التاسع ،
ملك ليون ، وكان فردناند يلقب بالقديس ، وقد عمل على تعزيز مكتسبات الإنتصارات
التي تحققت في زمن جده. وفي زمنه تم توحيد
قشتالة وليون نهائياً . وكان البابا
إنوسنت الثالث قد أمر بطلاق أمه من أبيه سنة 1204، فإحتفظت أمه بالأطفال ومن بينهم
فردناند.
وقد خاض فردناند حروب في ليون
وفي قشتالة ، ولكن حروبه مع أمراء الأندلس أضافت ممتلكات جديدة لمملكته . فقد إستولى على عبيدة سنة 1233 وقرطبة سنة 1236
ومرسية سنة 1243 وجيان سنة 1246 و إشبيلية سنة 1248. ولم يبقى يأيدي المسلمين سوى إقليم غرناطة
. وعندما توفي دفن في مسجد إشبيلية ونُقش
على قبره بأربع لغات ؛ القشتالية واللاتينية والعربية والعبرية. وقد إهتم بالتعليم وعزز جامعة سلامنكا ، كما
إهتم بالتعايش السلمي بين أتباع الأديان السماوية الثلاث في مملكة قشتالة .
ثم خلفه إبنه ألفونسو العاشر (
1252 – 1284 ) ، وقد عاصر أعظم ملوك أوربا ولم يكن يقل عنهم ، وكان يلقب بالحكيم
El Sabio
وذلك لحبه للثقافة والأدب ومهارته في
التشريع والفلك ، وينسب إليه الزيج الألفونسي المبني على حسابات الزرقالي ، ويذكر
أن هناك فوهة بركان على سطح القمر تحمل إسمه ، كما يظهر إسمه بين أسماء ثلاثة
وعشرين مشرع في الكونغرس الأمريكي.
وكان ألفونسو من المؤيدين
لبرنامج
الترجمة
program of translation
، وهي حركة نشأت في إسبانيا وتعنى في ترجمة النصوص العربية إلى اللاتينية ، وقد
تركز في طليطلة وغيرها من المدن الإسبانية ، وكانت مدعومة من قبل الكنيسة .
وبعد وفاة كونراد الرابع
هوهنشتاوفن ، تم إنتخابه " ملك الرومان " من قبل المجلس الإنتخابي لأن
أمه تنتمي للعائلة الإمبراطورية ، وهذا المنصب يسبق في العادة منصب الإمبراطور ،
الذي يأتي بالتتويج البابوي . وقد خلق هذا
الوضع طموحات أرهقت قشتالة وإقتصادها ، وعقدت علاقة ألفونسو مع نبلاءه ، الذين
ثاروا عليه .
وعندما توفي أكبر أبناءه ، حرم
إبنه الثاني من ولاية العرش ، فثار ضده وأيده النبلاء . فطلب مساعدة السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق
، حيث أقرضه مائة ألف دينار ورهن لديه تاج مملكة قشتالة ، وتضيف المصادر العربية
أن ألفونسو قبل يد يعقوب عندما قابله لطلب مساعدته
[11]
.
وقد تحالف السلطان الغرناطي محمد الثاني مع سانشو والنبلاء . ونشبت حرب أهلية في سنة 1282 تشابكت فيها
الولاءات ، ولكن أُجبر ألفونسو على قبول إبنه كوليٍ للعهد .
وفي عهده تم الإستيلاء على مرسية من قبل الملك
الأرغوني جيمس الأول ، الذي قام بتسليمها لقشتالة ، كما خاض حروب كثيرة مع تحالف
مريني غرناطي. مات ألفونسو معزولاً وترك
وصية يحرم فيها سانشو من الحكم . ومع هذا
خلفه إبنه سانشو الرابع ( 1284 – 1295 )
ثم فردناند الرابع ( 1295 – 1312 ) ، الذي نشب في عهده الصراع بين النبلاء ، كما
نشأ صراع بين الإخوة على العرش ، وقد أعطى هذا متنفساً لدولة بني الأحمر في غرناطة
، فإنصرف حكامها إلى النشاط الإقتصادي والعمراني والحضاري . ولكنهم فكروا بإسترجاع بعض ما كان بأيديهم من
مدن وقلاع ، فهاجمهم ملكي قشتالة وأرغون ، وإستطاعا إنتزاع جبل طارق سنة 1309م، فإستعانت غرناطة بسلطان فاس
المريني، الذي عبر المضيق بجيشه وقام بالتعاون مع غرناطة بحصار مدينة طريف .
وكانت طريف وقلعتها بعهدة أحد
النبلاء الإسبان وإسمه جوزمان ، وقد تلقب بالوفي لأنه رفض تسليم القلعة لمحاصرين
مسلمين وإسبان ، على الرغم من وجود إبنه رهينة بيد المحاصرين ، وكان الإسبان
بقيادة دون خوان أخو سانشو الرابع ، الذي ثار عليه. وكان يعتقد أن جوزمان وعائلته من أصل
إسكندينافي ، إلا أن أبحاث حديثة قام بها أبناء العائلة تدل على أن الجد من أصل
مسلم جاء من المغرب . هذه الواقعة ،
بأبعادها المختلفة تقدم دلالات على مدى تشابك الأوراق في الأندلس ، الأمر الذي
يساعد الباحث على فهم تاريخها وعمقه الإنساني .
فسارع ألفونسو الحادي عشر ( 1312 – 1350 )، الذي
خلف أبيه فيردناند ، الذي مات في خيمته أثناء الإعداد لحصار غرناطة، إلى مواجهة
المسلمين ، وكانت علاقته مع البرتغال متوترة بسبب طلاقه لإبنة ملكها . وفي العام 1340 أوقع ألفونسو الهزيمة بالتحالف
الإسلامي في معركة طريف ( صلادو )،
وإستولى على بعض المواقع والحصون من المسلمين .
وقد إغتنم ألفونسو الفرصة فحاول الإستيلاء على جبل طارق ، التي كان
المسلمون قد إستعادوها ، ليقطع الطريق على
الإمدادات المحتملة من المغرب ، ولكنه مات أثناء حصارها .. بالطاعون
[12]
الذي ضرب ثلاث قارات ومات منه الملايين ، ولم
يميز بين الأديان والأعراق. وبعد وفاته
تسلم الحكم بيتر الأول ( 1350 – 1369 ) ، بيدرو القاسي ، الذي خاض حرباً ضد نبلاء
قشتالة المشاكسين ، وأظهر معهم قسوة شديدة ،
كما أظهر القسوة نفسها مع اليهود من مواطني قشتالة. وأُرسل إليه إبن خلدون سفيراً سنة 765 هـ (
1364م ) ، حيث قابله في إشبيلية موفداً من قبل محمد الخامس ملك غرناطة لإتمام عقد
الصلح بينهما
[13]
. وقد واجه بيتر أو بيدرو منافساً على العرش
القشتالي من قبل هنري ، أخوه كونت تراستمارا ، الذي دعمه ملك فرنسا ، بينما دعم
ملك إنجلترة بيتر ، وكان ذلك أثناء حرب المائة عام بين إنجلترة وفرنسا ، وقد
إستخدم ملكي فرنسا وإنجلترة جنود محترفين من الشركات الحرة لمساعدة حليفيهما
[14]
، وقد ظهرت هذه الشركات في العقود الأخيرة
كإفراز للحروب المتكررة في أوربا ، فإحتدمت الحرب لمدة سنتين إنتهت بإنتصار
الفرنسيين وإعتلاء هنري الثاني ( 1369 – 1379 ) لعرش قشتالة . ولكنه واجه منافسة من قبل ملك البرتغال ، الذي
إدعى أحقيته في العرش بحكم كون جدته إبنة سانشو الرابع . ولكن هنري تغلب عليه بمساعدة الفرنسيين وأجبر
ملك البرتغال على الإعتراف به ملكاً . ورد
هنري الثاني الجميل لفرنسا بمساعدتها ضد إنجلترة . وقد تشابكت مسألة وراثة العرش القشتالي مع
الحرب الفرنسية الإنجليزية لأكثر من عقدين
[15]
.
وقد تركت هذه الحروب ، التي خاضتها جيوش أجنبية على أراضي مملكة قشتالة ،
تركت أثراً سلبياً على إقتصاد الريف ، كما نجم عن الصراع على العرش أن قام
المتنازعين بتقديم تنازلات للنبلاء لغاية الحصول على ولاءهم . مما جعل النبلاء في وضع أقوى تجاه العرش وأكثر
إثارة للشغب .
وقام إبن هنري وخليفته جون
الأول ( 1379 – 1390 ) بمهاجمة البرتغال ، ولكن الحرب لم تطول فإنتهت بصلح بين
البلدين . وبعد وفاته خلفه إبنه هنري
الثالث ( 1390 – 1406 ) ، الذي كان من أقدر ملوك قشتالة ، فنشر الأمن والنظام ووقف
من النبلاء موقفاً حازماً
[16]
.
وعندما مات كان إبنه جون الثاني ( 1406 – 1454 ) في الثانية من عمره ، وقد
كان في الشطر الأول من عهده تحت وصاية والدته ، وفي هذه الفترة شهدت قشتالة فترة
إستقرار ولكن عندما تسلم جون سلطاته الملكية أظهر سوء تصرف فتجددت القلاقل
والثورات من قبل النبلاء . وتلاه في الحكم
إبنه هنري الرابع ( 1454 – 1474 ) الذي كان ضعيفاً ، فثار عليه النبلاء ، فعرضوا
التاج القشتالي على أخيه ، ولكنه توفي ، ثم عرضوا التاج على إخته ، ولكنها رفضت ،
وإكتفت أن أخذت من هنري الرابع عهداً أن تكون ولية عهده . وفعلاً خلفته إيزابلا ( 1474 – 1504 ) وكانت
حازمة شديدة التدين ، وتزوجت فردناند الثاني ملك أرغون ، والذي أصبح ملك قشتالة
وأرغون ووحد المملكتين بإسم فردناند الخامس ( 1474 – 1504 ) ، وحكم أرغون وقشتالة.
فردناند وإيزابيلا
لا خلاف على أن التطورات
والتحولات التي حدثت في إسبانيا في عهد الملكين فردناند وإيزابيلا، جعلت عهدهما
فترة مصيرية شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ إسبانيا . ولم يقتصر التحول على وحدة البلاد نتيجةً لزواج
الملكين ، ولكن تم أيضاً بتنظيم العلاقة بين الأمراء الإقطاعيين والملكية مما نقل
البلاد من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة ، وهيأها للعب الدور الذي لعبته في
القرن الخامس عشر والقرون التالية .
لقد مهد توحيد قشتالة ( قشتالة
وليون ) وأرغون ( أرغون وكتالونيا وفلنسيا ) لولادة إسبانيا المعاصرة ، كدولة تغطي
معظم أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية ، وتضاهي بمساحتها الدول الأوربية الكبيرة
. ويذكر أن أرغون كانت قد توسعت خارج
إيبيريا في فرنسا وإيطاليا
وفي الشمال الإفريقي بشكل
متقطع .
كما كانت قشتالة قد إحتلت سبتة ومليلة . ولم تكن هذه الوحدة عضوية ، بل حافظت كل مملكة
على قوانينها وتقاليدها، مثلما حافظت كتالونيا وفلنسيا على قوانينها عندما إتحدت
مع أرغون . كما كان الملك والملكة يحكمان
البلاد سوياً ، وكان فردناند يطلب مشورة إزابيلا حتى في الأمور الحربية ، وعندما
كان بقود جيشه على جبهات القتال ، كانت تنتقل إلى مكان قريب ، أو تكون معه معسكره
.
وقامت إزابيلا بضرب طبقة
النبلاء في قشتالة ، التي كانت على خلاف تاريخياً مع الملكية القشتالية ، والتي
ثارت على أخيها هنري ، وعلى غيره من أسلافهما.
وقد إستفادت من عداء برجوازية المدن النامية لنبلاء الريف الإقطاعيين للحد
من الفوضى التي تسببوا بها في السنوات السابقة ، فأنشأت الأخوة المقدسة للقيام
بعمل الشرطة في جميع أنحاء البلاد ، كما كونت قوة من ألفي فارس لتنفيذ أوامر
الموظفين المحليين ، وبذلك دعمت سلطة الدولة وعززت هيبتها . كما عملت إزابيلا على تنظيم القوانين التي صدرت
منذ ألفونسو العاشر . وقد إهتمت إزابيلا
بالتجارة والصناعة وتقوية الإقتصاد ، كما قامت بإصلاح العملة وإزالة الحواجز
التجارية بين قشتالة وأرغون . ويذكر أن
الدخل القومي تضاعف ثلاثين مرة منذ توليها العرش إلى حين وفاتها ، دون إرهاق شعبها
بضرائب إضافية
[17]
.
ويعزى إلى إزابيلا إدخال محاكم
التفتيش إلى قشتالة أولاً سنة 1483 م ، ثم إلى أرغون حيث عارض ذلك شعبها ، ولكن
إصرار فردناند فرضها على أرغون أيضاً .
وقد كانت محاكم التفتيش تستهدف المسلمين واليهود ، كما إستهدفت المسيحيين
المختلفين مذهبياً مع الكاثوليك ، ويذكر أن فردناند وإزابيلا كانا يلقبان بالملكين
الكاثوليكيين . وفي زمانهما تم القضاء على
مملكة غرناطة في حرب إستمرت عشر سنوات .
وعلى الرغم من أن المؤرخين يجمعون على عظمة فردناند وإزابيلا ، فلم أجد ،
برأيي المتواضع ، كثيراً من العظمة في شخصية فردناند ، فلم يكن رجل دولة أفضل من
أبي عبد الله الصغير ، ولكنه كان محظوظاً بما أُحيط به من أُمراء مخلصين للقضية
العامة وزوجة عظيمة ، والحكم على القادة لا يكون من خلال النتائج فقط ، فالنتائج
وليدة عوامل كثيرة.
وبينما كانت قشتالة وأرغون
تتشكلان وتتوسعان أخذت بالتشكل ثقافة جديدة ولغة جديدة، ففي رحم قشتالة نشأت اللغة
الإسبانية، كمزيج من اللاتينية العامية الدارجة في الشمال الإيبيري واللغة
المستخدمة من قبل المستعربين
Mozarabs
، وهم الإسبان المسيحيين الذين عاشوا بين
المسلمين وتأثرت لغتهم باللغة العربية.
لذلك نشأت اللغة الإسبانية متأثرة باللغة العربية، ولم يقتصر التأثر على
وجود عدد كبير جداً من المفردات، بل تخطى ذلك إلى قواعد اللغة وآدابها.
[1]
[1]
كان تأسيس مناطق عازلة بين الدول نهجاً أوربياً
شائعاً مثل تلك التي أقيمت بين إيطاليا وفرنسا.
[2]
التاريخ
الأندلسي ، د عبد الرحمن الحجي .
[4]
اوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[5]
اوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[6]
اوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[7]
The Byzantine Empire, C. Oman.
[8]
حضارة
اوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[9]
اوربا العصور
الوسطى، عاشور، نقلاً عن مصادر أوربية.
[10]
أوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[11]
الأندلس
، التاريخ والحضارة والمحنة ، د. حتاملة .
[12]
أوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[14]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[15]
حضارة
أوربا العصور الوسطى ، موريس كين .
[16]
أوربا
العصور الوسطى ، عاشور .
[17]
إوربا
العصور الوسطى ، عاشور .