نحن وأوربا - ج2-الفصل الأول - أوربا القبلية
 
 


تمهيد

________________________________________

أضع بين يدي القارئ الكريم الجزء الثاني من كتاب " نحن وأوربا " والذي يغطي مرحلة تبدأ

بإستق ا رر الحكم الأموي المروانية، حيث بدأ زخم الفتوحات الثاني والذي كان موجهاً بمعظمه نحو أوربا،

حيث وجه جيشان أمويان طرقتين مدويتين على بوابتها الشرقية الجنوبية والغربية الجنوبية، في ذلك

الوقت لم يكن لأوربا شمال، حسب ما تبلورت عليه شخصيتها وهويتها، فقد كان شمالها غارق في وثنيته

وهمجيته. كانت أوربا في طور التشكيل. وجاء العرب ليقفوا على أط ا رفها من الجنوب الشرقي ومن

الجنوب الغربي، ولاحقاً ليتسللوا من خلال بطنها الرخوة. وعلى الرغم من أن تغلغلهم قد أوقف وتمت

إستعادة الأقاليم التي حكموها، إلا أن تأثيرهم بقي، فقد ساهم العرب في تشكيل أوربا.

يغطي الكتاب هذه الحقبة من هذا التاريخ المشترك، ويمتد إلى الحروب الصليبية، حيث إتسعت

أوربا على حساب غاباتها ومستنقعاتها وتشكل إقتصاد جديد ودول جديدة وبدأت تستشعر قوتها، الأمر

الذي دفعها إلى شن هجوم معاكس ضد العرب والمسلمين، على الأ ا رضي الأوربية أولاً ثم على السواحل

السورية تالياً، حيث أخذت الحرب طابعاً دينياً بحت اً، سميت في الغرب بالحروب الصليبية.

منذ فجر التاريخ قدمت إلى أوربا هج ا رت كثيرة من خارجها، وتمكنت من هضمها جميعاً، ما عدا

العرب، فإنها لم تحاول، وقد كان العائق و ا رء ذلك ديني اً.

إستمر الص ا رع بين الطرفين بلا جدوى وكثي ا رً ما كان بلا مسببات فعلية، إقترب أحياناً من إمكانية

إقامة تفاهم بمبادرة من بعض القوى، ولكن كان دائماً هناك قوى أخرى لها مصلحة بإدامة الص ا رع.

ق ا رءة ممتعة ومفيدة أرجوها لكم.

نديم أسعد

_________________________________________

الفصل الأول

أوربا القبلية

لقرون طويلة منذ فجر التاريخ، لم تكن أوربا جزءاً هاماً من خارطة العالم السياسية والإقتصادية،

على الرغم من نشوء إمب ا رطوريتين فيها، قد تكونا الأعظم في تاريخ البشرية من ناحية المساحة

والجبروت العسكري والمساهمة في الحضارة الإنسانية. ولكن يمكن للإمب ا رطوريتين المذكورتين، وهما

الإمب ا رطورية المقدونية والإمب ا رطورية الرومانية أن تعدا، ببساطة حالتين متوسطيتين أكثر منهما

2

أوربيتين. فعلى الرغم من بزوغ فجر الحضارة في بلاد الإغريق )اليونان( وفي بلاد الرومان )إيطاليا(

في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً، فقد إستغرقت بقية أوربا ما يقارب العشرين قرناً ليبزغ فجر حضارتها.

لقد كانت خطوط التجارة العالمية تنتهي في المدن الرومانية والبيزنطية، ولم تكن هذه الخطوط

الممتدة من شرق آسيا، شمالاً وجنوباً، تخترق هذه المدن الساحلية إلى داخل أوربا، بشكلٍ نظامي

ومعروف ومحدد.

لقد إعتمدت الحضارة )النهضة( الأوربية الحديثة على الحضارة العربية بصورةٍ مباشرة أكثر مما

إعتمدت على الحضارتين اليونانية والرومانية. ولم تحدث النهضة الأوربية إلا عندما أخذ التحول يأخذ

طابعاً شمولياً يغطي كامل أوربا أو معظمها. كما لم تفد أوربا من الحضارة اليونانية بصورةٍ مباشرة،

سواء عن طريق اليونان أو عن طريق بيزنطة، أو حتى بترجمة ما تسرب إلى المدن الأوربية من كتب

يونانية خلال الألفي عام التي سبقت عصر النهضة، ولذلك بإمكاننا القول أن لولا دور العرب لكان نتاج

الحضارة اليونانية قد إندثر مثلما إندثرت حضا ا رت المايا والأزتك.

لقد كان الرومان والبيزنطيون يطلقون عبارة الب ا ربرة على بقية أوربا، أي على وسطها وشمالها وغربها

وشرقها، ويطلقون تعبير "العالم المتمدن" على دولهم وولاياتهم الشرقية. وقد إستمر هذا التصنيف في

الوجدان الأوربي إلى يومنا هذا. فكثي ا رً ما نسمع في زماننا من بعض الساسة والمفكرين الغربيين

نداءات تدعو إلى الدفاع عن العالم المتحضر، وكإن العالم لا ي ا زل قابل للتقسيم إلى معسكرين أحدهما

متمدن والآخر متوحش.

في الوقت الذي كانت روما تؤسس أمبرطوريتها حول المتوسط كانت بقية أوربا مسرحا لهج ا رت

عديدة في كل الإتجاهات، وعلى عكس هج ا رت الساميين من الجزيرة العربية، لم تكن التحولات المناخية

هي الدافع الرئيسي، إنما كانت الهج ا رت تتم نتيجةً لضغط قبيلة )أو أمة( على أخرى، وبالتالي فقد كانت

الهج ا رت دموية للغاية، فقد كان ثمن تشكيل الخارطة السياسية الأوربية باهظ الثمن.

الهج ا رت

تحدثنا في الجزء الأول من هذا الكتاب عن إنقسام الدولة الرومانية، والإضمحلال التدريجي للجزء

الغربي منها. وبقي تأثير الحضارة الرومانية محصو ا رً في أقاليم محدودة ومحصورة في الجنوب والشرق

؛ وتحديداً فيما يعرف الآن باليونان وايطاليا، أما باقي أوربا فقد كانت أقاليم تغطيها الغابات والمستنقعات

وتسكنها قبائل غير مستقرة. وقد شهد القرن ال ا ربع الميلادي حركة هج ا رت واسعة من أواسط آسيا غيرت

الخارطة الديموغ ا رفية للقارة واستمرت بإحداث تغيير لعدة قرون وأعطتها شكلها ولونها وم ا زجها الذي

نعرف اليوم.

3

وقد سبق هذه الهج ا رت هجرة من اوربا إلى شبه القارة الهندية وفارس، حيث هاجرت قبائل آرية

واستقرت في شمال وغرب الهند. كما حدثت هج ا رت داخلية ضمن القارة؛ من الشمال إلى الجنوب.

الكلت

يوصف الكلت على أنهم مجموعة من الشعوب التي سكنت أقاليم إمتدت من الجزر البريطانية غرباً

إلى جالاتيا شرق اً. وهم ينحدرون من مجموعة الشعوب الهندو- الأوربية، والتي ينحدر منها شعوب

أوربية أخرى وشعوب أخرى هاجرت إلى آسيا وتشكل مجموعة ما يعرف بالشعوب الهندو–إي ا رنية.

لقد عاش الكلت كقبائل محاربة، تكثر الإقتتال فيما بينها ومع جي ا رنها من الشعوب الأخرى، وعرفوا

صناعة الحديد، فإستخدموه في أسلحتهم وأدواتهم الز ا رعية. لقد إمتهن الكلت الز ا رعة وأتقنوها. وفي

حدود العام

088 قبل الميلاد كانوا يسيطرون على معظم وسط اوربا وشرقيها ووصلوا إلى هضبة

الأناضول، واحتلوا اسبانيا بحدود

088 قبل الميلاد، وبريطانيا بحدود 008 قبل الميلاد.

لم يترك الكلت وثائق مكتوبة أو منقوشة تحكي تاريخهم، فلم يعرفوا الكتابة، وكل ما يتوفر عنهم ما

سجله جي ا رنهم من الحضا ا رت الأخرى التي إحتكت بهم، وفي طليعتهم الرومان.

ففي حدود عام

088 قبل الميلاد إنحدرت مجموعة من الكلت من جبال الألب بإتجاه حوض نهر

البو في شمال إيطاليا، حيث أ ا زحوا أهل المنطقة، الأمر الذي دفع روما لإرسال موفدين للتفاوض مع

الكلت. ولما فشلت المفاوضات لإص ا رر الكلت أن قوتهم العسكرية تتي لهم الحصول على كل شي

بما في ذلك الأرض، عند ذلك إنحاز الرومان للقتال ضد الكلت. إنتهى الص ا رع بحصار روما لعدة

اشهر. بعد سبعة اشهر من الحصار فاوض الرومان محاصريهم على الف رطل من الذهب، حيث تم

جمعها من اهالي المدينة بصعوبة بالغة.

لقد كان إتفاقاً مهيناً لروما، ففي أثناء وزن الذهب إتهم الرومان الكلت بالغش في الوزن. عند ذلك

رمى قائدهم برينوس سيفه في المي ا زن قائلاً "الخزي للمهزوم".

إستطاع أهالي روما بالتعاون مع حلفائهم إعادة بناء روما كمدينة حصينة وتنظيم صفوفهم وطرد

الكلت من إيطاليا وحوض نهر البو في نهاية ص ا رع طويل إستغرق مائتي عام، عُرف الكلت في فرنسا

بإسم الغال، حيث أعطوا هذا الإسم للبلاد نفسها.

إستمر الص ا رع بين الرومان والكلت ففتحوا بلاد الغال في زمن يوليوس قيصر في الفترة المنتهية في

العام

08 ق م. كما فتحوا معظم الجزر البريطانية. ولم يتبقى للكلت من وجود مستقل إلا إيرلندة، بعد

أن خسروا أقاليم أخرى لشعوب أخرى.

4

لقد خلد الرومان حروبهم الغالية بقطعة نقد من زمن يوليوس قيصر، حيث يظهر رسم لمحارب

غالي )كلتي( بشعره الطويل الممشط إلى الخلف ووجهه الحليق، بينما تظهر صورة القيصر على الوجه

الآخر. وهذا نهج غريب.

ترك الكلت أث ا رً كبي ا رً في تكوين أوربا رغم ذوبانهم الكامل في شعوبها التي ظهرت تباعاً تحت

مسميات مختلفة. فالمؤث ا رت اللغوية قوية جداً وتت ا روح من وجود أعداد كبيرة من المفردات في لغات

اوربا الحديثة إلى أُمومة كاملة لبعض هذه اللغات مثل اللغتين الآيرلندية والأسكتلندية.

كما تربط الكلت علاقات حضارية مع الشعوب التي هاجرت من اوربا الى حوض نهر السند، حيث

أثبت باحثون وجود هذه العلاقة لوجود جذور لغوية مشتركة وتشابه في المعتقدات الدينية.

الهون

يعتبر الهون تحالف قبائل تعود لإصول آسيوية. ويعتقد بعض الباحين أنهم ينتمون لإصول عرقية

مختلفة، مثل المنغولية والتركية وغيرها من أع ا رق وقبائل أواسط آسيا. لم يترك الهون سجلات مدونة

عن تاريخهم وهج ا رتهم وحضارتهم. وكل ما يتوفر عنهم من ما كتب عنهم جي ا رنهم والشعوب التي

عانت من هج ا رتهم.

ظهر الهون شمال البحر الأسود في القرن ال ا ربع الميلادي. وكان أحد المؤرخين الرومان قد سجل

وجود شعب شمال بحر قزوين أُعتقد أنهم من الهون في سنة

931 م 1 . ثم إجتاحوا حوض الدانوب

الأدنى في حوالي العام

300 م 2 . ثم سرعان ما بدأوا يهددون القسطنطينية نفسها بعد إجتياح ت ا رقيا 3 ،

المتاخمة لها، وذلك تحت قيادة أتيلا.

المؤرخ ديونيسيس كلوديوس.

1

2

. اوربا العصور الوسطى – التاريخ السياسي، د سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو مصرية 9100

3

وهو الإقليم الواقع على ساحل بحر مرمرة الأوروبي.

5

إمبراطورية الهون في أوربا

ونتيجة للأذى المتلاحق الذي أوقعه الهون في الأقاليم المحيطة بالقسطنطينية إضطر الإمب ا رطور

البيزنطي ثيودوسيوس الثاني إلى الإتفاق معهم على إتاوة سنوية لهم مقابل عدم التعدي على أ ا رضي

الإمب ا رطورية. هذا ما دفعهم إلى التحرك غرباً، فتقدموا بقيادة أتيلا صعوداً مع مجرى الدانوب سنة

000

م، حيث إجتاحوا إليريا 4 وبانونيا 5 بالإضافة إلى ت ا رقيا المذكورة. ثم هاجموا بلاد الغال سنة

009

م. قام الهون بتخريب العديد من المدن ونهبها حيث هرب أهاليها من طريقهم بعدما شاع عنهم

كثيرٌ من قصص البطش والقسوة والوحشية

6 .

قامت جيوش الإمب ا رطورية الرومانية الغربية بمواجهتهم وذلك في زمن الإمب ا رطور فالنثيان الثالث.

وقد ساعد على ذلك تحالف القوط الغربيين مع الرومان. فتمت هزيمة الهون في معركة شالون سنة

009

م، بعد أن أوشكوا أن يطبقوا على معظم أوربا. وقد أُعتبرت هذه المعركة من المعارك الفاصلة

في التاريخ الأوربي. هذا على الرغم من أن الهون لم تنكسر شوكتهم تماما.

إرتد الهون إلى ما و ا رء الدانوب، ولكن سرعان ما هاجموا إيطاليا في العام التالي. وعندما أتموا

حصارهم لروما العاصمة؛ عاصمة الإمب ا رط ورية ومقر الكنيسة، خرج البابا ليو لمفاوضة قائدهم أتيلا.

إقليم شمال غرب البلقان.

4

5

إقليم غرب المجر.

أوروبا العصور الوسطى.

6

6

على إثر هذه المفاوضات غادر أتيلا وجيشه إيطاليا مسرع اً. ويذكر المؤرخون أسباب عدة لهذا

الإنسحاب السريع، فمن أسباب إعجازية إلى خوف أتيلا من الجيوش الرومانية التي إقتربت عودتها من

بلاد الغال- وهي التي كانت قد هزمته في العام الفائت- كما يذكر المؤرخون وعداً بدفع إتاوة لأتيلا.

في العام التالي توفي أتيلا، وسرعان ما تقسمت إمب ا رطوريته بين أبناءه. وخلال عشرين عاماً

إنهارت إمب ا رطورية الهون عندما ثارت عليهم الشعوب التي قهروها خلال العقود القليلة الماضية

7 .

لقد تم إستيعاب قبائل الهون وذوبانهم في شعوب أوربا، وتم إستيعاب ثقافتهم وتقاليدهم ضمن الثقافة

الأوربية الآخذة بالتكون. فنُسجت عنهم الملاحم والأساطير، كمحاربين أشداء على ظهور خيولهم.

تدعي الكثير من الإثنيات الأوربية الإنتماء إلى الهون أو إلى أتيلا نفسه، مثل شعب الماجيار

وكذلك بلغار الفولغا الذين تؤكد لغتهم الشوفاش

Chuvash أُصولها التي تعود الى قبائل الهون.

لقد ورد ذك ا رً للهون في وثائق صينية وأخرى أرمنية بتسلسل زمني منطقي يتناسب مع الوثائق

البيزنطية والرومانية. كما لعب الفرس دور مهم في منعهم من التوجه جنوب اً، فقد كرس قباد جيشاً

خاصاً لمنعهم من التسرب من خلال منافذ القوقاز الجبلية، الأمر الذي تقاضت عليه فارس مالاً من

الإمب ا رطورية الرومانية، لأنه يحمي حدودها الشرقية أيض اً. لا يُعرف للهون ذكر في تواريخ المنطقة

العربية سواء السريانية منها أو العربية على الرغم من إقت ا ربهم الشديد من المنطقة، حيث وصلوا إلى

شرق الأناضول، ولكن... يوجد قبيلة عربية تحمل نفس الإسم " الهون "، فهل هناك صلة؟..

الصقلاب )السلاف(

هم أحد الأع ا رق الهندو – أوربية والتي قطنت ولا ت ا زل في جنوب شرق أوربا بشكل رئيسي. وقد

زحفوا إلى هذا الجزء من أوربا في القرن السادس من موطنهم الأصلي في شمال شرق أوربا، حيث يعتقد

أنهم إنحدروا من بولندا أو أوك ا رنيا أو روسيا البيضاء، حسب نظرياتٍ ثلاث.

لم يكن السلاف يطلقون على أنفسهم هذه التسمية، وانما أطلقها عليهم الشعوب الأخرى التي إحتكت

بهم، كما أطلقوا عليهم أسماء أخرى مثل سكلابينوي

Sklabeno i في اللغة الإغريقية، وهو الإسم الذي

أُشتق منه الإسم العربي صقلاب. لقد أطلق هذا الشعب على نفسه تسمية مثل صُرب

Sorb ، بينما

ظهرت تسمية أُخرى في وثيقة سلافية تعود للقرن التاسع وهي سلوفين

Slovene .

كان أول ظهور للسلاف في التاريخ المدون، عندما ذكر برقوبيوس القيساري، المؤرخ المعروف

والمنسوب إلى مدينة قيسارية في فلسطين، والذي إنحاز إلى جانب بلي ا زريوس واتهم الملك الحارث بن

جبلة بالخيانة في حرب الروم مع الفرس. فقد ورد في مدونات برقوبيوس أن قبائل هاجمت ولايات

أوربا العصور الوسطى.

7

7

الإمب ا رطورية الواقعة على الدانوب. كما ذكرهم مؤرخون آخرون

، وقد سموهم بإسماء مختلفة قريبة من

الأسماء التي عُرفوا بها فيما بعد.

وقد كانت حركاتهم تلك مدفوعة بحركة الهج ا رت الكبرى في تلك الأزمنة، فقد إنتقلوا إلى الأماكن

التي أخلاها الجرمان ضمن هذه المنظومة المعقدة والواسعة من الهج ا رت.

عندما إستقر السلاف وانتهت هجرتهم، كانت شؤونهم تدار من قبل أم ا رء لكل منهم قواته العسكرية،

حيث بدأت بالظهور بوادر تنظيم دولة، كما بدأت بالظهور طبقة نبلاء الذين أعطوا ولاءهم للفرنجة

وللإمب ا رطورية الرومانية المقدسة. ولكن الحكم كان بيد الآفار.

إستطاع السلاف التخلص من حكم الآفار، وأصب تاجر فرنجي إسمه سامو أول ملكاً لهم في القرن

السابع في وسط أوربا، ولكنه لم يؤسس سلالة.

لقد نتج عن حركة الهج ا رت الأوربية إمت ا زج الشعوب والقبائل ببعضها. وكانت حالة الإمت ا زج أكثر

من غيرها في حالة السلاف نتيجةً لموقعهم الجغ ا رفي المفتوح من جميع الجهات. فقد إمتزجوا مع الهون

والكلت والآفار والرومان والإغريق والماجيار وغيرهم.

دخل السلاف في الديانة المسيحية تدريجياً، ما بين القرنين السادس والعاشر. وقد تبنوا المذهب

الخلقيدوني )الأرثودوكسي الكاثوليكي(. وعندما إكتمل الإنشقاق بين الكنيستين تبع قسم اً منهم الكنيسة

الأرثودكسية، وتبع البقية الكنيسة الكاثوليكية، وفي أوقات لاحقة إعتنق بعضهم المذهب البروتستنتي،

وآخرون دخلوا في الدين الإسلامي.

تعود الكثير من الشعوب الأوروبية الحديثة إلى أصول سلافية. وفي العموم يقسم السلاف إلى

سلاف شرقيين مثل الروس والاوك ا رنيين والروس البيض. والسلاف الغربيين مثل البولنديين والتشيك

والسلوفاك. والسلاف الجنوبيين مثل البلغار والمقدونيين والصرب والكروات والبشناق )سكان البوسنة(،

وغيرهم من الشعوب الأقل شهرة أو التي ذابت في شعوب أخرى، ولم يعد لها ذك ا رً.

الآفار

الآفار

Avar شعب آسيوي هاجر إلى أوربا الوسطى في القرن السادس. وهناك العديد من

النظريات حول أصولهم ؛ مثل خوارزم والقفقاس والمنطقة المحيطة بكابول.

إضطر الآفار إلى التحرك غرباً نتيجةً لحروب خاضها الفرس الساسانيون والأت ا رك القوك

Gokturks

)وهم أول شعب تركي أسس دولة في أواسط القرن السادس شمال بحر القزوين( ضد

الهياطلة

Hephthalites )وهم شعب أسس دولة في شرق فارس – في مكان باكستان اليوم( في

خمسينات وستينات القرن السادس، أي قبيل ولادة الرسول محمد )ص(.

8

وصل الآفار الأ ا رضي الأوربية في القرن السادس، ولتجنب الصدام مع الدولة البيزنطية إتجهوا

شمالاً إلى ألمانيا، كما فعل الكلت قبل أكثر من مائة عام.

ولكن ألمانيا المغطاة بالغابات والمستنقعات لم تناسب الآفار، فإتجهوا نحو بانانويا، المنطقة السهلية

في غرب المجر. لم تكن الطبيعة الألمانية الدافع الوحيد و ا رء هجرة الآفار من ألمانيا وانما عدم ترحيب

الفرنجة بهم، الذين عارضوا تواجدهم فيها وقاوموه.

كانت بانانويا، في هذه الأثناء موضع ن ا زع بين قبيلتين جرمانيتين وهما اللومبارد والجيبيد

Gepid .

دخل الآفار الص ا رع بجانب اللومبارديين وهزموا الجيبيد في العام

060 م، فنالوا دولة لهم على ضفاف

الدانوب.

ولكن سرعان ما بدأوا بالتوسع، بدايةً على حساب حلفائهم اللومبارد، الذين إضطروا للهجرة جنوباً

نحو إيطاليا. وتحت قيادة ملكهم بيان، الذي قاد عشرة آلاف مقاتل، إكتسحوا دالماشيا في العام

060

م.

ولكن سرعان ما نشب العداء بين الآفار والروم. وفي حرب الفرس الأخيرة مع الروم، إشترك الفرس

والآفار في حصار بيزنطة في العام

626 8 ، فيما سمي بالحصار الأول، حيث كان الحصار الفارسي

من الجانب الآسيوي، بينما كان الآفار على الجانب الأوربي بحيث كان يشاهد أحدهم الآخر عبر

المضيق، بينما عمل الروم جهدهم أن لا يحدث إتصال بين الجيشين من خلال سيطرتهم البحرية على

المضيق

9 . ت ا رجع الآفار إلى سهول بانانويا بعد فشلهم في الحصار وهزيمتهم أمام الرومان.

إستمرت دولة الآفار إلى القرن التاسع، ولكنها ضعفت وتآكلت نتيجةً للص ا رعات الداخلية المتكررة،

وتحت ضغط الفرنجة في عهد شارلمان والبلغار، إختفى الآفار كه وية سياسية، ومع نهاية القرن التاسع

لم يعد لهم ذك ا رً.

إندمج الآفار مع السلاف والماجيار، الذين أسسوا دولاً بدورهم.

الجرمان

وهم مجموعات من الشعوب التي تتكلم اللغات الجرمانية. وقد إنتشروا في أقاليم أوربية مختلفة على

مدى قرون عديدة من خلال الفت والإجتياح، ومن خلال الإنسياح السلمي والإستيطان. وقد إنطلقوا من

موطنهم الأصلي في جنوب إسكندينافيا.

8

راجع الجزء الأول.

9

The Byzantine Empire , C. Oman.

9

فقد أثبتت أبحاث علماء الحفريات واللغات أن مجموعة من الشعوب تربطها ثقافة مشتركة سكنت

088

– جنوب إسكندينافيا وشمال ألمانيا، في العهد البرونزي الأوربي المتأخر ) 9888 ق . م( وهذه

الشعوب هي الشعوب )والقبائل( الجرمانية التي أثبتت البحوث أنها أول من سكن هذه المناطق، لعدم

وجود أسماء أماكن )ومفردات( تعود إلى لغات أخرى أقدم.

لقد عاش الجرمان في تجمعات سكانية صغيرة تحتوي بيوت متباعدة ومبنية من جذوع الأشجار.

كما لم تكن مدنهم وق ا رهم مسورة.

كانت معظم ملابس الجرمان من الجلود، ولم تتعدى كونها عباءة مثبتة بملقط أو عود عند الرقبة

في الغالب، أما الأكثر غنى منهم فقد كان يختار جلود حيوانات كثر نعومة. كما كان الذين يقطنون

داخل الإمب ا رطورية أو على حدودها يلبسون الملابس المنسوجة، والتي حصلوا عليها بالمبادلة.

أقام الجرمان إقتصاداً يعتمد على تربية المواشي بالدرجة الأولى، حيث كانت الم ا رعي مشاعاً

لسكان القرية جميعهم. أما الز ا رعة فقد كانت معرفتهم بها محدودة، لكن ملكية قطع الأ ا رضي الز ا رعية

المبعثرة بين الغابات والمستنقعات كانت خاصة.

لقد كان الرجل الجرماني يعتبر نفسه محارباً أولاً وآخ ا رً، فقد كان يقضي في زمن السلم أياماً بالقرب

من النار، أما أعمال الأسرة فقد كانت تسيرها نساء الأسرة.

لقد كان ا ربط الزواج مقدساً لدى الجرمان، وكانوا في الغالب يكتفون بزوجةٍ واحدة. وكان الزوج هو

الذي يدفع المهر.كما كانوا شعباً عفيفاً لم يعرف عنه ميله للهو والفجور

10 .

توسع الجرمان جنوباً بتأثير تحولات مناخية وت ا زيد عدد السكان، في مرحلة ما قبل تأسيس

الإمب ا رطورية الرومانية. وفي هذه الفترة بالذات إكتشف الجرمان تعدين الحديد، حيث إستطاعوا

إستخلاصه من مصادر محلية. وقد ساعد هذا الإكتشاف الجرمان في توغلهم في القارة الأوربية في

القرون التالية، حيث أدخلوا الحديد في صناعة الأسلحة.

لم يكن الجرمان موحَدون سياسياً، بل كان كل شعب يحكمه ملك، وكان نظاماً و ا رثياً في الغالب.

وكان الملك غالباً ما يقود مقاتلي شعبه في غزواتهم.

في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد هاجمت قبائل جرمانية عدداً من أقاليم الامب ا رطورية الرومانية،

مثل الغال وشمال ايطاليا وايبيريا ولوسيتانيا. وقد أدى هذا إلى صدام عسكري مع جيوش الرومان. كما

أدى إلى توجس الرومان منهم، مما حدى بيوليوس قيصر، بعد ذلك بعقود، أن يتذرع بالخطر الجرماني

تاريخ اوربا العصور الوسطى د السيد الباز العريني – دار النهضة العربية.

10

10

لغزو بلاد الغال، حيث غ ا زها وقام بضمها إلى روما. كما ضم في حملته تلك أ ا رضي واسعة في

حوضي نهري ال ا رين والدانوب، وغ ا ز بريطانيا حيث ضم معظم أ ا رضيها إلى الإمب ا رطورية.

نجم عن هذه الحملة أن أخذت جرمانيا شكلها التي عرفت عليه فيما بعد، وذلك من خلال تحديد

حدودها الجنوبية مع روما.

هاجمت بعض قبائل الجرمان شمال إيطاليا في العام

989 ق.م، وهذا الهجوم عزز ال أ ري المتخوف

من الخطر الجرماني.

في العام

1 م ثارت بعض قبائل الجرمان فطردوا الرومان من أ ا رضيهم فت ا رجعت حدود الإمبرطورية

إلى نهر ال ا رين. ومع نهاية القرن الأول للميلاد كان هناك مقاطعتين جرمانيتين ضمن الإمب ا رطورية

الرومانية، ضمتا مدناً جرمانية هامة مثل آخن وكولون ومينز. وعلى ما يبدو أن إستيعاب الجرمان

ضمن الإمب ا رطورية بدأ يحل كفكرة محل فكرة هزيمتهم، فبدأ تجنيدهم في الجيش الروماني، ومحاولات

لإكسابهم الصبغة الثقافية الرومانية، وقامت بعض قبائل الجرمان بمهاجمة بانانويا في القرن الميلادي

الثاني

11 .

في القرن الخامس الميلادي كان الجرمان قد إزدادوا عدداً، وأصبحوا يعرفون بإسماءٍ شتى؛ مثل

القوط )الشرقيين والغربيين( والوندال والفرنجة واللومبارد والسكسون، وانساحوا إلى مناطق أوسع واكتسبوا

ثقافات جديدة وتحول معظمهم إلى المسيحية. ولكن معظم الذين تحولوا إلى المسيحية أصبحوا

أريوسيين، أي على مذهب القديس آريوس، ولم يعتنقوا مذهب روما أو بيزنطة، فكانت كنيستا بيزنطة

وروما تعتب ا رهم ه ا رطقة، بعد أن كانوا كفرة. الفرنجة هم الوحيدون الذين تحولوا من الوثنية الى الكاثوليكية

مباشر ةً.

وفي هذه الأثناء كانت الإمب ا رطورية الغربية قد فقدت قوتها العسكرية والسياسية، كما كان العنصر

الجرماني قد تسلل إلى مناصب رفيعة في الجيش والدولة في روما.

وكما أسلفنا ظهرت قبائل الهون في أواسط القرن الخامس على المسرح الأوربي ضاغطة على قبائل

الجرمان نحو هج ا رت قسرية في العمق الأوربي ضمن أ ا رضي الدولة الرومانية.

لم يكن ضغط الهون هو السبب الوحيد لهجرة الجرمان الجديدة وانما كان هناك أسباب أخرى مثل

إزدياد عدد السكان وتحولات مناخية في شمال أوربا.

أدى هذا الإندفاع إلى وصول الجرمان إلى أقاليم جديدة، مثل بريطانيا وايبيريا وحتى شمال إفريقيا.

لقد وصلت الشعوب الجرمانية إلى معظم الأقطار الأوربية، وامتزجوا بشعوبها الأصلية، الأمر الذي نجم

عنه شعوب أوربا التي نعرف، والتي أدت في النهاية إلى تشكيل دول أوربا الحديثة.

11

اوربا العصور الوسطى محمد سعيد عاشور.

11

فروع الجرمان

تتكون الشعوب الجرمانية من قبائل وشعوب عديدة. ومع تقدم الزمن أصب كل مجموعة من هذه

القبائل تحمل إسماً مختلف اً. وقد تم تقسيمهم إلى جرمان شرقيين وجرمان غربيين. وفيما يلي إستع ا رض

لأهم هذه الفروع :

القوط الشرقيين

يعتبر القوط أحد شعوب الجرمان التي تركت أث ا رً عميقاً في التاريخ الأوربي في العصور الوسطى.

وقد بقي القوط هوية موحدة لغاية القرن الميلادي الثالث. ونتيجةً لهج ا رتهم شرقاً وغرباً أصب قسمٌ منهم

يسمى القوط الشرقيين، بينما أصب القسم الآخر يعرف بإسم القوط الغربيين. وقد كان القوط وبقية

الجرمان على وثنيتهم، فلم تصلهم المسيحية بعد. وقد كانوا، القوط الشرقيون والقوط الغربيون، يدينون

بنفس الديانة.

إستقر القوط الشرقيون في شمال البحر الأسود، وأقاموا دولة قوية بين الدانوب غرباً والدنيبر شرقاً،

حيث تنازل لهم الرومان عن إقليم داشيا. وقد حدث ذلك نتيجةً لسياسة تبناها الرومان، حيث عملوا

200

( سحب الرومان جيوشهم - على إستيعاب الجرمان بدل إستعدائهم. ففي زمن اورليان ) 208

وموظفيهم المدنيين من داشيا

Dachia وسلموها للقوط الشرقيين 12 . إستمرت دولة القوط طوال القرنين

الثالث وال ا ربع، وقد غطت مناطق ما يعرف اليوم برومانيا ومولدافيا. وقد كان يقطن هذه المنطقة

شعوب أخرى مثل الصقالبة والداشيين، سكان رومانيا القدماء. وقد كانت هذه أول دولة جرمانية ضمن

حدود الإمب ا رطورية الرومانية. فأخذت وضع يشبه كثي ا رً وضع دولة الغساسنة.

وقد هدد القوط الشرقيون القنسطنطينية مرتين؛ الأولى بعد أن إنتهوا من نهب اليونان تحت قيادة

ملكهم ألاريك، والثانية قبل توجههم إلى إيطاليا.

إنتهت دولة القوط الشرقيين على يد الهون، الذين أخضعوهم في العام

308 م، حيث إنتحر آخر

ملوكهم إرماناريك على إثر هزيمتهم.

12

عاشور.

12

مسار هجرة القوط الشرقيين في أوروبا

فيما بعد تعايش القوط الشرقيون مع الهون وتحالف وا معهم. وخاضوا معارك كثيرة تحت قيادة الهون

ضد شعوب أوربية عديدة. وقد شاركوا بمعركة شالون سنة

009 م المذكورة سابق اً.

بعد موت أتيلا ملك الهون، وانهيار دولتهم، إستقل القوط الشرقيون عن الهون تحت قيادة ثيوديمير،

ودخلوا معهم في ص ا رع أدى إلى هزيمة الهون، الذين كان يقودهم أحد أبناء أتيلا، في معركة نداو في

العام

000 . في هذه الأثناء نشأت علاقة مع الإمب ا رطورية إتسمت بالتحالف تارةً والعداوة تارةً أخرى.

كما إنخرط كثيرٌ منهم في الجيوش الرومانية، حتى وصل بعضهم إلى م ا رتب رفيعة، مثل أدواكر وغيره،

هذا مع حفاظهم، كشعب، على هويتهم السياسية المستقلة. حيث لمع نجم ملكهم ثيودوريك الكبير إبن

ثيودمير.

وقد كان ثيودوريك قد أمضى طفولته وصباه في القسطنطينية كرهينة

13 ، كما كانت العادة، حيث

تلقى تعليماً وتشبع بالثقافة اليونانية. وقد إنتدبه الإمب ا رطور زينو لإستعادة إيطاليا من سيطرة أوداكر،

الذي أ ا زح آخر أباطرة روما، وأصب حاكم إيطاليا الفعلي تحت مسميات مختلفة عن ما منحها له

الإمب ا رطور البيزنطي. فقد سمى نفسه ملك إيطاليا. الأمر الذي لم يرق لزينو فساءت علاقاته مع

الإمب ا رطورية، فشجع زينو ثيودوريك على غزو إيطاليا والتخلص من أدواكر، حيث هزمه وقتله بنفسه

أثناء وليمة دعاه إليها. لقد كان أوداكر قوطياً شرقياً تجري في عروقه دماء هونية.

العريني

13

13

نجم عن هذه الحرب إعادة توحد القوط الشرقيين مع القوط الغربيين، الذين كانوا يعيشون في هذا

الإقليم، كما نجم عنها أيضاً تأسيس دولة قوطية في إيطاليا وجزرها. وسرعان ما إتسع نفوذ ثيودوريك

إلى بلاد الغال وايبيريا. فقد أصب زعيماً للجرمان جميعاً، فأصبحت مملكة القوط الغربيين وأج ا زء من

المانيا إلى الشمال تحت نفوذه. لقد حكم ثيودوريك إيطاليا، دون أن يطرح نفسه وريثاً للعرش

الإمب ا رطوري الروماني، وقد أبقى حق سكان إيطاليا في التحاكم إلى محاكمهم الخاصة وحسب قوانينهم،

بينما إلتزم حوالي ربع مليون قوطي الذين إستوطنوا إيطاليا بقوانينهم ومحاكمهم. كما حافظوا على

تمايزهم المذهبي، حيث كان القوط يتبعون المذهب الأريوسي.

وقد كان القوط قد إعتنقوا الديانة المسيحية على يد أًولفيلاس، الذي ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة

القوطية. وقد كان أُولفيلاس، الذي أصب أول اسقف للقوط، آريوسياً

14 .

بموت ثيودوريك تلاشت الوحدة القوطية، فإستقل القوط الغربيون في إيبيريا وسيبتمانيا. بينما إستلم

الحكم حفيد ثيودوريك أثالاريك في مملكة القوط الشرقيين في إيطاليا.ولم تستطع المملكتان الشقيقتان حل

مشاكلهما الحدودية، حيث ظهر الضعف عليهما.

إغتنم الإمب ا رطور الروماني الفرصة لإستعادة إيطاليا، أو على الأقل ممتلكات بيزنطة فيها. فأرسل

بيلي ا زريوس على أ رس جيش لهذه المهمة، الذي سرعان ما تقدم في الأ ا رضي الإيطالية فاتحاً مدنها

الواحدة بعد الأخرى. وعلى الرغم من إنتصار الجيوش الإمب ا رطورية، بادر جستنيان إلى تقديم عرض

إلى القوط من خلال قائده. وقد فعل ذلك لأن الن ا زع قد تجدد في الشرق مع الفرس. حيث عزم على

توجيه بيل ا زريوس نفسه لمحاربة الفرس مع جيشه.

لقد عرض جستنيان على القوط الإحتفاظ بمملكة لهم في شمال غرب إيطاليا ودفع نصف خزينتهم

لبيزنطة. لقد أ ا رد الإمب ا رطور، على ما يبدو، أن يفرغ الجيش لحربه الشرقية ويحصل له على تمويل.

نتيجةً لضعف قيادة القوط

، ظهر من بين صفوفهم من حاول أن يفاوض الروم بطريقة منفصلة،

الأمر الذي أدى إلى قيام جيش الر ومان بقيادة بيلي ا زريوس بإكتساح ا رفينا عاصمة القوط بعد أن تظاهر

بقبول عرض المفاوضين القوط، فقام بإعتقال قادة القوط وأعلن ضم مملكتهم لأ ا رضي الإمب ا رطورية.

قام القوط الشرقيون بعدة ثو ا رت واستطاعوا أن يحققوا بعض النجاح، ولكن الرومان أرسلوا جيوشهم

بقيادة بلي ا زريوس بعد ف ا رغه من الفرس

15 ، ثم نارسس الخصي، حيث تم القضاء على آخر ثو ا رتهم في

العام

062 م.

14

عاشور

15

راجع الجزء الأول.

14

إنتهى القوط الشرقيون كأمة ولم يعد لهم ذكر. ولكنهم تركوا إرثاً ثقافياً ولغوي اً. لقد عُرف عن

القوط عفتهم وتدينهم، ولكن أيضاً تسامحهم مع رعاياهم الذين يختلفون معهم مذهبياً مثل الرومان.

تحول القوط عن مذهبهم الأريوسي إلى المذهب الكاثوليكي تدريجياً في القرون التالية. لقد إختفى القوط

الشرقيين كقوة سياسية مؤثرة قبل أن يظهر العرب كقوة سياسية مؤثرة على المسرح العالمي، فلم يتعاملوا

مع العرب المسلمين، ولكنهم تعاملوا مع العرب المسيحيين، حيث تواجهوا في معركة في البلقان مع

كتيبة عربية كانت تحارب مع الرومان في زمن الإمب ا رطور فالينز، التي ارسلتها الملكة العربية ماوية،

حيث أشاد المؤرخون المعاصرون في دور العرب في حسم المعركة حيث حاربوا بشجاعة وض ا روة ملفتة

للنظر.

القوط الغربيين

ظهر القوط الغربيون للمرة الأولى في المدونات التاريخية كهوية منفصلة عن بقية القوط والجرمان

عندما هاجموا الإمب ا رطورية الرومانية في العام

260 م. حيث إجتاحوا داشيا وبنانويا والبلقان وهددوا

إيطاليا. ولكن تم إيقافهم وردهم إلى ما و ا رء الدانوب، حيث إستقروا في داشيا )رومانيا اليوم( وأسسوا

دولتهم واعتنقوا المسيحية على المذهب الأريوسي، غير المقبول روماني اً.

عند ظهور خطر قبائل الهون ال ا زحفة من الشرق، طالب قادتهم إمب ا رطور بيزنطة فالينز أن يسم

لهم أن يستقروا على الضفة الجنوبية للدانوب لوقاية شعبهم من هجمات الهون القادمة من الشمال

الشرقي. فالهون الخيالة المهرة لا يجيدون قطع الأنهار كقوةٍ ضاربة. فسم لهم فالينز بذلك وقدم لهم

المساعدة.

ولكن ظهور مجاعة جعل من الصعب على بيزنطة الوفاء بما وعدت به القوط الغربيين من غذاء

وأرض، فثار القوط وعاثوا فساداً في البلقان لمدة ستة سنوات. وقد وافق ذلك ظهور الهون على المسرح

الأوربي.

في العام

300 م جرت معركة أدريانانوبل، وقد إنهزم الرومان فيها أمام تحالف من القوط الغربيين

والشرقيين والهون واللان. وقد كانت هزيمة نك ا رء حيث تم تمزيق الجيش الروماني وقتل الإمب ا رطور

فالينز، الذي لجأ إلى كوخ في غابة حيث تم إح ا رقه.

ولكن التحالف فشل في حصاره للقسطنطينية، وتم ردهم عنها بمشاركة كتيبة عربية لعبت دو ا رً مهماً

في حسم نتيجة المعركة. وقد ذكرت مصادر رومانية أن أحد المقاتلين العرب بادر إلى مهاجمة أحد

المهاجمين وذبحه وشرب من دمه، الأمر الذي كان له أثره على معنويات الجيش المعادي

16 .

16

العرب على حدود بيزنطة

15

وقع الإمب ا رطور ثيودوسيوس الجديد إتفاق سلام مع القوط الغربيين وقد صمد هذا الإتفاق طوال

حياته، لغاية

310 م. وفي نفس السنة التي توفي فيها تولى حكم القوط الغربيين ألاريك، وتولى حكم

الإمب ا رطورية إبني ثيودوسيوس الضعفاء أركاديوس في الشرق وهونوريوس في الغرب.

وخلال الخمسة عشر سنة التالية جرت صدامات متقطعة مع الإمب ا رطورية. قام القوط خلالها بغزو

منطقة البلقان، ونهبوا مدن يونانية عديدة بينها اثينا، واقتربوا من القسطنطينية

17 . قام الرومان الغربيون

بالدفاع عن القسطنطينية، حيث أبعدوا خطر القوط عنها. بعد ذلك قام إمب ا رطور القسطنطينية

أركاديوس بمن القوط الشرقيين إقليم أليريا.

برز في هذا الص ا رع، في الجانب الروماني، عدد من القادة العسكريين الجرمان. قام هونوريوس

في العام

080 م بإعدام أحد هؤلاء القادة وهو ستيليكو - الذي أنقذ القسطنطينية وخدم روما خدمات

جليلة- وذلك لتعاظم نفوذه. وقد فعل ذلك بحجة الإهمال

18 ، ثم تبع ذلك القضاء على عائلات 38888

جندي جرماني من أتباع ستيليكو يعملون في الجيش الروماني، الذين نج قسمٌ منهم في الف ا رر إلى

القوط. عند ذلك قام ألاريك ملك القوط الغربيين بإعلان الحرب على الإمب ا رطورية. وفي العام

098 م

تمكنت القوات القوطية من دخول روما ونهبوها، وعلى الرغم من أنها لم تكن العاصمة وقتذاك، إلا أن

الصدمة كانت كبيرة على المجتمع الروماني.

17

عاشور

18

عاشور

16

مملكة القوط الغربيين في أوروبا

وعلى الرغم من ذلك قام هونوريوس بطلب مساعدة القوط في القضاء على الوندال الذين إحتلوا

إبيريا وأقاموا فيها دولةً لهم.

قام القوط بهذه المهمة وكافأهم هونوريوس بإعطائهم أكيتانيا، الواقعة في الجنوب الغربي لفرنسا

اليوم، ولكن سرعان ما توسع القوط لتشمل دولتهم معظم إسبانيا ومعظم فرنسا. وفي العام

000 م

منحت الإمب ا رطورية الرومانية إستقلالا كاملاً لهذه الدولة. في العام

080 م خسر القوط اكيتانيا للفرنجة

حيث تحولت عاصمتهم من تولوز في اكيتانيا الى توليدو )طليطلة( في العمق الإسباني. تحول القوط

من المذهب الأريوسي إلى المذهب الكاثوليكي قرب نهاية القرن السادس، عقود قليلة قبل الفت العربي

في العام

099 م. حيث إنتهى حكمهم بآخر ملوكهم روديريك، الذي سماه العرب لذريق. وتعتبر دولة

القوط الغربيين في إيبيريا أقوى الممالك الجرمانية التي قامت ما بين سقوط الإمب ا رطورية الرومانية

الغربية وظهور دولة الفرنجة

19 .

من الطريف أن النمط المعماري الدارج في أوربا وبقاع عديدة من العالم، والمستخدم أساساً في بناء

الكنائس، والمسمى المعمار القوطي، لا يعتبر إنجا ا زً قوطياً، إنما أُطلق عليه هذا الإسم لاحقاً لأنه فجاً

مثلما كان القوط.

الفرنج

وهم أحد الشعوب الجرمانية الغربية، ويتكونون من قبائل عديدة ويقسمون إلى قسمين؛ البحريين

Ripuaires

والبريين Saliens . وقد إنتقلوا بفرعيهم من أواسط المانيا الى شمال بلاد الغال، التي

كانت ولاية رومانية، حيث تم قبولهم كمتحالفين من قبل الامب ا رطورية. وذلك في زمن جوليان في اواسط

القرن ال ا ربع، من أجل ضمان أمن الملاحة في نهر ال ا رين حيث كان لهم سيطرة كبي رة. فأسسوا مملكتهم

على ا ا رضي تغطي معظم فرنسا الحديثة وغرب المانيا اليوم والأ ا رضي المنخفضة، التي أصبحت تسمى

ف ا رنسيا، وعرفها العرب، وشعوب شرقية أخرى بإسم بلاد الفرنجة.

وقد حكمت الفرنجة سلالاتين ؛ هما الميروفنجيين والكارولينجيين. وكان ملوكهم ينظرون الى

مملكتهم وكأنها ملكية خاصة. وكانوا يورثون الحكم لجميع الأبناء بتقسيم المملكة، وهذا ما جعل حدود

هذه المملكة دائمة التغير.

عاشور

19

17

يعتبر كلوفيس من أهم ملوك السلالة الأولى،وكان تحوله إلى المسيحية في العام

016 م حدثاً هاماً

لكل أوربا. وكان ذلك بتأثير من زوجته. حيث قام الأسقف )البابا( بتعميده بنفسه فدخل في الديانة

المسيحية الآلاف من شعبه، إلى أن تنصروا جميعاً، وكانوا بذلك الشعب الجرماني الوحيد الذي إتبع

المذهب الخلقيدوني )الأرثودكسي الكاثوليكي( مباشرةً دون المرور بالمذهب الآريوسي أولا . أصب

الفرنجة بهذا التحول حماة المسيحية في الغرب الأوربي، وشكل هذا الحدث بذور تاريخ غرب أوربا

20 ،

كما جعل من تقبل الرومان لحكم كلوفيس أم ا رً ممكن اً. وتبع ذلك تحالف بين الباباوات وملوك الفرنجة.

خاض كلوفيس حروباً عديدة نتج عنها توسع كبير في حدود دولته، وكان قد هزم سياجروس، وهو

قائد روماني إستمر يمارس السلطة في الغال بعد زوال الإمب ا رطورية الغربية، وذلك في معركة سواسون

عام

006 م 21 . وقد ساعده في حروبه وقوف الكنيسة الكاثوليكية بجانبه، فخصومه كانوا إما وثنيين أو

آريوسيين. مات كلوفيس سنة

099 م. إنقسمت مملكته بين أبناءه الأربعة، كما هي عادة الفرنجة. ولم

يكن التقسيم حل نهائي مقبول لجميع الأط ا رف، فسرعان ما ينشأ الص ا رع بين الأخوة فيتغلب بعضهم

على بعض. فأبناء كلوفيس الأربعة تحاربوا فيما بينهم وما لبث أحدهم وهو لوثار أن وحد المملكة

بالقضاء على حكم إخوانه. نجم عن هذا ضعف الملكية وت ا زيد قوة النبلاء، الأمر الذي قوى النظام

الإقطاعي.

لقد إختلف الفرنجة عن بقية الشعوب الجرمانية، بأن جميع الشعوب الجرمانية هاجرت من موطنها

الأصلي ومارست الغزو على شعوب أخرى إلى أن إستقر بهم المطاف في أحد الأقاليم بعد أن قطعوا

علاقتهم بموطنهم الأصلي، أما الفرنج فإنهم لم يغادروا ألمانيا، موطنهم الأصلي، وانما توسعوا بإنتقال

قسماً منهم إلى أقاليم مجاورة مع الإحتفاظ بالصلات الثقافية والسياسية فيما بينهم. وهذا ساعدهم على

الإحتفاظ بخصائصهم وحيويتهم. كما لم يعرف عنهم إضطهاد السكان الأصليين. إستمرت دولة

الفرنجة طويلاً وقد ضمت أقاليم عديدة في غرب ووسط أوربا.

أعطى الفرنجة إسمهم لشعوب أوربا كلها، أو على الأقل لشعوب غربها، لدى شعوب كثيرة تمتد من

اليونان إلى الهند، بما في ذلك العرب. عندما ثار الهنود على الإنكليز في عام

9000 كان شعارهم

"مارو فرنجي" أي أُقتلوا الفرنجيين.

20

تاريخ اوربا العصور الوسطى.

عاشور

21

18

اللومبارد

اللمومبارد هم أحدى قبائل الجرمان التي هاجرت من إسكندينافيا إلى شمال غرب المانيا في القرن

الميلادي الأول. وقد كانوا يمارسون الز ا رعة وتربية المواشي. وقد سُجلت بعض الإشِتباكات مع الدولة

الرومانية. وقد تغير الوضع كلياً في القرن ال ا ربع بعد تدفق الهج ا رت من الشرق، حيث تم دفعهم إلى

هج ا رت قسرية، ففي بداية القرن السادس إستقروا في بانانونيا )غرب المجر( بموافقة الإمب ا رطور

جستنيان كمحالفين

Foederati .

في هذه الأثناء جرى تحول في نمط إدارتهم لشؤونهم. فتحولت القيادة إلى مجموعة من الدوقات

Dukes

والكونتات Counts ، الذين يتزعمون بطون وأفخاذ القبيلة المختلفة. لقد كانت القبيلة في حالة

تحول إلى شعب.

ولكم سرعان ما ظهر ملك مقتدر وهو ألبوين في العام

068 ، الذي قاد شعبه في حرب ضد جي ا رنه

الجيبيد

Gepids بمساعدة الآفار الذين جاءوا من الشمال، حيث ضم ا ا رضيهم وأصبحوا من ضمن

رعاياه، ولكي يقوي الروابط بين الشعبين تزوج إبنة ملكهم. وفي الاعام

060 قاد تحالفاً أوسع من

اللومبارد والجيبيد والبافاريين والسكسون والبلغار في هجوم على شمال إيطاليا. فسقطت جميع مدن

شمال إيطاليا بأيديهم واتجهت الجيوش نحو روما التي استطاع البيزنطيون حمايتها. أسس اللومبارد

مملكتهم وعاصمتها بافيا، حيث قسموها إلى

36 دوقية تتمتع بإستقلالية كبيرة لدرجة أضعفت الإدارة

المركزية في العاصمة.

مملكة اللومبارد في إيطاليا

كان كثيرٌ من اللومبارد لا ي ا زلون على وثنيتهم عندما إكتسحوا إيطاليا، كما كان قسمٌ منهم قد إعتنق

المسيحية على المذهب الآري وسي. شكل هذا حاج ا زً عن المجتمع الإيطالي المسيحي الكاثوليكي. ولكن

تدريجياً أخذوا بتبني العادات الرومانية واتخاذ الألقاب الرومانية، وسرعان ما تحولوا إلى المذهب

الكاثوليكي عند حلول القرن السابع، ولكن هذا لم يحدث بسلاسة وبدون ن ا زعات مذهبية.

تم إغتيال البوين في العام

002 م. كما تم إغتيال خليفته بعد حكم ثمانية عشر شه ا رً، وتلا ذلك فترة

من الفوضى، حيث إمتنع الدوقات عن إنتخاب ملك. ولكنهم أضطروا إلى ذلك في العام

000 م لصد

الخطر الفرنجي، فإختاروا حفيد ألبوين، واسمه أوثاري، الذي تزوج إبنة دوق البفاريين ثيوديليندا، وكانت

كاثوليكية ومقربة من البابا جريجوري الأول. دفعت الملكة بإتجاه الكثلكة، بينما عمل الملك على توحيد

البلاد وتعزيز الملكية. وعلى الصعيد الدبلوماسي إستطاع تحييد البيزنطيين في الص ا رع مع الفرنجة،

الذين تضائل خطرهم. بعد موته إعترى الضعف جسم مملكة اللومبارديين، حيث تقسمت بين الورثة

19

إلى دويلات على عادة الجرمان. كما ظل الص ا رع المذهبي، بين الأريوسيين والكاثوليك، مسيط ا رً على

الأحداث، يمنع وحدة اللومبارديين أنفسهم، ناهيك عن وحدة اللومبارديين والرومان، كما أن معارضة

الرومان وعدم رضى البابا عن حكمهم ساعد على حالة عدم الإستق ا رر التي كانت تظهر كلما إختفى

ملك قوي بموته.

وقد ظهر بعض الملوك الأقوياء مثل ليوتب ا رند الذي إستعاد بعض الممتلكات المفقودة، واستولى على

ا رفينا من البيزنطيين مستفيداً من حالة الخلاف بين بيزنطة وروما على الإيقونات، كما ساعد قائد

الفرنجة شارل مارتل في صده للعرب في معركة بلاط الشهداء. ولكن سرعان ما تجدد الص ا رع مع

الفرنجة في عهد خليفته الذي هزمه ملك الفرنجة ببين، إبن شارل مارتل. ولكن الهزيمة القاضية جاءت

على يد، شارلمان، إبن ببين، الذي قضى على الوجود السياسي للومبارديين بشكل نهائي كمملكة، ولكن

تبقى لهم بعض الدوقيات في الجنوب. لقد أضاف شارلمان لألقابه لقب ملك اللومبارديين.

ما تبقى من وجود سياسي للومبارديين كان على شكل دوقيات، إرتقى بعضها إلى مستوى إما ا رت،

وعاش بعضها إلى أن ظهر النورمان على المسرح السياسي، حيث قاموا بالقضاء عليها.

الوندال

ظهر الوندال في القرن الميلادي الثاني على شكل مجموعتين قبليتين، سكنت إحداهما وتسمى

السالينجي في سيليسيا. أما المجموعة الثانية وتسمى الهاسدينجي فقد أسكنها الرومان في منطقة حوض

الدانوب الأسفل. وفي زمن الإمب ا رطور الروماني أورليان إضطر إلى عقد اتفاقية معهم ومنحهم داشيا

ليسكنوا فيها. وذلك بعد أن قامت الهاسدينجي بمهاجمة الإمب ا رطورية الرومانية في حوالي العام

209 م،

بقيادة ملوكهم ا روس و ا ربت في منطقة الدانوب الأسفل.

ثم دخل الوندال الهاسدينجيون في ص ا رع مع القوط في زمن الإمب ا رطور قنسطنطين، حيث تم

مهاجمتهم من قبل القوط بقيادة ملكهم جيبيريك، حيث هُزم الوندال وقُتل ملكهم. إضطر الوندال إلى

الهجرة الى بانانويا، حيث منحهم قنسطنطين أ ا رضي على ضفة الدانوب اليمنى، حيث عاشوا خلال

الستين سنة التالية.

في العام

088 م إضطر الوندال، مثل شعوب أخرى كثيرة، إلى الهجرة غرباً تحت وقع هجمات

الهون، وذلك تحت إمرة ملكهم جوديجيسل. تقدموا مع مجرى الدانوب بدون مشاكل، حيث إنضم إليهم

قبائل السالينجي الوندالية. وعندما وصلوا حوض ال ا رين إصطدموا مع الفرنجة فهُزموا هزيمةً منكرة وقُتل

ملكهم. ولكن في جولة ثانية وبمساعدة الألان، وهم شعب جرماني آخر، إنتصروا على الفرنجة في

20

آخر يوم من العام

086 م، حيث قطعوا ال ا رين المتجمد إلى بلاد الغال، وعاثوا فيها فساداً تحت قيادة

ملكهم الجديد جونديريك، حيث عبروا البلاد تجاه أكيتانيا ومن خلالها إلى إيبيريا.

ففي عام

081 م إخترقوا جبال الب ا رنس إلى إيبيريا. حيث تم توزيع أقاليم بكاملها على القبائل

والشعوب المشاركة معهم بهذا الزحف. فحصل الوندال جالاسيا في الشمال الغربي وهيسبانيا باتيكا في

الجنوب. ونال الألان لوسيتانيا في الغرب.

ولكن سرعان ما قام القوط الغربيون بمهاجمة إيبيريا، بناءاً على طلب هونوريوس، إمب ا رطور روما،

في العام

026 وقتلوا ملك الألان، الذين قاموا بالطلب من ملك الوندال أن يقبل تاج مُلكهم، فأصب

ملوك الوندال يسمون " ملوك الوندال والألان ". قاوم الوندال تغلغل القوط الغربيين لمدة أربعة عشر

عاماً، ولكنهم إضطروا إلى عبور مضيق جبل طارق إلى إفريقيا، حيث غزوا شمال إفريقيا.

كان ملك الوندال في ذلك الوقت جيزيريك، الذي بنى أسطولاً قوياً ساعده على غزو شمال إفريقيا

بجيشٍ قوامه ثمانين ألفاً في العام

021 م. فإحتلوا ما بين طنجة وط ا ربلس.

لم يرق ذلك لل رومان، فقد خسروا ولايات كانت تزودهم بالحبوب، وذات موقع إست ا رتيجي مهم.

ولكنهم كانوا منشغلين في مناطق أخرى. بعد تفرغ الرومان من مشاغلهم مع الهون، عملوا على التوصل

إتفاق مع الوندال وافقوا بموجبه على منحهم جزء من شمال إفريقيا، ولكن سرعان ما نقض جيزيريك

ذلك و اتخذ قرطاجة عاصمةً له. بنى الوندال دولة قوية وضموا معظم جزر غرب المتوسط إستمرت

10

سنة

22 .

ظل الإختلاف المذهبي بين الوندال الآريوسيين والرومان الكاثوليك قائماً، كما إضطهد الوندال

السكان الأصليين البربر أصحاب البلاد الشرعيين. وسبب ذلك لهم الكثير من المتاعب. لقد كان

ملوك الوندال، ومن بينهم جيزيريك، غير متسامحين، بل إن أكثرهم مارسوا الإضطهاد ضد رجال

الكنيسة الكاثوليك، دون أن يحرموا مذهبهم رسمياً، ولكنهم حرموا عليهم العمل على تحويل الوندال إلى

الكاثوليكية.

خلال الخمس وثلاثين سنة التالية إستطاع جيزيريك مهاجمة سواحل الإمب ا رطورية الرومانية، شرقيها

وغربيها. بعد تفرغ الرومان من الهون بعد موت أتيلا، حيث كان الوندال يسيطرون على أج ا زء واسعة

مما يعتبروه من أملاكهم. جرب الرومان التوصل إلى تفاهم مع الوندال بالتفاوض. فلم يأتي بنتيجة،

وفي العام

000 م هاجم الوندال روما ذاتها واستباحوها لمدة إسبوعين. ثم غادروا المدينة حاملين معهم

كنوزها، كما أخذوا الإمب ا رطورة وبناتها سبايا.

في العام

060 م إستطاع الوندال صد هجوم بحري بيزنطي عليهم ودمروا أسطولهم.

عاشور

22

21

مات جيزيريك في عام

000 م، فخلفه إبنه الأكبر هونيريك، حسب نظام الو ا رثة لدى الوندال. بدأ

هونيريك، الذي كان ضعيفاً، عهده بتخفيف الإضطهاد ضد الكاثوليك، إتقاءاً لغضب الرومان، ولكن

سرعان ما تغير الوضع وعاد الإضطهاد كما كان سابق اً. وخلال العقود التالية خلف هونيريك ملوك

ضعاف، كما نشب ن ا زع داخلي على السلطة وتلقى الوندال هزيمة من قوة محلية صاعدة.

إغتنم الإمب ا رطور الروماني جستنيان الفرصة وأعلن الحرب على الوندال وأرسل جيشاً بقيادة

بلي ا زريوس، الذي إغتنم إنشغال الأسطول الوندالي في قمع ثورة في سردينيا فهاجم عاصمتهم قرطاجة،

ودخلها بعد هزيمة الوندال في معركة خارجها في صيف

033 . إستسلم الوندال في العام التالي بعد

خسارة معارك أخرى امام الرومان، حيث عادت شمال إفريقيا ولاية رومانية من جديد.

في القرون التالية إندمج الوندال بالشعوب الأخرى التي عاشوا بينها، كما إختفت لغتهم تماماُ، ولم

يبقى من آثارهم إلا بعض المؤث ا رت في لهجة جنوب إسبانيا، جنباً إلى جنب مع مؤث ا رت عربية جاءت

بعد إختفاء الوندال بقرنين.

كما خُلد إسم الوندال بطريقتين ؛ الأولى بإعطاء إسمهم لإبيريا أو على الأقل للجزء الجنوبي منها،

وقد ساعد العرب على تكريس الإسم بإطلاق إسم الأندلس على هذه البلاد. كما دخلت مفردة جديدة

Vandalism

إلى اللغات الأوربية ومن بيتها الإنكليزية، وتعني بلطجة، وهي مشتقة من إسمهم

Vandals

، لما ينسب إليهم من نهب وسلب وقسوة للبلاد والمدن التي فتحوها مثل روما وقرطاجة

وغيرهما.

البرجنديون

ظهر البرجنديون للمرة الاولى على مسرح التاريخ الاوربي في النصف الثاني من القرن الثالث. حيث

ظهرت تجمعات منهم في منطقة حوض ال ا رين الاوسط في العام

200 م 23 . وقد حدث ذلك نتيجةً لضغط

الهون عليهم. وهذا وضعهم على حدود الإمب ا رطورية، التي أخذت بتجنيدهم في جيوشها مع بداية القرن

ال ا ربع، مثلما فعلت مع شعوب وقبائل جرمانية أخرى. وقد عانى البرجنديون اكثر من غيرهم من

هجمات الهون

24 .

كان البرجنديون أقل قبائل الجرمان عنفاً، ولكنهم إستخدموا العنف ليشقوا طريقهم إلى داخل

الإمب ا رطورية هرباً من الهون، حيث إتجهوا إلى بلاد الغال. وقد سم لهم القائد الروماني أيتيوس التوطن

في حوض نهر الساؤون.

23

اوربا العصور الوسطى، محمد سعيد عاشور.

عاشور.

24

22

شارك البرجنديون في معركة شالون الفاصلة ضد الهون سنة

009 مع الرومان والقوط، وهذا

أعطاهم المجال للتوسع سلمياً لتشمل ممتلكاتهم الأ ا رضي الواقعة بين جبال الألب ونهر الرون

25 .

الفايكنج

ينتمي الفايكنج إلى إسكندينافيا في شمال أوربا، والتي عرف عنها الأوربيون القليل لغاية القرن

التاسع. ولم تكن طبيعة هذا الإقليم مؤاتية للإستيطان البشري، فقد كانت تغطي معظم مساحاتها

الغابات والجبال الحجرية الوعرة والمستنقعات.

عُرف الفايكنج بغا ا رتهم وغزواتهم البحرية والنهرية، حيث كانوا بحارة وبناة سفن مهرة، التي إمتدت

من عام

018 م إلى عام 9866 م، والتي تسمى في التاريخ الأوربي بحقبة الفايكنج. وقد غطى

نشاطهم جميع أوربا، بما في ذلك سواحل المتوسط وأمريكا الشمالية وآيسلندة وسواحل البحر الأسود

وجزر المتوسط وسواحل شمال إفريقيا. وقد كان لهم تعامل مع العرب، حيث وُجدت نقود عربية في

قبورهم في أسكندينافيا

26 .

لم يكن الفايكنج مجرد ق ا رصنة، ولكنهم مارسوا التجارة مع شعوب غرب أوربا وغيرهم، كما تعاملوا

مع العرب، حيث كان لهم قريةً يعيشون فيها قرب لشبونة أيام حكم العرب لإيبيريا، حيث تذكرهم

المصادر العربية وتشيد بمهارتهم بصناعة الجبن. كما تطوع بعضهم في الجيش البيزنطي في البحرية

البيزنطية أولاً ثم تشكل ما عُرف بالحرس الفرنجي

Varangian Guard ، حيث حاربوا العرب في

سوريا وصقلية وشاركوا في غا ا رت بيزنطية على سواحل شمال إفريقيا.

لم يعرف الفايكنج، الذين يُعرفون أيضاً بإسم النورسمن

Norsemen ، أشكال متقدمة من الحكم،

كما كانوا يدينون بديانةٍ وثنية.

ت ا رجعت غا ا رت الفايكنج مع نمو دفاعات أهدافهم المحتملة، ونضوج أنماط الحكم لديهم وت ا زيد

القناعة لديهم بأن التجارة تدر ربحاً أكثر من الغزو. كما ساعد على هذا التحول نمو الإقطاع في

مجتمعاتهم ودخولهم في المسيحية.

وعلى الرغم من قسوتهم الشديدة، فقد تركوا و ا رءهم موروثاً ثقافياً غنياً من الحكايا والأشعار التي

مجد بعضها بطولاتهم وأسفارهم البعيدة. لقد كانوا يعتمرون خوذات مثبت عليها قرون، الأمر الذي،

25

نفس المصدر.

العريني

26

23

ربما، أعطى الإنطباع أنهم طوال القامة، وهذا ما أشار إليه بعض المؤرخون، ومن بينهم إبن فضلان،

المؤرخ العربي. ولكن واقع الحفريات أثبت أنهم كانوا ضمن المتوسط العام للرجل الأوربي.

النورمان

تم إشتقاق إسم النورمان، من كلمة

Northmen ، الأمر الذي يدل على منشأهم. وهم يعودون

بأصولهم إلى الفايكنج. وقد توطنوا في منطقة نورمندي، وأعطوها إسمهم في مرحلةً مبكرةٍ ، ومنها غزوا

إنجلترة بقيادة وليم الفات . لعب النورمان دو ا رً هاماً في العصور الوسطى، وخصوصاً في الحروب

الصليبية، وحروب أخرى مع العرب.

وهم أحد شعوب الفايكنج التي هاجرت من إسكندينافيا، حيث هاجروا جنوباً بإتجاه فرنسا، وبدأوا

بالتوطن في الجزء الشمالي منها، أي في الإقليم الذي أخذ إسمه منهم لغاية اليوم وهو نورماندي. وقد

منحهم ملك الفرنجة شارل البسيط )الساذج( في العام

199 م منطقة حوض السين الأسفل، بعد أن يأس

من طردهم من بلاده

27 . ولكنهم سرعان ما توسعوا مع الزمن في دوقية نورماندي بكاملها.

كان يقود النورمان شخص إسمه هرولف، الذي أقسم يمين الولاء للملك الفرنجي، وقاد شعبه في

طريق تبني ثقافة جديدة، فإعتنق النورمان المسيحية

، وووظفوا الكفاءات المحلية في خدمة دولتهم، وتبنوا

اللغة الغالية اللاتينية

Gallo - Romance وخلقوا لأنفسهم هوية ثقافية جديدة مختلفة عن ما كانوا

عليه، ساعدتهم في لعب الدور الكبير في العقود والقرون التالية.

لقد عرف عنهم قدرتهم العالية على التأقلم، وهذا ما فسر كثي ا رً من التصرفات التي إنفرد بها

النورمان في القرون التالية، إذ كثي ا رً ما تصرفوا بطريقة غير أوربية. كما تخلص الجيل الثاني منهم من

الخصائص الثقافية والدينية التي أحض رها معه الجيل الأول، وأصب من الصعب تمييزهم عن جي ا رنهم

من الشعوب الأخرى. فقد تبنوا النظام الإقطاعي عن الفرنجة، على الرغم من أنه كان في طور

التكون، كما تعلموا الفروسية من جي ا رنهم، وأصبحت نهجاً حيوياً بالنسبة لطبقة النبلاء الصاعدة.

في العام

9866 م قام الدوق وليام الثاني بفت إنجلترة. وهو الذي أصب يعرف بوليم الفات . ولم

يأتي الغزو النورماندي لإنجلترة بدون مقدمات، ولكن بعد مصاهرة مع العائلة الحاكمة الأنكليزية

وخلافات حول تحالفات لم ترق للنورمان. حكم النورمان إنجلترة، الأمر الذي سرعان ما وجد قبولاً لدى

الإنكليز والسكسون، مع ظهور بوادر تمازج الشعبين، من خلال المصاهرة ودمج اللغات والتقاليد، حيث

أصب هناك شعباً جديداً أطلق على نفسه إسم أنجلو- نورمان. ولكن سرعان ما أخذت الطبقة

الأرستوق ا رطية النورمانية تصف نفسها على أنها إنكليزية خلال العقود التالية، فإمتزجت لغات الأنجلو

27

العريني

24

نورمان والأنجلو ساكسون لتصب اللغة الإنكليزية )الوسطى(،

Middle English . وفي العام التالي

هاجم وليم ويلز، حيث وقعت بكاملها تحت إحتلاله.

وفي العام

9802 هاجم سكوتلندة، وذلك لإستضافتها للملك الإنكليزي ومصاهرته، إستطاع النورمان

فتحها حيث إستسلم ملكها وقدم إبنه رهينة. كما فت النورمان إيرلندة. في جميع هذا الأقاليم مارس

النورمان قدرتهم العالية على التمازج ثقافياً ولغوياً مع شعوبها.

في هذه الأثناء التي كان النورمان يثبتون أقدامهم في أنحاء الج ا زئر البريطانية جميعها، كان تواجداً

في مكان آخر يظهر إلى النور في ظروف مختلفة تماماً، هذا المكان هو صقلية وجنوب إيطاليا.

لقد إكتسبت جنوب إيطاليا وضعاً سياسياً خاصاً بسبب وضعها الجغ ا رفي المميز، ووجود روما في

وسط إيطاليا توقف زحف الحملات القادمة من الشمال عندها، فتمنع توحد البلاد تحت حكم الفات

الجديد. فكانت توجد فيها ممتلكات بيزنطية وعربية. وقد كانت صقلية بكاملها تحت الحكم العربي.

في هذه الفترة التي سبقت الحروب الصليبية، كان الص ا رع بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي

يأخذ منحنى نحو حالة من التوازن. في هذه الظروف وجه قادة محليين دعوة لبعض قبائل النورمان

للقدوم إلى جن وب إيطاليا للمشاركة في الص ا رع ضد العرب.. وأيضاً للمشاركة في القضاء على التواجد

البيزنطي هناك. وهكذا حضرت إثنتين من قبائل النورمان حيث أسسوا لأنفسهم تواجد سياسي في

جنوب إيطاليا. ثم إستطاعوا إنت ا زع صقلية من يد العرب.

لقد سجل التاريخ محاولات نورمانية إخرى لتأسيس كيانات سياسية. فقد حاول أحد نبلائهم أن

يؤسس كياناً في الأندلس بمهاجمة المسلمين فيها على أمل الحصول على أ ا رضي منهم بالقوة العسكرية

ولكنه فشل.

كما جرت محاولة أخرى في وسط آسيا الصغرى. فقد إمتهن كثيرٌ من النورمان العمل في الجيوش

البيزنطية، حيث شاركوا في حروب بيزنطة مع العرب في القرن الحادي عشر. وقد أصب بعضهم قادة

كبار، حيث حاول أحدهم إقامة دولة وسط آسيا الصغرى، إلا أن المحاولة أجهضها البيزنطيون. ولكنهم

نجحوا في إقامة كياناً سياسياً في منطقة إنطاكيا في القرن التالي بمشاركتهم في الحروب الصليبية.

ال نجل

يشكل الأنجلز

Angles أحد أهم المكونات العرقية للشعب الإنكليزي المسمى بالأنجلو ساكسون.

وهم شعب جرماني اللغة والأصل هاجر من ألمانيا من إقليم يحمل إسماً أُشتق إسمهم منه. وقد سبقهم

إلى الجزر البريطانية الكلت والرومان، الذين إختلطوا بالسكان الأصليين الذي يعرفون بإسم البريتون.

كما تبعهم هج ا رت الساكسون والنورمان، وهما شعبان جرمانيان أيض اً.

25

وكان الجيوش الرومانية قد إنسحبت من بريطانيا في منتصف القرن الخامس. حيث تركوا ف ا رغاً

سياسياً وشيوع الفوضى، الأمر الذي شجع غا ا رت الأنجلز وغيرهم، الذين إصطحبوا معهم عائلاتهم هذه

المرة، فقد جاءوا ليبقوا.

قاموا بتأسيس عدة ممالك لهم. وكانت هذه الممالك كثيرة الن ا زعات، فإستمرت الحروب فيما بينها

إلى أن تولى اثلبيرت الحكم في مملكة كنت، فقام بتوحيدها جميعاً تحت حكمه. وكان هذا الملك هو

الذي ادخل المسيحية إلى دولته بعد إعتناقه لها بتأثير من زوجته الفرنجية. وقد كانت المسيحية، التي

دخلت بريطانيا زمن حكم الرومان، قد إختفت تقريباً أمام زحف الأنجلز والساكسون الوثنيين. وقد لعب

الأسقف ثيودور الطرسوسي دو ا رً هاماً في نشر المسيحية بين الإنجلز والساكسون. وهو أسقف

كانتربيري الثامن، وهو من مواليد طرسوس في سوريا، وقد غادر طرسوس إبان الفت العربي للشام إلى

روما، وكان قد درس في مدرسة إنطاكية. كان لثيودور دو ا رً كبي ا رً في تنظيم الكنيسة ونشر التعليم

الديني والدنيوي في بريطانيا.

إن المؤث ا رت اللغوية والثقافية الجرمانية لم تبدأ مع هجرة الإنجلز والساكسون والجوت، فقد سبقهم

كثيرٌ من الهج ا رت الصغيرة، كما أن الجيوش الرومانية التي غزت وحاربت وعسكرت في هذه البلاد

كانت تعتمد كثي ا رً على العنصر الجرماني في التجنيد. وقد مهد ذلك لتشكل اللغة الإنكليزية، كما هي

معروفة اليوم، ومرو ا رً بم ا رحلها القديمة والوسطى والحديثة، على أسس جرمانية واضحة.

الساكسون

ورد ذكر السكسون في مؤلفات الجغ ا رفي الإغريقي بطليموس على أنهم شعب يعيش في شمال

غرب ألمانيا، في موقع ما يعرف اليوم بساكسوني تقريباً، وهم شعب جرماني. وقد غزوا إنجلترة في

القرن الخامس، حيث تشكل الشعب الأنجلو – ساكسوني. لم يكن للسكسون ملك، فقد كانت تدار

شؤونهم من قبل عدد من الرجال المتقدمين بالسن، حيث يقومون في زمن الحرب بأختيار أحدهم لقيادة

المحاربين.

قام قسمٌ من الساكسون بغزو بريطانيا في القرن الخامس، وقد كان قد غ ا ز بريطانيا واستوطن فيها

شعبين جرمانيين آخرين وهما الأنجلز والجوت، حيث أصبحوا جميعاً مع سكان بريطانيا الأصليين

يسمون الأنجلو - ساكسون، حيث إنصهروا في شعب واحد بعد أربعمائة سنة من الإقتتال، وتعود اللغة

الإنكليزية القديمة بجذورها إلى اللغة الساكسونية القديمة.

26

وقد دخلت ساكسونيا وشعبها ضم مملكة الفرنجة في زمن شارلمان، وقد عُرف عنهم مقاومتهم

العنيدة للتنصر، حيث خاض شارلمان ضدهم حملات سنوية، قاد معظمها بنفسه لمدة ربع قرن، حيث

قتل الآلاف ممن رفضوا الدخول في الديانة المسيحية.

ذاب الساكسون في الشعوب التي عاشوا بينها، سواء في المانيا وبريطانيا ودول أخرى مثل رومانيا

وغيرها.

البلغار

يعود البلغار باصولهم إلى مهاجرين من اواسط آسيا، الذين هاجروا إلى سهول شمال القفقاس في

القرن الميلادي الثاني. وفي القرن السابع إنتقلوا واستقروا في البلقان. إختلط البلغار بالشعوب الأخرى

التي عاشت بينها، والتي غزت الإقليم فيما بعد. حيث نجم عن ذلك التأثر الشديد بالسلاف والإغريق

والرومان. وهم يُعدون، على أُسس لغوية، شعباً سلافي اً.

لقد إستقرت بعض القبائل البلغارية في سهول روسية واعتنقت الإسلام، كما إستقرت قبائل أخرى

إلى الجنوب بجوار الخزر، واعتنقت اليهودية وذابت فيهم.

وقد تأسست الدولة البلغارية الأولى سنة

609 م من البلغار المهاجرين من الشرق والسلاف القادمين

من الشمال، حيث إمتزج الشعبان ثقافياً ولغوياً وسياسي اً. كما دخل في هذا الخليط شعوب أخرى كانت

تقطن هذا الإقليم من قبل.

دخل البلغار في الدين المسيحي في القرن التاسع، وتأسست الكنيسة البلغارية في العام

008 م، ومع

هذا فقد خاضوا عدداً من الحروب مع بيزنطة، حتى بعد تحولهم إلى المسيحية.

المجر

إختلف الباحثون في أصل الهنجارين أو المجر أو الماجيار

Magyar ، فالبعض إعتمد على

دعاوى لغوية فنسبهم إلى الفينيين الأوغريين

Finno Urgic ، وهم مجموعات من الشعوب الشمالية من

بينها شعوب البلطيق تربطها أصول لغوية مشتركة، بينما يعزوهم آخرون إلى الهون والترك والآفار

والسكيثيين والسومريين. وعلى ما يبدو أن النظرية الاولى اكثر ترجيح اً. فقد كانت مجموعات من

الشعوب الفينية الأوغرية

Ugrian Finno - تعيش في شرق جبال الأو ا رل في الألفية الأولى قبل

الميلاد. وقد تحول قسماً منهم إلى الجنوب تحت مؤث ا رت مناخية، حيث تعلموا تربية المواشي، ومن

هؤلاء تفرع الماجيار )المجر(.

27

في القرنين ال ا ربع والخامس الميلاديين تحول الماجيار إلى المنطقة الواقعة بين جنوب الأُ ا رل

والفولجا. وفي القرن الثامن إنتقل قسمٌ منهم إلى حوض الدون، حيث كانوا من رعايا دولة الخزر. في

هذا الموطن كانوا مجاورين للبلغار، حيث ربطتهم بهم علاقة ت ا روحت طويلاً بين المنافسة والتحالف.

وهنا تعلموا الز ا رعة وبدأوا يمارسونها.

ونتيجةً لحرب أهلية وقعت في مملكة الخزر، إضطر المجر ومعهم بعض قبائل الخزر إلى الهجرة

غرباً حيث إستقروا على ضفة نهر الدنيبر. وهنا مارس المجر عمليات غزو ونهب ضد دولة الفرنجة

الشرقية وضد جي ا رن آخرين. وتحت قيادة زعيمهم أرباد هاجروا إلى الغرب في العام

010 م إلى أن

إستقروا في حوض نهر تي ا ز، وهي منطقة قليلة السكان. ومن هذا الموقع إستأنفوا نشاطهم وغا ا رتهم في

جميع الإتجاهات، حيث وصلت الدنمارك وايبيريا. لقد جاءت هجمات المجر الوثنيين هذه، ضد أوربا

المسيحية في الوقت الذي كانت أج ا زء أخرى من أوربا تتعرض لهجمات العرب والفايكنج، وعلى الرغم

من أن المجر شكلوا أقل هذه التهديدات إلا أن تأثيرهم كان كبي ا رً، فقد نشروا الرعب وشاعت عنهم

القصص المفزعة بمظهرهم الآسيوي الغريب في جميع أنحاء أوربا

28 . لقد كان الهنغار يتحركون على

ظهور خيولهم في مجموعات صغيرة في جبهة عرضها يصل لغاية خمسين ميلاً، وكانوا سرعان ما

يركزوا قواتهم عندما يواجهوا بمقاومةٍ ما.

وخلال سنوات قليلة إنتقلوا إلى بانانويا، التي إصبحت نواة الدولة المجرية، ولا ت ا زل في أيديهم إلى

يومنا هذا. تلقى المجر هزيمةً نك ا رء على يدي ملك السكسون هنري في العام

133 م، كما تلقوا هزيمةً

أخرى على يدي إبنه أوتو بعد ذلك بإثنين وعشرين عاماً في معركة ليخ. وقد إعتبر المؤرخون هذه

المعركة ذات مغزى كبير بالنسبة لأوربا، حيث وضعت حداً للخطر المجري وأنقذت أوربا من غزواتهم.

وقد رفعت هذه المعركة من مكانة أوتو الذي تم تتويجه إمب ا رطو ا رً

29 .

إختلط المجر مع الشعوب )وبقايا شعوب( أخرى سكنت هذه السهول الخصبة، وتأثروا بها ثقافياً،

وبالتدريج، ومع منتصف القرن العاشر تحولوا من الرعي إلى الز ا رعة. في العام

9889 تم إعت ا رف

البابا بإستيطانهم في هذا الإقليم بعد أن تحولوا إلى المسيحية.

إن ما حدث مع المجر والأوربيين تكرر بين المغول والعرب بعد ثلاثة قرون، إذ بعد هجوم المغول

المدمر على الشرق الإسلامي أسلموا وخلال قرون ذابوا في شعوب المنطقة تمام اً.

حضارة اوربا العصور الوسطى، موريس كين، عين للدراسات والبحوث، ترجمة د قاسم عبدة قاسم.

28

حضارة اوربا العصور الوسطى.

29

28

المذهب الآريوسي

وهو المذهب الذي نشأ من خلال تعاليم آريوس، وهو ا رهب مصري عاش في الإسكندرية في القرن

ال ا ربع الميلادي. فقد قال أن المسي مخلوق، أي أنه لم يكن له وجود في وقتٍ من الأوقات، وبالتالي

فهو ليس مساوياً للأب.

لقد نشأ عن ذلك خلاف كبير في أوساط أتباع الديانة المسيحية إستمرت لما يقارب الألف سنة.

وعلى الرغم من إدانة الطرح الآريوسي في مجمع نيقية سنة

329 م من قبل أكثرية المشاركين من رجال

دين يمثلون البطريركيات الخمسة، بقي للأ ريوسية رواجاً حتى في البلاط الإمب ا رطوري والطبقات الحاكمة

في بيزنطة، وخصوصاً في سوريا.

قام قنسطنطين، الذي عقد مجمع نيقية في عهده، بنفي آريوس وأتباعه. كما أمر بحرق كتب

آريوس. حرصاً على وحدة الصف، ثم عمل قنسطنطين على تخفيف العقوبة، فتم إلغاء عقوبة النفي

لمن يتبع هذا المذهب، وقد فعل ذلك قبل وفاته بقليل.

توفي قنسطنطين في العام

330 م وخلفه إبنه قنسطانطيوس، الذي شجع الآريوسيين وعمل على

إلغاء ميثاق نيقية، وعين أريوسياً بطريركاً للقسطنطسينية. فكثر النقاش والمجمعات وتعددت محاولات

التقريب، فنشأ خطاً ثالثاً وسطي اً. جرت هذه الأحداث في عاصمتي الإمب ا رطورية، ومدنها الكبرى، في

وقتٍ كانت المسيحية حديثة عهد كدين رسمي. فكتب مؤرخ روماني وثني شامتاً يصف هذه المرحلة "

.. وامتلأت الطرقات بالبطاركة المسرعين على خيولهم" جيئةً وذهاباً من المجامع الدينية واليها. وما فت

أن إستلم جوليان الحكم، ولم يكن مسيحياً، فأعاد جميع المنفيين واتخذ موقفاً محايد اً. فقوى ذلك موقف

الآريوسيين. أما خليفة جوليان، فالينز، فقد كان أريوسي اً. مات فالينز حرقاً في معركة أدرنة سنة

300

م 30 ، فخلفه ثيوديوس الأول الذي أبدى تأييداً لق ا ر ا رت نيقية.

واستطاع جمع رجال الكنيسة في مجمع القسطنطينية في العام

309 م على تأييد مقر ا رت نيقية.

فضعف التيار الآريوسي في داخل الإمب ا رطورية، فأوشك على الإختفاء لولا نجاح حققه أولفيلاس في

التبشير في أوساط القبائل الجرمانية، التي أقبلت على هذا المذهب وانتشر في أوساطها بسرعة غريبة.

وقد تمسك الجرمان بالمذهب الآريوسي لعدة قرون، وقد تعرضوا لإضطهاد بعض الأباطرة الرومان، فقد

أوفد ثيوديريك، ملك القوط، الذي كان يحكم في إيطاليا، البابا يوحنا الأول إلى القسطنطينية ليقنع

الإمب ا رطور جستين بالتسام مع الآريوسيين في الدولة البيزنطية

31 .

30

نحن واوربا الجزء الأول. - في هذه المعركة شاركت كتيبة عربية، فعلى ما يبدو أن الملكة العربية ماوية كانت أريوسة.

31

عاشور.

29

إنفرد الفرنجة بين الشعوب الجرمانية بعدم إعتناق الآريوسية لعدم وصول المبشرين الآريوسيين إلى

أوساطهم حتى وصل الفرنج إلى غالة فإحتكوا بالرومان واعتنقوا المسيحية على المذهب الكاثوليكي.

تحولت الشعوب الجرمانية في بداية القرن الثامن إلى المسيحية إما بتحول ملوكهم أو نتيجة لفقدانهم لكيانهم السياسي وذوبانهم في الشعوب التي يعيشون بينها.

وكان أوفيلاس، القوطي الأصل، قد أُرسل في زمن قنسطانطيوس إلى ما و ا رء الدانوب لغرض

التبشير في أوساط القبائل الجرمانية، فغير أوربا..

لقد أخفق الآريوسيون في الشرق وأوشكوا أن يحققوا نجاحاً كبي ا رً في الغرب لولا تأخرهم في الوصول

إلى الفرنجة الذين غيروا الموازين.

يقلل كثيرون من فضل المسيحية على أوربا، فلولا المسيحية لما تخلصت أوربا من فرقتها ومن

أميتها ومن قبليتها لزمنٍ طويل.

الديرية

نسبةً إلى دير، حيث يعيش الرهبان وال ا رهبات، الذين إختاروا البعد عن الدنيا والتفرغ للعبادة وخدمة

الدين. وهي مسماة في القرآن رهبانية، نسبةً إلى الرهبان، وقد ورد في القرآن أن الرهبانية تم إضافتها

إلى الديانة المسيحية، وليست موجودة في النصوص الأصلية. ويفتخر باحثون أقباط بأنها إبتدأت في

مصر، التي تحوي إلى يومنا هذا كثي ا رً من الأديرة القديمة والمشهورة. فقد قام القديس باخوم بتأسيس

عدداً من الأديرة في الصعيد. وقدم نظاماً للرهبنة إستفاد من تجربته في الجيش الروماني في عهد

قسطنطين حيث عمل كجندي في وضع نظام قائم على الإلت ا زم والإنضباط

32 .

كما إحتوت الشام والع ا رق على أديرة كانت تأ وي المنقطعين، حيث كان يزورها الشع ا رء المسافرين،

الذين، ربما تحت تأثير جوها الروحاني كتبوا قصائد جميلة. وكان قد نظمها القديس سيمون العمودي،

الذي توفي في العام

001 م.

وفي آسيا الصغرى قام القديس باسل بد ا رسة تجارب سابقية، فقام بتأسيس مؤسسة ديرية في مدينة

قيسارية الجديدة، فإنتشرت في الشام والأناضول، لقد خفف باسل من حياة العزلة واقامة أديرة بعيدة عن

التجمعات السكانية

33 .

003

( بوضع نظاماً خاصاً في الدير الذي كان يت أ رسه في – في الغرب قام القديس بنيديكت ) 008

مونت كاسينو في إيطاليا على أنقاض معبد روماني للإله أبولو. وقد سمي النظام "نظام القديس

32

عاشور.

33

عاشور.

30

بنيديكت"، الذي تم تبنيه من قبل البابوية ولا ي ا زل موضع تطبيق ليومنا هذا. وهو يقوم على إنكار

الذات والطاعة والعمل

34 .

إنتشرت الأديرة في غرب اوربا وساعد على ذلك دعم البابوية، وقد كان لجريجوري، وهو ا رهب

أصب البابا جريجوري الأول فيما بعد، دو ا رً كبي ا رً في نشر الديرية في غرب اوربا. وفي زمن جريجوري

الأول أصبحت الأديرة تلعب دو أ ر مهماً في تنفيذ سياسات البابوية. كما بدأت تساعد في نشر المسيحية

في أوربا. وقد ظهر ذلك جلياً عندما أرسل البابا القديس اوغسطين، وهو مقدم دير، إلى إنجلترة على

أ رس وفد ضم تسعه وثلاثين ا رهباً لإعادتها إلى المسيحية بعد هج ا رت وغزوات الساكسون.

في القرون التالية لعبت الأديرة دو ا رً مهماً في نشر التعليم وترجمة الكتب ونسخ الكتب الدينية. كما

قامت الأديرة بدور مهم بإستصلاح الأ ا رضي، بإ ا زلة الغابات وتجفيف المستنقعات، حيث مارسوا هذه

الأعمال حول أديرتهم، وقدموا بذلك نموذجاً يحتذى به للسكان المحليين.

وفي الشرق والغرب لعبت الأديرة في حفظ وثائق وكتب وحوليات، كان من الممكن أن تفقد وتضيع.

سقوط الإمب ا رطورية الرومانية الغربية

لقد كانت الإمب ا رطورية الرومانية هدفاً لهجمات الشعوب القبلية التي عاشت في أوربا أو هاجرت

إليها. لقد إستهدفت مدنها وق ا رها الحدودية، كما إستهدفت كنائسها وأديرتها، ولم يوفر الغ ا زة عاصمتها.

فقد هاجمت جيوش الكلت والقوط الشرقيين والقوط الغربيين واللومبارديين والوندال روما ونهبتها

واستباحتها، سواءاً كانت عاصمة وقتئذٍ أم لم تكن. وعلى الرغم من نهوضها من جديد تك ا ر ا رً، إلا أن

هذه الغزوات المتكررة وعمليات النهب المتتابعة واضط ا رر سكان روما إلى دفع مبالغ كبيرة للمحتلين

إستنزف موارد الدولة، وأصبحت تتك في قوتها واستم ا ررها على البابوية، كمصدر للقوة الروحية

والمعنوية، أما القسطنطينية فقد كانت مرك ا زً منافساً، وان كانت تهرع للمساعدة تارةً، فقد كانت تشكل

مصدر تهديد تارةً أخرى.

جاءت نهاية روما على يد أحد أبناء الشعوب الجرمانية الذي كان في خدمة الإمب ا رطورية. جاءت

نهاية الإمب ا رطورية الرومانية الغربية عام

006 م بعزل آخر أباطرتها سلمي اً وهو رومولوس أوغسطولوس

على يدي قائد جيش الإمب ا رطورية الغربية أدواكر، وهو من القوط الشرقيين.

وقد حدث خلال العقود الأخيرة أن تم تجنيد الكثير من الجرمان في الجيوش الرومانية، وقد كان

ذلك وفق سياسة رومانية محددة. حيث كانت الإمب ا رطورية تجند إبناء الشعوب التي تعيش على أط ا رفها

Limis

، مثل الجرمان في الشمال الغربي والعرب في الجنوب الشرقي، وغيرهم. وكانوا أحياناً يشكلون

34

عاشور.

31

كتائب كاملة تعمل تحت قيادة شيوخ قبائلها. وهكذا أصبحت الجيوش الرومانية تحوي ضباط وقواد من

هذه الشعوب مثلما تحوي جنود. ومثلما صعد شخص عربي إلى منصب رفيع مثل فيليب العربي )أو

الحو ا رني( الذي أصب إمب ا رطو ا رً، أصب أدواكر وغيره يحتلون مناصب رفيعة.

تقدم أدواكر بطلب إلى مجلس السناتو الروماني بأن يرسل وفداً إلى الإمب ا رطور زينو، إمب ا رطور

الإمب ا رطورية الرومانية الشرقية في بيزنطة، ليخطره بأن لا داعي لوجود إمب ا رطور في روما

35 . وقد وافق

السناتو، وهكذا كان، فتم عزل الإمب ا رطور وتم إلغاء المنصب.

تم تكليف أدواكر بإدارة إيطاليا بعد منحه لقب دوق

Dux Ltaliae . وهكذا أضحت روما وايطاليا

تُحكم من قبل شخص قوطي، من الأقوام التي يعتبرها الرومان همجية. ولكن أدواكر الذي كان طموحاُ،

ما لبث أن لقب نفسه ملك إيطاليا

Rex Ltaliae ، وهو أول من تلقب بهذا اللقب. لم يستقر الوضع

لإدواكر، فسرعان ما قُتل على يدي ملك القوط الذين إجتاحوا إيطاليا.

لقد نجم عن إنهاء الإمب ا رطورية الغربية ف ا رغاً سياسياً إمتد لأكثر من ثلاث قرون، الأمر الذي

أعطى الكنيسة لعب دور أكبر في حياة إيطاليا وأوربا الغربية

36 . لقد أعطى إلغاء الإمب ا رطورية المجال

لظهور كيانات سياسية إقليمية فظهرت ست ممالك جرمانية خلال فترة وجيزة.

إنتهت الإمب ا رطورية الرومانية الغربية بطريقة رومانية جداً، بق ا رر من السناتو. لقد إستمرت التقاليد

الجمهورية حتى النهاية.

لقد إتسم تاريخي منطقة شرق المتوسط وشمال أوربا بالهج ا رت الكثيفة والمتعددة الإتجاهات التي

أعطت للإقليمين شكلهما الديموغ ا رفي والسياسي. وقد حدثت موجات الهج ا رت في منطقتنا قبل أن

تحدث في أوربا بأكثر من ألفي سنة. وقد كان دافع موجتي الهج ا رت هو التحولات المناخية وت ا زيد عدد

السكان. ولكن الفارق الملفت للنظر أن الهج ا رت الأوربية، سواءاً منها من كان محلياً أو من جاء من

آسيا، كانت دموية للغاية. بينما كانت الهج ا رت السامية من الجزيرة العربية، في معظمها سلمية.

لقد تم إكتشاف الحديد من قبل الج رمان بشكل منفصل عن إكتشاف الحيثيين للحديد قبل ذلك

بقرون، فتأخر العصر الحديدي الأوربي عن ذلك الآسيوي بقرون عديدة.

لقد لعبت روما دو ا رً مهماً في حياة الشعوب والقبائل العربية والسامية التي كانت تقطن منطقة شرق

المتوسط، وكذلك لعبت دو ا رً كبي ا رً في حياة القبائل والشعوب الأوربية التي سكنت وسط وشمال أوربا.

تاريخ اوربا العصور الوسطى، عاشور.

35

عاشور.

36

32

وقد كانت العلاقة تت ا روح بين العداء والتحالف، التحالف

Foederati الذي كان يهدف إما إلى ضمان

عدم الإعتداء او تشكيل تحالف ضد عدو مشترك.

وهنا أود أن أختم هذا الفصل بالمقارنة بين القبائل العربية والقبائل الجرمانية، لما وجدنا من القواسم

المشتركة المثيرة للإهتمام بينها. فقد أُبتلي العرب والجرمان بالإمب ا رطورية الرومانية، أو.. أُبتليت هي

بهم، فقد كانت نهايتها على أيديهما. لقد عاش كل منهما على حدود الإمب ا رطورية الرومانية، ومارسوا

الغزو والنهب والسلب على أ ا رضيها. فقد عاش كل منهما في بيئة غير معطائة، فقد كانت شمال أوربا

تغطيها الغابات والمستنقعات، بينما عاش العرب في صحاريهم المت ا زيدة الجفاف. فكان الجرمان

يبحثون عن ف ا رغات بين الغابات لإقامة ق ا رهم، التي تكونت من بيوت خشبية متباعدة، بينما كان العرب

يبحثون عن أماكن قريبة من الغد ا رن فيقيموا فيها مضاربهم المكونة من الخيام المصنوعة من نسيج

مصنوع من وبر الجمال، ومارس الشعبان الرعي بشكل أساسي. وقد كان الرجل العربي والجرماني

يعتبر نفسه مقاتلاً بصورةٍ تلقائية. لقد أُشتهر العرب والجرمان بالكرم، كما كان الشعبان يغا ا رن على

عِرضهما. وقد عمل الرومان على قبولهم كمتحالفين، بتأسيس دول منهم على المناطق الحدودية.

تكون الجرمان من قبائل وتحالفات قبلية، وكذلك كان العرب. وعلى الرغم من تلاقي العرب والجرمان

في ميادين القتال عبر العصور، كرفاق سلاح وكأعداء، فإن الشعبين )العرب والألمان( لم ينشأ بينهما

عداءاً خاصاً عبر التاريخ.

واذا كان الجرمان هيأوا الفرصة لميلاد أوربا، فإن العرب جعلوا ذلك ممكن اً. فلولا التحدي العربي

الإسلامي، لإستمر البيزنطيون في خططهم لإستعادة الغرب، ولما ولدت أوربا شابة جديدة موحدة ضد

الخطر الإسلامي.

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter