الفصل الثالث - ثقافة الجودة الشاملة
 
 


الفصل الثالث

 

إدارة الجودة الشاملة Quality Management   Total

 

بالإمكان تعريف الجودة الشاملة بالتفاعل الكامل بين كافة القوى والموارد والمدخلات المستخدمة في عملية الإنتاج (السلعي او الخدماتي) بحيث تؤدي الى رضا الزبون حسب المقاييس المتفق عليها بينه وبين المورد.  وهذا يتأتى من خلال ضمان الجودة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج بمساهمة الجميع. [1]

كما يعرف على أنه نمط من الإدارة المشاركية ( نسبةً إلى مشاركة..إن صح التعبير ) الذي يركز على إرضاء توقعات الزبائن من خلال تحسين الطرق التي تدار فيها المؤسسة بشكلٍ مستمر. [2]

ومفهوم إدارة الجودة الشاملة ظهر قبل ما يزيد قليلاً عن نصف قرن على يد الدكتور ديمينج الأمريكي، الذي لفتت كتاباته ومحاضراته بعض المهتمين اليابانيين حيث تم إستدعائه لتقديم سلسلة محاضرات في بداية الخمسينات في المدن اليابانية المختلفة، حيث وجد اليابانيون الذين خرجوا من الحرب العالمية الثانية للتو، في طروحاته عقيدة جديدة، يعتقد البعض أنها ساهمت في بناء ثورة اليابان الصناعية في العقود الثلاث التالية.  بالطبع أضاف علماء آخرون مثل الدكتور جوران وفيجنباوم وعلماء يابانيون عديدون لهذا المفهوم إضافات جليلة مثل إشيكاوا وتاجوشي.

ولكنها ظهرت كنظام في بداية الثمانينات تمحور حول كتابات ديمينج وجوران ولكن سرعان ما كان هناك إضافات عديدة.

 

ويعتمد مفهوم الجودة الشاملة على المبادئ الثلاث التالية:

 

1.     رضى الزبون والمستخدم النهائي.

2.     الجهد الجماعي.

3.     الإرتقاء المستمر بمستوى المدخلات والنظم والمهارات والسياسات. [3]

 

ولضمان تطبيق الجودة الشاملة وسيادة فلسفتها ينبغي توفر البنى التحتية والفوقية الضرورية لذلك من خلال تحولات وتغييرات فعلية وعميقة:

 

البنى التحتية

 

q       أدوات الإنتاج

ينبغي إختيار المكائن والأدوات المناسبة بحيث تسهل الحصول على المنتج الراد إنتاجه حسب المواصفات الموضوعة.  وبعكس ذلك فوجود الأدوات الغير مناسبة يخلق تحديات إضافية امام العاملين تحتاج جهداً يمكن أن يستخدم لتحقيق أهداف أخرى مثل تحسين العمليات الإنتاجية او تبسيط وسائل مناولة المواد الخ ..

 

q       المباني

لا يمكن تخيل العمل بهذا النظام في مباني غير صحية ومكتظة تجعل إنتقال الأفراد وحركة المواد.  ولذلك يجب تصميم المباني لتشكل مكاناً مريحاً للأفراد يمكنهم من القيام بنشاطهم اليومي دون إعاقات ويلبي متطلبات السلامة المهنية. 

 

q       وسائل الاتصال

تتطلب نظم الجودة الشاملة نوعية إتصال فعالة بين أقسام المؤسسة المختلفة، لضمان وجود حالة من المعرفة المشتركة بين فروع وأقسام المؤسسة.  والأهم من ذلك لضمان الإنتقال الفعال للمعلومات بالإتجاهين العمودي والأُفقي لما في ذلك من أثر طيب على الأداء بشكلٍ عام. 

 

q       قوى الانتاج

والمقصود بقوى الإنتاج هو العمال بشكل أساسي.  وهنا يجب التأكيد على أهمية التوعية والتثقيف والتوجيه للحصول على العامل الواعي الذي يتقبل ويقدر على التعامل مع نظم تقدمية بحاجة الى قناعة وإيمان بأهمية الجودة.  وكذلك تسليح العاملين بالمهارات الضرورية لتخلق لديهم القدرة على تحقيق الجودة التي يؤمنون بها.  وفي العموم تعتبر العوامل المتصلة بقناعة العاملين وقدراتهم في مقدمة العوامل التي تؤثر على المحصلة النهائية للجودة.

كما يجب أن يتمتع العاملون بدرجة عالية من الرضا من ناحية بيئة العمل والدخل والمعاملة التي يتلقونها.

 

q       ادارة الانتاج

التي ينبغي أن تؤمن وتشجع المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الجودة الشاملةز

 

q       الادارة الاستراتيجية

بحيث ترعى الفلسفة المبنية عليها الجودة الشاملة وتسعى إلى بثها في أوساط المؤسسة.

 

q       ادارة سلسلة التوريد

تحتاج سلسلة التوريد الى إدارة فعالة تضمن وصول المواد الداخلة في الإنتاج في موعدها وبالجودة المطلوبة. وهذا يتطلب وجود نظام متابعة قوي.  كما يتطلب التأثير على الموردين بحيث يكون الإلتزام بالجودة ( بالمواصفات ) ومواعيد التسليم سمة ملازمة لأدائهم.  وفي العموم لا ينبغي إختيار الموردين الذين يقدمون أقل الأسعار، وإنما أفضلها.  والفرق يكمن بالسعر والجودة، فالمواد ذات السعر المنخفض والتي تكلف المؤسسة مصاريف إضافية وخسائر بسبب جودتها المتدنية، فقد تصبح تكلفتها الكلية أعلى من يلك المواد التي عُرضت بسعر أعلى. 

 

q       التوريد الى الزبائن

وهنا يجب ضمان نتيجتين أساسيتين؛ الأولى الجودة المقبولة من قبل الزبون حسب الأُسس المقبولة لديه تعاقدياً، والثانية التوريد في المواعيد المحددة.  وإضافةً إلى ذلك تزويده بالمعلومات التي يحتاج او يطلب حول طلبياته.  وهذا يعني تقديم السلع والخدمات المرتبطة بها بجودة عالية.

  

q       التدريب والتوعية

تحدثنا عن أهمية عاملي التدريب والتوعية عند الحديث عن قوى الإنتاج، ولكن هنا نود التأكيد على مأسسة التدريب وتوجيه برامج التوعية بحيث تكون مدروسة وتخدم أغراض محددة.

 

q       التنظيم

 ينبغي للمؤسسة أن تمتلك التنظيم الذي يسهل نمو الثقافة القائمة على التحسين المستمر والعمل الجماعي والقيم الإيجابية الأُخرى التي تعزز الجودة الشاملة.

 

q       وسائل كشف التراجع والانحراف

من تقارير ونظم تعمل بفعالية عالية بحيث يتم الكشف عن التراجع بمرحلة مبكرة بحيث تكون الخسائر أقل ما يكون، ويمكن معالجة الخلل قبل فقدان وقت ثمين لا يؤثر على مواعيد التوريد.

 

البنى الفوقية  

q       النظم والتعليمات

يجب أن تكون النظم والتعليمات عملية ومتكاملة ومرنة، بحيث لا تقف بطريق التحسين والإنفتاح بين الأقسام، وتسمح لثقافة إيجابية بالنمو.

 

q       إحتياجات المستخدم النهائي

يجب توفر الرغبة لدى جميع العاملين بتلبية إحتياجات المستخدم النهائي.  وهذا يتطلب تفهم هذه الإحتياجات والإحساس بها.

 

q       التحسين المستمر

إن التحسين المستمر كنهج يجب أن يتحول إلى قناعة يشترك فيها الغالبية العظمى من العاملين في المؤسسة.  وهذا يأتي من خلال التوعية والتدريب والتوجيه والممارسة.  ويمارس هذا النهج بشكل منظم وجماعي ومؤسسي، ويوجه بشكل خاص لتحسين الجودة من خلال تحسين سلسلة التوريد وعمليات الإنتاج ومهارات العاملين الخ..

 

q       الابداع

ينبغي أن تسود اوساط المؤسسة ثقافة تقدر الإبداع وتشجعه. ويأتي هذا من خلال تجنب النظم والثقافة والمسلكيات التي تنمي التحاسد بين الزملاء، وعلى عكس ذلك تشجيعهم على الإبداع الجماعي الذي يرتقي بمؤسستهم، والذي قد ينسب لأحدهم دون الآخرين او لا ينسب لأي منهم.

 

q       القناعة

يجب توفر القناعة العميقة والثابتة بأهمية الجودة وأهمية إبقائها مرضية بالنسبة على الزبون. وبأهمية التحسين المستمر في الجودة والعمليات والنظم.

 

 

 

q       الثقافة

يتطلب تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسة وجود ثقافة مبنية التعاون والعمل الجماعي والبعد عن ثقافة الأعذار واللوم والإيمان بإمكانية التحسين المستمر.

 

q       الدافعية

من الضروري الحفاظ على دافعية قوية للخروج بجودة عالية من خطوط الإنتاج.  وهذا يتم بإزالة كل الأسباب التي تؤدي الى عكس ذلك من إحباط ومعنويات متدنية والعمل على خلق دافع قوي لدى العاملين أفراداً ومجتمعين من خلال تحفيزهم معنوياً ومادياً.  وفيما يتعلق بالجودة الشاملة فمن المفيد وضع مقاييس لممارسات تتماشى مع ثقافة الجودة الشاملة بالإضافة الى مقاييس متعلقة بالنتائج، بحيث يتم مكافئة العاملين الذين يستحقون المكافئة بناءً على هذه المقاييس.

 

q       الوعي

إن توفر الوعي أمرٌ ضروري لتطبيق الجودة الشاملة. فالعامل الواعي يتفهم النظام بصورة أفضل ولا يمل من تطبيق التعليمات المرتبطة به.  

 

q       تقييم الاداء

إن وجود نظام تقييم أداء وقياسه في المؤسسة مبني على أُسس علمية وموضوعية امرٌ ضروري للمضي في تطبيق الجودة الشاملة.  ومن شروط نجاح هذا النظام وضوحه وسهولته وعدم تعقيده.  وكذلك وجود معيرة للأداء تسهل تقييمه.

ويعتبر قياس الأداء أساس عملية التحسين، ولا يمكن تحسين شئ ما لم يمكن قياسه. [4]

q       الدروس والعبر

من الضروري وجود وسائل نظامية ( وليست عشوائية او مزاجية ) لدراسة الأزمات التي تمر بها خطوط الإنتاج لإستنباط الدروس والعبر، وذلك لغاية منع تكرارها، او في حال تكرارها ليكون الحل معروف مسبقاً ليطبق دون تردد او إضاعة وقت وبأفضل طريقة، كما ينبغي إشاعة هذه المعارف في أوساط العاملين في المؤسسة حتى يستفيد منها الجميع عند الحاجة.

 

لقد كانت مساهمة الدكتور ديمينج في السبعينات والثمانينات في توسيع مفاهيم تحسين الجودة كبيراً بحيث ساعد المنتجين اليابانيين الى التوصل الى ما وصلوا إليه. وقد تلخصت فلسفة ديمينج بالنقاط الأربعة عشر التالية:

1.     خلق هدف ثابت للتحسين المستمر للمنتجات والخدمات كنهج مركز.  وهذا يتطلب إستثمار الوقت والمال والجهد في البحث والتطوير والتجديد.

2.     تبني فلسفة قائمة على رفض المصنعية المتدنية والمنتجات المعيوبة والخدمات السيئة.

3.     الإعتماد على الوقاية في سيطرة الجودة بدلاً من الفحص بعد ان تكون المنتجات المعيوبة قد تم إنتاجها.  كل ما يحصل في عملية الفحص هو فصل هذه المنتجات المعيوبة بعد ان تكلف المصنع إنتاجها.

4.     إختيار الموردين على أساس الجودة وليس على اساس السعر.

5.     العمل على تحسين نظام الانتاج . وإشراك العاملين في هذا الجهد.

6.     تبني أساليب تدريب حديثة.

7.     ممارسة أساليب إشراف حديثة. والتخلي عن دور المشرف كمراقب بل كمساعد للعاملين على تحسين ادائهم.

8.     التخلص من الخوف.  خوف العمال من توجيه اسئلة او الإقرار بالأخطاء الخ..

9.     تخطي الحواجز بين الوظائف والأقسام المختلفة. وتشكيل فرق عمل من الأقسام المختلفة.

10.  التخلص من الأهداف والشعارات لخطوط الإنتاج وللعاملين كأفراد. مثل  الشعارات  كالعمل بدون عيوب zero defect .

11.  التخلص من حصص الإنتاج المطلوبة من خطوط الانتاج لأنها غالباً ما تكون قد تجاهلت الجودة عند وضعها.

12. إزالة الحواجز التي تمنع من الإستماع الى مقترحات وإنتقادات وشكاوى العمال. وازالة الحواجز التي تجعل العمال فخورين بعملهم.

13.  تطبيق برنامج منظم لتدريب العمال والموظفين على نظم الجودة.

14.  خلق نهج في اوساط الادارة العليا لتبني ونشر النقاط السابقة في اوساط المؤسسة. [5]    

 

ويلاحظ التركيز على أهمية التغيير ودور الإدارة في إحداث هذا التغيير.  ويوجد أكثر من صيغة لهذه النقاط الأربعة عشر، فقد خضعت هي ايضاً للتحسين المستمر.

 

وقد كانت مساهمة الدكتور جوزيف جوران كبيرة في إغناء مفهوم الجودة الشاملة، وقد ركز على التنظيم من اجل التغيير وإحداث التحسين " الإختراق الإداري " managerial breakthrough . من خلال تدخل الإدارة القوي في تحسين الجودة. [6]

 

تعتبر إدارة الجودة الشاملة إستراتيجية لتطبيق وإدارة نشاط تحسين الجودة على صعيد المؤسسة كاملةً.

وعلى الرغم من إنتشار المفهوم وتصاعد شعبيته إلا أن نجاحه كان محدوداً الى حدٍ كبير.  فقد نظر كثيرٌمن المديرين الى إدارة الجودة الشاملة على أنه نظام آخر لتحسين الجودة، ولم يوفروا الجهد الكافي لتطبيقه، بل إقتصر جهدهم في بعض الحالات على تدريب العمال، فكان يقاس جهدهم بعدد العمال الذين تم تدريبهم وليس على حجم التغيير الذي أحدثه التدريب على ثقافة ومسلكيات العمال.  وفي كثير من الحالات تولى عملية التطبيق اقسام القوى البشرية دون الإنخراط الفعلي للإدارة العليا التي قلما تحولت هي نفسها الى تبني مفاهيم الجودة الشاملة.  

وعلى الرغم من أخطاء التطبيق وعدم إعتقاد الكثيرين بأن إدارة الجودة الشاملة كانت مؤثرة الى حدٍ كبير، فإن الأدبيات التي تركها لنا رواد هذا النظام أغنت المعرفة البشرية، وخلقت مفاهيم جديدة للتعامل مع الجودة وإدارة المؤسسات الإنتاجية والخدمية على طريق الإرتقاء بالأداء العام. 

 

إخفاق الجودة الشاملة

إن إدارة الجودة الشاملة نظام لا يحتاج إلى تسويق، فيبدو أن الجميع مقتنع به، فلماذا لا تعمل به كل المؤسسات او كثيرٌ منها.  لماذا لا يطبقها حتى الدراء الذين يمجدونها في مجالسهم وأحاديثهم.

 يعتقد كثيرٌ من المدراء أن الجودة الشاملة لا تتعدى كونها " نظامٌ آجر " يراد من المؤسسة تطبيقه، فلا يولونه أكثر من الجهد المعتاد الذي يعطى عادة لنظام جديد تم تبنيه مؤخراً.  فيمنحون موافقتهم ويطلبون من العاملين التعاون. 

وكثيراً ما يسعى بعض المدراء إلى تطبيق الجودة الشاملة من أجل مماشاة المؤسسات المنافسة او لإرضاء الزبائن فتتحول الجودة الشاملة إلى هدف، وهي قطعاً ليست كذلك.

يناقش ثلاثة من الكتاب، في كتابهم " لماذا تفشل إدارة الجودة الشاملة " [7] في إستعراض رائع للمراحل الثلاث التي يفترض أن تمر بها المؤسسات التي تسعى إلى تطبيق إدارة الجودة الشاملة.

وفيما يلي نستعرض الأسباب التي إذا لم تتحقق، لا سبيل إلى تطبيق إدارة الجودة الشاملة TQM تطبيقاً يحقق غاياتها:

المرحلة الأولى: الإنطلاق: start up   وهي المرحلة التي يتعرف العاملين في المؤسسة على النظام، ويتقبلوا الفكرة: [8]

1.     الإلتزام

من الشروط الاساسية لنجاح تطبيق إدارة الجودة الشاملة في أي مؤسسة هو التزام مدرائها.  والالتزام لا يمكن فرضه على الناس، وإنما ينبع من قناعة عميقة.  فالايمان بالفكرة والالتزام بالعمل على تبنيها واظهار ذلك بالممارسة لزملاءه شرط اساسي لإنجاحها.

ويعتبر هذا العامل الأهم من بين عوامل فشل تطبيق هذا النظام في العادة.  ونادراً ما يكون عدم الإلتزام معلن.  ولكنه إذا لم يكن إلتزاماً كاملاً فإنه لا يخدم الغرض.  فالإلتزام يتطلب تحول في قناعات هذا الإداري واولوياته وكيفية قيامه بعمله ومتابعاته ومعارفه ومهاراته، فالمطلوب منه إظهار إلتزامه من خلال ثماني طرق:

·        تعلم مواضيع متصلة في الجودة ورفع المهارات المتصلة بها.

·        الحصول على مدرب خاص، للعمل معه كإستشاري من خارج المؤسسة.

·        إعطاء نتائج الجودة ورضى الزبائن أهمية اكبر.

·        وضع أهداف منطقية للجودة، من أجل السعي الى تحقيقها.

·        التحدث عن الجهود المبذولة لتطبيق النظام مع العاملين من خلال الجولات والإجتماعات.

·        تطبيق نظم تحسين خاصة بهم، في محيطهم وفي ادائهم.

·        تخصيص الموارد المناسبة للجودة الشاملة.  من خلال إستثمار الجهد والوقت والمال الكافي.

·        إستخدام افضل تقنيات قياس الأداء المتوفرة. [9]

 

2.     التوقيت والتبرير

عند إعلان عن نية الإدارة في التحول نحو إدارة الجودة الشاملة ينبغي إختيار التوقيت المناسب، وإعطاء المبررات المناسبة والمقنعة.

وحقيقة الأمر أن كثيراً من المؤسسات تختار التحول الى الجودة الشاملة بناءاً على طلب احد الزبائن او طمعاً في الحصول على جائزة من جوائز التميز او للتفوق على منافسيهم.  وهذه جميعاً اسباب ضعيفة، ولا يمكن تسويقها لدى العاملين.

إن افضل سبب يدعو المؤسسة الى التحول الى الجودة الشاملة هو الرغبة في تحسين اداء المؤسسة في جميع الجوانب؛  النتائج المالية ورضى الزبائن ورضى العاملين. 

هناك خمسة عوامل تحدد نجاح الجهد المخصص لنجاح تطبيق التحول الى الجودة الشاملة:

·        التهديد

في حال سير أعمال المؤسسة بشكل جيد لا يشتكي منه احد، فقلما تجد من يقتنع بضرورة وأهمية التغيير.  إن التغيير يكون مبرراً عند وجود مشاكل، ويكون مبرراً اكثر عندما تشكل هذه المشاكل تهديداً لوضع المؤسسة، هنا يمكن إحداث إلتفاف حول دعوة التغيير. 

ولا يُنصح بإفتعال تهديد بإدعاء زائف أن هناك خطر يتهدد المؤسسة ما لم يتم التغيير المقترح.  ولكن يمكن توقع وضع المؤسسة خلال سنوات إذا لم تحدث تغيير جذري في ثقافتها ونظمها واهدافها، وتشجيع العاملين أن يؤمنوا بضرورة التحول.

 

·        الالتزام

من عوامل نجاح هذا التوجه هو إلتزام جميع العاملين بإنجاحه.  وعلى الرغم أن الإحساس بالخوف من تهديد يهدد المؤسسة يدفع العاملين إلى الى التزام اقوى في الجهد الساعي الى تطبيق الجودة الشاملة، يمكن أن يبنى الإلتزام دون وجود تهديد، وذلك بإقناع العاملين بفوائد الجودة الشاملة . 

 

·        الخطط

من العوامل التي تؤثر على نتائج التحول الى الجودة الشاملة، هو وجود خطة للتعامل مع نقاط القوة والضعف بعد تقييمها، ومدى فعالية هذه الخطة.

يلجأ البعض، في جهدهم هذا، إلى السعي للحصول على شهادة مثل الآيزو او جائزة يتطلب الحصول عليها إجراءات وتعديلات وفق نظام وجدول زمني تحت إشراف خبراء مختصين.  إن المزاوجة بين قرار الإدارة بالتحول إلى إدارة الجودة الشاملة والحصول على شهادة الآيزو، يجعل الإستمرار حتمي والنتائج افضل والوصول إليها أسرع.

 

 

 

·        التقدم

يعتمد نجاح هذا الجهد ايضاً على مقدار التقدم الذي يتم إحرازه في كل مرحلة من مراحل التنفيذ. [10]

 

·        الإستراتيجية

كما يعتمد النجاح على الإستراتيجية المتبناه لتحقيق التحول.  فالإستراتيجية يجب أن ينخرط فيها جميع الوظائف والإختصاصات، بحيث يُحدثون التحول أتناء قيامهم بنشاطهم الإعتيادي.  كما يجب أن لا تقوم على سلسلة من اللجان التي تعمل خارج إطار النشاط اليومي للمؤسسة.

 

3.     التعليم والتدريب

إن التحول إلى إدارة الجودة الشاملة تتطلب تنظيم سلسلة من الدورات التدريبية للمراتب الإدارية المختلفة، ويعتبر النجاح في هذا الجهد من أهم عوامل تطبيق إدارة الجودة الشاملة.  يعلم الجميع أن التدريب ضروري لنشر مفاهيم الجودة وتعميقها وكذلك رفع المهارة التعلقة بإستخدام أدوات الجودة.

هناك أربعة أنواع من التدريب التي يُنصح بتنظيمها في المؤسسة المقبلة على تطبيق نظام الجودة الشاملة:

·        مفاهيم الجودة

يهدف هذا النوع من التدريب جعل المتدربين يفكرون بالجودة بصورةٍ مختلفة. وبإدارة مؤسستهم بصورةٍ مختلفة وخلق بيئة جديدة.  ولا يهدف هذا النوع من التدريب إلى تعليم مهارات محددة او لتغيير المسلكيات المهنية للعاملين.  ولكنها تهدف الى إرساء القواعد لبرامج التدريب التالية، أدوات الجودة وغيرها.

وكثيراً ما تخفق برامج التدريب الهادفة الى تحول المفاهيم حول الجودة بسبب عدم اقتناع الإداريين بتوجه المؤسسة وبضرورة التغيير.  كما تفشل هذه البرامج إذا كانت تنطوي على توقعات غير واقعية، وعدم موائمة البرنامج قدرات المشاركين ولا يرتبط بواقعهم.  كما تواجه هذه البرامج بالإخفاق نتيجةً لتشكك العاملين في قناعة الإدارة، وكذلك إذا لم تُشمل هذه الإدارة ببرامج التدريب.

وعلى عكس ذلك فهذه البرامج تزداد فرصها بالنجاح ببناء البرنامج ليناسب وضع المؤسسة، والبدء بتدريب الإدارة العليا، وبالمتابعة الحثيثة وإتباع أسلوب إستخدام الأمثلة من داخل المؤسسة ما امكن. [11]     

 

·        أدوات الجودة

في هذه المرحلة من التدريب يطلب من المتدربين تحويل حماسهم الى عمل. فيتم تدريبهم على اهمية هذه الادوات وكيفية استخدامها والتعامل معها بنظرة تحليلية.

وعادة ما تكون هذه البرامج عديمة التأثير إذا لم يرتبط التدريب بالممارسة العملية وعدم مطابقته للواقع.

وتضمن نتائج افضل إذا ما أُعطي المتدربون الوقت الكافي لممارسة المهارات والتمكن منها، وإذا ما تعلموا كيف يطبقون الأدوات التي تدربوا عليها في بيئة العمل الخاصة بهم.

 

·        مواضيع خاصة ذات علاقة

مثل التدريب على الآيزو، او على كيفية الحصول على جوائز عالمية ومحلية التي تعتني بالجودة.  وكذلك كيفية الحصول على موافقة الزبون   compliance .  وكذلك قياس درجة رضى الزبائن.

ولا تؤدي هذه البرامج في العادة الغرض منها في حال كونها غير ملائمة لوضع المؤسسة لكونها مشتراه جاهزة من السوق او مصممة بشكل ردئ.  ويتم تجنب ذلك بالطلب من مصمم البرنامج دراسة واقع المؤسسة بالتفصيل وتصميم البرنامج على هذا الأساس.

 

·        مهارة القيادة

ويشترك في هذا البرنامج جميع مراتب الإدارة من إدارة عليا وإدارة وسطى و إشراف، ولكلٍ برنامجه الخاص به.  وذلك من إستيعاب التحول في نمط الإدارة الذي تتطلبه إدارة الجودة الشاملة.  وتعليم الإداريين كيف يلهمون ويحثون العاملين حولهم ويعطوهم مزيد من الصلاحيات و إزالة الحواجز التي تقف دون تحقيق أهداف المؤسسة.

إن هذه البرامج تخفق إذا لم تنجح في تحويل المدراء إلى قادة، فالمدراء ليسوا مشرفين كما يقول ديمنج، ولكنهم قادة يبحثون دوماً عن مصادر التحسين. [12]

 

هناك العديد من البرامج التدريبية التي يدعي مصمموها أنها قادرة على تعزيز القدرات القيادية للمدراء، ولكن غالباً ما يكون النجاح المزعوم نسبي.  إن تنمية وتعزيز القدرات القيادية يأتي من خلال التجربة والتدريب والتوجيه من قبل قائد آخر ( المدير المباشر )، الذي يُبدي إهتماماً شديداً لتحقيق هذه الغاية،  مصحوباً بجهد متناسق يبذله الشخص نفسه على تطوير قدراته ورفع مهاراته وزيادة معرفته.  بهذه الطريقة وفي الوقت المناسب يمكن تحويل مدير إلى قائد. [13]

 

4.     النتائج

تتوقع أي مؤسسة تتحول إلى إدارة الجودة الشاملة أن لا تنتظر لسنوات للحصول على نتائج. تستثمر كثيرٌ من المؤسسات بإستراتيجيات تركز على النتائج الخطأ. فالنشاطات التي يمارسون او الطريقة التي تمارس فيها هذه النشاطات لا تؤدي الى تحسن الاداء، او لخدمة افضل للزبائن او عمليات ذات فعالية اعلى. بدلاً من ذلك تجدهم يركزون على المؤشرات الخطأ ويدعمون  المسلكيات الخطأ ويشجعون المواقف الخطأ. وفيما يلي إستعراض للإستراتيجيات المشتته للجهد التي تمارسها بعض الإدارات:

·        قياس المؤشرات الخطأ: وذلك من خلال الإنشغال بمؤشرات عديمة الفائدة.  مثل عدد الساعات التي يمضيها اعضاء الفريق في التدريب، مدى إستيعاب العاملين لشعارات عملية التغيير الخ..

·        التركيز على السلوك بدل الإنجازات: في كثير من المؤسسات يرجح التركيز على سلوك الافراد على إنجازاتهم.  وهذا يكثر بين المؤسسات الخدمية، حيث يُبذل جهد خاص لتغيير سلوك العاملين.  والمفروض ان يتم قياس الأفعال اكثر من المسلكيات.

·        التشديد على كياسة العاملين اكثر من كفائتهم: وهذا ايضاً من الممارسات الخاطئة حيث يتم التركيز على كياسة العاملين وبناء التقييم عليها بدلاً من كفائتهم ونتائج عملهم.

·        تبني برامج خفض تكاليف على أنها جودة شاملة:  كثيراً ما يكون التغيير المقترح على أنه إدارة جودة شاملة لا يتعدى كونه برنامج خفض تكاليف.

·        التركيز على التحسين الداخلي بدل الخارجي: فيتم إهمال كل ما يتعلق بالزبائن، وهذا يشكل حجر اساس في الجودة الشاملة.

التركيز على النتائج: يجب التركيز على النتائج لقياس الأداء. ومن بين اهم النتائج التي ينبغي قياسها رضى الزبائن والانتاجية والجودة والمالية ورضى الزبائن.  فأي نشاط يجب تقييمها بقدر تأثيرها على هذا النتائج، بحيث يتم تحوير او إلغاء النشاطات التي لا تأثير لها.

الموازنة بين النشاطات والنتائج: النتائج الجيدة هي التي تغطي تكاليف النشاطات التي مورست ضمن تطبيق فلسفة الجودة الشاملة، ومن هنا ينبغي الموازنة بين النشاطات والنتائج وذلك من خلال الإهتمام بالنتائج والسيطرة العملياتية والتركيز على المؤشرات التي تقيس تحسن الأداء و كذلك التركيز على إحتياجات الزبائن والتركيز على الإستراتيجيات بعيدة المدى.

 

عند تطبيق فلسفة الجودة الشاملة يلاحظ القائمين على بعض المؤسسات أن النتائج المتوقعة قد تأخرت.  وهذا ينجم عادةً عن التركيز على النشاطات اكثر من النتائج، وهذا ما لا ينبغي أن يكون.

 

المرحلة الثانية: الضبط: alignment وهي مرحلة ضبط النظم والممارسات لخدمة الجودة:

1.     إسترتيجية التطبيق، الإخفاق في دمج الجودة الشاملة في صلب المؤسسة

·        تشبيه إدارة الجودة الشاملة بالبرامج

في كثيرٍ من الشركات الجادة الكبيرة منها والمتوسطة الحجم كثيراً ما تسعى الإدارة العليا للشركة إلى تحسين أداء وعمليات ونتائج الشركة, ومن أجل تحقيق هذا الهدف تسعى إلى تبني برامج إدارية تعتقد أنها الإكسير الذي سوف يخرج هذه الشركة من الظلمات إلى النور، ولكن سرعان ما تتبدد هذه الآمال، في أغلب الأحيان.  وخلال أشهر سرعان ما يأتي أحد صناع القرار بفكرو جديدة عن برنامج جديد.  في كثيرٍ من الشركات أصبح الإداريون، وخصوصاً القدامى منهم، يتظرون بعين الشك لهذه المبادرات.  لذلك يجب أن لا تتعرض مبادرة تطبيق إدارة الجودة الشاملة إلى هذا الحكم المسبق وما يتضمنه من مواقف. الأمر الذي يحد من دمج إدارة الجودة الشاملة في صلب تنظيم المؤسسة مما يبقيها هامشية.

فيجب أن لا يطرح كنظام، وإنما كمبادرة للتحول الثقافي والسلوكي والعقيدي.

ولجعل ذلك ممكناً يجب عدم طرح المبادرة بنفس الطريقة التي كانت تطرح فيها البرامج السابقة وعدم تسميتها برنامج لأنها ليست كذلك، كما يجب تجنب الأساليب والأدوات نفسها التي كانت مستخدمة سابقاً.

·        ممارسات شائعة تحد من دمج إدارة الجودة الشاملة في المؤسسة

من الممارسات الخاطئة التي تمنع التوصل الى النتائج المتوخاه، تعيين " منسق عام " للمبادرة.  كإن يكون نائب المدير العام او مدير الجودة.  وعادة ما ينجم عن هذا تحول في مسئولية الجودة إلى هذا الشخص ومن يعمل معه في فريقه، وهذا ينفي صفة المسئولية الجماعية المرجوة.  كما أن من سلبيات هذا النظام أنه في حال وقوع خطأ في إختيار هذا الشخص فحتماً ستتدنى فرص نجاح هذا المبادرة إلى مستويات تجعل من الصعب إنقاذها.

كما تلجأ مؤسسات أُخرى إلى تشكيل لجان، وهذا شائعٌ جداً. ففي مستوى الإدارة العليا تشكل      " لجنة موجهة عليا " وتتفرع عنها لجان قطاعيه وأخرى فرعية ولجان مشتركة للتحسين ولجان تحسين الجودة على مستوى خطوط الإنتاج.  وهكذا نرى أنه تم تأسيس تنظيم موازي في المؤسسة، وهذا يجعل إدارة الجودة الشاملة وكأنه " عرس عند الجيران "، نشاركهم فرحهم ونتمنى لهم الرفاء والبنين ولكننا نعود إلى حياتنا الطبيعية في اليوم التالي.      

 

يلاحظ كثيرٌ من الإداريين وهم على عتبة تطبيق المرحلة الثانية أن العملية فترت.  وهذا عادةً ناجمٌ عن عدم دمج الجهود المبذولة في ثقافة المؤسسة وفي البناء التنظيمي للمؤسسة.

 

2.     القياس: كيفية اختيار مقاييس جودة ذات معنى:

·        اخطاء شائعة في القياس

إن من اكبر الممارسات الخاطئة شيوعاً هو إعتماد قياس متغيرات كثيرة، والعكس صحيح فقياس عدد قليل من المتغيرات يعتبر ايضاً ممارسة خاطئة.

من المؤكد أن قاعدة البيانات في معظم المؤسسات لم تبنى كجزء من خطة ولكنها ظهرت الى الوجود بشكل تدريجي عبر فترة من الزمن.  ولذلك كلما كان عمر المؤسسة اكبر كلما كانت قاعدة البيانات اكبر. فتحتوي على كم هائل من البيانات تجمع وتوزع.  وهذا يتحول الى عبء على الإداريين وعلى تنظيم المؤسسة بأسره.  وتدريجياً تتحول هذه البيانات والتقارير المتضمنة لها الى أدوات لا تلقى الإهتمام والإحترام المطلوبين، فإما تهمل من قبل المدراء او تستخدم إستخداماً جزئياً غير فعال.

ومن الممارسات الخاطئة ايضاً عدم بناء القرارات على البيانات الواردة في التقارير وإنما على أُسس أُخرى مثل التجارب السابقة وعلى حدس صاحب القرار الخ.. وفي كثير من الحالات عندما يتعارض الحدس مع التقارير وما تحتويه من بيانات فإن كثيراً من المدراء يميلون الى التشكيك في دقة هذه البيانات.

كما يتوجب ان تكون ضرورية وغير متناقضة ومتسقة مع بعضها البعض. [14]

 

3.     التقييم

من اهم الأغراض وراء وضع نظم تقييم الأداء هو تحديد أهداف هذا الأداء، بحيث يتم قياس أداء الأفراد والجماعات حسب هذه الأهداف.

وقد أثبتت التجربة أن قياس أداء الأفراد على أساس أهداف فردية عندما يكون هؤلاء الأفراد يعملون في فرق يعتمد اداء اعضاؤها على بعض لا يعطي نتائج افضل. 

كيف تحد نظم التقييم التقليدية من الجودة والعمل الجماعي:

فطرق التقييم التقليدية تدفع بإتجاه المنافسة بين الزملاء.  كما تعتمد مقارنة الزملاء مع بعضهم البعض بدلاً من قياس مساهمتهم في تحقيق متطلبات الزبائن . كما تضع هذه النظم الموظف في خدمة المدير، وهذا مخالف لروح الجودة الشاملة وفلسفتها.  كما تحد هذه النظم من المرونة في تنظيم المؤسسة.

وللحد من هذه النتائج تسعى المؤسسات التي تتبنى انماط تفكير تقدمية إلى تشجيع العاملين على تقييم أدائهم بأنفسهم.  وتبني نطم تقييم تربط التقييم بالعمل، حيث تعقد الإجتماعات عقب الإنتهاء من مراحل تنفيذ المشاريع.  وإلغاء كل انواع تصنيفات العاملين، التي تحدد الأول والثاني وهكذا لمل تخلقه من حسد وأحقاد بين الزملاء. ويركز في تقييم الأفراد على مدى مساهمتهم في الجهد الجماعي وتعاونهم.

لا ينبغي التفكير بإلغاء نظم التقييم لتجنب تحسس الزملاء وغحداث إنقسامات في صفوفهم، بل يجب أن يتجه التفكير إلى تعديل هذه النظم بحيث تعزز روح العمل الجماعي والجهد الهادف إلى التحسين المستمر ورضى الزبائن وتحقيق حالة عالية من الرضى في اوساط العاملين وهذا يتحقق بنشر المودة في ما بينهم بدلاً من التنافس والتناحر لأهداف شخصية. [15]  

 

4.     المكافئة :

والمقصود بذلك الحوافز والمكافئات.  وهذا الموضوع وارد في فصل آخر بشيءٍ من التفصيل.  ولكن هنا نود أن نؤكد على أهمية التركيز عند تصميم نظاماً للحوافز على الجودة ورضى الزبون، بحيث يكافئ الأفراد والفرق على أدائهم الجماعي والفردي.   

إن وجود نظام حوافز مصمم جيداً يخدم غايات المؤسسة في تطبيق الجودة الشاملة، فيعتبر أداة هامة لتحقيق هذه الغاية ويساعد كثيراً في ظهور النتائج المتوقعة نتيجةً  للجهد المبذول. [16]

المرحلة الثالثة: التكامل: integration حيث تتكامل مبادئ إدارة الجودة الشاملة مع كل جوانب عمليات المؤسسة:  

1.     تركيبة السلطة power structure

من أهم شروط نجاح الجودة الشاملة كفلسفة، هو إعطاء مزيد من الصلاحيات للعاملين.  وفي المؤسسات التي يعمل الإداريون في الإدارة العليا على تبني الجودة الشاملة دون تمرير صلاحيات إلى الإدارات الوسطى والإشرافية تكون النتائج باهتة. من أجل إنجاح الجودة الشاملة ينبغي أن يتمتع المشرفون بصلاحيات واسعة.  إن تشكل فرق توجه نفسها ذاتياً self directed teams في ظل فلسفة الجودة الشاملة يعطي أفضل النتائج ويرتقي بالمؤسسة وبقدراتها على التحسين المستمر وينعكس إيجاباً على النتائج المالية وعلى رضى البائن والعاملين.

عادةً ما يقاوم قدامى المدراء التنازل عن الصلاحيات لصالح العاملين معهم.  وهذا يعود لكونهم إعتادوا على نمط في الإدارة يشبه ما هو معمولٌ به في الجيوش.  فالإدارة بمفهومها الحديث لا تعود إلى اكثر من عام، بينما تعود التنظيمات العسكرية إلى آلاف السنين.  فيعمد كثيرٌ من المدراء إلى التعامل مع موظفيهم كما يتعامل الضباط مع الجنود. 

لقد تغير الحال كثيراً في الخمسين سنة الأخيرة، فقد ظهرت هناك  عدة تغييرات، من بينها ما عرف باسم quality of work life teams في الغرب وظهر quality circles في اليابان. وهي فرق تهدف الى تحسين الجودة وتمتلك قدر جيد من الصلاحيات مع إحتفاظ الإدارة بصلاحية الفيتو متى ما رأت ذلك ضرورياً.  ثم ظهر فيما بعد self directed work teams التي شكلت تحولاً مهماً في البناء السلطوي لأن الإدارة تنازلت عن صلاحية إطلاق الفيتو ضمن جوانب محددة بوضوح. 

تمارس هذه الفرق صلاحيات المشرف التقليدي، فهي تخطط وتنفذ وتحسن وتقيم عملها.  كما يمكن ان يجروا المقابلات للموظفين الجدد ويعينوهم ويدربوهم ويقيموا اداء بعضهم البعض.  كما يمكن أن يكون لهم إتصال مباشر بالزبائن والموردين. وهذا يتطلب إعادة تدريب أعضاء الفريق على كافة الوظائف مما يرفع من مرونة الفريق. [17]

 

2.     المعتقدات الإدارية management beliefs 

تبنى الجودة الشاملة أُسس من المعتقدات والقيم، التي يتوجب على الإداريين أن يؤمنوا بها ويمارسوها.  وتأتي الممارسة من خلال إتساق اقوالهم وافعالهم مع التوجهات المعلنة.

وكثيراً ما تصدر عبارة عفوية عن احد المدراء توصل رسالة الى العاملين أن الإدارة غير جادة فيما تطرح. وقد اثبتت تجارب الشركات الكبرى التي حققت تحولات في ثقافتها أن التغيير اصبح ممكناً لأن المدير العام تبنى نمط تفكير جديد وكان جاداً في التحويل.

هناك عدداً من المعتقدات الخاطئة التي لا تزال دفينة في الممارسات الإدارية التقليدية، منها:

1.     أن هدف المؤسسات هو الربح، والحقيقة أن هدف المؤسسة إيجاد وسائل وطرق مربحة لإرضاء الزبائن.

2.     أن الجودة تكلف الكثير، والحقيقة أن الجودة السيئة هي التي تكلف أكثر.

3.     أن الموظفين يشكلون عنصر تكلفة كبير، ولذلك عندما يبدأ الحديث عن خفض التكاليف، تتجه الأنظار إلى إنهاء خدمات عدداً من الموظفين.

4.     أن الموظف يعمل لرئيسه، فالمفهوم الحديث يدعو المدير إلى تقديم الدعم للموظفين العاملين في دائرته ضمن هرم مقلوب. فهو يعمل للفريق وليس العكس صحيح، وذلك من خلال إعطاء الصلاحيات والعمل الجماعي.

إن عملية التطوير المتوقعة من المدراء أن يجروها على أنفسهم ضمن عملية التحول أثناء تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسة:

1.     مقاومة التغيير – من خلال عدم الرغبة في التغيير.

2.     الغطرسة – فبعض المدراء يعتقدون أنهم كاملون وليسوا بحاجة الى التغيير.

3.     المهارات – فبعضهم يفتقد المهارات المطلوبة لممارسة التغيير.

4.     الأولويات – فالبعض يعتقد أن هناك أولوية أهم من التغيير المطلوب.

  ولا يمكن أن تحقق الجودة الشاملة ما لم يتم تحول جذري في فلسفة الإدارة في المؤسسة، وهو أمرٌ يجب أن يبدأ بالإدارة العليا، فعلى أعضائها أن يقدروا انخراط كافة الموظفين في نشاط المؤسسة، كما أن عليهم تبني أدوار جديدة مستخدمين مهارات جديدة.

 

5.     البنية التنظيمية structure

يؤثر البناء التنظيمي للمؤسسة على موظفيها، فقد يحد من التواصل الداخلي ويعزل الموظفين عن الزبائن ويؤثر سلباً على التجديد.  كما يمكن ان يفتح المجال لجودة افضل ومرونة أعلى ومجال اوسع للتحسين المستمر، وذلك يعتمد على طبيعة هذا البناء.

إن التغييرات التنظيمية من اكثر التغييرات شعبية لدى المدراء في التنظيمات التقليدية؛ فهم ينشئون اقساماً جديدة ويلغون أخرى ويغيرون اسماء البعض الآخر ويدمجون أخرى.  كما يجرون بعض التنقلات بين الأقسام.  وفي العموم همهم الأكبر هو خفض التكاليف. وعلى الرغم من حجم التغييرات فإنها تحافظ على النموذج القديم نفسه.

وفي العموم تمشي هذه التغيرات وفق إعتقادين متجذرين؛ وهما أن المؤسسة الأكبر تعتبر أنجح، ولذلك يجب الإستمرار في النمو من أجل أن تبدو المؤسسة مزدهرة من خلال وجود فروع اكثر او دخل أعلى.  أما الإعتقاد الثاني فهو ضرورة وضع الموظفين الذين يقومون بوظائف متشابهة مع بعض، فينجم عن ذلك تنظيم وظيفي، يخلق ولاء للوظيفة وليس للمؤسسة، كما يجعل الصلة بين الأقسام يمر من خلال الإدارة.

 

نماذج جديدة للبناء التنظيمي:

في العصر الذي تعتبر السرعة والمرونة فيه مصادر قوة اساسية للمؤسسات.  يجب أن تحل الشبكات المرنة بدلاً من التسلسل الهرمي التقليدي في اوساط المؤسسة طولاً وعرضاً.  كما يجب تفويض الصلاحيات إلى أسفل سلسلة القيادة بحيث ينجم عن ذلك وحدات لامركزية مستقلة ويتحمل القائمين عليها مسئوليات مالية وتسويقية. وذلك دون إقامة حدود بين هذه الوحدات والحرص على تشجيع التجديد.

 

مبادئ لتصميم تنظيمات مرنة:

·        وجود إستراتيجية واضحة

·        تمتع العاملين في المؤسسة بمهارات عالية

·        بناء تنظيمي مرن يشجع الإنتماء والتواصل.

·        نظم تدعم الجودة والعمل الجماعي.

·        تشجيع الموظفين على السعي نحو تحقيق ا لأحسن للمؤسسة ليس فقط الأهداف الذاتية.

·        تحديد قيم إيجابية مشتركة للمؤسسة.

 

6.     النظم   systems

تعتبر النظم أدوات فلسفة الادارة.  فهي تحمل قيم ومعتقدات واضعيها. وهي آخر ما يتغير في العادة، عندما تقدم المؤسسة على عملية تغيير واسعة.   

إن النظم المالية ونظم المعلومات ونظم التخطيط تزداد أهميتها في حياة المؤسسات بأنواعها، وهي بحاجة إلى أن تتطور بحيث لا تشكل عقبة في طريق تطبيق فلسفة الجودة الشاملة، ولا تشكل عبئاً على مرونة المؤسسة وتطورها. [18]

 

7.     التعليم المؤسسي organizational learning[19]

إن الجودة الشاملة هي عملية تحسين وتجديد مستمر، وهذا يتطلب الإستفادة من الخبرات المتوفرة وإستثمار ما تم تعلمه.  وقد أدرك بعض المؤسسات أهمية المعرفة والتعليم لصالح الإرتقاء بالمؤسسة وتطبيق الجودة الشاملة بشكل خاص. 

وهذا ما يساعد على خلق " المؤسسة المعرفية " learning organization او المؤسسة المستنيرة مع الفارق. [20]

 

عقبات تقف في طريق التعلم:

يعتقد علماء النفس أن رغبة التعلم لدى الإنسان من أقوى الرغبات لديه.  ومع هذا فإن قليل من التعلم تُمارس في المؤسسات.  وهذا يعود إلى أن الوضع السائد لا يشجع بل يحد من التعلم.

فهناك ربط بين التعليم والمركز الإجتماعي او الوظيفي، كما أن هناك اعتقاد خاطئ بإن التعليم يتطلب دائماً وجود معلم.

 

ولخلق البنى التحتية في المؤسسة ( على درب بناء المؤسسة المعرفية ) للمساعدة على نشر المعرفة في اوساط المؤسسة، يتوجب نشر الأجواء التي تساعد على ذلك.  فمن مركز التدريب إلى قاعات الإنتاج حيث يحدث معظم التعلم، لا يقتصر التعليم على أحد.  فعلى الرغم من من وجود تعليم ممنهج ومنظم فإن التعليم يأتي على شكل إقتراحات من العاملين، بما في ذلك تلك القادمة من خلال صناديق الإقتراحات.  إن مشاركة الآخرين في المعارف والأفكار يساعد على نشر التعلم وتشجيعه.

تفتخر المؤسسات الرائدة في هذا المجال أن عملية التعليم في أوساطها لا يوجد لها مصدر، فالجميع يساهم في بث المعرفة وتلقيها.

إن الإجتماعات بأنواعها التي تعقد لكل لأي سببٍ كان تعتبر أداة مؤثرة أيضاً، حيث يناقش فيها الانتاج وما يحيط به من صعوبات، حيث يُعطى الجميع الفرصة لطرح افكارهم والتعليق على افكار الآخرين والإستماع الى النقاشات الي توسع أُفق المشاركين وتزيد من معارفهم.

كما أن تشجيع التجريب والإختبار يغني معارف المؤسسة ويرتقي بنظمها.  

إن المؤسسات التي تعتبر الأزمات فرصة للتعلم تستطيع أن تستفيد من الأزمات بدل أن تتضرر منها، وتفتح باباً للتعلم يستفيد منه العاملون بحيث يمنعون تكرار هذا النوع من الأزمات عند تكرار الظروف التي أدت إلى حدوثها في المرة الأولى.

ودائماً يجب على المدراء لعب دور القدوة، سواءٌ في التلقي او في الإستماع او المطالعة او في الحوار، الأمر الذي يشجع العاملين أن ينتهجوا نفس النهج فيكتسبوا معارف جديدة ومهارات لم يكونوا يتقنوها.

إن مؤسسات يسودها هذا النهج يسهل عليها تطبيق الجودة الشالملة بنجاح.  

 

 

 

 

 

 

 




 إدارة الانتاج [1]

 دليل تطبيق أ ج ش ، شارليز ويفر. [2]

إدارة الانتاج [3]

 الإمتياز على طريقة آي بي أم ، جيمس هارينجتون. [4]

 الخروج من الازمة ، إدورد ديمينج. [5]

 نفس المصدر. [6]

 لماذا تفشل ادارة الجودة الشاملة وما العمل حيال ذلك ، مارك براون ودارسي هيتشكوك وومارشا ويلارد. [7]

  نفس المصدر. [8]

 نفس المصدر. [9]

 نفس المصدر. [10]

[11]  نفس لبمصدر.

 لماذا تفشل ا ج ش [12]

 قادة لا مدراء. [13]

[14]  نفس المصدر.

[15]  نفس المصدرز

[18]  لماذا تفشل ا ج ش.

 لماذا تفشل ا ج ش [19]

 قادة لا مدراء [20]

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter