الفصل الأول - كتاب ثقافة الجودة الشاملة
 
 



اسم الكتاب: ثقافة الجودة الشاملة.
تأليف: نديم أسعد

    "منذ سنوات كنت أعمل ، كمهندس ،  في مشروع إنشائي في إحدى الدول العربية.  وكان المشروع يعود للقوات المسلحة وتحديداً للخدمات الطبية فيها ، لأن المشروع كان عبارة عن مستشفى.  وفي بداية المشروع طُلب مني أن أذهب ضمن مجموعة من المهندسين إلى مقابلة مع مدير الخدمات الطبية ومجموعة من مساعديه، الذين كانوا جميعاً أطباء.  وبدأ المدير حديثه، بمناسبة كون المجتمعون حول الطاولة أطباء ومهندسون، في حديث مفاده أن الطب بدأ تاريخياً قبل الهندسة.   وقد كان هذا المدير له كتبٌ منشورة  ومعروف بثقافته الواسعة.  ومنذ ذلك الحين، أكثر من عشرين سنة، وأنا أعطي هذه المسألة حيزاً من التفكير كلما تذكرتها.

إن الطبابة خدمة، بينما الهندسة، في غالبها، صناعة سلعية، وهذا ما يجعلنا نعيد صياغة السؤال " من ظهر أولاً الإنتاج السلعي أم الخدمي ؟."  وبغض النظر عن الإجابة على السؤال، فإن ما هو مشترك بين السلع والخدمات هو أنهما موغلان في القدم في التاريخ البشري.  وأن كلاهما يحتاج ، لكي يتأهل ويصبح مقبول من قبل المستفيد النهائي ، أن يبلغ مستوى معين من الجودة.

وهذا يعني أن الجودة كمقياس وجدت منذ بداية الإنتاج السلعي والخدمي، وإن أخذت أشكال أكثر بساطة، ولكنها كانت تفي بالغرض في حينه.

وفي الواقع لم يكن ضمان الجودة بحاجة إلى نظم معقدة، ليس لأن الإنتاج لم يكن بهذه الكثافة التي نشهدها في عصرنا، ولكن لأنه كانت هناك قوى ذاتية تحرص على تحقيق المستوى المطلوب والمعروف من الجودة.  وهذه القوى تتمثل في حرص الصانع نفسه وحرص مجتمعه الذي ينتمي إليه؛ والذي قد يكون قبيلة او مدينة او حتى تنظيم المهنة الذي يرأاسه شيخ الكار، الذي كان موجوداً في كل مدينة في منطقتنا.

وكان هذا الحرص مدفوع بدوافع أخلاقية ومبدئية مثلما هو مدفوع بدوافع مصلحية. كما كان مدفوعاً أيضاً من افتخار الصانع – الذي كان يصنع القطعة المنتجة بكاملها – بصنعته .
بعد الثورة الصناعية لم ينجم عن ذلك تكثيف الإنتاج بإدخال أدوات إنتاج جديدة فقط، بل تعدى ذلك على القضاء على العلاقات الصناعية القديمة، والتي كان من ضمنها الضمان التلقائي للجودة.
لقد كانت الثورة الصناعية حدثاً اوروبياً، ولكن سرعان ما نقل الاوربيون القيم التي ولدتها الى دول العالم الاخرى، من خلال الاحتلال او التجارة، وكانوا بذلك يقضون بذلك على انماط الانتاج السائدة في هذه الدول، ليس بالاغلاق او التدمير وانما بالمنافسة ، بالسعر والنوعية.  وقضوا على القيم السائدة في اوساط هذه الصناعة.
وهذا يعطي مبرراً، ولو جزئياً، للتخلف الصناعي في الشرق، وما تبعه من تخلف في شتى العلوم بما في ذلك العلوم الإدارية. 
وكذلك تدني المستوى العام للجودة في ما ينتج من سلع وما يقدم من خدمات في عالمنا العربي.  ويعود هذا إلى فقدان الآليات القديمة وعدم إتقان الآليات الجديدة لتحقيق الجودة.  تماماً كما حصل للغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، فلم يتقنها وفي هذه الأثناء نسي مشيته..!.       
والآليات الغير متقنة تتضمن التقنيات والأخلاقيات الضرورية لذلك. 
ويعتقد الكثيرون أن التخلف في منطقتنا يظهر في نقص التصنيع، ولكني أختلف مع هذا الإعتقاد، وأعتقد  أن التخلف يكمن في تراجع الجودة في السلع المنتجة والخدمات المقدمة. فلو كان لدينا صناعات أقل بجودة أفضل، لإستطعنا أن نكون القاعدة التي ممكن أن نبني ثورتنا الصناعية.
إن الجودة المنشودة لا تقتصر على نوعية السلع والخدمات، وإنما تمتد إلى أداء الأفراد والجماعات، وإلى العلاقات السائدة ضمن المؤسسات وفيما بينها – كمورد  وزبون – وعلاقاتها مع مجتمعها المحلي، والتزامها في التنمية الشاملة لهذا المجتمع.   
لقد إستبدل الغرب القيم القديمة التي كانت تقدم ضمانةً للجودة بأساليب أخرى قسرية لمنع وصول المنتجات ذات الجودة المتدنية إلى الزبون.  ثم جاءت توجهات جديدة بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت بالدكتور ديمنج، الاميريكي، الذي لم يجد سوى الارض اليابانية ليزرع بذور افكاره، حيث نمت وترعرعت وأتت أكلها، فقلدها الآخرون بما في ذلك الأميريكان. وهذه التوجهات الجديدة تتطلب مشاركة جميع العاملين وتعتمد الوقاية دون العلاج، وهي ما يسمى بإدارة الجودة الشاملة.
هذا الكتاب يشكل دعوة لإعطاء الجودة بمفهومها الشامل فرصة، ولكن بلمسة محلية، لمسة من ثقافتنا وتراثنا.
إن الموروث الديني والثقافي الذي بين أيدينا يدعونا ويشجعنا أن نتقن عملنا، سواء كان سلعةً أو خدمة، ويدعونا أن تكون معاملاتنا حسنة.  إن الوفاء بالعهود مذكورٌ بالقرآن في أماكن كثيرة جداً كصفة مهمة من صفات المؤمنين. 
إن معظم مشاكل الجودة ناجمة عن عدم الوفاء بالعهد، سواء عهداً مقطوعاً في العقد الموقع بين المنتج والمشتري، أو العهد القطوع في الدعاية التي تعد المستهلك بمستوى معين من الجودة، أو العهد المقطوع فيما بين المنتج والمستخدم النهائي للسلعة من خلال ما هو مكتوب على غلافها الخارجي والذي يعطي فكرة عن المكونات وتاريخ التصنيع الخ..   
إن الجودة لا تقتصر على السلع التي نشتري ونستهلك، ولا على الخدمات التي نتلقى مقابل ثمن مثل العلاج والتعليم والكهرباء والهاتف وإنما تتعدى ذلك إلى الخدمات العامة التي يتوقعها المواطن من دوائر الحكومة والبلدية والجهات الخاصة التي يقصدها.
إن جودة التعليم وجودة الإعلام تؤثر على التكوين النفسي للمواطن.  كما أن جودة الخدمات الصحية تؤثر على الصحة العامة لأبناء الشعب.  وكذلك جودة العمل الدبلوماسي تحدد مكانة الدولة بين دول العالم.  وينطبق الأمر نفسه على الرياضة والزراعة والإنشاءات الخ..
إن ما يجب أن نسعى إليه هو تربية أجيالنا على الأداء الجيد ورفض الأداء الغير جيد، بمعنى رفض السلع والخدمات والأداء والمعاملة إذا لم تكن بجودة عالية."

يمكنكم تحميل الفصل الأول من الكتاب من هنا. نتمنى لكم قراءة مفيدة.

 
 

 


تعليقات

1  
الاسممريم أحمد  
التعليقحقيقة موقع مميز تسلم أناملكم  
   
2  
الاسمشادي 
التعليقنشكركم على الإفادة وندعو لكم بالتوفيق 
   

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter