الفصل الخامس - التعامل مع التراجعات - ثقافة الجودة الشاملة
 
 


الفصل الخامس

 

التعامل مع التراجعات

 

 

يُعتبر تراجعاً أي نتائج سلبية في نتائج الجودة فيما يرجح أن لا يكون امراً عارضاً.  وهذا يتطلب مقدرة ومهارة لدى إدارة المؤسسة الصناعية للتمييز بين ما هو نتائج عارضة أو ما هو جزءٌ من ظاهرة تحتاج إلى جهدٍ خاص للقضاء عليها ومنعها من الاستفحال.  وهنا نفترض أن الإنتاج ينساب في خطوط الإنتاج بدون مشاكل جودة تذكر، وبالتالي فإن ظهور مشاكل في الجودة تعتبر تراجعاً عن المألوف، ومن هنا اخترنا هذا التعبير لوصف حالة ظهور مشاكل جودة في خط إنتاجٍ مستقر. 

 

الأسباب المحتملة للتراجع

بالإمكان إعداد قائمة بالأسباب النمطية للتراجع في كل صناعة ، من خلال التجارب (تجربة المؤسسة نفسها أو تجارب الآخرين) بحيث يصبح توقع التراجع أمراً أكثر إمكانية بالمقارنة مع التجارب السابقة.

ومن الأسباب النمطية لتراجع الجودة في صناعة الألبسة على سبيل المثال:

1- اختلاف في الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمدخلات الإنتاج عن المواصفات المتفق عليها. 

2- عطل الماكينات أو اختلاف معايرتها.

3- تراجع المهارات الفنية لدى العمال، بتراجع قدراتهم أو دافعيتهم.

 

أهمية كشف التراجعات بمرحلةٍ مبكرة

من الأهمية بمكان أن تُكتشف التراجعات بمرحلةٍ مبكرةٍ جداً.  كما أنه من المهم أيضاً أن تُكتشف من قبل إدارة المصنع (وليس من قبل الزبون او ممثلٍ عنه على سبيل المثال) وبصورةٍ مؤسسية (وليس بصورةٍ عرضية او عن طريق الصدفة). وفي جميع الأحوال، من الأفضل أن تُكتشف بأي طريقة ومن قبل أي شخص وفي أي توقيت على أن لا تُكتشف بعد فوات الأوان.

وفيما يتعلق بتوقيت إكتشاف تراجعات الجودة نعرض فيما يلي الحالات التي عادةً ما تحدث:   

 

أ‌-      كشف التراجع أثناء الإنتاج : في خطوط الإنتاج التي يعمل بها شخص لمراقبة الجودة أثناء الإنتاج ( مراقب جودة أو مدقق جودة )، فإن يقظة هذا الشخص، وطبيعة النظام المتبع، غالباً ما تستطيع منع مرور أكثر من 90% من المشاكل، بالتنبيه إليها ومعالجتها في مكان حدوثها.  وفي حال ملاحظة تراجع في الجودة في إحدى محطات الإنتاج من قبل مراقب الجودة في خط الإنتاج، فيتوجب عليه المبادرة الى معالجة التراجع بالتعامل مع أسبابه، وتنبيه فاحصي الجودة في نهاية الخط للانتباه والتركيز على المشكلة المشار إليها.  وتصليح أو استبعاد ما تم إنتاجه من قبل هذه المحطة بهذه الجودة.  وهذا غالباً ما يكون بكمياتٍ قليلة.  وهذا يعني أن الخسارة غالباً ما تنحصر بخسارة عددٍ محدودٍ من قطع الإنتاج، بالإضافة إلى خسارة الزمن المستهلك بالتعامل مع تصحيح الوضع ، سواء كان ذلك بضبط الماكينة أو إصلاحها أو بتوجيه المُشغل أو إعادة تدريبه.

 

ب‌-  كشف التراجع عقب الإنتاج : وهنا يتم اكتشاف تراجع الجودة من قبل محطة فحص الجودة القائمة في نهاية خط الإنتاج.  وهذا يعني عدم اكتشافها من قبل مراقب الجودة داخل خط الإنتاج ( ومن قبل العاملين في الخط جميعاً )، أو اكتشافها متأخراً .  وهذا يعني وجود كميات، قد تكون كبيرة، من المنتجات المخالفة للمواصفات، التي ربما تعدت هامش السماح tolerence الممنوح في المواصفات أو معظمه. الامر الذي يضع مهمة غير منهجية أمام فريق الإنتاج، مهمة غير مبرمجة، أي لم يحسب حسابها في تخصيص الموارد سواء في الوقت أو الأفراد.  وهذا له ثمنه المادي،  كما له تأثيره السيء على تنظيم العمل وكفائته وبالتالي على تاريخ التوريد.

 

ت‌-  كشف التراجع قبيل الشحن :  كثيراً ما يكون هناك مشاكل جودة في سيل المنتجات الصادر عن خطوط الإنتاج تمر دون ملاحظة مراقبي الجودة داخل خطوط الإنتاج أو فاحصي الجودة (وغيرهم ممن يُفترض أن يعتنوا بالجودة).  ولهذا كثيراً ما يتم فحص المنتجات قبيل الشحن، أي بعد تغليفها.  وعادة ما يتم الفحص، في هذه المرحلة، تحت إشراف الزبون المباشر أو غير المباشر ( بتكليف طرف ثالث ).  وهناك، دائماً، إحتمال إكتشاف ما لم يتم إكتشافه في المحطات السابقة.  وفي حالةٍ كهذه يتوجب تأخير الشحن، وإعادة فحص الكمية برمتها، وتصليح المنتجات التي تحتاج إلى تصليح (والتي يمكن تصليحها) وتعويض ما لا يمكن تصليحه من إنتاج جديد، ثم تغليف الكمية كلها ثانيةً .  وهذا يكلف جهداً ومواداً ووقتاً.  جهداً أكبر من الحالتين السابقتين، وكذلك مواد، سواءٌ مدخلات إنتاج أو مواد تغليف، قد يتعذر توفيرها بشكلٍ فوريٍ أحياناً، الأمر الذي قد يعني تسليم الطلبية ناقصةً ومتأخرة. 

      

ث‌-  كشف التراجع بعد الشحن :  غالباً ما يعتمد الزبائن نظام فحص، بأخذ عينات من الطلبيات الواردة. فيحدث أن تكون النتائج مخالفة للتوقعات .  كما يحدث أن يتلقى الزبون شكاوى من زبائنه (المستخدمين النهائيين أو بائعي المفرد الخ..) الأمر الذي قد يتطلب إعادة الطلبية إلى المصنع، الذي قد يكون في بلادٍ مختلفة، أو التوصل إلى ترتيبات مكلفة جداً (مثل فحص الطلبية بكاملها وتصليحها على حساب المصنع) وفي كلتا الحالتين، هناك كلف مالية عالية.

وهكذا نرى أن تأخر إكتشاف تراجعات الجودة يرفع من كلفة معالجتها. 

وقد يكون من المفيد أن نذكر أن مضاعفة كلفة اللاجودة غالباً ما تكون بنسبة 1: 10: 100 الخ.. من مرحلةٍ إلى أُخرى.  الأمر الذي يدعو إلى كشف تراجعات الجودة في مرحلةٍ مبكرة.   يضاف إلى الخسائر المادية خسائر معنوية لا تقل خطورة.

 

منع التراجع – الوقاية

ومن هنا، فمن الأفضل كشف التراجع في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً.  وكلما كان الكشف أبكر كان الضرر أقل وبالإمكان تعويض الوقت المهدور والمواد التالفة بصورةٍ أسهل وأقل كلفة .  ولكن هذا ليس افضل الخيارات.  إن أفضلها هو منع  المشاكل قبل حدوثها فعلاً، أي منع حدوث تراجع.  وهذا ما يعرف بالوقاية.  وهو خيار، عملياً ،  لا كلفة له.  وهو الحل الذي يتمناه الجميع.  ولكن الواقع مختلف.  إذن لم هذا الإختلاف؟. إن خلق ثقافة قائمة على الوقاية، ليس في منع تراجع الجودة فقط، بل في جوانب عديدة من نشاطنا البشري؛ مثل الصحة والحوادث والأمن الخاص والعام، أمراً لن يكون دخيلاً على ثقافتنا، فنحن من أمة إعتادت أجيالها المتعاقبة تكرار مقولة " درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج ". والفرق بين الدرهم والقنطار كبيرٌ من الناحية الكمية.

ما الذي يتطلب عمله حتى يصبح الإجراء الوقائي هو القاعدة؟:

q       تنمية القدرة على التوقع لدى المشرفين ومدراء الإنتاج من أجل أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع التراجعات المتوقعة في الوقت المناسب.

q       يقظة القائمين على خطوط الإنتاج لملاحظة أي تغيير.

q       الحرص على تجنب العمل تحت ضغط الوقت وضغط الكلف الخ..

q       أخذ بعض الاحتياطات الأخرى مثل:

1.     فحص مدخلات الإنتاج قبل البدء بالإنتاج الفعلي.

2.     إختيار الماكينات المناسبة وملحقاتها.

3.     إعداد العاملين فنياً إعداداً جيداً.

4.     الحفاظ على دافعية الفريق، وثقتهم بأنفسهم على الدوام.

5.     الحفاظ على جاهزية الماكينات.

 

إن القدرة على التوقع مهارة يتوجب على الإداري العمل على تنميتها في نفسه وفي الآخرين من حوله.  وقد تتمكن المؤسسات التي تدار باسلوبٍٍ علمي، من تطوير آليات لتوقع حدوث تراجعات في الجودة.  فمثلاً في خط إنتاج يعمل به عدد من العمال الجدد (الذين لم تتطور مهاراتهم الفنية الى مستوى زملائهم) وحدث أن أُدخل إليه منتج جديد تماماً يتضمن عيوب في المدخلات، التي سمح بها قسم الجودة مضطراً، في خط كهذا يجب توقع حدوث تراجع في الجودة.  فالتوقع لا يبنى على فراغ وإنما على قراءات لتجارب سابقة، حيث تتكرر النتائج عند تكرار الأسباب .

تتراجع الجودة أحياناً لوجود قضية ينشغل فيها الجميع فلا تأخذ الجودة حقها من العناية. كما يزيد احتمال تراجع الجودة في حال وجود وضع معقد مع الزبون، كما تزيد فرص تراجع الجودة عند إحداث تغييرات إدارية أو تطبيق نظم جديدة، وهكذا..

بالإمكان توقع التراجع من خلال قراءة التقارير قراءة متمعنة.  وكذلك من خلال إجراء الدراسات التحليلية والإحصائية لنتائج الجودة اليومية .

تكمن أهمية اليقظة ليس فقط بالقدرة على ملاحظة بوادر التراجعات، وإنما بنوعية هذه القدرة.  إن اليقظة الكاملة والمستمرة كفيلة بكشف التراجعات من اللحظات الأولى لظهورها الى الوجود.  

 

التعامل مع التراجعات (الخروج من الأزمة)

تخيل مسؤول في مصنع تم استدعائه إلى خط إنتاج يعاني من أزمة جودة حادة. حيث يتم إنتاج عدة مئات من قطع الإنتاج يومياً، التي سرعان ما يتبين، بعد فحصها، أنها غير مطابقة للمطلوب فيتم إعادتها لخط الإنتاج لفرزها وإصلاحها.  وهذا أمرٌ محبط للغاية لأن الخط لم يفرغ بعد من فرز وإصلاح ما أنتجه في اليوم السابق، الذي كان قد أُعيد إليه قبل ذلك أيضاً، ومع وجود كثير من المسؤولين الذين هرعوا لتقديم المساعدة ومشرف عصبي ومرتبك، ووجهات نظر كثيرة متعددة ومتناقضة، تجد الإحباط هو سيد الموقف وخط الإنتاج يعمل بكفاءةٍ متدنية، وبالتدريج تجد أنواع أخرى من الأخطاء بدأت بالظهور.. فماذا على هذا المسؤول أن يعمل؟.

إِن أول ما ينبغي عمله، هو البدء بتهدئة النفوس. وعدم النظر إلى العاملين على أنهم مذنبين، ويفكر كيف يعاقبهم، ومن المسئول على وجه الدقة.  على الرغم من احتمال أن يكونوا مذنبين فعلاً، ولكن الأولوية تُعطى لخلق الأرضية للخروج الفوري من الأزمة.  من أجل إيصال رسالةٍ واضحة، على المسؤول أن يبدو هادئاً متبسماً ومهتماً، ويتكلم بنبرةٍ مسموعة تمنح الثقة لجميع من يسمعه. إن تصرفاً كهذا من قبل المسئول يشكل بدء انحسار الأزمة، حيث تصبح فرص أي حل يضعه هو أو يضعه الطاقم الفني أفضل. 

إن إطلاق عبارة مثل: "ألا يشبه هذا المنتج ذاك الذي أنتجتموه العام الماضي، وتلقينا رسالة شكر من الزبون تقديراً لأدائكم". إن عبارةً كهذه تفعل فعل السحر.  إن تذكير فريق العمل بإنجازات قاموا بها كفيلٌ برفع معنوياته والتخفيف من حالة الإحباط. ولا يخلو تاريخ أي خط إنتاج، من رصيدٍ من قصص نجاح يمكن التذكير بها.  كما أن إبعاد الإداريين الكثر، الذين هرعوا للمساعدة، ولكنهم، بطبيعة الحال، زادوا الطين بلة، يساعد في تهدئة الجو.  

 

عادةً ما تصنف مشاكل الجودة في خطوط الإنتاج على النحو التالي:

أ‌-     أخطاء ذات علاقة بالماكينات.

ب‌-  أخطاء ذات علاقة بالعمال.

ت‌-  أخطاء ذات علاقة بالمواد.

 

كما أن هناك مشاكل ناجمة عن أخطاء تصميم، وأُخرى ناجمة عن أخطاء ذات علاقة بالإدارة.

وعودة الى خط الإنتاج " المريض " فإن على الإدارة ممثلةً بالمسئول الذي أخذ على عاتقه الحل، وضع حل سريع لصلب المشكلة، والتي يعتقد الجميع أنها سبب الأزمة، والذي غالباً ما يكون أحد الأسباب المصنفة أعلاه.

ولكي يتمكن هذا المسئول من وضع الحل يجب أن يكون لديه معلومات وقدرة على تشخيص الحالة، ووضع الحل وقدرة على تطبيقه. [1]

في الصناعات التي تعتمد كثيراً على العمالة labour intensive ، كثيراً ما تكون المشاكل قد تضخمت كثيراً نتيجةً لحالة الإحباط التي سيطرت على الموقف، وفي كل الأحوال يتوجب اتخاذ بعض الخطوات مثل تبديل بعض العاملين، تغيير ماكينة أو اكثر، جلب مساعدة في الصيانة أو الدعم التقني، وإيجاد تغييرات في طرق الإنتاج تضفي تسهيلاً على عملية الإنتاج الخ.. معظم هذه الحلول تقدم دعماً غالباً ما يكون نفسياً أكثر منه حلاً تقنياً.

من أهم العوامل التي تُبطئ عملية الخروج من الأزمة، بجوانبها النفسية والمهنية والفنية هو وجود ما يُذكر بها، وهو الكميات التي أُعيدت إلى الخط لفرزها وإصلاحها.  وهو أمرٌ يُذكر بالإخفاق.  إن إبعاد هذه الكميات عن خط الإنتاج، وترك أمر فرزها وإصلاحها لفريقٍ آخر في مكانٍ آخر، يساعد الخط على أن يستعيد عافيته بسرعةٍ كبيرة.

ومن أجل تسريع استعادة العافية إلى الخط، من المفيد تقديم بعض الحوافز المادية والمعنوية، حسب أُسس تحددها إدارة المؤسسة إلى الذين يساهمون في الخروج من الأزمة أكثر من غيرهم، أو إلى جميع أعضاء الفريق.

 

الدروس المستقاة

في الشركات الصناعية الكبيرة والتي تُدار باسلوب ٍ علمي، ولا تتمنى إداراتها المرور في أزمات جودة كالتي تحدثنا عنها آنفاً. فقد لا تنحصر الأزمة في خط إنتاج واحد، فيصبح الوضع مربكٌ جداً للإدارة نفسها. وهذا الوضع أبعد ما يكون عن ما تتمناه الإدارة.  لهذا يجب دراسة الأزمات التي تمر بها خطوط الإنتاج لإستنباط العبر والدروس منها، ومن أجل تجنب وقوعها.  ومن الواضح أن الأزمة المذكورة آنفاً لم يتوقع حدوثها أحدٌ من المشرفين أو من أحد أعضاء الإدارة الوسطى، وهذا ما جعلها تنمو الى الحجم الذي وصلت إليه.  كما يمكن أنها لم تكتشف مبكراً أيضاً.  وهذا يدل على أن المشكلة (الأزمة)، في العادة،  تُنسى حال الخروج منها في هذه المؤسسة. وهذا نهجٌ غير صحي وغير مقبول. فلو كان هناك جلسات تُخصص لدراسة أسباب وظروف نشوء الأزمات، بعد حدوثها والخروج منها، وتحليل هذه الأسباب، ووضع حلول للمسببات المفترضة، وتوثيق هذا كله وتعميمه على جميع أصحاب العلاقة، من خلال مواد مكتوبة وموثقة ومن خلال ورش عمل ومحاضرات.  إن هذا كفيلٌ بتقليل فرص تكرار مثل هذه الأزمات.  وفي حال حدوثها تسبب إرباكاً أقل، ويتم التعامل معها كما تم التعامل معها في السابق من واقع التجربة الموثقة والمعممة. 

 

 

 



 نحو تعزيز الإنتاجية [1]

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter