قادة لا مدراء - الفصل الأول - المتطلبات والمهارات الأساسية في المدراء
 
 


فيما يلي استعراض لأهم المهارات المطلوبة في الأشخاص الذين يحتلون مواقع إدارية في المؤسسات العاملة مهما كان نوع نشاطها.  وهذه المهارات مطلوبة بدرجات متفاوتة حسب طبيعة الموقع الإداري.  فالإدارات مصنفة كما يلي:

 

أنواع الإدارات

 

تقسم الإدارات أو المديرين عادة إلى ثلاثة  فئات أو طبقات:

الأولى: الإدارة العليا : مثل المدراء العامون ونوابهم ورؤساء مجلس الإدارات والمدراء الماليون الخ..

الثانية :الإدارة الوسطى : مثل مدراء الإنتاج ومدراء الصيانة ومدراء المستودعات.

الثالثة : الطواقم الإشرافية : مثل المشرفين والمراقبين الذين يتعاملون مع العمالة الفنية وغير الفنية مباشرة.

 

  فيما يلي تندرج أهم الخصائص والمهارات المطلوبة في المدراء بفئاتهم المختلفة بحيث تختلف الحاجة الى هذة المهارة أو تلك حسب الفئة:

 

أولا : مهارات فكرية

 وهي قدرة الإداري على صياغة السياسات العامة للمؤسسة، وطرحة لآراءه وتوجهاته بقالبٍ فكريٍ متوازنٍ ومترابط، يخدم الثقافة العامة للمؤسسة ويغنيها، وكذلك فلسفة هذه الطروحات  وصياغة شعارات منها - عند الضرورة - تساعد على اعتناق العاملين في المؤسسة لثقافتِها والأيمان بأهدافِها والسعي الدؤوب لتحقيقها .

  وهذه المهارة مطلوبة بشكل خاص للإدارة العليا، وبدرجات أقل في الإدارات الوسيطة بحيث تمكنها من نقل التوجهات وشرحها بشكل مقنع إلى العاملين في أقسامها وفروعها.

تتولد هذه المهارة لدى الإنسان باستعداد طبيعي من جهة، وبتنميتها بالقراءة  والخبرات العملية والاستفادة من تجارب الآخرين، مثل المدراء السابقين أو المؤسسات الأخرى.

إن المهارة الفكرية المطلوبة لدى قادة المؤسسة المتمثلين في إدارتها العليا يعتمد عليها إمكانية بناء ثقافة من عدمه أو ماهية هذه الثقافة.

فمن الأساسيات أن يكون لدى كبار المدراء في المؤسسة، قناعات فكرية متقاربة وآراء متشابهة، وليس بالضرورة متطابقة، ولكن - بكل تأكيد - ليست متناقضة.

ومن المفيد كذلك توفر الاستعداد والرغبة لدى أفراد الإدارة العليا (والوسطى كذلك) أن يعملوا معا، ضمن نفس الأجواء، على تنمية مهاراتهم الفكرية مما يساعد على التقارب وتكوين قناعات وفلسفات متقاربة، وللمدير العام، في هذا المجال، والادارة العليا بشكل عام، دورٌ كبير.

وفي حقيقة الأمر إن سادت أفكار وآراء شخصٍ آخر ضمن الفريق، غير المدير المسؤول، سواء كان هذا الفريق شركة، مصنع، فرع أو حتى خط إنتاج، فإن هذا المدير لا يعود قائداً لفريقه وفي هذا خلل، نادرا ما يعود ممكنا تحقيق أهداف الفريق في ظله. فهو غالبا ما يشكل حالة مرضية تحتاج إلى علاج . الحالة النادرة التي قد ينجم عنها استمرار الخط في تحقيق أهدافه هي كون هذا الشخص والمدير في حال انسجام كامل.

يتوقع من المدراء في المراكز العليا أن يتمتعوا برؤيا ( Vision )، وهذه قدرة على رؤية الواقع بأبعاده المختلفة ضمن نظرة شمولية وافية وكذلك القدرة على قراءة المستقبل بناء على معطيات وتقارير ووقائع وإحصائيات يمليها الحاضر ونتائج وإحصائيات السنوات الأخيرة.

وكذلك القدرة على تكوين تصور لمسيرة المؤسسة في المستقبل القريب والبعيد. وبناء على ذلك اتخاذ قرارات التوسع وإجراء تحولات في المنتجات ..الخ.

والمدير الذي يملك الرؤيا ( Visionary ) والذي يمتلك حس توقيت عالي، يستطيع أن يقود، ولا أقول يدير، المؤسسة في الأيام الصعبة التي قد تمر بها. 

وهذه المهارة، التي تنمو بالتجربة والتمرس، قد يتوقف عليها نجاح المؤسسة وتقدمها أو عكس ذلك.

 

ثانيا : الثقافة العامة

الثقافة العامة : وهي مراكمة معارف مختلفةٍ عامةٍ ليست، بالضرورة، ذات صلةٍ بالمهنةِ أو مجال عمل المؤسسة.

وهي تشكل سلاحاً يساعد المدير على التعامل مع مواضيع شتى تطرح عليه بحيث لا يبدو متلقياً سلبياً، بل يقدم مداخلاته التي تضفي على شخصيته احتراماً ومكانة مرموقة في محيطه.

كما أن الثقافة الواسعة تساعد من يمتلكها على التفكير الإبداعي في إيجاد حلول لمشاكل أو منتجات مبتكرة أو نظم جديدة، كما أنها توسع المدارك.  وتجعل لدى المتلقي القدرة الأكبر على تمييز المعلومات الواردة إليه و "قراءة ما بين السطور" .

 

كذلك تخلق لديه سعة أفق تساعده في صنع القرارات، بحيث يصبح أقرب إلى القرار السليم. والثقافة العامة مطلوبة للمدراء ولغيرهم ولكن من الصعب تخيل مدير يحتل موقع مرموق غير مثقف. فالمدير العام لمؤسسة كبيرة ينظر إليه على أنه شخصية عامة،  فيصبح المنصب تعلوه سمة سياسية من نوعٍ ما. وهذا أيضاً يتطلب مديراً مثقفاً.

ان سعة الاطلاع سواء كان ذلك بالقراءة او غير ذلك تفتح الباب للاطلاع على تجارب الآخرين المليئة بالدروس والحلول لمشاكل محتملة، وهذا يعمق مهارات الشخص وقدراته على مواجهة ظروف صعبة تتطلب حلول خلاقة.

 

ثالثا: قدرات قيادية

  يقول الرسول (ص) : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" . إن المفهوم الدارج لهذا الحديث هو مسؤولية الفرد عن ما يقع ضمن حدود مسؤولياته، ولكن هناك مضمون آخر موجود في هذا الحديث أن كل فرد  قائد وبالتالي  يمتلك قدراً معيناً من القدرات القيادية. 

 

يعتقد كثيرٌ من الناس-بداخلهم- أنهم لا يصلحون أن يكونوا قادة، ربما كان ذلك صحيحاً إذا كان نموذج القائد الذي نجري معه المقارنة هو صلاح الدين الأيوبي مثلا، ولكن القيادة لا تتطلب بالضرورة مواصفات بهذه الرفعة.

كل منا يوجد بداخله قدرات قيادية بحاجة إلى تحرير وتشذيب وتنمية لكي تصبح قابلة  للاستعمال والإفادة.

والمهارات القيادية مطلوبة بقدر أكبر للإدارة العليا، وبدرجة أقل للإدارة الوسطى ومطلوبة للطواقم الإشرافية أيضا.

والمهارات القيادية تمارس بأساليب متنوعة، وبكل الأحوال، يتوجب على المدير أن يتبنى الأسلوب الذي يتناسب مع شخصيته وخبرته وموقعة، فلا يسعى إلى تقليد أساليب الآخرين بشكل عميائي.  فقد يؤدي ذلك إلى بروز صورة مسخ من القيادة، عديمة الفعالية وعاجزة.

إن تنمية المهارات القيادية أمرٌ ممكنٌ في جميعِ المراحلِ والأعمار.  ففي المدارسِ والمعاهدِ والجامعات، فرصة عظيمة لتنمية هذه المهارات، بسن مبكرة، من خلال التوعية والتوجيه وزرع مزيد من الثقة بالنفس لدى الطلاب ومحاكاة أوضاعٍ تتطلب ممارسةِ القيادة أو ممارستها فعلياً من خلال الفرقِ الكشفيةِ والرياضيةِ واللجانِ الثقافية، وكذلك وهو الأهم الاتحادات الطلابية. وبهذا تصبح المؤسسات التعليمية رافد يزود عالم الادارة والأعمال بقيادات محتملين.

وكذلك الأمرُ بالنسبةِ للمؤسساتِ التجاريةِ والصناعيةِ، فإن صقل المهارات الادارية لدى فئةِ الشباب (وجميع الفئات) يمثلُ أهميةٍ خاصة، ضمن مجهودِ المؤسسةِ الرامي الى رفعِ قدراتِ العاملين وتنمية مهاراتهم. وهذا أيضا يتأتى بالتوعية والتوجيه والتشجيع والتدريب واشراكِ الشباب في لجان لغاية التعلم بالدرجة الأولى.

ان رعاية الموظفين الجدد قليلي الخبرة يعتبر استثماراً هاماً وضرورياً في الانسان.  فالوقتُ والمالُ والجهدُ المستثمرُ على هذه الفئةِ لن يذهب سدى.  لقد ثبت بالتجربةِ ان ملءَ شاغرٍ داخلياً بترفيعِ أحد أعضاءِ الفريق، أفضل بكثير من توظيفِ شخصٍ من خارجِ المؤسسة.  فالاولُ معروفٌ جيداً ومتشربٌ لثقافةِ المؤسسةِ ولا يحتاج الى كثيرٍ من التوجيه.  التوجيه الذي يحتاج له علاقة بالسلبية الوحيدة الناجمة عن هذا الترتيب، وهي "حسد" الزملاء.  حيث يمكن بالتوجيهِ السليمِ تجاوزُ هذة السلبية والتقليلِ من ضررِها المحتمل.

 

إن الثقافة السائدة تُحتم على كلِ شخصٍ بموقعٍ اداري أن يهيئ شخصاً أو أكثر لملءِ الفراغ في حال انتقاله أواستقالته . وهذا من أهم مؤشرات نجاحه لأنه يضمن استمرار النجاح حتى بعد أن يترك . وهذا يبدو متناقضا تماما للممارسة العملية السائدة اليوم بحيث يضمن كل مدير (وكل قائد) أن لا يكون له بديل من اجل إدامة الاعتماد علية، لغايات لا تخفى على أحد.

ترتبط القدرة على الخطابةِ بالقيادةِ بشكلٍ أو بآخر. ومهارة التحدث الى جمهور مطلوبة، وهي من أهم المقاييس التي يحكم الناس، عادةً، على قدرات القادة. فكثير ما يعتبر شخص ما أنه قائد جيد لأنه خطيب جيد. والعكس صحيح . أو يبدو صحيحاً . وهذه المهارة يمكن تنميتها والتدرب عليها، وهناك قواعد وأصول يمكن التمرس عليها بحيث يبدأ المتحدث بكلمةٍ مكتوبةٍ وينتهي مرتجلاً وهذا أكثرُ تأثيراً وإقناعاً.

إن القدرة على التحدث إلى مجموعة من الناس بشكل مؤثر، تحدد مدى نجاح هذا المدير كمعلم وموجة لفريقه.  وكثيرٌ من المدراءِ يفشلون في إيصال رسائلهم إلى أعضاءِ فريقهم، وهذا يتسبب في خلقِ فجوةٍ لا يستهان بها.

والخطابة تتطلب ثقافة واسعة وإحاطة بموضوع الحديث خاصةً.  كما تتطلب نطقاً سليماً، وتمكن الخطيب من لغةِ الحديثِ مفرداتٍ وقواعد.

 

رابعا: الإقناع

يتوجب على الإداري الناجحِ أن يتمتعَ بقدرةٍ جيدةٍ على الإقناع. فكثيراً ما يتوصل مديرٌ ما إلى وجهةِ نظرٍ سليمةٍ جداً، ولكنه لا يستطيع تمريرها (أو تسويقها) لعدم قدرته على إقناع شركاءه في صنعِ القرار، مثل مجلس الإدارة أو مساعدي المدير، أو الطواقم الإشرافية، مما يؤدي إلى عدم تبني وجهة نظرة، على صحتها، وتبني وجهة نظر أخرى اقتنع بها المجلسُ قد تكون اقلُ ملائمةٍ وربما تؤدي إلى نتائجَ لا يريدُها أحد.  ولا ينفعُ القول " لقد عرضت عليكم وجهة نظري ولم تقبلوا بها ". الحقيقة أنه كان يتوجب عليه أن يحضر "مرافعته" بشكل افضل لعرض وجهة نظره بحيث تكون فرص قبولها افضل. كما أنه كشخص يمثل موقعاً إدارياً رفيعاً يجب أن يقرأ وأن يتمرسَ على وسائلِ الإقناع حتى يصبح ذا تأثيرٍ أكبر.

هذه المهارةُ مطلوبةٌ لجميع الفئاتِ الإدارية، وتزدادُ أهميتُها لدى الإدارة العليا، لأن   القرارات تصبح أكثر أهمية .

من أجل الإنصاف والموضوعية، ينبغي الابتعاد عن أسلوبِ النقاشِ الماراثوني الذي يتبعه البعض. بحيث يستمر بالنقاشِ حتى ينتهي باستسلامِ الآخرين مقتنعين أو متظاهرين بالاقتناع. فهذا تصرف غير مهني ومضيعة لوقت المؤسسة.  وهو كذلك يعتبر استغلالاً جائراً لملكةِ الإقناعِ التي يتمتع بها هذا الشخص.

ولكي يكون المرء مقنعاً يجب أن يكون مقتنعاً ومقتنعاً فعلاً. هذا يعني أنه توصل إلى هذه القناعة، بدون مؤثراتٍ خارجيةٍ فعليةٍ أو زائفة، أو بدون نظرة أحادية أو دراسة وافية.

فكثيراً ما يحصل أن يغير المديرُ رأيه بعد أن يكون قد اقنع الآخرين به، وذلك لأنه لم يدرسه من كل الجوانب أصلاً من جهة ولأنة يملك القدرة والتأثير، بشكلٍ أو بآخر.  وهذا موقف لا يساعد هذا المدير كثيراً ولا يساعد مؤسسته.

كما يقابلُ هذه المهارةِ مهارةٌ اخرى، وهي القدرة على الاقتناع أو الاستعداد للإقناع.  وهذا يعني أمرين؛ الأولُ أنه لا يقتنع ما لم يكن الأمرُ مقنعاً فعلاً، والثاني انه يقتنعُ بسهولةٍ إذا وجد الأمر مقنعاً حتى لو لم يكن صاحبُ الفكرةِ مقنعاً بقدراتِه وعرضَ الموضوعَ بأسلوبٍ جيد.

 

خامسا:  إدارة الأفراد

وهي مهارةٌ أساسيةٌ مطلوبةٌ لدى الإدارة العليا والوسطى والإشرافية، وهي في غايةِ الأهمية.  ولا يمكن تخيل إداري ناجحٍ يفتقدُ هذه المهارة.

والأفراد المراد إدارتهم هنا، قد يكونوا مدراء، وليس فقط عمالاً بالضرورة.  وبالتالي فإن المشرفين والمشرفات مطلوبٌ منهم أن يمتلكوا مهارة إدارة العمال. بينما مطلوب من الإدارة العليا مهارة القدرة على توجيه المدراء والعمل معهم . بينما الإدارة الوسطى مطلوبٌ منها المهارتين معا.

كما أن هذه المهارة تتطلب عدداً من الأمور التي يجب أن تتوفر في المدير، والذي يجب أن يسعى باستمرار على تنميتِها:

 

أ- القدرة على فهم الطبيعة البشرية، وتوقع ردود الفعل ومقدار العطاء ومقدار التحمل لكل شخص. وهذا يتطلب القيام بعملية ( Mapping ) أي رسم خريطة للفريق تظهر عليها تضاريس المشاعر والقابليات والطبائع لأعضاء الفريق الخ..

ولا شك أن هذا شرط أساسي لنجاح المشرف أو المدير فلا يمكن أن يكون التعامل مثمراً إذا لم يكن مبنياً على فهمٍ صحيحٍ ودقيق.

وهذا الفهم بحدِ ذاتِه لا يتسمُ بالجمود، فالبشر لا يتصرفونَ بنفس النسق في كل الظروف والأحوال.  فالعامل المزاجي موجود – وإن بشكل نسبي- ومن الخطأِ تجاهله.  ولذلك يجب أن يكون فهم الطبيعة البشرية واعي للتغيرات المحتملة في السلوك نتيجة لاختلافِ الظروف والأحوال.

 

  ب- مراعاة الفروقات الفردية بين الناس حسب استيعابهم والتمايز بين قدراتهم ومؤهلاتهم وخبراتهم وطموحاتهم وأعمارهم ومقدار انتمائهم إلى المؤسسة وقدرتهم على الاستيعاب الخ.. وبالتالي التعامل معهم حسب هذه الفروقات، دون تطبيق معايير مزدوجة في التعامل، الأمر الذي يناقض مبدأ العدالة بين الجميع.

 

  ج- تحييد العلاقات الشخصية وصلة القربى والدين والعرق والطائفة والمنطقة ..الخ. وهذا لا يعني بالضرورة ظلم الأقارب،  لكي يثبت المدير أنه لا يميز فهذا بحد ذاته ظلم.  ولكن بمعاملة الجميع سواسية، دون تمييز.  واعطائهم فرص متساوية.  وتجنب ازدواجية المعايير، سواء كان ذلك في الثواب أو العقاب.  إن ازدواجية المعايير كثيرٌ ما تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لبعض المدراء، بحيث يبدو على تصرفاتهم الازدواجية.  وقد يكون الواقع غير ذلك تماماً.  فلهذا يتطلب توضيح اختلاف الظروف وعدم ترك البعض يصلُ إلى قناعاتٍ غيُر مرغوبة.

 

  د- الابتعاد عن المزاجية في التعامل: لا أحد يجهل المزاجية وتأثيراتها.  ولكن كثيرون منا لا يدركون مقدار تأثيرها المدمر على أداء المؤسسات.  وهو أمر غاية في الأهمية حيث أن هيمنة العامل المزاجي  تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير موضوعية، وهذا يؤدي إلى الانحرافِ عن العدلِ والمساواة. إن المزاجية في التفكير وصنع القرارات تعتبر من أكبر الآفات التي تواجه العمل الجماعي في عالمنا الثالث. وهي نقيض، ليس سهلاً، للموضوعية. وهذا يتطلب التوعية والتحذير ضدها ومحاربتها ونبذها.

 

كما يتطلب الأمر التدرب على قمعِها وتحييدِها لدى اتخاذ قرارات وعند التعامل مع الآخرين.  وهذا أمر ممكن تحقيقه.  والعامل المزاجي يضمحل مع نضج الإنسان- ولا أقول هنا مع تقدمه بالسن- وهذا يمكن تسريعه بالتنبه إلى وجودة، والتعامل مع النفس بحذر بحيث يدرك المرء أن ميله السريع إلى كذا ورفضه التلقائي إلى كذا منبعه مؤثرات مزاجية لا تمت إلى الواقع الموضوعي بصلة، والعمل على تحييد هذه المؤثرات، واعادة النظر بالموضوع برمته.

كما يجب العمل على تقليل أثر المزاجية لدى كافة الفئات العاملة الأخرى، بما في ذلك العمال.  فوجود شخص مزاجي واحد في أحد خطوط الإنتاج، قد يكون السبب في خفض الإنتاج في ذلك اليوم، بحيث لا يستطيع أحد أن يقدم تفسيراً مقبولاً.  وأذكر أني تعاملتُ مع حالةٍ من هذا النوع؛ فقد كانت إحدى العاملات في أحد الخطوط تتسبب في خفض الإنتاج بنسبة 30% إذا ما جاءت إلى العملِ يوما متنكدة.

إن غياب المزاجية – إن أمكن ذلك- فالمزاجية قضية نسبية- يؤدي إلى مزيد من الإحساس بالعدل وكذلك – وهو أمر في غاية الأهمية- إلى عدم التذبذب في العطاء  والإنتاج، أي وجود طاقة إنتاجية يعتمد عليها ( Reliable Capacity ).

 

هـ- التواصل: والمقصود بذلك التواصل المستمر مع الفريق وعدم الانقطاع لأي سببٍ كان. إن التواصل المستمر أمرٌ ضروريٌ ومهم. وعلى المديرِ أن لا يتقوقع،  وأن لا يسمح لأيِ نوعٌ من "الفوبيا " أن يتكون لدية من  العاملين في الميدان.

إن الانقطاعَ يخلقُ حاجزاً نفسياً وانقطاعاً في تدفقِ المعلومات الدقيقة الواردة مباشرةً من المصدر دون المرور عبر محطات قد ينجم عنها فقدان جزء من المعلومات أو تحريفها.

وهذا يتأتى من خلالِ المرور اليومي – إن أمكن - على الفروع والأقسام وخطوط الإنتاج، والحديث مع البعض. كذلك من خلال عقد اجتماعات عامة شهرية – أسبوعية أو يومية - بشكلٍ دوريٍ منتظم، للاستماع والتحدث معهم.

كما أن إيجاد آلية خاصة للاستماع للتظلمات، في حال وجودها، من خلال تشكيل قنوات موازية مثل  "لجنة اجتماعية" يكون  من ضمن مهامها إيصال الصوت غير المسموع والتعامل مع الحالات البسيطة، بحيث يكون أعضائُها منتشرين في الأقسام المختلفة لتسهيل مهمتهم وجعلهم اكثر تأثيراً . كما أن وجود صندوق اقتراحات يساعد على خلقِ نوعٌ من التواصل إن لم يكن يرقى لمستوى الطموحات يبقى ضرورة.

إن التواصل مع الفئات المختلفة من العاملين، شرطٌ أساسيٌ لبناءِ ثقافة مؤسسة.  فبناء ثقافة مؤسسة لا يتم لا بالإنابة ولا  بالتحكمِ عن بعد، إنما بالمواجهةِ والحديثِ والحوار.

كثيرٌ ما تصلُ الأمور ببعضِ المؤسساتِ أن يحيط المدير نفسه ببطانةٍ تعزله عن الناس وتوصل إليه ما يحب أن يسمع فقط.  هذه حالةٌ مرضية.

 

و- إقامة علاقات ودية صادقة مع العاملين:

لا يعقل لمديرٍ يعمل في مؤسسةٍ، يعملُ فيها أعداد كبيرةٍ أن يكونَ صداقات مع كامل الفريق، ولكن بإمكانه أن يكون ودياً مع الجميع؛ فعلى الأقل أن يتذكر بعض الأسماء وبعض المعلومات عنهم.  ويبدي بعض التعاطف مع من يحتاج إلى التعاطف.  والسؤال عن أحوالِهم وعن تقدمِ الجدد منهم وانخراطِهم في العمل.

إن مديراً معروفاً بهذه الصفة يعطي دافعاً إضافيا للعاملين لأن يكونوا منتمين ويعملون بجد اكثر لتحقيق أهداف المؤسسة.

إن الولاءَ للفردِ يطغى على الولاءِ للمؤسسةِ في ذهنيتنا العربية.  وهذه إحدى الحقائق التي ينبغي، بدايةً، توظيفها بدلاً من محاربتها، وبكل تأكيد يجبُ عدم تجاهلها.

 

د- حسن الاستماع

وهذه فضيلةٌ تتطلبَ من الإنسانِ الإصغاءَ إلى المتحدث، ويركزَ على ما يقوله. وهذا أمرٌ يتصفَ بالأدبِ وبإعطاء الفرص للآخرين للتعبيرِ على أنفسهم، مما ينجم عنه مزيد من المشاركةِ ولحمة الفريق.

وحسن الاستماعِ، كممارسة، إذا ما تفشى في أوساطِ المؤسسةِ فإن التواصلَ والانفتاح المعلوماتي والتفكير الجماعي (الحلم الجماعي) من أجل وضعِ حلولٍ إبداعية يصبح أفضل.**

إن عادةَ عدمِ الإصغاء (أو السرحان) عادةٌ مدمرة، وخصوصاً لدى المتلقين في المدارسِ والجامعاتِ (الطلاب) أو المستمعين لمحاضرةٍ أو حديثٍ إذاعي أو تلفزيونيٍ وكذلك المشاركينَ في اجتماعاتٍ في مؤسساتهم والمدراء عند تلقيهم تقاريرَ شفوية . فكثيرٌ من الناسِ يفقدونَ القدرةَ على التركيزِ ويشرد ذهنَهم إلى موضوعٍ آخرٍ،  وعندما يعودوا لمتابعة الحديث يكون المتكلمُ قد انتقل إلى فكرةٍ أخرى. وهنا قد يكون الخاسرُ أحدهما أو كليهما . أما في المؤسسةِ وبين الزملاء فإن الخاسرَ الإضافي هو المؤسسة، وكثيراً ما يكون عدمُ الإصغاء متعمداً أو شبه متعمد، لاستخفافِ المستمعِ بحديثِ المتكلمِ، أو عدم الرغبةِ في التحولِ عن وجهة نظرٍ يسعى المتكلمُ إلى تغييرِها.   

كما أن حسنَ الإصغاء يعتمدُ أيضاً على المتحدثِ؛ فحديثُه يجب أن لا يكونَ مملاً وطويلاً.  إن الإصغاءَ فضيلةٌ ومهارةٌ معاً، يمكنُ التدربُ عليها واعتيادها.  ويكفي القولُ أن المتحدثَ، في حال اكتشف أن المستمعَ ليس مصغياً إليه، سيحس بمرارة عميقة قد تتركُ أثراً عميقاً. 

 

هـ- تجنب توجيه اللوم علنا

من أسوأ الممارسات السائدة في مواقعِ العمل هوَ توجيهِ اللومِ علناً  للعاملين على نتائج سلبيةٍ في الأداء، مما يتركُ أثراً سلبياً على أدائِهم لفترةٍ من الزمن، ويزيد من سلبيتهم ويقلل من المبادرة والإبداع لديهم.

وهنا يجب أن لا يكون توجيه اللومِ  لوناً من ألوانِ الانتقامِ أو العقاب، وإنما موجه لغايةِ الإصلاح وعدم التكرار، وهذا يتطلب أن يكون على انفراد، وبكلمات هادئة، مختارة بحيث يضمن المديرُ الفائدة القصوى من حديثة.

 

و- تشجيع الإبداع والعطاء أمام الجميع :

وعلى عكس توجيه اللومِ علناً فإن التشجيعَ على الأداءِ الجيد يجب أن يتم  بصورةٍ علنيةٍ، الأمرُ الذي  يشجع المبدع، ويشكل قدوةً حسنةً للآخرين.

 

وأهمية التشجيع، وخصوصاً العلني منة، لا تخفى على أحد، فهي تفجرُ طاقاتٌ عظيمةٌ في الإنسان وتجعله مستعداً للعمل ساعاتٍ أطول، ويضعُ أولوياتِ المؤسسةِ فوق أولوياته.

 

 

ز- اتباع نظام تقييم الأداء وتشجيع التقييم الذاتي :

من الضروري تبني نظاماً علمياً لتقييم الأداء، يكون مفهوماً لدى الجميع، بحيث يمتاز بالبساطةِ والوضوحِ والشفافية، فيكون مفهوماً لدى الجميع.  وهذا قد يكون شهرياً أو كل ثلاثةِ شهورٍ او بشكلٍ سنويٍ ويكون قائماً على معاييرَ محددةً ومحدودةً وبسيطةً.  وهذه التقييمات يجب أن يكون لها أثرها الواضحُ على مسيرةِ الموظفِ كالترقياتِ والمكافئاتِ الخ..

كما يجب تشجيع أعضاء الفريقِ على أنْ يعتادوا على إجراء تقييماً ذاتياً لأدائِهم من فترةٍ لأُخرى.  وهذا يعطيهم الفرصة لتصحيحِ مسارهم والإستفادةِ من تجاربِهم.  وفي الواقعِ إن مؤسسةٍ وصلتْ بعامليها إلى درجةِ أن يتمرسَ الواحدُ منهم على معرفةِ مدى انحراف           ( Deviation ) أداءِه عن مستوىً معينٍ يفترض أن يكونَ وصلَ إليه، إن مؤسسةٍ كهذة تكونُ قد وصلتْ بثقافتِها بر الأمان.  فهذا مؤشرُ نضجٍ لدى العاملينَ ودليلٌ على تخلصِ المؤسسةِ من ثقافاتٍ سلبيةٍ كثيرةٍ. إن عملية التقييمِ الذاتي يجب أن يتبعُها ما يثبتُ أن معدُها جادٌ في تضييقِ حجمِ الانحرافِ بتحسينِ أداءه.           

 

سادسا: المهارات الفنية

وهي معرفةِ وإتقانِ كلُ ما يتعلقَ بالعملِ الذي يمارسُه العمالُ الفنيونَ في المؤسسة. وكذلك الجوانب المساندة لذلك كالصيانةِ والتصميمِ والتسويقِ ومصادرِ مدخلاتِ الإنتاجِ الخ.. فإن كانَ مصنعُ  ملابسِ فيكونُ الشخص الإداري على معرفةٍ بعمليات الخياطة المختلفة، وان كان مصنعُ اثاثٍ خشبيٍ فذلك يعني معرفةُ عملياتِ النجارةِ، هذا بالإضافة إلى المعارفِ المساندة.

مضافاً إلى ذلكِ أمورٌ فنيةٌ أخرى تتعلق بالماكيناتِ وحركةِ المواد وإيجاد أفضل المصادرَ لها وتخزينها الخ..

وهذه المهارةُ مطلوبةٌ أكثرَ لدى الطواقمِ الإشرافيةِ، بل هي ضرورةٌ أساسيةٌ لدى هذه الفئة. ومطلوبةٌ بدرجةٍ اقل لدى الإداراتِ الوسطى، واقل من ذلكَ لدى الإداراتِ العليا.

أن الإحاطة بهذه المهارةِ تجعلُ المشرفين ومدراء الإنتاجِ اكثرُ إقناعاً وتأثيراً.  كما يتوجب عليهم تقديم الحلول الفنيةِ أو توفيرها عند الحاجة.  فهم المرجعية في جميعِ القضايا الفنيةِ التي تواجه خطوطُ الإنتاج، وبناءً على قدرتِهم على وضعِ الحلولِ لهذة القضايا تزدادُ مكانتُهم كمسؤولين، ويصبحوا اكثر إقناعاً.

 كذلك يمكنهم لعبَ دورٍ مهم في تطويرِ المنتجاتِ وتطويرِ أساليبِ الإنتاج ورفع كفاءة العملِ والتقليلِ من الهدرِ وخفضِ التكاليفِ مستفيدين من خبراتِهم الفنية ومدفوعينَ بالرغبةِ الشديدةِ للتطورِ النابعة من إرتباطِهم بخطوطِ الإنتاجِ وبحس قوي بإلإنتماء.

والمهاراتُ الفنية يمكن اكتسابها بالتدريبِ والخبرة.  وفي اجواء صحية يصبحُ اكتسابُ المهاراتِ الفنيةِ يتم بصورةٍ أفضل.

وفي المؤسساتِ المستقرةِ – ذاتُ نسبةِ دورانٍ متدنيةٍ- حيثُ يبقى الاشخاصُ اللذين اكتسبوا خبراتٍ فنيةٍ قيمةٍ لفتراتٍ اطول، تصبحُ هذة المؤسسات أغنى بمجموعِ خبراتها الفنية المتراكمة، ألأمرُ الذي يجعلَها أقدرُ على مواجهةِ التحدياتِ بمرونةٍ أكبرَ وقدرةٍ أفضل.

 

سابعا: التحمل والعمل تحت الضغط

لا يمكن لأيامِ الأسبوعِ أو الشهرِ أن تكونَ كلها متماثلةٍ في العملِ في المؤسسة، فبينما تكون رتيبةٌ روتينيةٌ في بعضِ الأيام، تأتي أيامٌ أخرى يكون العملُ متأزماً ومطلوبٌ من الجميعِ بذلُ جهداً اضافياً وتحملِ  العملَ تحتَ ضغطِ طلبيةٍ متأخرةٍ أو عطلِ إحدى الماكيناتِ أو مشكلةِ جودةٍ في أحد خطوطِ الانتاجِ الخ..

 

المفروضُ أنْ يتمتعَ الإداريُ بدرجةٍ منَ القوةِ والصلابةِ بحيثُ يحافظُ على قدراتِه جميعاً ويحتفظُ بزمامِ المبادرةِ ولا يهتزُّ لما يبدو أنَّه نتائجَ سيئةٍ او اداءٍ سيءٍ.  تعلمُ التجربةُ أَنَّ هذا  يحدثُ وقابلُ للتكرارِ  وعلى جميع أعضاءِ الفريقِ العملُ على أنْ لا تتحولَ النتيجةُ السيئةُ إلى سببٍ يؤدي إلى نتائجَ سيئةٍ أخرى، ويبدو الأمرُ كلُه كأنه على وشكِ الانهيار.

قوةُ التحملِ صفةٌ عظيمةٌ يجبُ أنْ تتصفُ بها جميعُ المراتبُ الإداريةُ ويجبُ أنْ تظهرَ بمقدارٍ أكبرَ لدى الإدارةِ العليا التي تعتبر بمثابةِ قدوةٍ للآخرين، بحيثُ لا يظهرَ التأثرُ على الوجهِ والجسمِ، ولا ينعكسُ على شكلِ قراراتٍ عصبية.

إنَّ التمرسَ على العملِ في جوِ الأزَماتِ يجعلُ تخطيها أمراً بديهياً وتلقائياً وبأقلِّ ما يمكنَ من خسائر.  وهذا يصبح أكثرَ احتمالاً في أجواءٍ تسودُها ثقافةٌ إيجابية، فمن الصعبِ على مشرفِ خطٍ التعاملُ مع مشكلةٍ ما تحت وقعِ سياطِ مديرِ الإنتاجِ الذي يوجه له علناً وبصوتٍ عالٍ اللومَ ويضعه في وضعٍ أبعد ما يكون عن القدرةِ على الخروجِ مِنَ الأزمةِ.  وعلى العكسِ من ذلكَ تماماً فإنَّ المديرُ الذي يهدِِأَ منْ روعِ فريقِهِ لدى ظُهور الأزمةِ ويشجعهم على حلِها، يساعد الفريقَ على الخروجِ من هذه الأزمةِ سريعاً.

إنَّ الخبرةَ الطويلةَ لها دورٌ مهمٌ في بلورةِ هذه الخاصيةِ، ولكن بإمكان المدير أن يدربَ نفسه على ذلك، وان يتذكر دائماً أنه سيقوم بتسيير أعمالة في هذه الظروف اكثر منها  في الظروفِ الطبيعية.  وفي الحقيقةِ فان العملَ في ظروفِ الأزمات- طلبية متأخرة على سبيل المثال- غالباً ما يكون بكفاءةٍ أعلى، الأمرُ الذي يغري البعض بإفتعالِ هذه الأزمات من آنٍ لآخر.

 

ثامنا: المبادرة

والمبادرةُ هي التقدم بأفكارٍ جديدةٍ او مغايرةٍ للتعامل مع حالةٍ معينةٍ، ووضعها موضع التنفيذ بصورة تتسم بالخروج عن المألوف من ناحية بلورة القرار وتنفيذة.  وهذه ميزة مطلوبة لدى جميع الفئات الإدارية. وتظهر الحاجة إليها اكثر جلاء لدى الإدارة الوسطى.  وبنفس الوقت الذي يجب تشجيع جميع الإداريين التحلي بالمبادرة، ينبغي عدم السماح من أن تتحول الى وسيلة لدفن النظم والقوانين وإشاعة الفوضى والإختلاف في صفوف الإداريين.

إنَّ سيرَ العملِ لا يمكن أن يأخذ دائماً الشكل الرتيب المتكرر، الذي يوفر الوقتَ الكافي للتشاورِ وانتظارِ الحلولِ من فوق. مثل تعديل أنماط الإنتاج في الصناعة، أو بدء مرحلةٍ جديدةٍ في مشروعٍ إنشائيٍ، أو طرح أسلوبٍ جديدٍ في مؤسسةٍ خدميةٍ الخ.. الأمر الذي يتطلب تحلي إداريي المؤسسةِ بالمبادرة.

والمبادرة نوعين الأول مدفوعٌ بضيقِ الوقتِ مثل إتخاذ قرارِ فصلِ التيارِ الكهربائيِ عندَ حدوثِ  حريق. ففي هذهِ الحالةِ قد لا يكون هناك وقتٌ لأخذِ الموافقةِ كما قد يكون هناك ضررٌ كبيرٌ من قطعِ التيارِ وقد يثبت فيما بعد أن قطعَ التيارِ لم يكن ضرورياً أصلاً.  هذا الوضع يجعل القرارُ صعباً، كما يعطي هذه المهارةِ أهميةً خاصة.

والنوع الثاني المرتبط بالتحديث، حيث يتوفر الوقتُ للنقاشِ والدراسةِ للمبادرة.  ومثالٌ على ذلك أن يقوم أحدُ مشرفي الخطوط بتقديم إقتراحِ تعليماتٍ جديدةٍ لصرفِ المواد إلى الخطوط. هذه مبادرةٌ لها دلالاتُها الإيجابية.  ولكن هذا لا يبرر وضعها موضعِ التنفيذِ بدون موافقةِ الإدارة.

كثيرٌ ما يقال عن أحدِ المدراء أنه عديمُ المبادرةِ وينتظر أن تأتي الأفكار على شكلِ تعليماتٍ موجهةٍ إليه لينفذها.  وهذا المدير يساهم في دفعِ المؤسسةِ نحوَ شيخوخةٍ مبكرة.  وإذا ما كان هذا النموذجُ من المدراء هو الدارج في المؤسسة فانها تفقدُ كثيرٌ من حيويتها .

وهذا يتطلب تشجيع المراتب الإدارية المختلفة على المبادرة ضمن ضوابط وأُطر محددةٍ حتى لا تعم الفوضى . ويتم ذلك من خلال تقبل الاقتراحات والاستماع إلى مقدمِها وفي حال رفضِ الفكرةِ، يتم ذلك بأسلوبٍ لبقٍ مع إِبداءِ الأسباب وتقديرِ مقدم المبادرةِ على مبادرته. والتعامل - في حال اجتهاد أَحدهم وكانت النتائج غير مؤاتية - بأسلوب لا يقتل روحَ المبادرةِ لدية ولدى الآخرين.

توصف المؤسسات التي تسودها ثقافاتٌ إيجابيةٌ بان موظفيها يحلمون مع بعض، وهذا يعني انهم يفكرون ويبادرون سويةً باستمرارِ لتحسين النظم والمنتجات والأداء العام.

 

تاسعا: اللياقة البدنية والصحية

اللياقةُ البدنية مطلوبةٌ وضروريةٌ للحركةِ وخصوصاً في إدارةِ المشاريعِ الإنشائيةِ  والصناعيةِ  والزراعية. الأمر الذي يتطلب حركةً كثيرةً في كلِّ الإتجاهاتِ، بما في ذلك الصعود والهبوط. فتوفر اللياقةِ البدنيةِ يترك انطباعاً إيجابياً على بقية العاملين تاركاً تأثيراً عليهم مضمونة الدعوةُ الى مزيدٍ من الحركةِ والنشاطِ ونبذِ الكسل، فيما يسمى بلغة الجسم ( Body language ) التي تترك أثراً كبيراً على الطواقمِ الإشرافيةِ وبدرجةٍ أقل للإدارةِ الوسيطةِ وبدرجةٍ أقل للعليا.

إنَّ التنقلَ بحركةٍ خفيفةٍ بين محطاتِ الإنتاجِ أو مواقعَ البناءِ تعطي حافزاً للعاملين، وإذا ما اقترنت مع عبارات تشجيعٍ مناسبةٍ فتشكل دفعاً قوياً لرفعِ الإنتاج وتحسين الأداء عموماً.  كما يُعطي الإداريُ اللائقُ جسمانياً، الخفيفُ الحركةِ القدوةَ الجيدةَ للآخرينَ في أن يتنقلوا مسرعين بين أماكنِ عملِهم وبصورةٍ توحي بالحيويةِ والنشاط.

وهذا لا يعني أبداً أنَّ ذوي الإعاقاتِ البدنية لا يصلحون للعملِ الإداري . ولكن حتى هؤلاء بإمكانهم تطوير لياقاتهم والحفاظ على صحةٍ جيدةٍ وبالتالي يعطوا مثلاً أكثرَ تأثيراً.

وحتى لو بدا أنَّ الإدارةَ تتدخل في أكثر الأُمور شخصيةً- الا وهو مظهر الموظف – فلا بأس أن يكون هناك توجةٌ عامٌ في المؤسسةِ يشجعُ تعاطي بعض أنواع الرياضةِ لدى العاملين لتحسينِ لياقتهم ومظهرهم.

 

عاشرا: الذاكرة

على الرغمِ منَ الاعتمادِ الكبيرِ المفترضِ على التدوين في "مفكرةٍ" يوميةٍ أو في وسيلةِ تدوينٍ أخرى إلكترونيةٍ أو غيرها، يبقى للذاكرةِ البشريةِ دورُها الذي لا ينازع. فالذاكرة القوية لدى المديرِ تساعدة في عملِة وتوفر علية كثيرٌ من الوقتِ وتجعل قراراتة أصوب – نتيجةً للحضور الذهني الأوسع-  وتعطي انطباعاً إيجابياً عنه على كل الصعد، وتضفي على شخصيته هيبةً إضافية . فيعطي انطباعا على  إنه "لا ينسى شيئاً".

والمطلوب من ذاكرةِ أعضاء الإدارةِ العليا أن تحفظ الوجوهَ والأسماءَ وبعض المعلومات عن الأشخاصِ الذين يتم التعامل معهم وذلك بالإضافة للمخزون العام من تجارب وإنطباعات الخ..

وكذلك مطلوبُ تذكرِ بعض المؤشرات المتعلقةِ بسيرِ العملِ لربطها بمؤشراتٍ أخرى قد تأتى لاحقاً وبالتالي التوصل إلى إستنتاجاتٍ وأنماطٍ ذات أهمية استراتيجية ( Trends ).

كذلك حفظ الأرقامِ لأفرادِ الإدارةِ العليا والعاملين في مجالِ الإدارةِ الماليةِ لعرضِها حين الحاجة ومقارنتِها ومعالجتِها دون اللجوء في كل مرةٍ إلى طلبِ التقارير  وإشغالِ الآخرين وتأخيرِ سيرَ الإجتماعات.

 

أما إذا كان الإداريُّ يمتلك ذاكرةً ضعيفةً فعليه اللجوءُ إلى:

 

1- التدوين أولاً بأوَّل. وذلك باقتناء "مفكرة" سهلةِ الاستعمالِ والحمل.  او اللجوء الى وسائلَ إلكترونيةً حديثةً، سواءٌ منها الذي يعتمد على تسجيلِ الصوتِ على جهازٍ صغيرٍ سهل الاستعمال ( Voice it ) .  أو وسائل تدوينٍ إلكترونية أخرى الخ.. وهذه الوسائل جميعاً بحاجةٍ الى مراجعةٍ و"تفريغٍ" بشكلٍ منتظم.

2- إنشاءُ نظام ملفاتٍ مختصرٍ سهل الوصول اليه.  بحيث يحتوي كل ملفٍ على موضوعٍ واحدٍ محدد.  وتوضع في مكانٍ قريبٍ لا يحتاج الى النهوضِ من على المكتب.  وتُراجَع من فترةٍ لإخرى بحيث يتم الاستغناءُ عن الملفاتِ التي لم تعد ضرورية وذلك لضمانِ بقاء عدد الملفات محدوداً.

3- الاعتماد على مساعدين ذوي ذاكرةٍ أقوى وكفاءةٍ عالية. فلا يعقل أنْ يحتاج هذا المدير ومساعدوه الى منْ يُذكِّرهم.  ولذلك يُستحسن التدقيق في هذا الجانبِ عند اختيارهم.

 

 4- وأخيراً التدرب على تقويةِ الذاكرة .  ووسائل التدرُّب كثيرةٌ ومعروفة؛  ومن بينها تصفية الذهن تحضيراً لإجتماعٍ مهمٍ على سبيل المثال، ومراجعة بعض الملفات تمهيداً لذلك.  بالإضافة الى التدربِ الفعلي على تقويةِ الذاكرةِِ من خلال إتباع تمارينَ خاصةً أو المشاركة بدوراتٍ مختصة.

 

إحدى عشر: النطق السليم

تبرزُ أهميةُ النطقِ السليمِ بالنسبةِ للمراتبِ الإداريةِ المختلفةِ لكونِها وسيلة التواصلِ الأساسيةِ التي يجبُ أنْ تتسمَ بالوضوحِ وعدم إمكانية استنباط تفسيرينِ أو أكثرَ لجملةٍ معينةٍ، وعدم إضاعةِ  الوقتِ في محاولةِ الاستيضاح  بين المستمعِ والمتكلم.

كما أنَّ النطقَ الواضحَ المشوبَ بنبرةٍ جيدةٍ يُضفي على شخصيةِ المديرِ جاذبيةً تجعله مسموعاً عندما يتكلم مع مجموعةٍ من العاملين في فريقه فيكون التواصلُ كاملاً.  ويجعل الرسالةَ التي يريدُ إيصالَها مفهومةً ولا تحمل غير المعنى الذي يريدُه أن يُفهم.

إضافةً الى النطقِ السليمِ يجبُ أن يكون الصوتُ مسموعاً دون اللجوء الى الصراخ. وهذا قد يتطلب بعضُ التدريبِ لدى البعض.

 

ثاني عشر: النزاهة

يُطلق كثيرون تعبير " طهارة اليد " على المدراءِ والمسؤولين الذين لا تمتدُّ أيديهم ألى ما ليس لهم بةِ حق.  والنزاهةُ لا تقتصر على الجانبِ المادي فحسب، إنما تتعدى ذلك الى الترفعِ عن كلِّ ما يعتبر إغتصاباً لما يعود للغير؛ مثل سرقةِ الجهودِ والأفكار، ولكن هنا نودُّ حصر النقاشِ في الجانبِ المادي. 

يشكوا اقتصادُ معظم دول العالمِ الثالثِ من جملةِ معوقاتٍ تحد من نموة.  مثل نقص الكفاءات والخبرات وعدم موائمة القوانين المحلية ووجود معيقاتٍ عقائديةٍ وقبليةٍ الخ.. الا أن إنتشارَ الفسادِ يبقى الآفةُ ألأكبرَ في وأدِ مشاريع إقتصاديةٍ واعدة.

إن أهمَ العواملِ الاساسيةِ التي يجب توفرها لإستمرارِ أيِّ مؤسسة، هو غياب الفساد، أي شيوع النزاهة. وبالتالي فإنَّ أهمُّ عوامل إفلاس المشاريعِ الاقتصاديةِ في العالمِ الثالثِ هو الفسادُ،  واهم اشكالة هو النهب.  وعلى الرغم من أنَّ هذا التعبير – النهب – يعبر عن حالةٍ لا تنتمي الى هذا العصر، إلا أني أجدُ نفسي مدفوعاً لإستخدامِ هذا التعبير محكوماً بتشابةِ النتائج.

فمن المعروفِ انَّ أعمال الاختلاسِ لا تتوقفَ عند حد.  فلو بدأ مديرُ مؤسسةٍ تحققُ أرباحَ بممارسةِ "الإختلاس"، فسرعان ما  تتسعُ دائرةُ المختلسين لتشملَ جانب كبير من الاداريين الذين لا تتوقف نشاطاتهم على "نهب" أرباحِ المؤسسة وإنما تمتد الى أُصولِها وتتسع الدائرةُ أكثر فأكثر ولا يتوقفَ حتى تصبحُ على صفحاتِ الجرائد او على كلِّ لسان.

إنَّ وجودَ طاقمٌ إداريٌ يحرمُ على نفسِهِ ما ليس له، من كلِّ الأوجه شرطٌ أساسيٌ للنجاحِ والتقدم.

ومن وجهةٍ أخرى، فإنَّ وجود إدارةٌ فاسدةٌ لا يسمح لأيِّ نجاحٍ في التحقق، فلا يمكنها على سبيلِ المثالِ بناءُ ثقافةً بناءةً ولا يمكنها أن تكونَ مقنعةً في أيِّ طرحٍ تطرحه، لأنها ليست موضع الثقة.  إنَّ الفسادَ والنجاح لا يتعايشان.

كما أنَّ النزاهةَ تتطلبَ أكثرَ منَ الحفاظِ على المالِ المستثمرِ في المؤسسةِ بل تمتدُ إلى الحفاظِ على الشبابِ والشاباتِ الذينَ يعملون في المؤسسةِ ويأملون أنْ يحصلوا بجانب حقوقِهم الماديةِ على نصيبِهم في تلقي الخبرةِ والتوجيه، فليس من المستغربِ لمديرٍ فاسدٍ يسرق مالَ المؤسسةِ أن يسرقَ أَفكارَ ومقترحاتِ وجهود ومنجزات العاملين في فريقِه ونسبتها إلى نفسِه. هذا أمرٌ دارجٌ جداً في العالمِ الثالث، والنزاهةُ تتطلبَ تغييبُه كلياً لدى كافةِ المراتبِ الإدارية.

 

على القادةِ أنْ يكونوا قدوةً للآخرين، فإن النزاهةَ لا تقتصرُ على الامتناعِ عن نهبِ المال العامِّ (والخاص)، ولكن كقدوة، على المديرِ أنْ يحرصَ على أنْ لا يتجاوزَ حدودَه في أُمورٍ تبدو صغيرةٍ، مثل المكالماتِ التلفونيةِ الخاصة، حتى يكون مثالاً يُحتذى به لدى فريقِه.

 

ثالث عشر: الانتماء

انَّ الحسَّ بالانتماءِ لا يتشكلَ بقرارٍ إداريٍ أو بعقدِ دورةٍ تدريبيةٍ أو بالإقناعِ والتوجيهِ المجرد، إنما نتيجةَ تراكمِ ممارساتٍ إيجابيةٍ تشجعُ الموظف، الذي يملكُ الاستعداد، على أنْ يتكونَ لديةِ هذا الحس.

إنَّ حساً قوياً بالانتماءِ لدى غالبية منتسبيها، ضروريٌ لأيِ مؤسسةٍ  تودُّ بناءَ نفسِها على أُسسٍ قويةٍ لتستمرَّ وتنمو وتحققَ غاياتها.

ويساعدُ على هذا الإحساس امتلاكُ العاملين الحدَّ الأدنى منَ الضمان في البقاءِ في مواقعِهم وإمكانية التقدمِ فيها . كما أنَّ تكافؤَ الفرصِ بين العاملين دونَ تمييزٍ شرطٌ اساسيٌ لتعزيزِ ألأنتماء. فالظلم والإحساس بعدم الاستقرار وعدم الاحترام من أهم الأسباب التي تمنع الحس بالانتماءِ وتقلل فرص نموة.

إنَّ أهمية الانتماء كبيرةً جداً، وهي في الواقعِ تعتبرُ، لدى الكثيرين أساسيةً، فهي ترفعُ من  كفاءةِ المؤسسةِ وتساعد على الحفاظِ على المؤسسةِ مادياً وأدبياً؛ أي الحفاظِ على ممتلكاتِها وسمعتِها وتحميها منَ الشائعاتِ ومنْ كلِّ ما يُحبط معنوياتِ العاملينَ فيها، الأمرُ الذي حتماً سيؤدي إلى تدني الكفاءةِ والجودةِ والأداءِ العام.

رابع عشر: الإبداع

يعتقدُ البعضُ انَّ دولَ العالمِ الثالثِ متخلفةٍ نتيجةً لنقصٍ في عددِ المبدعين فيها، ولكن الحقيقةَ هي في غيابِ ثقافةٍ تُشجعُ الإبداعَ وتقدرة، وأُناسٌ يتبنونَ المبدعين، وعدم وجود البنى التحتيةِ التي تمكنهم من تحويلِ إبداعاتِهم الى شيءٍ مفيد.

القدرةُ على الإبداعِ والتفكيرِ الإبداعيِ مهارةٌ ضروريةٌ جداً لكلِّ مديرٍ يواجه تحدياً في حلِّ المشاكلِ والعقباتِ بشكلٍ يومي . وعموماً فأنَّ التفكيرَ الإبداعيَ المتحررَ منَ الأنماطِ التقليديةِ والمفاهيمِ المتراكمةِ التي يلفُّها اعتقادٌ راسخٌ بأنَّ تجاوزُها خطٌ أحمرٌ، مطلوبٌ في عالمِنا الذي يتسمُ بتنوعِ التحدياتِ وبمنافسةٍ قويةٍ مع قوى غيرُ معروفة.

إنَّ هذا النمط من التفكيرِ مطلوبٌ، ويجب تشجيعه لدى جميعِ المراتبِ االإدارية. كما أنَّ التشجيعَ لوحدِه غيرُ كافٍ، فهناك وسائلَ تدريبٍ تنمي هذه المقدرة وتعرف بوسائل وأدواتٍ لاستنباطِ أفكارٍ قد تبدو غيرُ مقبولة، وحتى غيرُ عقلانية للوهلةِ الأولى، ولكن بالتمحيصِ وربما بالتعديلِ والتشذيبِ يمكن للفكرةِ أنْ تصبحَ "قابلةً للتسويق" وقابلةً للتطبيق.

وهذا يدعو، أيضا،ً في هذا السياقِ إلى تشجيعِ "العصف الذهني" Brain Storming بشكلٍ فرديٍ وبشكلٍ جماعيٍ، وذلكَ ببناءِ تقاليدَ ضمنِ المؤسسةِ على التفكيرِ الجماعي (والحلم الجماعي - كذلك) وكيف يمكنَ أنْ تُبنى فكرةٌ لبنة لبنة من مقترحاتٍ ومداخلاتٍ وتعديلاتٍ وإضافاتٍ، مصادرُها متعددة، بحيثُ تولدُ هذه الفكرةُ صلبةٌ مقبولةٌ من قِبَلِ عددٍ كبيرٍ من الأشخاصِ وقابلةً للحياة، وهذا نهجٌ مهمٌ موجودٌ في المؤسساتِ التي تشجعُ العملَ الجماعيَ وتسودُ فيها روحُ الفريق.  إنَّ أفكاراً وحلولاً تولدُ في هذة الاجواءِ لا يُعرفَ لها أباً ولا يهتمُّ أحدٌ أنْ يعرف. وهذا قابلٌ للتحقيقِ من خلالِ ما يُسمى Think Tank في المؤسساتِ الكبيرة، الحكوميةِ منها وغيرُ الحكوميةِ، التي تتطلبَ مساهمةً مستمرةً في التخطيطِ الاستراتيجيِ ووضع الحلولَ وخططاً مسبقةً لأزماتٍ مفترضةٍ ومتوقعة.

كثيرٌ ما يعتمدُ إزدهارُ مؤسسةٍ أو حتى بقاؤُها على مخرج إبداعي من وضعٍ ما.  لهذا ولاسبابٍ كثيرةٍ يبقى تشجيعُ ورعايةُ الابداعِ والمبدعين أمرٌ أساسي وضروري.

 

خامس عشر: الثقة بالنفس

الثقةُ بالنفسِ ليستْ مهارة، إنما صفةٌ ضروريةٌ لكلِّ المراتبِ الإداريةِ يتحلونَ بها وتتجلى في ظروفٍ معينةٍ تظهرُ فيها أهميتها، وهي لا شكَّ موجودةٌ عند كلِّ البشرِ بدرجاتٍ متفاوتةٍ وبصورةٍ نسبية. وتعني ببساطة إعتقادُ المرءِ بقدرتة علىالفعل، وعلى تجاوزِ الصعاب.  وهذة خاصيةٌ يمكن أنْ تنمو، كما يمكن أنْ تخبو وتزول، ضمن ظروفٍ وأحوالٍ معينةٍ، لذلك يجبُ أنْ تُوجة ثقافةُ المؤسسةِ بحيثُ تُنمي وتَفرزُ الثقةَ بالنفسِ لدى العاملين فيها وذلك من خلالِ أنماطٍ محددةٍ في التعاملِ مثلُ التشجيعِ والرعايةِ المستمرةِ وتجنب التقريعِ واللومِ العلني.

إنَّ الإنسانَ، ذلك "العنصر الرخو" ( Soft Element )، يمكن أنْ يترواح بين وضعيتي الثقةِ العاليةِ بالنفسِ وفقدانها كليةً إلى حدٍ كبيرٍ بسهولةٍ وبسرعةٍ نتيجةَ الضغطِ الواقعِ منَ المحيطِ وخصوصاً الرؤساء.

في داخلِ كلِّ إنسانٍ شئٌ ما لا يمكن وصفه أو لمسه أو تحديده، إذا ما إنكسر هذا الشيء نتيجةً للتحقيرِ العلنيِ أو الإحباطاتِ المتكررةِ فإنَّ التئامه ثانيةً يُصبحُ صعباً للغايةِ ويتطلبَ وقتاً طويلاً.

كما أنَّ الثقةَ الزائدةَ بالنفسِ أمرٌ غيرُ مستحب، لأنها تؤدي الى الغرور، وهي صفةٌ مدمرةٌ للمدراء تؤدي بهم الى فشلٍ محقق.

 

سادس عشر: الحس بالعدل

الحسُ بالعدلِ ليس قناعةً دينيةً أو أخلاقيةً فحسب، بل مهارةٌ تُمكِّنَ منْ يمتلكها أنْ يوظفها لإشاعةِ العدلِ والفرصِ المتكافئةِ بين العاملين تحت إدارتِه، وبالتالي كسب إحترامهم وضمان إنتمائهم.

هذه المهارةُ مطلوبةٌ للفئاتِ الإداريةِ جميعاً وبنفسِ القدرِ ويجب أنْ تكونَ جُزءاً أساسياً من ثقافةٍ وتقاليدٍ ومسموعياتِ المؤسسة.

إنَّ  تحقيقَ العدلِ وتَولُّد الإحساس به لدى العاملين، شرطٌ أساسيٌ لبذرِ روحَ الفريقِ وتعزيزِ الإنتماءِ  وتقويةِ الإبداعِ، وهذا يجب أن يُطبقَ ويُوضحَ عند إحتسابِ الزياداتِ السنويةِ والترفيعاتِ والحوافزِ، بحيث  يكون النظامُ مبنياً على أُسسٍ مفهومةٍ لدى الغالبيةِ العظمى من العاملين. إنَّ الظلمَ يجب أنْ يكون مغيباً تماماً، وأي قرار يتم إتخاذه بناءً على أُسسٍ علميةٍ وموضوعيةٍ معروفةٍ وقوانين بسيطةٍ ومحددةٍ مسبقاً.

عادةً ما يلجأَ بعضُ الذين لم ينالوا حظَّهم من ترفيعٍ او مكافئاتٍ او تقديرٍ ماديٍ كان أم أدبي، والذين يعتقدون أنهم يستحقون أفضل، إلى تبريرِ عدم حصولهم على ذلك الى أسبابٍ  مثل  الظلم والتمييز والمحاباة الخ.. ولكن إذا كان لدى المؤسسةِ سجلٌ طويلٌ من المؤسسيةِ المنصفة فإن أي إدعاءٍ من هذا النوعِ  قلما كان له  تأثير ٌسلبيٌ يذكر.  وعموماً فإنَّ الوضوحَ والشفافية يساعدان كثيراً عند إجراءِ ترفيعاتٍ وتوزيع مكافئاتٍ الخ..

 

سابع عشر: الحزم

والمقصودُ هنا عدم التراخي في تطبيقِ القوانين والقرارات والقبول بانصافِ الحلولِ ونتائجَ غير مُرْضية. وهذه صفةٌ مطلوبةٌ بشكلٍ أكبر لدى الإدارات العليا، بحيث يتم إتخاذُ القرارات القاطعة بتوقيتٍ جيدٍ وبدون تردد، وعدم تركِ المجالَ مفتوحاً للتقولات والتوقعات والتكهنات.

وهذا يعني أيضاً عدم إعتياد العدول عن القرارات التي يتم اتخاذها.  ولكن هذا لا يتطلب ايضاً، إتخاذُ قراراتٍ نصف مطبوخةٍ من أجل الحزمِ أو تؤدي القرارات المُتَّخذة إلى إحداثِ ظلمٍ أو ضررٍ بالمصلحةِ العامة.

إنَّ التراجعَ عن قرارٍ ما قد يكون حكيماً في بعضِ الحالات، ولكن كثرةُ التراجعِ والتردد تخلق حالةَ بلبلةٍ مضرةٍ بالأداءِ العام .

يجب أنْ يصبحَ الحزمُ نهجاً متوطناً، وخصوصاً في اوساطِ المؤسسات التي تتبنى ثقافاتٍ غير قائمةٍ على القمعِ، بحيث يصبح الحزمُ صمامَ الأمانِ ضد تفشي التسيب.  الحزمُ يجب أنْ لا يصبحَ هدفاً بحدِّ ذاته.

 

ثامن عشر: المهارات اللغوية

وهي مهارةٌ في غايةِ الأهميةِ، سواءٌ كانت اللغةُ الام- العربية - أو أي لغةً عالميةً متداولة، كاللغةِ الإنجليزية، وذلك كتابةً  ومحادثةً . وهذا مهمٌ  جداً للإداراتِ العليا خصوصاً وبقية الإدارات بدرجاتٍ أقل.

إن اللغةَ هي وسطُ Medium) ) التفاهمِ والتواصلِ بين الناس، وعلى هذا الوسط ان يكون شفافاً وغنياً وموصلاً جيداً.  فإمكانيات اللغة واسعةٌ وكل ما تمكن المرءُ منها أفادتة بمجالاتها الرحبة.

 إن إلقدرةَ على صياغةِ التقاريرِ وكذلك القدرة على سرعة قراءتها واستيعابها –وهذة بحد ذاتها مهارةٌ لغويةٌ اساسيةٌ- ترفع من كفاءة المؤسسةِ ويحسنُ التواصلَ الداخلي فيها.  كذلك يتعين على الإداراتِ العليا والوسطى وربما الإشرافية كذلك أن يملكوا القدرةَ على التحدث لمجموعٍ من الناسِ (الخطابة) بشكلٍ فعالٍ ومؤثرٍ ومقنعٍ وهو أمرٌ مهمٌ لنقلِ أفكار وسياسات المؤسسة وبالتالي بناء الثقافةِ المنشودة. كما أنَّ حسنَ التحدث يساعد، في بعضِ الظروف، على السيطرةِ على أوضاعٍ صعبةٍ، مثل الخلافات العمالية أو الإعتراض – أو الإحتجاج - على التغيراتِ التي يمكن أنْ تحدثَ أحياناً. وهذا يتطلب تمكن المتحدث- ضمن أُمورٍ أُخرى - من اللغةِ، مفرداتٍ وقواعدَ ولفظ.

 

تاسع عشر: التعامل مع الوقت

هذه مهارةٌ مهمةٌ جداً، وحقاً قد تكونَ منْ أهم ما يفرقُ بين مديرٍ ناجحٍ أوغيرَ ذلك.

أؤكد على تسميتِها مهارةً لأنَّ بالإمكان تنميتها وتطويرها . ولكن قبل الشروعِ في تنميتِها مطلوبٌ أنْ يكون هناك الإيمانُ العميقُ بأهميةِ الوقتِ وإمكانيةِ الاستفادةِ منه، كمورد، بفعاليةٍ أكبر . وهذه قضيةٌ – في بعضِ جوانبِها – حضاريةٌ، فمن مؤشراتِ التخلفِ لدى أمةٍ ما، هو عدمُ الاهتمامُ الكافي بالوقت.

كذلك التمرسَّ على ما يسمى "إدارة الوقت"، من خلالِ تعلمِ والإستفادةِ من أدواتِ ووسائل إدارةِ الوقت، التي تساعد على توزيعِ الوقتِ المتاحِ على النشاطاتِ المختلفةِ بعد تصنيفها حسب الأولوية.  وكذلك توزيع المهام على المساعدين وإعطائهم بعضَ الصلاحيات لتسهيل ذلك، ثم التعود على إختصارِ وقت الإجتماعاتِ والمحادثاتِ التلفونيةِ والمقابلات.

وإدارةُ الوقتِ ليست ذلك الفرعُ من الإدارةِ الذي يمكن أنْ يتعلمه المرءُ بالمشاركة في دورةٍ أو تناوله كمساقٍ جامعيٍ فحسب. إنما هو مهارةٌ تنمى بمجهودٍ ذاتيٍ أكثرَ مما تنمى بمساعدة خارجية.

وتبدأَ بفهمِ الوقتِ، الفهمِ الصحيحِ الواعي،  والتمرنِ على الإحساسِ الدقيقِ بمرورِةِ وتنظيمِ الوقتِ المتاح لعملٍ ما، أو لمجموعةٍ من النشاطات، كأعمالِ يومٍ أو أسبوعٍ وذلك بإعدادِ جدولٍ زمنيٍ لهذة النشاطات. ثم التعود على التقيدِ بهذا الجدول الزمني، وذلك بقياسِ حجم الإنحرافِ عن هذا الجدول، ودراسة الاسباب التي أدت الى ذلك، والعملِ على تجنبها في الأيام التالية.

وكذلك التخلصَ من العاداتِ السيئةِ المرتبطةِ بالوقت،ِ والتي تنمُّ عن عدمِ تقديرِ الوقتِ واحترامه. مثل إطالة الاجتماعاتِ والمحادثاتِ التلفونيةِ وإصرار بعضُ المدراء على عمل كل شئٍ بأنفسهم دون إناطة بعضَ المهامّ إلى مساعديهم.

والحس بالتوقيت ( Sense of timing ) مهارةٌ مهمةٌ جداً للإداراتِ العليا، في اتخاذِ القراراتِ الهامةِ، مثل التوسعات وشراء وبيع الأسهم.  وهو عاملٌ مهمٌ قد يتعلق عليه نجاح مشروعٍ ما. فأي قرارٍ يتم اتخاذه متأخراً أو متقدماً عن ما يمكن أن نسميه بالتوقيتِ المثالي لهذا  القرار، يجعل من فرصِ النجاحِ أقل.

 

التهور والتأني : وهما صفتان مرتبطان بالوقت. وتَعتبر العرب التأني فضيلةً هامةً، وهي صفةٌ يجب أن يتصفَ بها المدراء فيتأنوا عند أي تحركٍ أو تصرفٍ ويتجنبوا اتخاذ القرارات كرد فعلٍ انفعاليٍ وهو ما يسمى بالتهور.

العشرون: مهارات الحاسوب

في عالمنا اليوم، أصبحت مهاراتُ الحاسوبِ ضرورةً أساسيةً للعاملين في إدارةِ مؤسساتٍ بشكلٍ منظمٍ وحديث.

فالتعامل اليومي مع التقاريرِ الكثيرةِ لا يُشترط أنْ يكون من خلالِ تقاريرٍ مطبوعةٍ ( Hard copy ) بل من خلالِ مشاهدتِها على شاشةِ الحاسوب، الأمرُ الذي يوفرُ ورقاً وملفاتً ووقتاً  الخ.. الأمرُ الذي يتطلبَ حداً ما من المهارةِ الحاسوبيةِ تكفي المديرُ سهولةَ الدخولِ إلى البرامج المختلفة، وتمكنه كذلك من إقتراحِ تصاميم أو تعديل على تصاميم بعضِ التقارير المعدة على ألإكسل أو غير ذلك من نظمِ الحاسوب. وهذا عادةً ما يتوجب على المديرِ المبادرة في طلبه وخصوصاً ما يسمى منها بتقارير الإدارة ( Management Report ) .

 

كما أنَّ الإداريين كثيراً ما يتعاملون مع البريد الالكتروني، وهذا أيضاً يتطلب درجةً معينةً من المهارةِ في هذا المجال أيضاً.  ويتطلب كذلك القدرة على الطباعةِ والسرعةِ فيها.

وهذة المهارة لا تنحصرَ في الأمثلةِ التي ذكرنا هنا، بل تتعدى ذلك الى جوانب لا حصر لها؛ فالمدراء "المتصالحون" مع الحاسوب، بإمكانهم تنظيم وقتهم بواسطتة، وكذلك تدوين ملاحظاتٍ ومحاضر اجتماعاتٍ من خلالة وطباعة اجندة الاجتماعات الخ.. الأمر الذي يعطي نتائج أفضل ويوفر وقتاً أكثر ويغني عن إستخدامِ نظام ملفاتٍ ينمو مع الوقت حتى يصبحَ عبئاً كبيراً.

 

الواحد والعشرون:التواضع

وفضيلةُ التواضعِ من أكبر الفضائل المعروفة والتي تجتمعُ كل الثقافات على تبجيلها، وتحبب المدير بمن يحيطوه وتجعله مقبولًا وتذيب الحواجزَ بينه وبينهم، مما يجعله على اتصالٍ أكثر ومعرفةٍ أدق بما يجري حوله.

والتواضع صفةٌ لا يمتن متصفها على أحد، إذ أنه هو المستفيد الأكبر. فمن هم عكسُ ذلك، المتكبرون من المدراء، يقيمون حواجزَ بينهم وبين العاملين معهم تجعل منهم أسرى لشلهٍ من المتربصين، بحيث يصبحوا على درايةٍ قليلةٍ بما يجري في مؤسستهم، الأمرُ الذي يؤدي إلى نتائج كارثيه. إضافةً إلى أن المتكبرين مكروهون.

إلا أنه لابد من التنويه أن معظم المتصفين بهذه الفضيلة العظيمة لا يفعلون ذلك لمصلحة إنما لطبعٍ وجدوا أنفسهم عليه. إلا أنه لا يمنع أن يقتنع أحد الناسِ أنْ هذا النهج هو الأفضل لصالحِ مؤسسته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مقدار ذرةٍ من كِبْر ".

كما ان الانسانَ المتواضع يسهل علية التراجع عن الخطأ، ويسهل علية تقبل النقد والنصح.

واذا ما جمع القوة والحزم مع التواضع – كما هو مفروض- فإنة يجرد هذة الفضيلةِ من سلبيتها الوحيدة؛ وهي إحتمال إستضعاف الآخرين لة.  فكثيرٌ ما يُساء فهمُ المتواضعين والخلط بين التواضعِ والضعف.

 

الثاني والعشرون:المرونة

المرونةُ هي القدرةُ على التكيفِ السريعِ مع اوضاعٍ جديدة. وذلك بإمتلاكِ الرغبةِ والقدرةِ وحسنِ التوقيت.

في عالمِ اليومِ المتغير بإيقاعة السريع، يقف الجمودُ حجر عثرةٍ في طريق التطور، واحياناً يضعف القدرة على البقاءِ والاستمرار.

فالمرونة، سواءٌ في الأداءِ الفردي أو في الأداءِ الجماعي، ضرورةٌ قصوى في عالم تنافسي، وكذلك البعدُ عن الجمودِ وعدم التمسك بالأنماطِ التقليديةِ في العمل. وهذا ينطبق، بطبيعةِ الحال، على نظمِ العملِ والاستعدادِ الدائمِ لتبني المفيد والجديد لتحسينِ الأداء العام المتمثل بالمبيعات والجودة والكفاءة والأرباح وغير ذلك من مؤشرات الأداء .

كما أنَّ المرونةَ التي  تصبحُ جزءاً من أسلوب عملِ وثقافةِ المؤسسة، تتجلى في الاستعداد والقدرةِ على  التحولِ من منتجٍ إلى آخر وبسرعة.  وذلك بتحويلِ خطوط الإنتاج لتنتج منتجاً آخر بأقل وقتٍ ممكن. وهذا أمرٌ غايةٌ في الأهميةِ في بعضِ الصناعات . حيث يعتمد على الوقتِ الذي يستغرقه التحويل والمسمى ( Set up time ) الكفاءة العامة لخطِ الإنتاج.  وحقيقةُ الأمر أنَّ كثيراً من برامج رفعِ الكفاءة تهمل هذا الجانب في بعضِ الصناعات؛ فالوقت الذي يستغرقه " إعادة ترتيب خطوط الإنتاج " وكذلك الوقت المستغرق حتى يستعيد خطُ الإنتاج كفائتة المعتادة، يستحقان التركيز في هذه الدراسات، وعليهما تعتمد، إلى حدٍ كبير، الكفاءةُ الكليةُ لخطِ الإنتاج، وهما بدورهما يعتمدان على مدى مرونةِ المؤسسة.

كما أنَّ المؤسسات التي تتسم بالمرونةِ، تستطيع بسهولةٍ أكبر أن تغير من غاياتِ المؤسسة أو

تعدلها لكي تناسب ظروف السوق الجديدة ومتطلباتة. وذلك بالتحول من منتج الى آخر، وهذا قد يعني إنقاذ المؤسسة.

 

صدر منذ خمس سنوات كتابٌ صغيرُ الحجمِ في الولايات المتحدة لمؤلفة الدكتور سبنسر جونسون تحت عنوان "من حرك جبنتي" ( Who moved my cheese ) حول التغيير.  وهو يخلص في النهايةِ على ضرورة توقع التغيير والاستعداد لة والتعامل معة والاستمتاع بإحداثة.  وحقيقةُ الأمرِ أنَّ التغييرَ غالباً ما يكون مؤلماً ومزعجاً، كما توجد نزعةٌ تلقائيةٌ لدى معظمِ الناسِ لمقاومة التغيير. ما لم تكن المؤسسة والعاملين بها يمتلكون الثقافة المناسبة والمرونةَ الكافيةَ للتكيفِ مع الواقعِ الجديدِ وبسرعة. عند ذلك يصبح التغيير، مع ما يصطحبة من جديد، حقاً ممتعاً.  

 

الثالث والعشرون :القدرة على التواصل

تُعتبر القدرةُ على التواصلِ من الصفاتِ الأساسيةِ لكلِّ إنسانٍ يعملَ ضمنِ فريقٍ، ويتطلب منه عملة توصيلَ معلوماتٍ واستلامها وهذا هو الحال، من الناحيةِ العملية،  لدى كل المدراء من جميع الفئاتِ في جميع أنواعِ المؤسسات، فإيصالُ أفكارٍ واعطاءُ تعليماتٍ وخلقُ قناعاتٍ وتقديم شروحاتٍ من جهةِ والحصول على تغذيةٍ عكسيةٍ والتفسير لبعضِ النتائج وشرح لبعضِ ردودِ الفعلِ من جهةٍ أُخرى يجري في كلِّ مؤسسةٍ في كل ساعةٍ من ساعاتِ العمل .  ويُقاسُ النجاحُ في هذا المضمارِ على القدرةِ على إحداثِ التواصلِ الجيدِ بأكفأ السبلِ وأَسرعها.

التواصلُ الجيدُ الناجعُ المقتصدُ زمنياً يتطلب بعضَ المهاراتِ الموجودة بمقاديرٍ مختلفةٍ لدى الكثيرِ من الناسِ والتي يمكن تنميتها بشكلٍ مطردٍ بالتوجيهِ والتعليمِ والتدربِ والتخلصِ من بعضِ العاداتِ السيئة.

ويعتمد التواصلُ على لغةِ التواصلِ "الوسط" ( M edium ) وأسلوبِ التواصلِ وآلياتِ التواصلِ  وعوامل اجتماعيةٍ حضاريةٍ تحيطُ بالجوانبِ المرتبطةِ بعمليةِ التواصل.

فلتواصلٍ ناجحٍ يجب أن تكون لغةُ التواصلِ متقنةً ومفهومةً بنفسِ الكيفيةِ من قبلِ جميعِ أطرافِ عمليةِ التواصل. وذلك بمفرداتها وقواعدها وتعابيرها المجازية، وكذلك حركات الأيدي وإيماءات الوجة – وهي جزءٌ من وسطِ التواصلِ وإنْ لم تكن جزءاً من اللغةِ المنطوقةِ - والتي قد تحمل معانيَ وإشارات مختلفة من حضارةٍ الى أُخرى، والتي قد تُفشل جهدُ التواصل كليةً اذا ما حُمِّلت معنىً مختلف او أُسيء فهمها.

وكذلك ينبغي الاهتمام بأساليب وآليات التواصلِ بتبني أساليبَ واضحةٍ ومحددةٍ بقنواتٍ معروفةٍ وأدواتٍ بمتناولِ جميع أطراف عمليةِ التواصل. وكذلك إعتمادِ أدوات تواصلٍ فعالةٍ وتخدم الغرض.

وهذا قد يتطلب بعض التدريبِ على الوسائلِ المتاحةِ بحيث يستفادُ من كلِّ إمكاناتها.

ومن المفيد التخلصُ من بعضِ العاداتِ السلبيةِ التي تتطيلُ وقتَ التواصلِ وتجعلة أقل فاعلية.

 

الرابع والعشرون: الإيمان بالإنسان

هذه عقيدةٌ إداريةٌ مهمة. ومطلوبةٌ لجميعِ المراتبِ الإدارية . وتعني أنَّ المديرَ يؤمنُ بالإنسانِ ويحترمه ويقدر كينونته وذكاءه وكرامته وكبرياءه .

وكذلك يؤمن بأنَّ هذا الإنسانُ هو عالمٌ قائمٌ بذاتِه له طموحاتُه وآماله وتاريخه. وهو قابلٌ للتأقلمِ والتكيفِ والتعلمِ والإصلاح، وبالتالي التحولُ إلى إنسانٍ يتبنى ثقافةَ المؤسسةِ ويكون عضواً صالحاً ومفيداً فيها يساهمُ في بناءِها ونموِها.

وهذا عكسُ ما ينظر بعضُ المدراء للإنسان على أنه مجردُ  رقمٌ او فرصة.

وعندما يُتَرجَمُ مفهومُ الإيمانِ بالإنسانِ إلى واقعٍ عملي،ٍ فإنه يعني الثقةَ العاليةَ بإمكانيةِ تغييرِ سلوكِ البشرِ نحو الأفضل،ِ حتى أصحاب السلوكيات الغير مقبولةِ منهم والأسبقيات. بحيث يتحولوا إلى أشخاصٍ إيجابيين صالحين ينخرطون بالفريق ويظهرون تعاوناً جيداً.

و هذا يتطلب إدارةً قويةً واثقةً من قدراتها.  فقرارُ الفصلِ من العملِ سهلٌ لمن إستحقة.  ولكن التحدي الكبير يكمن بإبقاءِ هذا الشخص والعمل على إصلاحة.  والنتيجةُ – في حالِ النجاح - انسانٌ آخر منتميٌ ومخلصٌ ويعتمد علية.  والفائدةُ التي تجنيها المؤسسةُ هي الحفاظُ على موظفيها الذين بُذِل الكثيرُ من الجهدِ والوقتِ والمالِ في تدريبِهم وإكسابِهم خبراتٍ قيمة.


 
 

 


تعليقات

1  
الاسمهشا م مستريحي 
التعليقكنت قد قرأت هذا الكتاب قبل سنوات ، وقبل اسبوعين كنت في دورة تدريبة بعنوان "الجيل القادم من الادارات العليا" في مملكة البحرين بدأنا الدورة بممناقشات حول الفروقات بين القائد والمدير وللامانة افادني ما قرأت من هذا الكتاب وقد تطرقت الى ذكره فطلب مني المدرب وهو الماني ان احضر له نسخه من الكتاب فاخبرته اذا كنت قادرا على قراءة العربية فقال يبدو ان حضي ليس جيدا فانا لا اسمح ان يفوتني كتاب بهذا الخصوص ، الرائع عندي في الموضوع ان المعلومة المكتسبة من قبل الشخص لا يعرف فعليا متى يستفيد منها او يستخدمها المهم ان يحصل عليها والاجمل من ذلك ان هناك اناس مستعدون دائما للعطاء بدون حدود فلماذا لا نستفيد من خبراتهم وتجاربهم. 
   

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter