نحن وأوربا - ج 2 - الفصل الثالث - تشكيل أوربا
 
 



الفصل الثالث
تشكيل أوربا
تمهيد
لقد مر كثيرٌ من الزمن وعدد الد ول في أوربا قليلٌ جداُ . ففي بداية الألفية الأولى لم يكن هناك
أكثر من د ولة واحدة، وهي الإمب ا رطورية الرومانية. وعند مهاجمة العرب لأوربا في بداية القرن الثامن،
لم يكن هناك أكثر من أربعة. ثم أخذت الدول بالتشكل. في هذا الفصل نلقي نظرة على كيفية تكون
دول أو ربا وكيف تشكل مزيجها السكاني وكيف ترسخت حدودها.
الإمب ا رطورية البي نطية
بي نطة بعد اليرموك
خرجت الدولة البيزنطية من حربها مع المسلمين منهكة، فقد كانت قد خاضت حرب أخرى مع
الفرس قبل ذلك بزمنٍ قليل، وخسرت في الثانية ما إستعادته في الأولى. لقد كان هرقل أحد أهم أباطرة
الإمب ا رطورية الرومانية، حيث يعزى نصر الروم على الفرس إلى قد ا رته على التنظيم وحشد الموارد
وتوحيد الجبهة الداخلية والنهوض من الهزيمة. لقد فعل ذلك بعد هزيمتهم أمام الفرس، التي كانت
بحجمها ووقعها، أكبر من الهزيمة الثانية أمام المسلمين. ومع هذا لا يوجد دليل على قيام محاولات
جادة لإستعادة الشام ومصر، وهما من أغنى ولايات الإمب ا رطورية، بالإضافة إلى مكانتهما الدينية. فقد
أدرك هرقل قوة الحركة الجديدة، وربما، كما تؤكد بعض المصادر، أنه توجه إلى القدس حيث أخذ
الصليب الصلبوت ) الصليب الحقيقي (،الذي وضعه في كنيستها قبل خمس سنوات بعد إنت ا زعه من
الفرس، وانطلق إلى القسطنطينية 111 . كما تروي مصادر أخرى أن هرقل قال عند مغادرته سوريا :
"وداعاً يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده". لقد كانت هزيمة الإمب ا رطورية في اليرموك هزيمة كبيرة، حشدت
من أجلها أعداداً هائلة من القوات، تفوق قوة المسلمين بأضعاف كثيرة. لقد كانت هزيمة بيزنطة من
الم ا ررة لدرجة أن مؤرخيها تجاهلوا هذه الصفحة من تاريخها 112 .
111 The Byzantine Empire.
112 The Byzantine Empire.
76
توفي هرقل سنة 609 بعد أن أسس سلالة جديدة حكمت لغاية العام 090 ، وأجرى تحولات في ثقافة
الإمب ا رطورية وتوجهها، فقد تخلت عن التعلق بأهداب الحضارة )ال رومانية( الغربية واللغة اللاتينية،
وأخذت تتحول تدريجياً نحو الطابع اليوناني 113 ، وتخلى هرقل نفسه عن الألقاب الرومانية واحتفظ بلقب
واحد يعود لإصول لغوية يونانية وهو باسيليوس.
تلقى الروم هزيمة منكرة عندما حاول قنسطنطين بن هرقل إستعادة سوريا سنة 630 م. تولى قنسطنطين
الثالث الحكم لفترة وجيزة ثم تسلم قنسطانز الثاني الحكم عام 602 م وتبعه قنسطنطين ال ا ربع، وقد كانا
حاكمين قويين تمكنا من الحفاظ على حدود الإمب ا رطورية مع العرب 114 . وقد ساعد على ذلك فتور
حركة الفت في زمن عثمان والفتن التي إنشغل بها المسلمون.
عقد معاوية هدنة مع قنسطانز، بحيث دفع له مبلغاً سنوي اً. وهذا ما أعطى قنسطانز الفرصة
للتعامل مع مشاكل الإمب ا رطورية الغربية، فأخضع السلاف في البلقان، وتوجه لإخ ا رج اللومبارد من
إيطاليا، فهاجم بنيفنتو ولم يتمكن من الإستيلاء على عاصمتها. فتركها وتوجه إلى روما، التي لم ترى
إمب ا رطو ا رً في المائتي سنة الأخيرة. وعمد قنسطانز إلى تجريد روما من بعض تحفها وارسالها إلى
القسطنطينية. وأمضى خمس سنوات يتجول في إيطاليا وصقلية وافريقيا، لدرجة أن أهل القسطنطينية
بدأوا يحسون أنه سيحول العاصمة إلى الغرب، ولكن في هذه الأثناء تم إغتياله بينما كان يستحم، حيث
ضربه خادمه بصندوق الصابون وهرب 115 . وفي زمن خليفته قنسطنطين ال ا ربع تمكن من صد جيش
إسلامي كبير حاصر العاصمة في زمن معاوية، ولكن هدنة أخرى تم الإتفاق عليها بعد وفاة معاوية.
تسلم ليو الثالث اليسوري الحكم في العام 090 ، وهو يعود لإصول شرقية، فهو من جنوب شرق
الأناضول، من إقليم إيسوريا، وكان يعمل في الجيش حيث نبغ بقد ا رته على التنظيم 116 .
بدأ ليو عهده في مواجهة حصار المسلمين للقسطنطينية بقيادة مسلمة بن عبد الملك لمدة سنة
كاملة، حيث إضطر جيش المسلمين إلى الإنسحاب، فقد إستطاع ليو أن يبقي خطوط مواصلاته
مفتوحة من جهة البحر الأسود فظلت بيزنطة تتلقى الإمدادات طوال وقت الحصار.
وفي العام نفسه الذي إنفض فيه الحصار أخضع ليو ثورة في صقلية، ورد في عام 028 هجوماً
على البلقان قام به البلغار.
كما رد هجوماً آخر للمسلمين على القسطنطينية. وفي العام 009 قاد ليو تحالفاً من الرومان
والخزر لصد هجوم جيش أسلامي على الأناضول، حيث إستطاعوا إيقاع الهزيمة به 117 .
عاشور 113
114 The Byzantine Empire.
115 The Byzantine Empire.
عاشور 116
عاشور 117
77
توفي ليو بنفس العام، بعد أن خاض كل هذه الحروب، وأجرى الكثير من الإصلاحات، فأعاد تنظيم
الجيش وأجرى تحسينات إدارية بما في ذلك النظم الضريبية والمالية. وقد ظهر في زمنه خلاف حول
الإيقونات والصو ا رلذي تسبب في ن ا زع شديد وانقسام كبير. فقد كان ليو يتبنى موقفاً معادي لممارسة
رسم صور السيد المسي ، وكان هناك حزباً مؤيداً لهذه الممارسة مدعوماً من البابوية.
تولى قنسطنطين الخامس الحكم بعد أبيه الذي ورث عنه أيضاً ص ا رع الإيقونات المحتدم. فقد طالب
الإيقونيون بإسقاط قنسطنطين، وبإشعال الثورة في البلقان. إعتمد الإمب ا رطور على رعاياه الشرقيين
الذين كانوا ضد الإيقونية، في إخماد الثورة. حيث إضطر للإنتقال إلى عمورية في وسط الأناضول حتى
تمكن من إخماد الثورة التي تزعمها زوج أخته ودخل القسطنطينية مظف ا رً في العام 003 م. واستمر في
محاربة الإيقونية ولجأ إلى عقد مجمع ديني في القسطنطينية للحصول على الدعم لسياساته، حيث وجد
أن العنف لن يجدي نفعاً، فقد إستمرت العبادة بإستخدام الصور بشكل سري من قبل المؤمنين بها.
ولكن المجمع عانى من حضور ضعيف، فقد قاطعه البابا، ولم يتمكن ممثلي سوريا ومصر من
الحضور. ثم عقد مجمع آخر سنة 000 إتخذ ق ا ر ا رً ضد الإيقونية واعتبر رسم السيد المسي ضرب من
ضروب الهرطقة. وقد تسببت هذه الق ا ر ا رت بمزيد من التباعد بين روما والقسطنطينية، فقام البابا
زكاريوس بقطع العلاقة مع القسطنطينية، وقام البابا ستيفن الثاني بوضع البابوية تحت حماية ببين
القصير أبو شارلمان، الأمر الذي أعطى دو ا رً أكبر لدولة الفرنجة في مواجهة الإمب ا رطورية البيزنطية.
ولم يهدأ النشاط الحربي في زمن قنسطنطين الخامس، فقد إستغل الخلافات الداخلية التي نشبت في
البيت الأموي وثورة العباسيين وقام بعدة حملات في شمال سوريا والجزيرة واستعاد عدداً من المواقع من
العرب وذلك في الأعوام 006 و 000 و 002 . كما قام بالدفاع عن البلقان ضد هجمات البلغار وأوقع
بهم عدة ه ا زئم.
لقد تركت سياسات قنسطنطين الخامس آثا ا رً إمتدت لقرون طويلة، وقد إستمد قوته من إنجا ا زت
عسكرية حققها ) وأبوه من قبله ( على العرب وغيرهم، جعلته يتحدى قوى كنسية ذات نفوذ كبير في
العادة.
قام قنسطنطين بأعمال إنشائية مهمة ، فقد أصل نظام المياه الذي يغذي العاصمة، كما قام
بتوطين قطاعات من القسطنطينية فرغت بعد الطاعون الذي إنتشر في الأعوام 006 و 000 م.
78
خارطة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الثامن
خلف ليو ال ا ربع أباه سنة 000 ، الذي إستلم منه جيشاً قوياً وحكومة منظمة وخ ا زنة عامرة 118 . قام
الجيش البيزنطي في عهده بمهاجمة تخوم الدولة العباسية، فقام الخليفة المهدي بالرد على الهجوم
بإرسال جيوشه لمهاجمة أ ا رضي الإمب ا رطورية في العام التالي.
توفي ليو بعد حكم خمس سنوات فورثه إبنه القاصر قنسطنطين السادس، ولكن السلطة الفعلية
أضحت بيد الوصية إيرين أرملة ليو ال ا ربع. وقد أثبتت إيرين أنها متعطشة للسلطة ومستعدة لفعل أي
شيء للإحتفاظ بها. ففي بداية تسلمها للسلطة كشفت عن معتقدها الفعلي تجاه الإيقونية، فقد أظهرت
أنها تؤيد الإيقونية، على عكس ما كان يعتقد زوجها، وكما كانت تتظاهر في حياته. وقد جلب لها هذا
عداء الجيش وقطاع واسع من المجتمع البيزنطي. ثم قامت بتعيين بطريرك مؤيداً للإيقونية، الأمر
الذي دعمه البابا وأيده، مما حدا بها إلى عقد مجمعاً أقر الإحتفاظ بالصور والإيقونات، حيث شارك به
ممثلين عن الغرب.
لقد عاصرت إيرين الخليفة العباسي هارون الرشيد والملك الفرنجي شارلمان. فقبلت أن تدفع جزية
للأول، الذي وصلت جيوشه البسفور، وعرضت الزواج على الثاني لكسب تأييده.
وعندما كبر إبنها واستلم السلطة منها وسجل إنتصا ا رً على العرب في معركة قرب أنطاليا، تآمرت
عليه أُمه وسملت عينيه وأودعته أحد الأديرة. وعادت واستلمت السلطة بنفسها. وقد حكمت خمس
عاشور 118
79
سنين، كانت مليئة بالخلافات والحروب والمؤام ا رت 119 ، حيث إضطرت لدفع الإتاوة ثانيةً لهارون الرشيد،
الذي غ ا ز بلادها وأوغل فيها 120 .
إنتهى حكمها بتآمر الجيش والبلاط عليها وخلعها وتعيين نقفور، الذي كان وزي ا رً للمالية، إمب ا رطو ا رً.
وهكذا إنتهت السلالة الإيسورية وبدأ حكم نقفور، وهو من أصل عربي غساني.
في هذه الأثناء لم تعد الإمب ا رطورية البيزنطية الوريث الوحيد للإمب ا رطورية الرومانية، فبعد تتويج
شارلمان سنة 088 من قبل البابا، أصب الأوربيون ينظرون إلى دولة شارلمان على أنها وريثاً اكثر
جدارة لروما. ومع تعمق الخلافات المذهبية وتفاقم الإختلاف على الإيقونية، وابتعاد بيزنطة عن الثقافة
الرومانية واللغة اللاتينية، أصبحت بيزنطة لا تمثل الإمب ا رطورية القديمة.
بدأ نقفور حكمه، كرجل ينحدر من خلفية مهنية مالية، بإج ا رء بعض الإصلاحات في النظام المالي
والضريبي، فقد فرض نظاماً يُحدد بناءاً عليه مبلغاً معيناً على منطقة معينة، وهو نفس النظام الذي
إقتبسته الدولة العثمانية لاحق اً. كما قام بفرض ض ا رئب على ممتلكات الكنيسة.
ثم قام بإرسال كتاباً إلى هارون الرشيد يرفض دفع المال الذي إلتزمت فيه إيرين، وطالبه بالمال
الذي دفعته إيرين. ولكنه عاد ودفع المال بعد أن توجه إليه هارون الرشيد بجيشٍ كبير.
على أن الخطر الأكبر الذي واجه الإمب ا رط ورية في عهده كان من البلغار، الذين، بدورهم، هاجموا
البلقان تحت قيادة ملكهم كروم. فقام نقفور بمهاجمتهم بنفسه. فهزمهم واجتاح عاصمتهم ونهبها.
ولكن الجيش البلغاري فاجأ البيزنطيين بحركة إلتفافية ومزق جيشهم، وقام بقتل نقفور نفسه، حيث صنع
الملك البلغاري من جمجمته كأساً يشرب فيه.
جرح في المعركة أيضاً إبن نقفور الوحيد، فتسلم الحكم زوج إبنته ميخائيل. وقد كان شخصاً شكاكاً
متردداً، فإنعكس ذلك على تصرفاته، فتردد في حرب البلغار، الذين إشتدت هجماتهم وهزموا الجيش
البيزنطي عندما إضطر ميخائيل إلى مواجهتهم.
كما قام ميخائيل بالإعت ا رف بشارلمان كإمب ا رطو ا رً شرعياً مساوياً للإمب ا رطور البيزنطي، وقد أُعتبر
ذلك أم ا رً مشيناً من قبل رعاياه 121 .
كما قام بتبني موقفاً سلبياً من اللايقونيين ومارس الإضطهاد مع الإيقونيين.
لقد أدت هذه السياسات والمما رسات إلى قيام قادة الجيش بالثورة عليه وعزله وايداعه أحد الأديرة.
كما قاموا بتعيين أحدهم إمب ا رطو ا رً، وهو ليو الأرمني، الذي إتخذ إسم ليو الخامس وحكم من عام 093
إلى 028 . كان ليو الخامس ضحية أخرى من ضحايا الخلافات المذهبية، فأدت آ ا رءه إلى تآمر
119 The Byzantine Empire.
120 الطبري.
121 عاشور
80
البعض عليه وقتله، وكان زعيم المتآمرين ميخائيل العموري، الذي أصب إمب ا رطو ا رً يحمل إسم ميخائيل
الثاني. وينحدر ميخائيل وأسرته التي حكمت من بعده من مدينة عمورية الواقعة في الأناضول. لم
يعرف ميخائيل بحنكته السياسية، إنما أشتهر بأنه شديد وقاسي، فقد واجه العديد من الثو ا رت في عهده،
وقام بإخمادها بمنتهى القسوة. وفي أثناء إنشغال البيزنطيين بمشاكلهم الداخلية، قامت قوة من المهاجرين
الأندلسيين منطلقة من مصر بفت جزيرة كريت، التي كانت من ممتلكات الإمب ا رطورية البيزنطية. وقد
قام ميخائيل بمحاولتين فاشلتين لإستردادها. وقد بقيت الجزيرة بأيدي المسلمين لأكثر من قرن وربع،
وقد شكل ذلك ضربة موجعة لبيزنطة ولتجارتها، وخصوصاً أن المسلمين فتحوا صقلية خلال سنين
قليلة.
مات ميخائيل في العام 928 وخلفه إبنه ثيوفيلوس، الذي عاصر المأمون، والذي إستغل حرب
الأمين والمأمون وهاجم الدولة العباسية من أجل إستعادة ما فقدته الإمب ا رطورية قبل قرنين. لقد كان
ثيوفيلوس محباً للقتال، حيث أمضى ثلاثين سنة من التقاتل مع العباسيين، دون أن ينال أيٌ من
الطرفين من الآخر. فلم تتعدى الحملات العسكرية كونها توغلات تنشر الخ ا رب والقتل. ولم تقتصر
حملات الطرفين على النشاط البري، فقد هاجمت الأساطيل العباسية سواحل الأناضول الجنوبية. وقد
قاد المأمون بنفسه بعض هذه الحملات، ولكنه مات في إحداها. وكان ثيوفيلوس قد أرسل الرسل لعقد
الصل . ولكنه عدل عن ذلك لما لمسه من ضعف من قبل المعتصم الذي خلف المأمون، فإستأنف
القتال متحولاً من الدفاع إلى الهجوم. فتوغلت جيوشهم في أ ا رضي الد ولة العباسية، مما إضطر
المعتصم إلى قيادة جيش كبير بنفسه سنة 030 والتوحه إلى عمورية، مسقط أ رس الإمب ا رطور،
لتدميرها. حاول ثيوفيلوس إنقاذ عمورية ولكنه هُزم، ودخل المعتصم عمورية وهدم سورها وأخذ الآلاف
. من أهلها أسرى. بعد ذلك عقد العاهلان هدنة إستمرت حتى موتهما في العام 002
مات ثيوفيلوس وابنه ووريثه لم يتعدى ال ا ربعة من عمره. فتم تشكيل مجلس وصاية برئاسة والدته
ثيودو ا ر. وتكررت قصة إيرين. فتنكرت ثيودو ا ر لسياسة زوجها، فإنقلبت على الإيقونيين، وعزلت
البطريرك، ودعت إلى مجمع لإعادة الإيقونية، وأخذت بإضطهاد خصومها المذهبيين 122 . وقد إستمرت
ثيودو ا ر في موقعها إلى أن بلغ إبنها الثامنة عشرة، فإستلم الحكم وأقصى والدته وصادر أموالها.
في عهد ميخائيل الثالث قام الروس بأول هجوم لهم على القسطنطينية. وكان الإمب ا رطور الشاب
عندئذٍ، في طريقه لمحاربة المسلمين، فعاد وأنقذ عاصمته. وقد كان الروس حتى ذلك الوقت على
وثنيتهم، فبدأ إهتمام البيزنطيين بالتبشير بين الروس والسلاف والبلغار وغيرهم في ذلك الوقت. وفي
122 The Byzantine Empire.
81
عهد ميخائيل الثالث عقد صلحاً مع البلغار، فلم يكتفي ميخائيل الثالث بتبعية وولاء البلغار بل إشترط
دخولهم في المسيحية وذلك سنة 060 م 123 .
إنتهى حكم ميخائيل، الذي كان سكي ا رً ماجناً، بقتله، وانتهى بذلك حكم الأسرة العمورية سنة 060 م.
إستلم الحكم باسل المقدوني، الذي رتب قتل ميخائيل والذي كان نديماً له في حياته، وبهذا بدأت
أسرة أخرى الحكم في بيزنطة.
عمل باسل الأول، الذي أسس أسرة مالكة حكمت طويلاً، بجد ليترك إنطباعاً مخالفاً لما يمكن
للتاريخ أن يكتب عنه، فقد كان نديماً للملك السكير، فتبنى سياسات تتصف بالعدل والتوازن والإقتصاد
في النفقات، كما قام بإصلاحات قانونية وادارية. كما حاول حل الخلاف المتعلق بالتصوير وأن يقرب
بين الكنيستين 124 .
لقد حكم باسل الأول في زمن لم تكن الإمب ا رطورية تواجه تحديات ذات شأن. فالدولة العباسية
بدأت بالضعف، وتوقفت الصوائف عن الإنطلاق لمهاجمة الإمب ا رطورية ومواجهتها. وكان السلاف قد
أُنهكوا من قبل المجر، وكانت إيطاليا مفككة إلى أما ا رت ودوقيات تتبع قوى مختلفة. فإستطاعت
الجيوش البيزنطية تحقيق بعض الإنتصا ا رت في جنوب شرق الأناضول وفي شمال سوريا والجزيرة
فإحتلوا مواقع عديدة. كما تمكن الأسطول البيزنطي من إحتلال قبرص والإحتفاظ بها لبعض الوقت.
كما إستجاب باسل لطلب لويس الثاني ملك الفرنجة في المساعدة على إخ ا رج المسلمين من صقلية
وايطاليا. ولكن الحملة توقفلت بعد نجاح محدود نتيجةً لخلاف ظهر مع لويس.
لم يهمل باسل إيطاليا كليةً، فهناك مدن وأقاليم في جنوب وشرق إيطاليا تعتبرها بيزنطة من
أملاكها، وكان المسلمون قد إحتلوها من البيزنطيين. فعاد باسل وأرسل أسطوله بعد وفاة لويس الثاني
فأحرز نجاحات هامة. فإستولوا على باري سنة 000 ومدن أبوليا ومن بينها مدينة تارينتو )طارنت(
التي كانت قاعدة المسلمين في جنوب إيطاليا. كما إجتاح الجيش البيزنطي إقليم كالبريا )قلوريا( في
جنوب شرق إيطاليا بكامله. وفي نفس الوقت الذي خسر فيه المسلمون مدن اً في جنوب إيطاليا، حققوا
إنتصا ا رت في صقلية فقد تمكنوا من الإستيلاء على س ا رقوسة عاصمة الجزيرة التي كانت بيد البيزنطيين،
ولم يبقى بيد بيزنطة سوى مواقع محدودة على الجزيرة.
خلف باسل بعد وفاته إبنه وحفيده اللذان حكما لمدة ثلاث وسبعين سنة واثبتا انهما ضعيفين ولهما
اهتمامات اخرى. وعلى الرغم من تحقيق بعض الإنتصا ا رت على الولايات العباسية، التي كانت تشكو
من ضعف شديد، فإن إنجا ا زت بيزنطة العسكرية في هذه الفترة كانت محدودة للغاية. وعلى العكس فقد
123 عاشور
124 عاشور
82
استطاع البلغار بقيادة ملكهم سيميون ان يهاجموا ا ا رضي الامب ا رطورية ويحققوا عدداً من الإنتصا ا رت
على الجيش البيزنطي.
163 ( الذي بادر بارسال قائده نقفور فوكاس لأسترداد جزيرة – ثم استلم الحكم رومانوس الثاني ) 101
كريت، فنج في ذلك. ثم ارسله لمحاربة الحمدانيين، الذين اسسوا لأنفسهم امارة في الموصل ثم في
حلب، حيث كانت الحرب بينهم سجال، وقد تمكنوا في إحدى الجولات من إقتحام حلب نفسها.
مات رومانوس تاركاً ولدين ذكرين تحت وصاية أمهما ثيوفانو. ولكن القائد العسكري اللامع
شاركهما الحكم تحت إسم نقفور الثاني، ثم تعزز موقفه بالزواج من الإمب ا رطورة.
نشط فوكاس عسكري اً، إذ إستغل ضعف المسلمين في الشرق، فهاجم شمال سوريا وشمال الجزيرة.
كما هاجم قبرص التي كانت بيد المسلمين. ولكنه فشل في السيطرة على صقلية.
قام فوكاس ببعض التغيي ا رت الإقتصادية، فخفض قيمة العملة مثلا ، مما أثار عليه سخط التجار،
كما أثار سخط الكنيسة أيضاً لأنه أصدر تشريعاً يمنع إقامة أديرة جديدة.
كما لم تكن الإمب ا رطورة ا رضية عنه، فقد إنفرد بالسلطة وكان يعامل إبناها بجلافة. ولذلك قامت
الإمب ا رطورة بقتله سنة 161 بمعاونة عشيقها حنا شمشقيق John Tzimisce ، الذي أعلن نفسه
إمب ا رطو ا رً بإسم حنا الأول. ولكنه لم يتزوج الإمب ا رطورة، التي سرعان ما أُودعت أحد الأديرة. ولكنه
حافظ على حقوق إبنيها في الحكم عندما يصلا السن القانونية.
إنشغل حنا في حرب الروس الذين كانوا قد دخلوا في الدين المسيحي في زمان ملكهم إولغا، ولكن
إبنه الذي كان حليفاً للهنغاريين غ ا ز بلغاريا عبر البلقان 125 . وقد أسرع حنا لمحاربتهم، فإشتبك معهم في
أكثر من موقعة إلى أن هزمهم في العام 102 ، مما إضطر الروس إلى الإنسحاب. كما إستطاع حنا
من إخضاع البلغار، الذين إجتاح معظم بلادهم بحجة الدفاع عنهم من الروس. كما إستعاد إنطاكية
التي كان المسلمون قد إستعادوها بدورهم من الروم.
مات حنا مسموماً سنة 106 . وكان باسل إبن رومانوس قد بلغ العشرين فإستلم الحكم تحت إسم
باسل الثاني.
لقد كان باسل الثاني آخر الأباطرة الأقوياء في الأسرة المقدونية، فقد حكم لغاية العام 9820 ، وقد
خلفه أخوه الذي إعتاد أن يكون أمب ا رطو ا رً بالإسم، وحكم لثلاث سنوات وجاء بعده أميرتين ضعيفتين،
فآل الحكم لأسرةٍ أخرى في عام 9800 بعد فترةٍ من الفوضى.
125 عاشور
83
هاجم البلغار في عهد باسل الثاني الإمب ا رطورية تحت قيادة ملكهم صموئيل، فإجتاحوا مناطق
واسعة. فقام باسل الثاني بمواجهتهم، فهزمهم هزيمةً نك ا رء وأسر منهم الآلاف، حيث قام بسمل عيون
الأسرى، تاركاً من كل مائة جندي واحداً سمل له عيناً واحدة لكي يقود بقية المائة إلى بلادهم. ويقال
إن منظر الجنود العائدين بهذه الحالة تسبب في وفاة صموئيل، ملك البلغار، خلال أيام، لقد أكسب هذا
الفعل باسل الثاني إسماً قبيحاً وهو سفاح البلغار Bulgaroctonus 126 .
. وفي نهاية حكم المقدونيين حدث الإنقسام النهائي بين الكنيستين الغربية والشرقية في العام 9800
دولة الفرنجة
إستقر الفرنجة على الضفة اليسرى لنهر ال ا رين منذ القرن ال ا ربع الميلادي، على أنهم حلفاء 127 ،
حيث قدموا خدمات جليلة للإمب ا رطورية في صد هجمات الساكسون تحت قيادة زعيمهم شيلدريك، الأمر
الذي ساعدهم في الإنسياب إلى بلاد الغال.
الميروفنجيين
في العام 009 توفي شيلدريك وخلفه إبنه كلوفيس، الذي لم يتخطى السادسة عشرة من عمره. وقد
كانت غالة مقسمة إلى دويلات عديدة يحكمها حكام ينتمون إلى شعوب جرمانية مختلفة مثل القوط
والبرجنديين، فقام كلوفيس بتوحيدها بعد أن هزم القوط الشرقيين وأخرجهم من بلاد الغال إلى إيبيريا.
كما هزم بقايا الرومان الغاليين، الذين تمسكوا بجزء من بلاد الغال بعد إنتهاء الإمب ا رطورية الرومانية
الغربية. فقام كلوفيس بتأسيس دولة كبيرة تضمنت أ ا رضي كانت خاضعة للإمب ا رطورية الرومانية وأخرى
جرمانية.
إعتنق الفرنجة المسيحية بعد أن إعتنقها ملكهم كلوفيس، الذي وقع تحت تأثير زوجته. لقد إنفرد
الفرنجة من بين جميع الشعوب الجرمانية بالدخول في الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي. ويعود
ذلك إلى أن المبشرين الآريوسيين لم ينشطوا في أوساط الف رنجة، فبقوا على وثنيتهم 128 إلى أن إحتكوا
بالرومان الكاثوليك. وقد كان لهذا الحدث أهمية كبرى في مجريات أحداث التاريخ الأوربي. فقد ورثت
دولة الفرنجة دور الإمب ا رطورية الرومانية، وحصلت مقابل ذلك على دعم الكنيسة، كما حصلت كذلك،
126 عاشور
127 العريني
128 العريني
84
على دعم المواطنين الرومان الذين كان وا يسكنون في غالة وفي غيرها. كما أدى هذا التحول إلى
ملاحقة الآريوسيين في مملكة الفرنجة.
توفي كلوفيس في عام 099 بعد أن أسس دولة على ضفتي ال ا رين ضمت معظم أ ا رضي فرنسا
والمانيا، ووحد شعب الفرنجة تحت قيادته وربط بين دولته وكنيسة روما. سميت دولة كلوفيس وسلالته
بالميروفنجية.
إنقسمت مملكة الفرنجة بين الورثة، حسب التقليد الجرماني. إنقسمت إلى أربع ممالك. ولكن لوثار
إستطاع إعادة توحيدها في العام سنة 000 ، بعد حروب كثيرة. لقد رسم هذا النظام العقيم تاريخ غرب
أوربا في القرون التالية، حيث كان السيناريو نفسه يتكرر، تقسيم سلمي وتوحيد يكلف دماء كثيرة.
فإنقسمت المملكة بعد وفاة لوثار بين أبناءه الذين كانوا أربعة ايض اً. لقد تسببت الإنقسامات والحروب
631 ( وتبعه ملوك ضعاف، – في إضعاف الميروفنجيين، فكان آخر ملوكهم الأقوياء داجوبرت ) 621
حيث تنامت قوة النبلاء والإقطاعيين ورؤساء البلاط.
إستمرت أسرة الميروفنجيين لمدةٍ طويلة على الرغم من ضعف ملوكها الشديد. ويعزى ذلك إلى
العامل الديني والهالة القدسية التي أحاطت بها 129 . لقد إستمرت الدولة الميروفنجية من عام 009 إلى
عام 096 ، وكانت السيطرة الفعلية لرؤساء البلاط، الذين كانوا يديرون شؤون البلاد. لقد كان الكونت أو
رئيس البلاط كبير نبلاء الدولة.
تماماً كما حصل مع الدولة العباسية، التي إستمرت لحوالي أربع قرون برئاسة خلفاء ضعاف بينما
كانت السلطة الفعلية لسلاطين بني بويه تارةً، والسلاجقة تارةً أخرى.
تحول الجرمان خلال قرنين ونصف من شعب قبلي إلى شعب اكثر تحض ا رً. لقد نما النظام
الإقطاعي في عهدهم، وأصب الإقطاعيون يلعبون دو ا رً كبي ا رً في الحياة السياسية وفي الحروب وفي
تطور البلاد الإقتصادي، فأسسوا دولة على تقاليد رومانية وجرمانية، ولكن الأداء العام للدولة إعتمد إلى
حدٍ بعيد على الأداء الفردي للملوك.
شارل مارتل
كان شارل مارتل الإبن غير الشرعي لببين الأوسط Pippin The Middle ، دوق الفرنجة ورئيس
بلاط الميروفنجيين، في وقت كان ملوكهم فقدوا صلاحياتهم وقد ا رتهم على ممارسة أي سلطة، وقبل أن
يموت أ ا رد ان يورث منصبه لحفيده شارل من إبنه الشرعي المتوفي الذي كان في الثامنة مما جعل
النبلاء يعارضون ذلك، فلما مات ببين في العام 090 قامت زوجة أبيه بإيداعه في السجن لتجنب
129 العريني
85
الفتنة. ولكن الفتنة أُثيرت من قبل النيوستريين، وهم تجمع قبلي فرنجي، وليس من قبل منافسيهم
الأوست ا رسيين، الذين عينوا دوقاً من بينهم. الأمر الذي حدا بالأوست ا رسيين إلى دعم شارل، الذي تمكن
من الهرب من السجن، فنصبوه دوقاُ على مملكتهم. فإندلعت حرباً أهلية بين الفرنجة. دامت الحرب
الأهلية أربع سنوات، قاد فيها شارل الجيوش، وأبدى فيها ب ا رعة قيادية غير مسبوقة حيث إنتصر في
جميعها، ما عدا الأولى، فوحد البلاد ونصب الملك الذي يناسبه. ولم يأبه للألقاب قط طالما كانت كل
الصلاحيات في يده.
في السنوات التالية خاض شارل حروباً عديدة فإجتاح بافاريا وأليمانيا Alemannia وأخضعهما،
كما ألحق اله ا زئم بالساكسون.
في العام 038 كان شارل قد خلق وضعاً مستق ا رً تماماً ولم يعد بإمكانه تجاهل ما يجري إلى
الجنوب الغربي من بلاده. ففي إيبيريا تأسست ولاية اموية عاصمتها قرطبة بعد عبور جيش طارق بن
زياد للمضيق في العام 099 ، وبدأت جيوشهم بتوجيه هاجمت في الجانب الأوربي من الب ا رنس مهددين
دولة الفرنجة.
تابع شارل هذه الأحداث وأخذ يستعد لها. فبدأ ببناء جيش مدرب يعتمد على جنود محترفين
يتقاضون رواتب، وليجمع المال قام بمصادرة بعض أملاك الكنيسة، التي غضبت لدرجة كان من
الممكن أن يتم إعلان حرمانه، لولا وساطة أسقف مينز مع البابا 130 . ولكن ظهور جيش إسلامي بقيادة
عبدالرحمن الغافقي غير الموقف تمام اً.
بلاط الشهداء
بعد الإنتهاء من فت الاندلس واتخاذ قرطبة عاصمة للولاية الجديدة لم تستقر الأمور تمام اً. حيث
قام بعض الأم ا رء القوط بتأسيس كيان مقاوم للوجود الإسلامي في إيبيريا. وبالتالي فإن الاوضاع لم تكن
مستقرة.
في زمن الوالي السم بن مالك الخولاني، والي الأندلس، قام مسلمو الاندلس باجتياز جبال الب ا رنس
982 ه( واتخذوا مدينة اربونة الساحلية مق ا ر لهم ( ومهاجمة مقاطعة سبتيمانيا في العام 091
Narbonne ، مستفيدين من ميناءها في الإمدادات. الأمر الذي ساعدهم في الإستيلاء على عددٍ من
المدن في الإقليم التي يحكمه أم ا رء من القوط.
في العام 029 هاجم السم بجيشه دوقية أكيتانيا. وكانت هذه الدوقية الواقعة في جنوب غرب
فرنسا قد حافظت على استقلالها منذ الحرب الأهلية التي سبقت تولي شارل رئاسة البلاط. وكان
130 العريني.
86
يحكمها دوق إسمه أودو. حاصر الجيش الأندلسي مدينة تولوز، عاصمة الإقليم، ولكن أودو تمكن من
الهرب، ليعود بعد ثلاثة أشهر على أ رس جيش ليفاج به الجيش المحاصر للمدينة التي كانت على
وشك الإستسلام، فمزق الجيش وهزمه وأنقذ مدينته. وجرح السم في المعركة. ولا ي ا زل شارع يحمل
إسمه في تولوز " ريو دي ا زما "، على الرغم من أنه لم يدخلها 131 .
وفي العام 020 هاجم السم جيشاً بورجندياً في أعماق بلاد الغال. وفي عام 026 غزى عنبسة
بن سخيم الكلبي مدينة قرقسونة، فحاصر أهلها، فصالحوه على الجزية واطلاق أسرى المسلمين 132 .
شهدت الحدود فترة من الهدوء نتجت عن تحالف ومصاهرة تمت بين اودو، دوق اكيتانيا، وحاكم
الإقليم الأندلسي المتاخم له واسمه عثمان حيث زوجه ابنته، لمبيجية. فقد كان اودو يعي خطط شارل
لضم اكيتانيا لدولة الفرنجة. الأمر الذي يعني أن دوقيته مهددة من الشمال والجنوب على حدٍ سواء.
ولكن في العام 039 إعترض عثمان على خطط عبد الرحمن الغافقي، والي قرطبة الجديد، لغزو
بلاد الغال، بسبب وجود معاهدة بينه وبين دوق أكيتانيا. فقام عثمان بإبلاغ أودو بنوايا عبد الرحمن،
مما حدا بعبد الرحمن أن يرسل من يلقي القبض عليه، ولكنه قاوم وقُتل 133 .
وفعلاً قام عبد الرحمن الغافقي، بطلب من والي إفريقيا والأندلس عبيدة بن عبد الرحمن السلمي سنة
993 ه( ( 032 134 ، بقيادة جيش كبير من الخيالة والمشاة، وعبر بهم مم ا رت جبال الب ا رنس حيث
إجتاح مدن بوردو وهزم اودو في معارك عديدة، الذي ت ا رجع بجيشه يتبعه عبد الرحمن السلمي.
أرسل اودو يطلب المساعدة من شارل مارتل، الذي إشترط عليه الإنضمام إلى دولة الفرنجة
بالمقابل.
لقد ضيع عبد الرحمن فرصة تاريخية على ولاية الأندلس بخرق المعاهدة مع دوق أكيتانيا، فمن
ناحية تم فقدان حليف، ومن ناحية ثانية فقد فقد المسلمون مصداقية طالما أفادتهم في مناطق أخرى من
العالم. ثم أن إلغاء المعاهدة غير جائز شرعاً، لأن المسلمين " يجير عليهم أصغرهم".
إتجه الجيش الإسلامي الى مدينة تور بعد إجتياح العديد من المدن، الواقعة الى الجنوب من نهر
اللوار. عند ذلك تحرك شارل مع جيشه. إعتقد الفرنجة أن المسلمين يستهدفون كنيسة تور ذات
المكانة المرموقة. وقد وجه المؤرخون الغربيون الإتهام للجيش الإسلامي بنهب الكنائس والأديرة، وهو
ما لم يفعلوه عند فتحهم الشام ومصر والأندلس وغيرها.
131 حسب رواية للأمير شكيب أرسلان.
132 الكامل.
133 تاريخ غزوات العرب.
134 الكامل.
87
لقد كان شارل قائداً عسكرياً فذاً ومبدعاً ويملك الخبرة، وقد أشتهر عنه قدرته على فرض مكان
وزمان المعركة على خصمه. إختلف المؤرخون والمحللون في أمور كثيرة تتعلق بالمعركة، مثل حجم
الجيشين، وعلى ال رغم من إص ا رر المصادر الأوربية المعاصرة أن المسلمين فاقوا الفرنجة والأكيتانيين
والبرجنديين واللومبارد والقوى الأخرى التي جمعتها الكنيسة، فإن المنطق يؤكد التفوق العددي الأوربي،
بينما تفوق المسلمون نوعياً بالخيالة، فلم يكن الأوربيون يعرفون الركاب حتى ذلك الوقت مما إضطر
خيالة الفرنجة أن يترجلوا ويحاربوا كمشاة، لأنها أقل فاعلية بدون ركاب. لهذا إعتقد شارل أن المكان
النموذجي لمقابلة جيش عبد الرحمن هو سهل مشجر. وهذا كفيل بتحييد الفرسان. ولكن عبد الرحمن
الذي كان متجهاً إلى تور غير إتجاهه واتجه إلى بواتيه، حيث تقابل الجيشان بين المدينتين.
ولا يمكن الجزم بان شارل إستطاع ان يفرض مكان وزمان المعركة، على الرغم من كل ما يقوله
المؤرخون الأوربيون.
وهنا لا بد من ذكر عامل مهم، وهو المناخ. فقد وقعت المعركة في الخريف. وكان البرد
بالنسبة للعرب والبربر القادمين من اقاليم صح ا روية يشكل لهم مشكلة على الرغم من ملابسهم الصوفية،
على عكس الأوربيين المعتادين على هذا المناخ، على الرغم من ملابسهم الجلدية التي تغطي جزءاً من
أجسادهم.
إصطف جيش التحالف الفرنجي على شكل مربع في أرض منحدرة كثيرة الأشجار. تقابل الجيشان
ولم ينخرطا بإشتباك فعلي وشامل لمدة سبعة أيام. وهذا يدل على أن كل طرف هاب الآخر وتفاج
به. تفاج المسلمون بأعداد الفرنجة، الذين بدوا اكبر عدداً لإنتشارهم على منحدر، كما تفاجؤوا
بالإنضباط والتصميم. أما الفرنجة فقد تفاجئوا وانبهروا بالفرسان المسلمين وعدتهم وخفة حركتهم. كما
أن كل طرف ا ا رد الآخر ان يهاجمه في موقعه، لكي يستفيد من طبيعة الأرض التي يقف عليها وتناسبه
اكثر. لقد كانت لعبة إنتظار كسبها شارل في نهاية المطاف، حيث بدأ عبد الرحمن بالهجوم.
هاجم الخيالة المسلمون الكتلة البشرية المت ا رصة من المشاة الواقفة على المنحدر. حيث إستطاع
الفرنجة الصمود، رغم بعض الإخت ا رقات التي تسببت في سقوط خسائر من الطرفين. لقد أثبت الجنود
أن سنين التدريب لم تذهب هباء.
حسب المصادر الأوربية فإن المعركة إستمرت ليومٍ واحد، بينما تقول المصادر العربية أن القتال
إستمر ليومين، حيث سرت إشاعة في اليوم الثاني في أوساط المسلمين أن الفرنجة هاجموا معسكر
الجيش الإسلامي حيث توجد المؤن والممتلكات الخاصة للجنود والتي تتكون من الغنائم التي غنموها في
أعمالهم الحربية الموفقة منذ بداية الحملة. فهرع بعض الجنود المسلمون لإنقاذ غنائمهم. الأمر الذي
88
تسبب في إرباك صفوف الجيش، وأثناء محاولة عبد الرحمن لمنع إنهيار جبهته أحاط به جنود الفرنجة
وقتلوه. وقد حدث هذا مع نهاية النهار، فلم يتبع الفرنجة المسلمين عند إنسحابهم إلى معسكرهم.
وفي الصباح التالي، عندما لم يستأنف المسلمون القتال، ظن شارل أن المسلمين يخططون لأمرٍ
ما. ولكن سرعان ما وصله الخبر أن معكسر المسلمين خالي من الجنود، فقد إنسحب الجيش
الإسلامي تحت جن الظلام. حيث عاد إلى مدينة أربونة 135 .
إنهزم الجيش الذي قاده عبد الرحمن الغافقي، ولم يُهزم. فلم يحدث قتال حقيقي. إنهزموا من
الداخل، ويمكن أن نعزو ذلك حسب تقديرنا إلى أمرين :
الول : إستشهاد القائد وعدم الإتفاق على قائد يخلفه، وقد كان الإختلاف دارج بين مسلمي
الأندلس.
الثاني : الإكتفاء بالغنائم التي حاول العدو النيل منها. في تلك العصور كانت الغنائم بحد ذاتها
هدفاً للحروب لدى العرب والجرمان وغيرهم، ويعد الحصول عليها إنجا ا زً. يضاف إلى ذلك ما أجمع
عليه المؤرخون الأوربيون من أن جيش المسلمين تفاج بجيشٍ كبيرٍ مدربٍ ومنضبط، لم تحبطه قلة
عدته. لقد عاد الجيش محملاً بالغنائم 136 ، والمهزوم عاد ةً ينجو بجلده.
لقد إختلف المؤرخون الغربيون والعرب في حجم تغطيتهم للمعركة و التي سماها العرب بلاط
الشهداء، وسماها الغرب تور/ بواتييه، فقد كتب عنها جميع مؤرخي اوربا العصور الوسطى، بينما كان
ذكرها في كتب التاريخ العربية مختص ا رً، او حتى معدوم اً. فقد إعتبرها الاوربيون معركة فاصلة أنقذت
اوربا والمسيحية. والحقيقة أن إنتصار جيش عبد الرحمن في هذه المعركة ما كان ليضمن هيمنة
المسلمين المطلقة والدائمة على اوربا او حتى على جزء منها. فيمكن أن تتغير موازين القوى بعد جيل
او جيلين او اكثر. كما أن الفتوحات الإسلامية لم تستهدف قط القضاء على المسيحية، بل على
العكس، فهناك مذاهب مسيحية لم تكن لتصمد وتبقى في ظل دولة غير دولة الإسلام. هذا بالإضافة
الى أنه لم تتوقف محاولات غزو غالة بعد بلاط الشهداء، فقد قام واليا الأندلس، عبد الملك بن قطن
وعقبة بن الحجاج السلولي بقيادة جيشيهما الى ما و ا رء الب ا رنس بعد سنوات قليلة 137 . توقفت هجمات
المسلمين عبر الب ا رنس نتيجةً لتغير الأوضاع السياسية بسقوط الدولة الأموية، وانفصال الأندلس عن
الدولة العباسية، وليس نتيجةً لمقاومة الفرنج، ولكنها لم تتوقف تماماً، ففي عامي 916 و 239 كانت
135 غزوات العرب.
136 الكامل.
137 التاريخ الأندلسي، د عبدالرحمن الحجي.
89
هناك حملتان إلى ما و ا رء البرت 138 )الب ا رنس(، وكان غيرها، ولكنها أصبحت حملات تهدف إلى الردع
بالدرجة الأولى.
الكارولنجيين
إنتهت دولة الميروفنجيين، بعد أن إكتسب شارل الشهرة والمجد و لُقب مارتل )المطرقة( بإنتصاره في
بلاط الشهداء وغيرها، ولم يحرز الملك الميروفنجي الضعيف من ذلك المجد شيئاً، فأصب شارل الزعيم
غير المنازع لغرب أوربا، تمثل ذلك بإلتفاف النبلاء حوله ودعم الكنيسة له واحت ا رم الأوربيين إياه عبر
التاريخ.
وعندما مات شارل مارتل، الذي لم يعلن نفسه ملك اً، تولى إبنيه الحكم وهما كارلومان وببين
)القصير(، ولكن سرعان ما لجأ الأول إلى أحد الأديرة معتزلاً السياسة والدنيا كلها، وانفرد ببين في
الحكم لوحدة لعدة سنوات ثم أعلن نفسه ملكاً، بعد أن عزل آخر ملوك الميروفنجيين شلدريك الثالث 139 .
وقد حدث هذا سنة 009 بموافقة البابا ومباركته. وكان شارل مارتل قد إنتزع بعض أملاك الكنيسة
ووزعها على النبلاء لكسب تأييدهم لحروبه، ومن بينها حروبه مع العرب. ومع هذا إستمرت الكنيسة
في دعمه وتأييده. كما قام ببين بالإعت ا رف بملكية البابا لبعض المدن والأقاليم التابعة لها، فيما عرف
بمنحة ببين.
لقد ظهرت دولة الكارلنجيين بنفس الوقت الذي ظهرت فيه دولة العباسيين.
)918- شارلمان ) 769
ملك الفرنجة الذي عاصر هارون الرشيد وتبادل معه الرسائل والهدايا وحارب عرب الأندلس وكانوا
يسمونه قارلة. ترك شارلمان، أي شارل الكبير، أث ا رً كبي ا رً على التاريخ الأوربي وعلى النهضة الأوربية.
ويعتبره كثيرون " أب أوربا "، فهو مؤسس كل من فرنسا وألمانيا، وأول حاكم لأوربا الغربية بعد إنهيار
الإمب ا رطورية الرومانية.
تولى شارلمان الملك بعد وفاة والده ببين القصير، وسار على خطاه، فأصب حامي الكنيسة والمدافع
عنها.
بدأ شارلمان عهده بمعالجة آثار تقسيم المملكة، حيث قُسمت بينه وبين أخيه كارلومان، فنج بقمع
ثورة في أكيتانيا، ومات أخوه قبل أن يقع الصدام الحتمي بينهما.
138 التاريخ الاندلسي.
139 العريني
90
وفي عهده طلب البابا مساعدة الفرنجة ضد اللومبارديين، الذين إستولوا على عددٍ من المدن التي
تعود في ملكيتها للدولة البابوية، فقام شارلمان بقيادة جيشه بنفسه، ؛حيث إتجه إلى شمال إيطاليا فقطع
جبال الألب فت ا رجع اللومبارد إلى بافيا، التي قام شارلمان بمحاصرتها. طلب اللومبارد مساعدة
البيزنطيين الذين كانوا في زمن قنسطنطين الخامس مشغولين في حرب البلغار في البلقان. وأثناء
الحصار قام شارلمان بزيارة البابا في روما، حيث أكد منحة أبيه للبابوية. إستسلم اللومبارد، وقام
شارلمان بتتويج نفسه " ملك اللومبارد ".
إشتبكت دولة الفرنجة بحرب طويلة مع الساكسون في عهد شارلمان، دامت ثلاثين سنة خاض فيها
الطرفان ثمانية عشر حرب اً. إنهزم الساكسون أمام شارلمان الذي شرع بتنصيرهم مستخدماً القوة حيثما
يلزم. وتذكر بعض المصادر أن شارلمان أمر بقطع رؤوس 0088 شخص بسبب إرتدادهم إلى ديانتهم
الوثنية بعد تعميدهم، الأمر الذي أشعل ثورة الساكسون من جديد.
إشتبك شارلمان، كذلك، مع الدولة الأموية في الأندلس المؤسسة حديث اً. فقام بقيادة عدة جيوش من
اللومبارديين والبرجنديون بالإضافة إلى الفرنجة. تجمعت الجيوش خارج أسوار سرقسطة حيث إنضم
إليه أمي ا رن عربيان ثائ ا رن على الحكم الأموي وهما سليمان بن العربي وقاسم بن يوسف، كما إنضم إليه
عدد من الأم ا رء الإسبان المعارضين للحكم العربي في إيبيريا. ولكنه لم يستطع إقتحام المدينة، وأدرك
أنه يقابل عدواً صعباً، كما لم يثق كثي ا رً بحلفاءه من المسلمين والإسبان، فإنسحب تجنباً لهزيمة مؤكدة.
وفي أثناء عودته هاجم الباسك مؤخرة جيشه عند أحد المم ا رت الجبلية. وكان قد أخضع إحدى
مدنهم وهي بامبلونا، وهدم سورها عند إنسحابه منها، كما مارس جيشه أعمال نهب في مناطق الباسك،
الذين لم يُعادوا الحكم العربي، بل كانوا ثائرين على القوط عندما ظهر العرب في جنوب إسبانيا. إشتبك
الجيشان وكانت خسارة الفرنجة كبيرة، حيث قتل عدد من قادة الجيش، ومن بينهم رولاند، إبن أخت
شارلمان، الذي نُسجت عنه " أغنية رولاند "، التي ظلت أصداءها تتردد في أوربا والشرق إلى ما بعد
الحروب الصليبية.
لم تكن هذه كل نشاطات شارلمان العسكرية، فقد جرد حملة ضد الآفار إنتهت بهزيمتهم وتعميدهم،
ولكن هذا لم يضمن بقائهم، فخلال سنوات قليلة قام البلغار بمهاجمة دولتهم وانهاء وجودها إلى الأبد.
كما وقعت حروب كثيرة في عهده قادها أبناءه الثلاثة الذين قرر أن يورثهم دولته. وهم شارلز الذي
تسلم مملكة نوستريا وببين )الذي كان إسمه كارلومان فسماه بهذا الإسم، بعد أن حرم إبنه المسمى ببين
من المي ا رث لإشت ا ركه بثورةٍ ضده( الذي تسلم إيطاليا، ولويس الذي أصب ملك أكيتانيا، المحاذية
للأندلس. إنشغل شارلز بحرب البريتون، الذين يقطنون في بريتاني، كما شارك في عددٍ من الجولات مع
الساكسون. وفي العام 080 هاجم السلاف في بوهيميا وأخضعهم وفرض عليهم الجزية. أما ببين فقد
91
واجه الآفار والسلاف المجاورين له. بينما إنشغل لويس في حرب المسلمين في الأندلس وحقق نجاحات
مهمة، فقد دخل برشلونا في العام 010 ولكنه فقدها بعد سنتين ثم عاد اوستولى عليها في العام 089 م،
بعد أن بقيت تسعين سنة في أيدي المسلمين 140 ، كما إستطاعوا أن يستولوا على مدنٍ وأ ا رضي واسعة
إلى الجنوب من برشلونة بحيث أصبحوا يهددون فالنسيا، مما إضطر الأمير الأموي الحكم أن يعترف
بملكية هذه الأ ا رضي للفرنجة. لقد حقق لويس، الملقب بالتقي، ما لم يحققه أبوه. فأصبحت برشلونة
مقاطعة فرنجية يحتفظون فيها بحامية دائمة. وقد سبق الحملة مقدمات شجعت الكارولنجيين على القيام
بها، فقد لجأ إليهم عم الأمير الحكم بن عبد الرحمن، الذي إختلف مع إبن أخيه، طالباً المساعدة، كما
لجأ إليهم وفد من طرف مملكة أشتوريا الإسبانية يحرضهم على قتال المسلمين، الأمر الذي شجعهم
على إتخاذ ق ا رر الحرب 141 .
لم يقتصر ص ا رع الفرنجة مع المسلمين، في زمن شارلمان، على "التخوم الإسبانية"، كما سموها،
ولكن كان أيضاً حروب ومناوشات في جزر المتوسط وجنوب إيطاليا. كما لم تكن العلاقة مع
المسلمين عدائية، ولكن ربطت شارلمان علاقة بالخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث ت ا رسلا وتبادلا
الهدايا 142 .
قام البابا ليو الثالث بتتويج شارلمان كإمب ا رطور يوم عيد الميلاد عام 088 في روما، حيث كان
شارلمان قد هرع لمساعدة البابا، الذي أسيئت معاملته من قبل أهالي روما بناءاً على نصيحة ألكوين
Alcuin رجل الكنيسة الإنكليزي الذي كان ضمن مستشاريه.
تزوج شارلمان من خمس زوجات وكان لديه خمس جواري، وقد كان له الكثير من البنات والأبناء
الشرعيين وغير الشرعيين.
على الرغم من أن شارلمان كان أُمياً )أو شبه أمي( فقد أمضى عمره يحاول تعلم الق ا رءة والكتابة،
والأهم من ذلك أنه أمر أن تتضمن كل كنيسة مدرسة، كما شجع العلوم والفنون، ويعتبر عهده عهداً
نهضوياً لو أنه إستمر بعد وفاته.
توفي شارلمان في العام كانون أول سنة 090 بعد أن أصبحت مملكته تضم معظم غرب أوربا،
فورثه إبنه الشرعي الوحيد الذي كان حياً لويس التقي الذي توجه في صيف العام 093 . أمضى
شارلمان شهوره الأخيرة في الصيد. خاض شارلمان في حياته الطويلة اربعاً وخمسين حملة عسكرية
ضد أقوام كثر، من بينها خمس حملات ضد الاندلس وخمسة ضد المسلمين في ايطاليا 143 .
140 تاريخ غزوات العرب في..،
141 تاريخ غزوات العرب في...
142 تفاصيل أكثر في الفصل الخاص بالدولة العباسية.
143 العريني.
92
نهاية الدولة الكارولنجية
لم تنقسم الدولة الكارولنجية بعد وفاة شارلمان كالعادة، ولكنها تقسمت بعد وفاة إبنه لويس في العام
008 . تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام ؛ القسم الأوسط تحت حكم لوثير الأول، والقسم الشرقي تحت حكم
لويس الألماني، أما الثالث فهو القسم الغربي فكان تحت حكم شارل الأصلع.
وفي العام 000 تمكن شارلز السمين من توحيد دولة الفرنجة من جديد ما عدا برجنديا. وفي العام
000 ثار عليه إبن أخيه أرنولف وانشق بالقسم الشرقي من الدولة حيث أسس دولة الفرنجة الشرقيين.
في العام التالي مات شارلز. وعلى إثر ذلك تم إختيار كونت باريس ملكاً على الجزء الغربي، وبعد
عشر سنوات عاد الحكم للبيت الكارولنجي حيث إستمر لغاية العام 100 م، وانتهى بموت الملك لويس
الخامس.
دول أوربا الحديثة
إنجلترة
لقد عُرف سكان بريطانيا القدماء بإسم البريتون، وذلك قبل وصول الهج ا رت العديدة إليها. وقد
أثبتت الحفريات ان جنوب إنجلترة كانت مأهولة بتجمعات سكانية منذ عهدٍ قديم. وقد كتب بعض
الرحالة الرومان عن البريتون أنهم يشتركون مع جي ا رنهم من سكان بلاد الغال بقواسم لغوية وخلقية.
وكانت إولى الهج ا رت المعروفة إلى الجزر البريطانية هجرة الكلت الذين هاجروا من أعماق آسيا
واجتاحوا أوربا من شرقها إلى غربها، فوصلوا الجزر البريطانية واستوطن وها بكثافة.
ثم دخل العنصر الروماني مع الإحتلال الروماني في القرن الأول قبل الميلاد في زمن يوليوس
قيصر، حيث أصبحت معظم أ ا رضي الجزر البريطانية ولاية رومانية، حيث لم تقع سكوتلندة تحت حكم
الرومان.
لقد عُرفت بريطانيا من قبل الرومان كمصدر للقصدير منذ الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث كانت
العلاقات التجارية قائمة مع شعوب القارة.
إضطرت القوات الرومانية للإنسحاب من بريطانيا في العام 098 م من أجل الإشت ا رك في الدفاع عن
الإمب ا رطورية.
لقد فت الف ا رغ الناجم عن الإنسحاب الروماني الباب على مص ا رعيه للهج ا رت الحرمانية. ف وصلت
موجات من الهج ا رت من الجوت والفريزيين والساكسون والأنجلز. فإستقروا بمناطق مختلفة من الساحل
93
الشرقي أولاً ثم تقدموا إلى الداخل. وقد حدث ذلك في منتصف القرن الخامس، وتكرر في منتصف
القرن السادس.
خارطة إنجلترة ضمن بريطانيا
وقد حدثت هذه الهج ا رت على شكل مجموعات مسلحة تعمل تحت قيادة منظمة. كان الإعتقاد
السائد أن المهاجرين طردوا السكان الأصليين من أمامهم، ولكن باحثين أثبتوا أن المهاجرين الجرمان
عاشوا جنباً إلى جنب مع السكان الأصليين من الكلت والبريتون والرومان. وقد أدى هذا التعايش إلى
الإنصهار التدريجي لهذه الشعوب في شعبٍ واحد، ولم يحدث ذلك بدون دماء وبدون مقاومة من طرف
السكان الأصليين. فقد تلقى السكسون وحلفائهم ه ا زئم أوقفت زحفهم بإتجاه الغرب لوقتٍ طويل، وقد
حدث ذلك على يدي الويلزيين. ولكن لم يدم هذا طويلاً، فقد كان للسكسون صولاتهم.
لقد نجم عن الهج ا رت والحروب هجرة معاكسة، فقد هاجر كثيرٌ من البريتون إلى البر الأوربي، حيث
أسسوا لأنفسهم وطناً جديداً أعطوه إسمهم إلى يومنا هذا، وهو بريتاني.
وكان المهاجرون قد أسسوا عدة ممالك لهم في أج ا زء مختلفة من إنجلترة، وقد أستمرت هذه التجزئة
لغاية العام 021 حيث إستطاع الملك السكسوني إينرد أن يوحد إنجلترة بكاملها تحت حكمه بقوة
السلاح.
94
في العام 9866 غ ا ز النورمان، وهم شعب جرماني آخر، بريطانيا بقيادة ملكهم وليم الأول، الذي
أصب يُعرف بإسم وليم الفات . فأصبحت جميع إنجلترة السكسونية تحت حكم النورمان، هذا بالإضافة
إلى إحتفاظهم بنورماندي.
وقد كان النورمان، منذ إستيطانهم في نورماندي، قد إندمجوا في المجتمع الفرنسي وتأثروا فيه.
وبالتالي فقد أعطوا إنجلترة، بإحتلالها، طبقة حاكمة فرنسية ا رقية أخرجتها من عزلتها وأدخلتها مرحلة
جديدة من تاريخها 144 ، فقد إستطاع النورمان دمج شعوب إنجلترة ليصبحوا شعباً واحداً، سموه الشعب
الأنجلو سكسوني، وسرعان ما أخذ النورمان يسمون أنفسهم إنكليز.
عمل هنري الأول على إ ا زلة الفوارق بين شعوب إنجلترة المختلفين واج ا رء إصلاحات مختلفة. وقد
إستطاع أن يقوي الحكومة المركزية على حساب البارونات، فقد كان إدارياً ممتا ا زً وحاكماً قوي اً 145 .
9900 ( ملكاً ضعيفاً، فقد حدث إختلالاً في مي ا زن القوى لصال – ولكن كان ستيفان ) 9930
البارونات على حساب الملكية، كما حدثت غا ا رت ويلزية وسكوتلندية إضطرت ستيفان لتقديم تنازلات
إقليمية.
9901 ( إبن ستيفان، فقد مات وريثه قبل وفاته بسنة، ولكنه كان إبن – لم يكن هنري الثاني ) 9900
الإمب ا رطورة ماتيلدا إبنة عم ستيفان. وقد أبدى حنكة سياسية ونج في التقارب مع البارونات ولكنه
فشل مع رجال الكنيسة.
9911 ( وهو ريتشارد قلب الأسد، الذي شارك في الحملة – ثم حكم ريتشارد الأول ) 9901
الصليبية الثالثة، وخاض معارك في شوارع يافا وعرفته فلسطين وبلاد الشام، كملك، أكثر مما عرفته
إنجلت ا ر، فلم يمضي في بلاده التي كان يحكمها أكثر من ستة أشهر. فقد كان مشغولاً، أيضاً، بالدفاع
عن ممتلكاته الفرنسية الواسعة، التي خسر معظمها أخوه جون، فقد خسر نورماندي واقاليم فرنسية أُخرى
9291 ( تم التوقيع على الماجنا كارتا )الميثاق – كانت تابعة لإنجلترة. وفي زمن جون ) 9911
الأعظم( في العام 9290 تحت ضغط البارونات. فقد وقع جون هذه الوثيقة التي لعبت دو ا رً هاماً في
التاريخ الإنجليزي 146 ، حيث حددت بلغة قانونية واضحة حقوق الملك على رعاياه وأملاكهم. وكانت
إنجلت رة، شأنها شأن سائر البلاد الأوربية، تتكون من إقطاعيات يملكها إقطاعيون، قد يكون بعضهم أكبر
ثروة من الملك نفسه. وكانت الثروة تقاس بمقدار ملكية الأرض. وكان الملك يتوقع من إقطاعيه
)البارونات أو الكونتات أو الإيرلات( الدعم المادي )على شكل ض ا رئب( والمساهمة في تشكيل الجيوش
من خلال إرسال الفرسان عند الحاجة. وكان الملوك يوظفون م ا رقبين للحصول على الض ا رئب، وكانوا
عاشور 144
عاشور 145
موريس كين 146
95
يسمون في إنجلترة شريف Sherif ، وكانوا يتسببون في كثيرٍ من المشاكل مع الإقطاعيين. وكان
الإقطاعيون يتذمرون من الض ا رئب المرهقة التي تفرض عليهم وخصوصاً في زمن الحروب، وخاصةً إذا
كانت هذه الحروب لا تعنيهم. لم يحترم جون الميثاق، فتمرد عليه البارونات فشكاهم للبابا الذي حكم
عليهم بالحرمان، وقد إستمر جون بمحاربتهم حتى توفي نتيجةً للإف ا رط في الطعام والش ا رب 147 .
9202 ( في التاسعة من عمره عندما إستلم الحكم. وفي زمن حكمه – وكان هنري الثالث ) 9291
فرض البارونات )الذين إحتاج هنري موافقتهم لإق ا رر مي ا زنية إحتاجها لمغامرة عسكرية في خارج البلاد(
المزيد من الإصلاحات على النظام الملكي في إنجلترة، من ضمنها تحديد مستشاري الملك بأشخاص
معروفين ومُ وافق عليهم من قبلهم، حيث شكلوا مجلس اً من إثني عشر رجلاً منهم، وفرضوا على الملك
أن يجتمع ومسنشاريه مع هذا المجلس ثلاث م ا رت سنوياً على الأقل 148 .
9380 ( الحكم ناضجاً، فقد كان في السابعة والعشرين، وقد وعى – إستلم إدورد الأول ) 9202
المصاعب التي واجهها أبوه، فأدرك أهمية دعم المجتمع لسياساته 149 ، فسن الكثير من القوانين
الإصلاحية، كما قام بعقد برلمان سنة 9210 ويتألف من نبلاء وأساقفة ورؤساء أديرة وفرسان وممثلين
عن المدن 150 . وقام إدورد بفت ويلز وضمها إلى مملكته، وقد أطلق على ولي عهده لقب أمير ويلز،
اللقب الذي إستمر إلى يومنا هذا. كما حاول ضم سكوتلاندة، ولكنه أخفق في ذلك، إذ إستغل ازمة
ناجمة عن عدم وجود وريث للعرش السكوتلندي، فقام بالتدخل والمساعدة في إختيار ملك، فقام هذا
الملك نفسه بمعارضة محاولات ادورد لفرض نفوذ وسيادة إنجلترة على بلاده، فقد حاول إدورد أن يعطي
المحاكم الإنجليزية حق الإستئناف على المحاكم السكوتلندية. رفض ذلك السكوتلنديون وملكهم فتحالفوا
مع فرنسا، فقام إدورد بغزو سكوتلندة واحتلها وقبض على ملكها وأقام حكومة موالية له 151 . فثار
السكوتلنديون فأخمد إدورد ثورتهم، وثاروا ثانيةً فمات وهو يستعد لمواجهتهم. وترك ذلك لإبنه إدورد
9320 ( الذي كان مولعاً بالملذات ومصاحبة الندماء، الأمر الذي تفاقم لدرجة إحتج – الثاني ) 9380
معها البرلمان فقام بالقبض على كبير ندماءه واعدامه. فتصال مع البارونات وانطلق إلى سكوتلندة
لإخماد ثورتها، ولكنه مني بهزيمة، حيث إستردت سكوتلندة إستقلالها. عاد إدورد الثاني إلى حياته
الماجنة مما حدا بالبرلمان إلى القبض عليه واعدامه س ا رً وتولية إبنه، الذي حمل إسم إدورد الثالث
9300-9320 (. وقد كان فارساً قيادياً يختلف عن أبيه، وقد بدأت في عهده حرب المائة عام، كما (
عاشور. 147
موريس كين 148
موريس كين 149
عاشور 150
عاشور 151
96
إنتشر في عهده الطاعون المسمى الموت الأسود في أوربا ووصل إلى إنجلترة في العام 9301 وقد
قضى على ثلث السكان وترك آثا ا رً إجتماعية واقتصادية وثقافية عميقة لم تنسى لأجيال.
حرب المائة عام
ظل العداء قائماً بين إنجلترة وفرنسا منذ سيطرة النورمان على إنجلترة، فقد كان للنورمان هوية
مزدوجة، فهم ملوك في إنجلترة ودوقات في فرنسا. فهم أكفاء لملوك فرنسا كملوك، وتابعين لهم
كدوقات. وبينما يعملون على تعزيز الملكية في إنجلترة، يسعون بإستم ا رر على إضعافها في فرنسا
لصال الدوقات. وهذا ما جعلهم معارضين دائمين للملكية الفرنسية، ولذلك أخذ ملوك فرنسا يسعون
الى طرد النورمان من ممتلكاتهم في نورمندي وانجو ومين وتورين وبواتو وجوين وجاسكوني وكويرسي
وبريجورد حتى يتمكنوا من مد حدود فرنسا الطبيعية الى المحيط.
وقد إستمر الص ا رع طويلاً ولكن متقطعاً، بحيث كان يتخلله هدنات ومعاهدات سلام. وقد أطلق
المؤرخون إسم حرب المائة عام على المرحلة الأخيرة من الص ا رع الممتدة من سنة 9330 إلى سنة
.9003
ومع تقدم الص ا رع ظهر هناك أسباب أخرى لتعميق الص ا رع، مثل الصدامات التي كانت تقع بين
البحريتين الصاعدتين. وكذلك تناقض مصال الدولتين في قارة اوربا. وخاصة في الفلاندرز، التي
كانت تتبع لفرنسا وكانت تربطها بإنجلترة علاقات تجارية قديمة قائمة على تصدير الصوف الخام
الإنجليزي، الذي كان يصنع في الفلاندرز ويصدر إلى أقاليم عديدة بينها مصر والشام. فعندما قامت
فيها ثورة دعمت إنجلترة طرفاً بينما دعمت فرنسا طرفاً آخر. الأمر الذي أجج الص ا رع بين الدولتين.
كما غذت أزمة و ا رثة فرنسية الص ا رع عندما إدعى ملك إنجلترة أن له حق بعرش فرنسا بناءاً على ق ا ربة
من جهة أمه وطالب به. وعلى الرغم من النصر كان غالباً ما كان حليف الإنجليز، إلا انهم إضطروا
إلى إخلاء ممتلكاتهم في البر الفرنسي في العام 9003 152 .
كانت إنجلترة دولة غنية مكتفية ذاتياً بالمنتجات الز ا رعية ومن بينها الحبوب وبالمنتجات الحيوانية
من لحوم وأجبان وأصواف. وقد كانت تصدر الأصواف إلى بلاد الفلاندرز لغزلها، ولكن مع إنتشار
الأوبئة واختلال الأوضاع الإقتصادية كافة لم يعد الإستم ا رر بالتصدير ممكناً، مما حدا بالغ ا زلين
الفلاندرز القدوم إلى إنجلترة لغزل الأصواف بالقرب من مصدرها، وهكذا بدأت صناعة الصوف
الإنكليزي الشهير الذي إستمرت شهرته لقرون عديدة.
152 عاشور
97
كما نجم عن الوضع الصعب ال ا رهن تقليد جديد وهو م ا رجعة الحسابات الملكية، حيث تمكن
البرلمان من إدانة إثنين من كبار موظفي البلاط. وهذا أدى إلى الحد التدريجي لسلطة التاج الإنجليزي.
وفي الفترة التي كان يتم مأسسة الحكم في إنجلترة وت ا زيد سلطة البرلمان، كان الملك في فرنسا يزداد في
صلاحياته وتفرده بالحكم 153 .
وقد نجم عن سياسات الملوك التاليين إتساع الفجوة بين الملكية والإقطاع، حيث نشبت حرب أهلية
سُميت "حرب الورود"، الوردة الحم ا رء والوردة البيضاء، اللتان كانتا شعاري العائلتين المتصارعتين. ولم
تكن هذه الحرب حرباً طاحنة، فقد كانت متقطعة واستمرت لعقود ونتج عنها فقدان سلالة يورك للحكم
وصعود سلالة أخرى، وهي عائلة تيودور من لانكستر، بتولي هنري تيودور الحكم تحت إسم هنري
السابع، وذلك سنة 9000 . في عهد هنري السابع تحول البرلمان إلى ركن مستقر وقوي من أركان
الحكم. لقد كان هذا زمان يحمل في رحمه وليم شكسبير وف ا رنسيس بيكون.
لقد تطورت إنجلترة في هذه الفترة من دولة معزولة، بواقعها الجغ ا رفي والسياسي، إلى دولة آخذة
بالتقدم وتولي دو ا رً قيادياً على الصعيد القاري الأوربي. لقد جرت الكثير من الإصلاحات، وتم توزيع
أ ا رضي، وتحديد الأجور واستصلاح أ ا رضي بطريقةٍ منظمة. لقد إستفادت من الطاعون بأن حسنت
إقتصادها واستفادت من حرب المائة عام بأن أوجدت نظام محاسبة لم يكن موجوداً عند أحد. كان
الخلفاء يعتبرون أموال الدولة أموالاً لشخوصهم، وعندما قال معاوية مخاطباً وفداً من بني هاشم أنه
يعطيهم ويجزل في عطائهم ولا يشكرون، أجابه إبن عباس أنه إنما يعطيهم من مال الدولة، ولم تتطور
إجابة إبن عباس إلى صيحة تدعو إلى الفصل بين مال الدولة ومال الخليفة الخاص. وعندما إنشغل
إد ورد الثاني بمتعه، تماما مثلما فعل الوليد بن يزيد، تم عزله بطريقةٍ مؤسسية وقتله.
فرنسا
ظهرت فرنسا، ككيان سياسي منفصل، بعد إنفصال الجناح الشرقي من دولة الفرنجة. وكذلك
ظهرت إلى الوجود السياسي كذلك المانيا. والفرق بين المانيا وفرنسا، هو أن فرنسا كانت قبل نشوء
دولة الفرنجة ولاية رومانية، مقسمة إلى تقسيمات إدارية تم الحفاظ عليها في زمن الفرنجة. وهناك بعد
آخر يخص الكارولنجيين بشكل خاص، وهو أن ممتلكات هذه الأسرة الخاصة، والتي تزودها بالثروة،
تقع في حوض الرون، فكانت من نصيب الجناح الشرقي. فنجم عن الإنشقاق فرعاً من الأسرة لا يملك
أهم مقومات الحكم في ذلك الزمن، فعجل هذا بزوال حكم البيت الكارولنجي.
موريس كين. 153
98
في هذه الأثناء لمع نجم كونت باريس، حيث لعب دو ا رً كبي ا رً في صد هجوم من قبل الفايكنج على
باريس. فتم إختياره ملكاً بعد وفاة الملك شارل السمين. ولكن لم يستقر الوضع للبيت الباريسي، فقد
كان رصيد البيت الكارولنجي لا ي ا زل يشكل ثقلاً سياسياً كافياً ليعيد إليهم السلطة في خضم ص ا رع
إستمر لأكثر من قرن، حكم فيها من البيت الكارولنجي شارل البسيط، فثار عليه روبرت من البيت
الباريسي حيث تم تتويجه ملكاً، فخلف شارل ابنه لويس ال ا ربع وخلف روبرت ابنه هيو العظيم. وخلف
لويس ال ا ربع ابنه لوثر ثم لويس الخامس، بينما ورث هيو العظيم ابنه هيو كابيه.
إنتهى الص ا رع بالإجماع على هيو كابيه، بعد وفاة لويس الخامس بدون وريث، وذلك في العام
100 154 .
حكم هيو كابيه، الذي أعطى الأسرة إسمها، لغاية العام 116 ، وقد أدخل تعديلاً مهماً على نظام
توريث الحكم بأن توج إبنه في حياته، الأمر الذي ساهم في خلق وضع مستقر في القرنين التاليين.
9868 (، ثم إبن حفيده فيليب الأول – 9839 (، ثم حفيده هنري الأول ) 9839 – فحكم روبرت الثاني ) 116
لغاية عام 9980 ، دون إنقسامات وحروب. ولكنهم إستطاع وا تعزيز حكم أسرتهم وتنظيم العلاقة مع
الإقطاع، خاصةً وأن بيت كابيه كان بيتاً إقطاعياً، فقد إستطاع ملوك فرنسا الجدد أن يوسعوا ممتلكاتهم
كإقطاعيين في هذه المرحلة. فحصلوا على أملاك من كونت بورج، الذي إحتاج المال للمشاركة في
الحملة الصليبية الأولى 155 . كما حصل على ممتلكات من كونت أنجو كجزء من صفقة سياسية. كما
تكرس في هذه الفترة الإنقسام بين فرنسا والمانيا، مما يعني تكريس الهوية الإقليمية لفرنسا. وقد ساعد
قيام الحروب الصليبية على فرض هدوءاً نسبي اً في فرنسا وغيرها من دول غرب أوربا.
9930 ( إلى الحكم بعد فترةٍ من الضعف في الإدارة المركزية في – جاء لويس السادس ) 9980
فرنسا، بل والضعف في إدارة إقطاعية آل كابيه الخاصة، والمسماه جزيرة فرنسا، والتي تشكل قلب
المملكة. فكان لويس السادس أقوى من سابقيه واستطاع استعادة زمام الأمور وفرض السيطرة التامة
على جزيرة فرنسا. ولكن الوضع مع بقية الكونتات لم تتحسن كثي ا رً، فقد حافظ هؤلاء على إستقلالية
عالية، ولم يلتزموا بدفع ما يترتب عليهم من ض ا رئب 156 .
كما خدمت الظروف لويس السادس حين أوصى دوق أكيتانيا بتزويج إبنته ووريثته اليانور لإبن
لويس، مما نجم عنه ضم مقاطعة كبيرة وغنية عند تنفيذ الوصية.
تفاقم في زمن لويس الخلاف الفرنسي الإنجليزي، فمنذ سيطرة النورمان على إنجلترة، بدأت مرحلة
جديدة من العلاقات بين الدولتين، فالبيت الحاكم النورماني كانوا دوقات نورماندي، التي تعتبر مقاطعة
154 عاشور.
155 عاشور.
156 عاشور.
99
فرنسية. فوقعت حروب حدودية بينهم، جُرح في إحداها وليم الفات عندما حاصر باريس في زمن
فيليب الأول. ثم لجأ ملوك إنجلترة إلى عقد تحالفات مع دوقات فرنسيين كانوا مستائين ومتخوفين من
سياسة لويس السادس الهادفة الى تقوية الملكية في فرنسا على حسابهم. فخاض الطرفان معارك عديدة
خسر قسماًمنها لويس إلا أنه بقي ثابتاً 157 . وفي هذه الأثناء بدأت تظهر مدن قوية في شمال فرنسا،
والمجتمع المدني نقيض للإقطاعية، فشجع لويس هذه المدن.
9908 ( مسيرة أبيه في تدعيم الملكية بنفس الهمة والنشاط. وقد حقق – تابع لويس السابع ) 9930
الكثير من المنج ا زت في فترة حكمه الطويلة، مستفيداً من ضمه لأكيتانيا بال زواج، فقمع ثورة كونت
شامبني، التي نجمت عن ن ا زع لويس السابع مع البابا انوسنت الثاني، حيث لجأ غلى حرق كنيسة لجأ
إليها الف من الرجال والنساء والاطفال. وقد كان لويس رجل تقي، فلجأ للمشاركة في الحملة الصليبية
الثانية مصطحباً زوجته ليكفر عن ذنوبه 158 .
لقد شكلت مسألة المصاهرة والو ا رثة عنص ا رً هاماً في مجريات السياسة في القرون الوسطى. فقد كان
ملك إنجلترة هنري الأول قد زوج إبنته من كونت انجو، وهو اقليم فرنسي، وأنجبا هنري الأنجوي Henri of Anjou ، الذي تزوج طليقة لويس السابع اليانور وريثة اكيتانيا، بعدما طلقها لعدم الإنجاب. وقد
إعتلى هنري عرش إنجلترة تحت اسم هنري الثاني، فأصبحت ممتلكاته خارج انجلترة تمتد من المانش
حتى الب ا رنس. اي في داخل فرنسا. مما جعل الصدام حتمي بين الملكين. ولكن لويس استطاع تنظيم
تحالفات داخل فرنسا وخارجها بشكل افضل مما ساعده على انقاذ عرشه من الملكية الإنجليزية، وقد
ساعد لويس ما اقبل عليه هنري من حماقة بقتل كبير اساقفة كانتربري، الامر الذي جعل الدوقات
والام ا رء يصفون مع لويس ضده.
9223 ( ليعزز مكانة الملكية ويقويها من خلال اصلاحات – وجاء حكم فيليب اوغسطس ) 9908
وسياسات تجاه الإقطاعيين والام ا رء، كما عمل على استرضاء هنري ملك انجلترة، الذي خلفه إبنه
ريتشارد الأول.
فإشترك كل من فيليب وريتشارد وفريدريك برباروسا في الحملة الصليبية الثالثة.
المانيا
إنفصل الجزء الشرقي للإمب ا رطورية الكارولنجية سنة 000 ، فظهرت المانيا ككيان سياسي. وكان
011 (. إمتازت فترة حكم أرنولف بالحيوية والقوة. وقد إستطاع قهر – اول ملوكها أرنولف ) 000
157 عاشور.
158 عاشور.
100
الفايكنج بحيث لم يعودوا يشكلون خط ا رً على دولته. فقد أخذ الفايكنج الدانيون يتدفقون على اقليم
است ا رسيا باعداد كبيرة، وعندما بلغه ذلك جاء على أ رس جيش حيث طاردهم واوقع بهم هزيمة تلقنوا منها
درساً قاسياً بحيث خف خطرهم الى حدٍ بعيد.
وقد إستنجد بأرنولف بيرنجر وهو مرش لحكم ايطاليا ومدعوم من قبل اللومبارد ضد مرش آخر
للبابا جاي. فذهب بجيوشه لدعم بيرنجر، حيث إجتاح حوض نهر البو وهرب البابا الى الجنوب ومات
هناك واصب بيرنجر ملك اً. وفي العام التالي دخل ارنولف بجيشه ايطاليا، حيث قام البابا الجديد
فوموزس بتتويجه امب ا رطو ا رً. لقد ذهبت محاولات ارنولف في ضم ايطاليا هباء اً. فقد كان هناك قوى
عديدة في ايطاليا تعارض وجود كيان سياسي موحد، سواء تابع لالمانيا او مستقل، مثل المدن الإيطالية
الصاعدة والبابوية والنبلاء. كما كان هذا مضيعة للجهد جعلت أرنولف يفقد السيطرة في المانيا نفسها.
199 ( أباه أرنولف في الحكم. وكان عمره ست سنوات عند تسلمه – خلف لويس الطفل ) 011
الحكم. وقد كانت الفترة الاولى من حكمه فترة ضعف نجم عنها ت ا زيد قوة الاقطاع، الذي كان مصحوباً
بنزعة قبلية، أدت الى ت ا زيد الص ا رعات فيما بينهم. فقد كانت المانيا تنقسم الى اربعة اقسام وهي
سكسونيا وف ا رنكونيا وسوابيا وبفاريا، ولكل منها دوقها الذي اصب يورث هذا المركز لأحد ورثته. كما
كان لكل دوقية اسقفها. ولم يكن الأساقفة بعيدين عن الص ا رعات والن ا زعات بل كانوا طرفاً نشط اً. وقد
كانت هذه النزعات تخبو في وجود ملك قوي.
وقد إستغل الهنغاريون فرصة الفوضى وهاجموا المانيا واجتاحوا اقاليم عديدة واوقعوا خسائر كبيرة
من بينها مقتل احد الدوقات واحد الأساقفة. وفي هذه الأثناء كان لويس الطفل قد بلغ سن السادسة
عشرة، فتولى مبادرة تخليص المانيا من الهنغار بنفسه حيث إلتف الأم ا رء حوله ودعموا جهوده. ولكن
. الغلبة كانت للألمان الذين هزموا جميعاً وما لبث لويس أن مات سنة 199
وبوفاة لويس انتهى البيت الكارولنجي في المانيا لعدم وجود وريث ذكر. فكان هناك احد خيارين
امام ام ا رء المانيا، إما ان يختاروا واحداً من بينهم او يسلموا الحكم أف ا رد البيت الكارولنجي الفرنسيين،
فإختاروا ال أ ري الأول. وقد وقع إختيارهم على كون ا رد دوق ف ا رنكونيا سنة 199 ، الذي اصب كون ا رد
الأول. حكم كون ا رد الأول سبع سنوات ولم يحقق شيء، لا داخلياً ولا خارجياً، ولكنه أوصى بإختيار
ملك قوي، واقترح تنصيب دوق سكسونيا.
.)136– وفعلاً تم الإتفاق على هنري، دوق سكسونيا، الذي تم تتويجه بإسم هنري الول) 191
إستطاع هنري تقوية الملكية من خلال ربط الكونتات بالملك وليس بالدوقات، كما إستطاع كسب تأييد
الأساقفة. وقد إستمد قوته من قوة دوقيته وجيشها. ورغم قوة جيشه فقد إختار أن يعقد إتفاق مع
الهنغار سنة 120 يدفع بموجبه جزية لهم لمدة تسع سنوات. قام في هذه الأثناء ببناء الحصون وتدعيم
101
الوضع الداخلي، ولذلك ما إن إنتهت المدة وتجدد القتال، إستطاع أن ينزل بهم هزيمة منكرة أبعدت
خطرهم عن المانيا كلها. وفي العام التالي هزم الدانيين وانتزع منهم ا ا رضي أسكن فيها المان.
103 ( أبيه، وحكم بناءاً على وصيته. وقد تم تتويجه في آخن في – خلف أوتو الول ) 136
العشرين من عمره. ويعتبر أوتو الأول مؤسس الإمب ا رطورية الرومانية المقدسة التي تجمع المانيا
وايطاليا. عمل اوتو على تدعيم مركزه داخلياً بتعيين أقاربه في الدوقيات والكونتيات الشاغرة. وهذا أثار
عليه نقمة النبلاء وتسبب في كثيرٍ من الثو ا رت. حيث إستعان بالأساقفة، الذي أخذ بتقويتهم على
حساب الأم ا رء. كما عمل على فرض سيطرته على الكنيسة ليتمكن من إستخدامها حينما يريد، الأمر
الذي لم يمر دون معارضة.
وعندما توفي ملك ايطاليا لوثر وفرت ارملته طالبة مساعدة اوتو ضد الملك الجديد برنجر، ادرك
اوتو انها فرصته لتعزيز مكانته في ايطاليا ولدى البابوية. فغ ا ز لمبارديا سنة 109 وتزوج الأرملة
الحسناء 159 ، وأجبربرنجر على الإق ا رر بتبعيته له. ولكن هذا الوضع لم يدم، إذ ثار الطليان في العام
100 ولم يستطع اوتو ان يفعل شيئاً لإنشغاله في قمع ثو ا رت عديدة قامت ضده بينها واحدة بقيادة إبنه
ليولوف.
إغتنم الهنغاريون الفرصة وهاجموا المانيا في سنة 100 ، ولكنه هزمهم واحتل ا ا رضي كانت تابعة
لهم فأسس مقاطعة جديدة سماها أوستريا )النمسا(.
إضطر اوتو الى عبور جبال الألب مرة أخرى في العام 162 عندما إستنجد به البابا يوحنا الثاني
عشر ضد الملك اللومباردي برنجر، حيث تم تتويجه إمب ا رطو ا رً في روما 160 . لقد كان حلم إستعادة
الإمب ا رطورية يداعب أط ا رف عديدة في غرب اوربا، على امل الخلاص من حالة الفوضى والإقتتال
المتكرر، فقد إرتبطت الإمب ا رطورية في الذهنية الأوربية بالإستق ا رر. وقد أُعطي اوتو حقاً شرعياً بالتدخل
في شؤون إيطاليا والبابوية، ولم يمانع البابا ذلك طالما قام اوتو بحمايته، ولكن ما ضايق البابا وأفزعه
هو إص ا رر اوتو على أن يقسم البابا يمين الولاء له، الأمر الذي جعل البابا ينسق مع خصوم اوتو من
هنغاريين وبيزنطيين 161 وحتى مسلمين، بالإضافة الى برنجر Berengarius نفسه 162 . وهذا ما جعل
اوتو يعود مسرعاً الى روما بعد ان غادرها، حيث فر البابا منه، فدعا اوتو الى مجمع يضم ك ا ردلة
واساقفة ونبلاء روما والمانيا لعزل يوحنا في العام 163 ، وحرمان اهل روما من انتخاب البابا كما كان
متبع وتعيين موظف من طرفة حاكماً للمدينة، وعزل حنا وانتخاب ليو بابا بإسم ليو الثامن. وقد وُجهت
159 عاشور.
160 عاشور.
161 الموسوعة الكاثوليكية.
162 عاشور.
102
للبابا كل انواع الإتهامات الممكنة، من خيانة إلى قتل وهرطقة وزنا وحتى ممارسة الزنا مع المحارم 163 .
فثار اهل روما ضد هذا الوضع مرتين ولكنه إستطاع قمعهما. كما حاول إخضاع جنوب إيطاليا
لإمب ا رطوريته ولكنه أخفق في مسعاه نتيجةً لمعارضة بيزنطة الشديدة لذلك.
توفي اوتو سنة 103 بعد ان بنى دولة كبرى منظمة وامب ا رطورية واسعة، وقد مهد لحركة ثقافية
وفكرية تركت اث أ ر كبي ا رً في نهضة اوربا.
103 ( خلفاً لأبيه. وكان قد تزوج إبنة رومانوس، إمب ا رطور – إعتلى عرش المانيا اوتو الثاني ) 103
بيزنطة، حيث أُتفق على أن يكون المهر الذي تقدمه العروس ممتلكات بيزنطة في جنوب ايطاليا.
الأمر الذي لم ينفذ فعلياً فيما بعد.
وقد إختلف عن أبيه بأنه إتجه لبناء الإمب ا رطورية من أجل خلق إمب ا رطورية كبيرة وقوية، بينما كان
اوتو الأول يهدف من جميع تحركاته الخارجية تقوية جبهته الداخلية في المانيا، من خلال، على سبيل
المثال إحكام السيطرة على الكنيسة ليستخدمها ضد النبلاء.
واجه اوتو الثاني مشاكل عديدة مع الدوقات والأم ا رء تعامل معها بأساليب مختلفة، مثل العمل على
تفتيت الدوقيات مما ينجم عنه إضعاف دوقاتها. كما خاض حرباً مع فرنسا، فقد غ ا ز لوثر كلك فرنسا
. منطقة اللورين في العام 100 ، ولم يوفق اوتو الثاني في هجومه المضاد، فوقع معاهدة سنة 108
إستنجد البابا باوتو الثاني، فقاد جيشه واتجه لنجدته. وفي إيطاليا، إغتنم فرصة وجوده بها ليعزز
وجوده في الجنوب من خلال العمل على طرد المسلمين من المدن والقلاع التي بيدهم، وكذلك الحصول
على الممتلكات البيزنطية التي وُعد بها. وكان المسلمون قد عبروا من جزيرة صقلية وهددوا إقليم
بنفنتو. وقد حقق اوتو توفيقاً في بداية حملته، فاستولى على عدد من المدن والقلاع البيزنطية، كما هزم
جيشاً إسلامياً في معركة قطرون. ولكن في معركة أخرى إستطاع جيش المسلمين أن يمزق جيش اوتو
لدرجة أن اوتو نفسه نجا بصعوبة بالغة. وقد أدت نتائج هذه المعركة من تجريد الإمب ا رطورية من
ممتلكاتها في وسط وجنوب إيطاليا لمدة قرنين.
جاءت الأخبار بأن السلاف إرتدوا الى الوثنية وهاجموا حوض نهر الإلبي وقتلوا رجال الكنيسة
وعاثوا فساد اً. وهذا ما دفع اوتو الثاني الى عقد مجمع فيرونا سنة 103 لبحث الموقف من جميع
الأوجه 164 . وقد إكتسب هذا المجمع اهمية خاصة لأن الروح الصليبية ظهرت فيه واضحة، فقرر
المجتمعون التوحد لقتال المسلمين. الأمر الذي تُرجم الى واقع في القرن التالي. أما اوتو فقد مات في
روما ودفن فيها بنفس العام.
163 الموسوعة الكاثوليكية.
164 عاشور
103
إعتلى اوتو الثالث العرش وهو في ال ا ربعة من العمر، مما جعل منافسي البيت الحاكم ينشطون من
جديد، فحاول دوق بفاريا إعتلاء العرش، ولكن دور رجال الدين، الذين قواهم اوتو الأول، رجحوا الكفة
لصال وريث العرش الصغير ووالدته الوصية. وعندما تسلم سلطاته الملكية ذهب إلى ايطاليا حيث
عين بابا المانياً للمرة الأولى في التاريخ. لقد أمضى معظم وقته في روما، الذي كان يرى فيها حاضرة
العالم، لقد كان شخصاً حالماً يعد نفسه ملكاً مقدس اً. الأمر الذي افقده مكانته في المانيا.
لم يترك اوتو الثالث وريثاً ذك ا رً، فتولى الحكم دوق بافاريا، هنري الثاني، وهو من البيت السكسوني
9820 ( تقياً ومحباً للخير فأحبه رجال الدين، واصبحوا – نفسه. وقد كان هنري الثاني ) 9882
يدعمونه في تنفيذ سياساته 165 .
إنشغل هنري الثاني في معظم عهده في مقاومة مطالبة السلاف في بوهيميا، حيث دخل معهم في
حروب استمرت خمسة عشر عاماً، وانتهت بصورة غير مشرفة له حيث حصل السلاف على مكتسبات
اقليمية من المانيا. كما كان لايطاليا نصيباً من جهوده، فقد ذهب اليها مرتين وخاض معارك في
الشمال والوسط والجنوب، ولكنه لم يستطع ان يفرض الإستق ا رر على ا ا رضيها. وبعد وفاة هنري الثاني
تم إنتخاب كون ا رد الثاني دوق سوابيا ملكاً لألمانيا. وقد كان كون ا رد رجل عسكري مثقف وخاصةً في
قضايا العقيدة. وقد عبر الألب بدوره الى ايطاليا من اجل تدعيم وجود الإمب ا رطورية فيها، فقد استعصت
الأرستق ا رطية الرومانية التي اتصفت بالكبرياء والتقلب على التبعية للأباطرة الألمان 166 . ثم توجه الى
الجنوب لتقوية دفاعات ايطاليا ضد الغزو الأجنبي.
عاد كون ا رد الى المانيا، وعمل، مستفيداً من إنجا ا زته في ايطاليا، على العودة الى الو ا رثة في الحكم.
فقام بتتويج ابنه هنري، الأمر الذي اثار عليه دوق سوابيا، ولكنه إستطاع القضاء على الثورة ويحكم
زمامه على المانيا.
خاض كون ا رد حروب مع البولنديين والسلاف والهنغاريين، كما قام بضم برجنديا في الغرب. توفي
كون ا رد اثناء محاولته لقمع ثورة في شمال ايطاليا قادها اسقف ميلان، دون ان يتمكن من اتمام مهمته.
9806 ( بعد وفاته، وقد تسلم الحكم في دولة قوية، ساهم – استلم الحكم ابنه هنري الثالث ) 9831
بنفسة في بناء قوتها بالإشت ا رك مع ابيه، إذ عمل كنائب ملك منذ تتويجه، كما قاد حملتين عسكريتين
ضد الهنغار والبولنديين. ولذلك كان هنري الثالث متمرساً على الحكم فشرع يكمل رسالة أبيه. وتعامل
مع مشاكل ذات طبيعة متكررة ؛ فقد واجه دوق بوهيميا الذي ا ا رد ان يعلن نفسه ملكاً مستقلا . ولكن
165 عاشور.
166 موريس كين.
104
هنري هزمه وأسره، حيث أعلن تبعيته وخضوعه. عندئذٍ أقطعه بوهيميا، لكي يصب الأمير السلافي
دوقاً لها، بدلاً من ملك 167 .
اما هنغاريا، فقد قامت فيها حركة وثنية نصبت ملكاً جديداً إسمه آبا Aba . حيث قام بمهاجمة
المانيا لعدم موافقة هنري الإعت ا رف به، ونهب مناطق واسعة في وادي الدانوب.
وقد قام هنري بالسفر الى ايطاليا من اجل حل ازمة في إختيار بابا، حيث دعى الى مجمع في
ضواحي روما تم اختيار بابا فيه بعد عزل المتنافسين. فقد ثار الرومان في العام 9800 ضد البابا
بندكت التاسع، الذي حاز على البابوية في سن السادسة عشرة، وقاموا بتعيين بابا آخر هو سلفستر
الثالث. وكان بندكت قد باع حقه في البابوية لجريجوري السادس، ولكن سرعان ما ندم وتمسك بحقه.
وبهذا اصب هناك ثلاث اشخاص يتنافسون على العرش البابوي 168 .
لقد نج بهذا أن يبسط سيطرة الإمب ا رطورية على البابوية، التي كانت ضعيفة في هذه الحقبة من
الزمن، ولكن سرعان ما بدأت الكنيسة محاولاتها التحرر من قيود الإمب ا رطورية، وقد بدأ هذا فعلياً بعد
وفاة هنري الثالث.
إيطاليا
يرتبط تاريخ إيطاليا بتاريخ الإمب ا رطورية الرومانية التي إحتضنتها لأكثر من ألف ومئتي عام.
عرفت إيطاليا الإستيطان البشري في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً، فهناك حفائر تدل على وجود تجمعات سكانية
تعود إلى ما قبل العصر البرونزي.
يجمع المؤرخون على أن العام 030 ق م هو العام الذي تأسست فيه الإمب ا رطورية الرومانية، وفي
العام 006 م إنتهت الإمب ا رطورية في الغرب واستمرت في الشرق لألف سنة أخرى.
لقد مرت الإمب ا رطورية بم ا رحل عديدة، فقد كانت مملكة ثم جمهورية ثم إمب ا رطورية، وقد كان لإيطاليا
وضعاً خاصاً ضمن الإمب ا رطورية؛ فلم تكن ولاية رومانية، وانما كانت إقليماً يتبع العاصمة. كما لم يكن
يُسم للجن ا رلات الرومان بنقل جيوشهم عبر الأ ا رضي الإيطالية. وهذا لم يعفي الأ ا رضي الإيطالية من
إجتياح جيوش معادية، فقد تم نهب روما خمس م ا رت، كما تم تهديدها م ا رت عديدة، ثلاث م ا رت من
قبل العرب.
دفعت إيطاليا ضريبة باهظة لإحتضانها للإمب ا رطورية الرومانية، فقد بقيت مقسمة لعدة ممالك
واما ا رت ودوقيات لغاية القرن التاسع عشر.
167 عاشور.
168 موريس كين
105
خارطة إيطاليا عام 1111 م
بعد إنتهاء الإمب ا رطورية في الغرب، بقيت البابوية تتبع، ولو إسمياً، للإمب ا رطورية الرومانية، التي،
نتيجةً للبعد، لم تقدم الكثير لمساعدة البابوية عند الحاجة، وخصوصاً في أوقات الإجتياح اللومباردي.
لهذا إتجهت البابوية لكي يكون لها كيانها الخاص السياسي.
في العام 009 إحتل اللومبارد ا رفينا، العاصمة، حيث إنتهى معظم الوجود البيزنطي في وسط
إيطاليا. وعندما إستأنف اللومبارد هجماتهم طلب البابا المساعدة من الفرنجة. فإستجاب شارلمان ملك
الفرنجة للنداء فهزم اللومبارد ومن وسط إيطاليا للبابا، ولم يحتفظ بها، كما لم يعيدها لبيزنطة كما
106
كانت، وبهذا تكونت الدولة البابوية، التي أصبحت جزءاً من التاريخ الإيطالي منذئذٍ . لقد شكل الفرنجة
عنصر إستق ا رر بالنسبة لإيطاليا في هذه الفترة.
بقي لبيزنطة ممتلكات واسعة في جنوب إيطاليا، ومن بينها صقلية. ولكنها خسرت صقلية للعرب،
كما خسرت معظم جنوب إيطاليا، ومواقع ساحلية عديدة في الشرق والغرب.
في القرن العاشر بدأ الإقتصاد والتجارة تنتعش في الشمال، فبينما كان وسط وجنوب إيطاليا يشكلان
قلب الإمب ا رطورية في زمانها، تحول الثقل الإقتصادي إلى شمال إيطاليا فبدأت تظهر م ا ركز تجارية
هامة في مدن أمالفي وبي ا ز وجنوا وفينيسيا )البندقية( وغيرها، التي ناضلت طويلاً للحصول على
إستقلالها من الإمب ا رطورية الرومانية المقدسة التي تأسست بمباركة من البابا. وقد لعبت هذه المدن –
الدول، دو ا رً مهماً في نهضة أوربا في القرون التالية.
كان الص ا رع للتخلص من النفوذ البيزنطي في وسط وجنوب إيطاليا وكذلك للتخلص من الإحتلال
العربي في جنوب إيطاليا وصقلية يسيطر على مجريات الأحداث في هذه الفترة.
فقدت روما أهميتها بعد أن نهبت وأحرقت عدة م ا رت على أيدي القبائل الجرمانية، كما فقدت
أهميتها الدينية بغنتقال ابابا إلى أفينون في فرنسا. وقد تقيت روما مدينة أطلال لفترة طويلة. لقد بدا
وكأن المدينة متمسكة بوثنيتها، فقد تعرضت للنهب وانتهت الإمب ا رطورية بعد التحول إلى المسيحية. لقد
جعلت الكوارث المتلاحقة كثيرٌ من المواطنين الرومان يفكرون بهذه الطريقة، لقد ع ا ز البعض ما حل
بروما نتيجةً لتخلي جوبيتر عنها، الذي توقف الرومان عن عبادته. هذا ما دفع القديس أوغسطس،
الذي كان يعيش في شمال إفريقيا، إلى الرد على هذه الأقاويل بكتاب أسماه "مدينة اله " بقوله أن الكثير
من الدول الوثنية هزمت على الرغم من تمسكها بوثنيتها.
إستعادت روما مكانتها الدينية، وأصبحت محجاً للمؤمنين. وعندما توحدت إيطاليا، حافظت
الفاتيكان على إستقلاليتها كدولة باباوية.
روسيا
لقد كانت سهوب روسيا المعروفة بالستيبس Steppes مسكونة من قبل مزيج من الشعوب والقبائل
الهندو-اوربية والسكيثية. لقد كانت هذه القبائل كثيرة الن ا زع، ولم تتوحد فيما بينها لتشكل شكل من
أشكال الدولة. وذلك بإستثناء الجنوب، حيث أسس الخزر، وهم من الشعوب التركية، مملكة لهم في
حوض الفولغا الأسفل.
107
ولكن الروس ينحدرون من العرق السلافي، حيث حدثت عدة موجات من الهج ا رت من الشمال
الغربي بإتجاه مواقع مختلفة من سهوب روسيا، وقد حدث ذلك في القرن السابع ولعدة قرون، حيث
إمتزجوا مع الشعوب الأخرى التي كانت تقطن في هذا المنطقة.
وفي القرن التاسع نشط الفايكنج في شرق أوربا مثلما نشطوا في غربها، ولكن عرفوا في الشرق بإسم
الفا ا رنجييين Varangians . وقد ما رسوا القرصنة والتجارة في جميع المم ا رت المائية القابلة للملاحة في
شرق أوربا، حتى وصلوا البحرين الأسود وقزوين. وقد عمد المستوطن ون السلاف إلى إستئجار خدماتهم
كح ا رس وحماة. ولكن سرعان ما تطور الوضع إلى إختيار أحدهم ملكاً ؛ وهو روريك في العام 068 م.
فقامت دولة كييف، التي رعت تجارة الف ا رء والعبيد مع دول الجوار ومن بينها بيزنطة. لقد كانت كييف
تحت سيطرة الخزر حتى ذلك الوقت.
تعاظمت قوة دولة روس كييف، كما تسمى، وتسمى هذه المرحلة من التاريخ الروسي بمرحلة كييف،
فتوسعوا جنوباً على حساب الخزر، حتى أجلوهم من حوض الفولغا. وأخذوا كذلك بالتحرش بالدولة
البيزنطية. وفي هذه الأثناء إندمج الفارنجي ون مع السلاف ومع بقية الأع ا رق في شعب واحد تغلبت
عليه لغة السلاف وثقافتهم. ولكن سرعان ما أخذ الروس يتأثرون بثقافة وديانة بيزنطة، حيث بدأوا
بالتحول إلى المسيحية، وفي العام 110 تم تعميد سكان كييف بطلب من اميرهم فلاديمير الأول.
في القرن الحادي عشر سيطرت الشعوب القفقاسية، والتي تعود إلى أصول تركية، على السهوب
المحاذية للبحر الأسود في الجنوب، وأسست دولة وأخذت بالتحرش في دولة كييف، الأمر الذي دفع
بالسكان إلى التوغل شمالاً، ويبدو أن الطرفين تبادلا الإغارة على بعضهما فقد ذكر إبن خلدون غارة
بحرية شنها الروس على بلاد الديلم، حيث سلبوا ونهبوا وعادوا إلى بلادهم 169 .
د ب الشقاق في أوساط الأسرة الحاكمة في إمارة كييف، مما أدى إلى تشرذم الإمارة إلى كيانات
أصغر، ثم جاء الإجتياح المغولي في القرن الثالث عشر ليقضي تماماً عليها جميع اً.
وقد كانت بعض القبائل البلغارية قد حلت محل الخزر في القرن العاشر في حوض الفولغا الأوسط
بعد سقوط دولتهم. وقد إعتنق البلغار الإسلام، ونشطوا في التجارة مع الدولة العباسية، وقد كان إبن
فضلان، صاحب الرحلة الشهيرة، قد ا زر بلادهم. بعد الإجتياح المنغولي، إندمج البلغار معهم فيما
أصب يعرف بإسم التتار.
لقد أعطى التتار الأم ا رء الروس هامش حرية واسع، وقد دعموا أحدهم لصد هجوم من غرب أوربا
لإنت ا زع أقاليم من روسيا.
169 . إبن خلدون ج 0
108
وقد تم تأسيس دوقية موسكو في بداية القرن ال ا ربع عشر، بدعم من المنغول مقابل المساعدة في
جمع الجزية المفروضة على الروس. ومع إنتصاف القرن ال ا ربع عشر أخذ التتار بالضعف، فتمكن
أم ا رء موسكو من إيقاع الهزيمة فيهم في سنة 9308 ، حيث تم تأسيس دولة روسيا الحديثة التي أخذت
بالتوسع بشتى الطرق.
هنغاريا )المجر(
بعد سلسلة الضربات التي تلقتها دولة هنغاريا من قبل ملوك السكسون في القرن العاشر، إستقر
الهنغار في حوض كارباثيا بقيادة أرباد.
وفي العام 9888 تم تتويج ستيفين الأول ملكاً على الهنغار، وهو من سلالة أرباد، زعيم قبائل
الماجيار )المجر( السبع. وكان قد إعتنق المسيحية، وقد وجد مقاومة قوية لتنصير قومه، إذ أن التيار
الوثني كان قوياً، كما كان تيا ا رً آخر يعارض التبعية لكنيسة روما، ويريد تنصير الهنغار على مذهب
بيزنطة. ورغم المعارضة باشر بتحويل هنغاريا إلى دولة إقطاعية على النمط الأوربي. كما مضى
بتنصير شعبه مستخدماً القوة حيثما لزم. وقد نجم عن ذلك دولة قوية متماسكة إستطاعت الوقوف في
وجه ملوك وأباطرة المانيا وغيرهم. وهكذا تنصر الهنغار بعد أن جابوا خلال ارجاء اوربا خ ا رباً وتدمي ا رً
لفترة تجاوزت القرن. أخي ا رً إستقر ضيف أوربا الثقيل كأحد أف ا رد العائلة، وبقي ضيف آخر مرفوض
تماماً في الأندلس وصقلية.
بلغاريا
بدأ التاريخ البلغاري في القرن السابع الميلادي مع وصول قبائل البلغار إلى ما أصب يعرف حالياً
بإسم بلغاريا، وقيامهم بتأسيس دولة مع عددٍ من القبائل والشعوب السلافية والداشية والمقدونية التي
شاركتهم العيش في نفس الإقليم. وقد أقرت الإمب ا رطورية البيزنطية بذلك واعترفت به في سنة 609 م،
في ال وقت الذي كانت بيزنطة بحاجة إلى هدوء على جبهتها الغربية في الوقت الذي إستأنف المسلمون
نشاطهم العسكري في زمن الأمويين.
وكان البلغار قد إنتصروا على الجيش البيزنطي في العام 608 بقيادة زعيمهم الخان أسباروه Khan Asparuh ، فجاء الإعت ا رف البيزنطي في معاهدة السلام التي وقعها الطرفان في العام التالي، وهو
العام الذي أُعتبر عام مولد الدولة البلغارية.
وقد كانت الإمب ا رطورية البلغارية تمتد ما بين سواحل البحر الأسود وسواحل البحر الأدرياتيكي، فيما
يضم أ ا رضي تقع في دول بلغاريا ورومانيا ومقدونيا وأج ا زء من يوغوسلافيا. وكانت تضم شعوب
مختلفة وقعت تحت مؤث ا رت ثقافية سلافية.
109
وقد خاض البلغار حروب كثيرة مع البيزنطينيين، ففي القرن الثامن، كان البلغار هم العدو الآخر
لبيزنطة، فعندما كانوا يتوقفون عن قتال العرب، كانوا ينشغلون بحرب البلغار، وقد برز الملك تيرفل
Tervel ، الذي حاصر القسطنطينية وخاض عدة معارك مع جيوش الإمب ا رطورية. ولم يفعل العرب ما
فعله الفرس في القرن السادس، عندما تحالفوا مع الآفار ضد بيزنطة، بل حدث في حصار القسطنطينية
الثاني أن حارب البلغار في جانب بيزنطة.
090 ( الذي هاجم أ ا رضي – وقد حصل توسعاً كبي ا رً في زمن الملك البلغاري خان كروم ) 082
الإمب ا رطورية البيزنطية، حيث هدد القسطنطينية نفسها في العام 093 م. وقد عمل هذا الملك على
تقوية العلاقات الإجتماعية بين أبناء شعوب دولته، على تنوعهم العرقي والثقافي، كما عمل على
تحسين الأحوال المعيشية وأصدر من أجل ذلك تشريعات.
وفي عهد خليفته خان أ ومرتاغ تم إستق ا رر الحدود مع دولة الفرنجة على طول الدانوب الأوسط.
وفي أواسط القرن التاسع، وفي زمن ملكهم بوريس الأول دخل البلغار في المسيحية. حيث تأسست
أسقفية بليسكا، عاصمة بلغاريا. وقد إضطلع رجال الدين بوضع الحروف لكتابة اللغة البلغارية إستناداً
إلى الح روف الإغريقية، الأمر الذي فت الباب لحركة أدبية واسعة.
120 (، الذي تلقى تعليمه في القسطنطينية، هاجم الجيش البلغاري – وفي زمن سيميون ) 013
الإمبرطورية وتوسع على حسابها، وقد كان يهدف إلى إحتلال القسطنطينية واعلان نفسه قيصر البلغار
والإغريق. وعلى الرغم من فشله في فت القسطنطينية، فقد تبنى اللقب المذكور، الذي إعترف به البابا.
وقد نشبت حرب أخرى بين البلغار وبيزنطة في زمن الملك البلغاري صموئيل، ولكنهم هُزموا هزيمةً
منكرة أضعفت الدولة البلغارية.
فخلال العقود التالية وقعت بلغاريا تحت حكم بيزنطة. فقد حكمتها من سنة 9890 إلى سنة
9900 ، حيث أخضعت الكنيسة البلغارية إلى الكنيسة البيزنطية، ولكنها لم تتدخل في الشؤون البلغارية
الأخرى.
وفي العام 9900 قاد أحد النبلاء البلغار بالثورة على الحكم البيزنطي، حيث إستطاع طردهم
واعلان نفسه القيصر بيتر الثاني. أخذت بلغاريا المحررة حدوداً مختلفة، فلم تعد تمتد إلى بحر
الأدرياتيك.
إستمر العداء بين بلغاريا وبيزنطة حيث كان بينهما جولات أخرى، على الرغم من إنشغال أوربا في
الحروب الصليبية والتهديد العثماني الذي تبع ذلك ونجم عنه أن أصبحت بلغاريا ولاية عثمانية لمدة
خمسمائة عام.
110
لم يشترك البلغار في الحروب الصليبية، بل إقتتلوا مع فرسان الحملة الصليبية ال ا ربعة، وعلى الرغم
من تقاربهم مع البابوية، إلا أن البلغار بقوا على مذهبهم الأورثودوكسي.
السويد
لقد عرفت السويد، والدول الشمالية المجاورة، المستوطنات البشرية منذ حوالي عشرة آلاف عام.
وهذا زمنٌ متأخر للإستيطان البشري، فمناطق كثيرة اخرى في العالم، عرفت الإستيطان البشري منذ
مئات الألوف من السنين. أما التاريخ المدون للسويد واسكندينافيا فلم يبدأ إلا في القرن التاسع الميلادي
مع ظهور الفايكنج، برحلاتهم وغزواتهم.
تغطي معظم مساحات اليابسة في سكاندينافية الجبال الحجرية والغابات والمستنقعات، ولكن تنشر
على سواحلها الخلجان الصغيرة Fjords التي تعطي السفن ملاذاً آمناً من العواصف، مما يجعل
الملاحة خيا ا رً منطقياً للتنقل ولنقل البضائع، لقد جعلت الطبيعة من الشعوب الإسكندينافية بحارة من
ط ا رز فريد، كما جعلت منهم بناة سفن بارعين، وساعدهم على ذلك توفر المادة الأولية لهذه الصناعة
في بلاد تغطيها الغابات. وعندما بدأوا بالإحتكاك بالعالم الخارجي، سواء كتجار أو كغ ا زة أو حتى
كق ا رصنة، عُرفوا بإسم الفايكنج.
لقد أبحر الفايكنج في بحر الشمال والبحر البلطيق والمحيط الأطلسي، والبحر المتوسط والبحر
الأسود وأنهار أوربا الكبرى القابلة للملاحة جميع اً. وقد إستمر نشاطهم إلى العام 9866 م.
تسربت المسيحية إلى الدول الإسكندينافية، وبينها السويد، تدريجياً، وقد ظهرت في الأج ا زء الجنوبية
والغربية أولا .
في القرن الثاني عشر أصبحت السويد مملكة تدين بالمسيحية وكانت تضم فنلندة والنرويج، وفي
العام 9310 وحدت الملكة مارجريت، ملكة الدانيمارك دول سكانينافية في إتحاد الكالمار. ولكن
المنافسة بين السويد والدانيمارك أدت إلى أنهيار هذا الإتحاد بعد ما يزيد قليلاً عن قرن.
وفي بداية القرن السادس عشر حارب جوستاف فاسا من أجل تعزيز إستقلال السويد، وقاوم
محاولات لإحياء الإتحاد. كما قام بلإنشقاق عن الكنيسة الكاثوليكية.
تحولت السويد إلى قوة عظمى خلال العقود التالية بعد إنتصارها على روسيا، على الرغم من أن
سكانها لم يتجاوزوا المليون.
111
اسبانيا
من بين دول اوربا الجنوبية، تنفرد إسبانيا )أو إيبيريا( بكونها الوحيدة التي لم تنشأ فيها إمي ا رطورية كبرى
في العصور القديمة i؛ ففي إيطاليا نشأت الإمب ا رطورية الرومانية، وفي اليونان نشأت حضارة الإغريق
وامب ا رطورية الإسكندر ولاحقاً الإمب ا رطورية البيزنطية، وفي فرنسا قامت دولة الفرنجة وامب ا رطوريتهم. كما
لم تعرف إسبانيا كياناً موحداً قبل الفت الروماني، فقد إستعمرها الفينيقيون، الذين أقاموا فيها، مثلما
أقاموا في معظم أقاليم حوض المتوسط، م ا ركز تجارية، نمت لتصب مدناً مثل قادس. حيث أقاموا
علاقات تجارية مع شعوب هذه الأقاليم، من خلال تبادل سلعي كان له الأثر الكبير في تطور هذه
المجتمعات. كما نقل الفينيقيون إلى السكان الأصليين علوم ومها ا رت من بينها الكتابة والألف باء.
كما حكم إسبانيا القرطاجيون لفترة طويلة، وأسسوا فيها محطات تجارية هامة.
كما قام الإغريق كذلك بتأسيس م ا ركز تجارية قي مواقع مختلفة من إيبيريا، وذلك قبل الفت
الروماني. وقد إستمرت إيبيريا تحت الحكم الروماني لغاية عام 098 م، عندما داهمت قبائل الوندال
إيبيريا قادمة من الشمال. ثم سرعان ما غ ا ز القوط الشرقيون إيبيريا من أوربا، فقاوم الوندال واللان
الغزو القوطي لمدة أربعة عشر سنة.
112
خارطة دولة القوط في إيبيريا و أكيتانيا
وكان القوط قد تنصروا قبل ذلك بما يقارب نصف قرن، حيث إعتنقوا المذهب الآريوسي. وقد
حدث هذا قبل صدامهم مع الهون وقبل دخولهم في أ ا رضي الإمب ا رطورية الرومانية. عبر عددٌ من
الشعوب الجرمانية نهر ال ا رين في شتاء عام 086 إلى الأ ا رضي الرومانية، تحت ضغط هجمات الهون،
وقد شقت هذه الشعوب، وهي الوندال والسويفي والألان، طريقها بالقوة حيث عبروا جبال الب ا رنس بعد
ثلاث سنوات إلى إيبيريا، حيث قاموا بتوزيع شبه الجزيرة فيما بينهم. وكان القوط قد إنتهوا من نهب
روما في العام 098 ووصلوا إلى إيبيريا خلال العامين التاليين، بناءاً على طلب هونوريوس، إمب ا رطور
روما )العاصمة كانت ا رفينا( لطرد الوندال. حيث أسسوا مملكة لهم في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا
عاصمتها تولوز. توسع القوط على حساب الوندال، الذين عبروا المضيق إلى شمال إفريقيا وأسسوا لهم
مملكة من طنجة حتى ط ا ربلس. لم يترك الوندال وحلفاءهم أي أثر ثقافي في إيبيريا. أما القوط فقد
حكموا البلاد من 090 إلى 099 . وقد حافظوا على النظم والمؤسسات الرومانية وحافظوا على القضاء
113
الروماني واحترموه، ولكنهم كانوا على خلاف مذهبي مع روما. ولكنهم لم يمارسوا إضطهاد اً مذهبياً
تجاه رجال الدين والمواطنين الكاثوليك.
لم ينتشر المذهب الآريوسي كثي ا رً بين السكان الأصليين. وفي العام 000 تحول ملك القوط ريكاريد
إلى المذهب الكاثوليكي، حيث شرع بتوحيد شعبه على مذهب واحد بدعم ومباركة روما.
لقد حكم القوط إسبانيا دون أن يحاولوا الإختلاط بشعبها والإمت ا زج بهم، وهذا ما برر ضعف إنتشار
الآريوسية بين الإسبان.
وبنوا جيشاً يتكون معظمه من العبيد، الذين جُلبوا من الأرياف. كما أن النظام الإقطاعي كان
معمولاً به، حيث كان الإقطاعيون يساهمون أيضاً في تكوين وحدات مقاتلة عند الحاجة.
ما بين عامي 099 و 090 أكمل المسلمون فتحهم لإيبيريا ووصلوا إلى جبال الب ا رنس. وهذا ما
سنأتي عليه بتفصيل أكبر في فصلٍ آخر.
ظهور الإقطاع
كان الإنتاج يقوم في الدولة الرومانية على العبودية. فغالبية قوى الإنتاج من م ا زرعين وصناع
وعمال الخدمات كانوا عبيداً يملكهم رب العمل مثلما يملك أدوات الإنتاج من أرض وأدوات ووسائط
نقل. ولكن بعد أزمة القرن الثالث، حيث سيطرت أزمة إقتصادية حادة على مناطق واسعة من العالم
القديم، بما في ذلك أقاليم الإمب ا رطورية الرومانية المختلفة. ومحصلة أسباب عديدة من حروب ومناخ
قاسي وغير ذلك. وقد نجم عن ذلك ضعف التجارة وت ا رجع الإعتماد على النقد، كما ت ا رجع ايضاً دور
المدينة لصال الريف.
ومع بدء إنسياح القبائل الجرمانية إلى أقاليم مختلفة في اوربا، داخل الإمب ا رطورية الرومانية
وخارجها، وتأسيس دول، فعمد ملوكهم إلى توزيع الأ ا رضي على شيوخ القبائل وقادة الجي وش، لقد كانت
الأرض هي الجائزة الوحيدة المتاحة في غياب النقد. وقام هؤلاء بدورهم بتوزيع قطع أصغر من
الأ ا رضي على مساعديهم، الذين قاموا بدورهم بتوزيع قطع أصغر على مساعديهم بعد الإحتفاظ بنصيب
لأنفسهم. وفي جميع الأحوال فإن الحصة الواحدة اكبر مما تستطيع أسرة واحدة أن تفل ، كما أن
ناتجها أكبر من إحتياج أسرة واحدة. وبدلاً من اللجوء إلى إقتناء عبيد لفلاحة الأرض، كما كان معمولاً
في العهد الروماني، لجأ ملاكي الأ ا رضي الكبيرة )الإقطاعيين( إلى الوصول الى اتفاق مع من لا
يملكون الأرض، بسبب إنتمائهم لقومية أخرى، او غير ذلك من الأسباب. وبموجب هذا الإتفاق تتسلم
الأسرة من هؤلاء قطعة أرض ليتولوا ز ا رعتها مقابل نسبة من المحصول )او قدر معين من المحصول(
وايضاً مقابل العمل لدى الأقطاعي في أرضه التي يديرها بنفسه او من خلال ناظر او مشرف. وهكذا
114
يقوم الإقطاعي بتقسيم أرضه إلى قسمين، الأكبر ويوزعه على الأقنان )كما أصبحوا يعرفون( والأصغر
يحتفظ به تحت إدارته المباشرة ويتم فلاحته من خلال عمل الأقنان الذين يقدمون يومين عمل أسبوعياً
لهذه الغاية.
لقد درج المؤرخون والإقتصاديون على تسمية هذا النمط بالإقطاع الأوربي، وهو مختلف عن
الإقطاع الآسيوي، الذي لم يكن بهذه القسوة.
إنتشر هذا النمط من الإقطاع في معظم اوربا، وقد كان هناك إستثناءات. ففي بعض المجتمعات
كان هناك ما يسمى الفلاحين الأح ا رر، وهم من صغار الملاكين الذين يفلحون أرضهم بأنفسهم دون
الحاجة إلى أيدي عاملة مؤجرة. وقد عُرف هؤلاء في روسيا القرن التاسع عشر بالكولاك. أما في
العصور الوسطى فقد كان هذا النمط شائعاً في سكسونيا بشكل واسع، كما كان له وجود في إنجلترة
وغيرها.
لقد قلل النظام الإقطاعي من الحاجة إلى العملة، فالتبادل السلعي كان هو السائد، وهذا ترك أث ا رً
سلبياً على التجارة. فقد كانت كل منطقة مكتفية ذاتي اً. الوحدة الز ا رعية الصغيرة مكتفية ذاتياً،
والإقطاعية الكبيرة مكتفية ذاتي اً. ففي العصور الوسطى إقتصرت التجارة على السلع الكمالية التي
يستخدمها ابناء وبنات الطبقة الأرستق ا رطية. فلم يكن يُستورد إلى غرب اوربا من الشرق سوى
المنسوجات الحريرية والجلود ذات المصنعية العالية والتوابل والبخور والمجوه ا رت. وهذا كان له أثره
على إقتصاد هذه الحقبة وعلى تاريخها. فقد كان بعض الملوك لا يملكون من المال ما يمكنهم من
تمويل حروبهم الخارجية فكانوا يخوضون حروباً داخلية لجعل ذلك ممكن اً. لقد جاءت ثروة الملك من
ك ونه إقطاعي، اكثر مما جاءت من كونه ملك. ولذلك كان البيت الحاكم يفقد العرش إذا فقد إقطاعياته
او جزءاً منها.
كان الجيش يشكل على هذه الخلفية. فقد كان يتكون من مقاتلين أح ا رر، أي من غير الفلاحين
والحرفيين والعبيد. فعندما تقرع طبول الحرب، يطلب الملك من كبار إقطاعييه )الدوقات والأم ا رء(
التوجه الى نقاط تجمع يحددها ويحدد زمن التجمع، ويقوم هؤلاء بطلب ذلك من الملاكين الأصغر
منهم، وهكذا. فيأتي كل منهم بكامل عدته ومؤنه وحاجياته كافة، وقد يحضر معه خدمه. وبهذا
تتشكل الجيوش، ومن حق الملك أن لا يتقاعس أحد عن تلبية نداءه عند الحاجة. لقد كان النبلاء
مقاتلين بالفطرة، فهم فرسان تدربوا على إستخدام مختلف أنواع الأسلحة المعروفة في ذلك الوقت منذ
طفولتهم. بل إن رياضاتهم وهواياتهم ولهوهم كان يتمحور حول هذا الإعداد ليكون الواحد منهم مقاتلاً
من الط ا رز الرفيع. ولم يكن القتال ينحصر بالحروب التي تخوضها البلاد مع عدو خارجي. بل كان
الإقطاعيون كثي ا رً ما يشتبكون مع بعضهم في قتال حول ارض، صغيرةً كانت ام كبيرة. ولم يكن
115
الإعداد يقتصر على التدريب، بل كان يمتد إلى بناء القلاع والحصون، بل إن الأمير كان يسكن
حصناً، يخصص الطابق الأعلى لعائلته، بينما يقيم الحرس في الطوابق الوسطى ويستخدم الطابق
الأرضي للخيول وغيرها من حيوانات النقل والركوب.
لقد ساعد الإقطاع على تنظيم الحياة السياسية والإقتصادية في اوربا، ولكن سرعان ما بدأ يتحول
إلى عائقاً أمام تنفيذ الحكام لسياساتهم، فبدأوا بتفتيت الملكيات الكبيرة للتقليل من نفوذ الدوقات السياسي.
كما أعطى الفرصة لظهور المدن، التي، بطبيعتها تشكل نقيضاً للإقطاع. فالإقطاع يقوم على النشاط
الز ا رعي، بينما تقوم المدن على النشاط التجاري، الذي يحتاج الى طرق ودول تؤمن هذه الطرق والبنى
التحتية الأخرى الضرورية لقيام تجارة بينية تستخدم النقود بدلاً من المبادلة. وقد ظهرت المدن التجارية
في شمال ايطاليا، وعلى منج ا زتها قامت نهضة اوربا الحديثة. بينما كانت مدن اوربا الأخرى عبارة عن
قرى كبيرة.
وفي اواسط القرن الحادي عشر بدأت المدن القديمة بإستعادة حيويتها ومدن جديدة في الظهور.
كما نشطت التجارة. وفي هذه المرحلة تم إستصلاح ا ا رضي واسعة في اوربا بإ ا زلة الغابات وتجفيف
المستنقعات، الأمر الذي ادى الى زيادة السكان، في الريف وفي المدن على حدٍ سواء 170 .
الإنقسام الكنسي
وهو الإنقسام في الكنيسة الخلقيدونية التثليثية، الذي نتج عنه الكنيسة الكاثوليكية ومقرها روما،
والكنيسة الأرثودكسية ومقرها القسطنطينية، وقد حدث هذا بشكل نهائي في العام 9800 م. وقد كان
مجمع خلقيدونيا قد إستبعد أتباع المذهب الآريوسي، كما تم إستبعاد النساطرة ومعتقداتهم قبل ذلك.
وقد بدأ الإنقسام مع إنقسام الإمب ا رطورية الرومانية، حيث أخذت بطريركية القسطنطينية، وبدعم من
أباطرتها بمقاومة نفوذ البابوية. بينما تطالب البابوية بتبعية البطريركيات الشرقية الأربعة لها، وهي
القسطنطينية وانطاكيا والقدس والإسكندرية، مستمدين شرعيتهم من الكرسي الرسولي الذي أسسه القديس
بطرس في روما في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً، ويعتبرون الباباوات خلفاء للقديس بطرس الذي كان أسقف روما
الأول. ويعتقد البيزنطيون أن سلطة البابا لا تتعدى كونها شرفية.
وقد كانت أسقفيات أنطاكيا والإسكندرية وروما قد تأسست أولاً، ثم أضيفت القدس، وبعد بناء
القسطنطينية، أُضيفت كأسقفية خامسة. وقد إكتسبت أهمية خاصة عندما عقد فيها مجمع، بحيث
170 موريس كين.
116
أصبحت تلي روما في الأهمية. وبعد الفتوحات الإسلامية، ت ا رجعت أهمية الأسقفيات الثلاثة ؛ القدس
وانطاكيا والإسكندرية، وبقيت روما والقسطنطينية مركزي قطبين.
إن الخلافات بين الكنيستين غلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الديني الذي يمس العقيدة
في صميمها، ولكن التباعد أظهر خلافات كان من الممكن أن تحل بالحوار.
بسقوط الإمبرطورية الغربية في روما، أصب صنع الق ا رر السياسي مختص ا رً على العاصمة الشرقية.
وخلال القرون التالية كانت الخلافات، عند ظهورها يتم التعامل معها دون أن تتعمق. ولكن بعد تتويج
شارلمان كإمب ا رطور روماني ومعارضة الإمب ا رطور البيزنطي، أخذت الخلافات منعطفاً آخر. فقد جرت
محاولة للتوفيق بتزويج إمب ا رطورة بيزنطة لشارلمان، ولكن المحاولة فشلت. عند ذلك إتهم شارلمان
الإمب ا رطور البيزنطي بالهرطقة، فقامت البابوية، التي كان شارلمان يسيطر عليها تماماً بتأييده.
وجاء الإنقسام النهائي في العام 9800 عندما ا زر وفد كنسي من روما بيزنطة، حيث لم يستقبل
إستقبالاً حسن اً. بحيث اصب واضحاً أن الإنقسام صار نهائي اً.

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter