الفصل السادس - قادة لا مدراء - الختام
 
 


 

إستعراض

 

في الفصول السابقة تم الحديث، بعد التمهيد، عن المؤسسة المستنيرة؛ وهو تعبيرٌ أطلقناة على أي مؤسسةٍ، من أي نوعٍ كان، تتبنى ثقافةً إيجابيةً تمتاز بمزايا عديدةً قمنا بإستعراضها بشيءٍ من التفصيل، وأطلقنا على هذة الثقافة إسم الثقافة المستنيرة.  وهذة المفاهيم ليست جديدةً تماماً.  فهناك ما يُسمى بالمؤسسة التعليمية ( Learning organization ) وهناك ثقافات إيجابية عديدة طرحتها الأديان والمصلحون الإجتماعيون والدينيون عبر العصور.  كما حدثت تحولاتٌ ثقافيةٌ كبيرةٌ لدى إستلام أحزابٍ عقائديةٍ الحكم في كثيرٍ من البلدان.  وكانت الثقافات الجديدة إما إيجابية او سلبية.  كما حدثت تحولات ثقافية عظيمة بسبب إنقلابات إقتصادية مثل الثورة الصناعية او إكتشاف حقول نفطٍ او مناجم مواد أوليةٍ الخ.. وبتنوع الأسباب تختلف سرعة التحول وطريقة التحول فقد تكون مؤلمةً وسطحية.

عند تكون ثقافة في مجتمعٍ ما، سواءاً كان هذا المجتمع مؤسسةً إقتصاديةً او مجموعةٍ من البشر تعيش في إقليمٍ محدد، دولةً مثلاً، فإن هذة الثقافة لا يمكن عزلها بشكلٍ مطلق.  ومحاولات العزل في الماضي، في بعض الدول، كانت مكلفةً ولم تكن ناجحةً تماماً.  ولذلك لا بد لأي ثقافةٍ إيجابيةٍ كانت أم سلبية أن تؤثر فيما يحيطها.  ولذلك ولضمان ديمومة أي ثقافة، يجب أن تكون قدرتها على التأثير في محيطهاعالية، وتمتلك درجةً معقولةً من الحصانة ضد أي مؤثراتٍ خارجيةٍ سلبية.  وهذة الحصانة ذاتية وتنبع من قناعاتٍ ذاتية، ولا تأخذ، بأي حال من الاحوال شكلاً قسرياً وقمعياً.  وفي جميع الأحوال فإن أيَّ مواطنٍ، في أي بلدٍ ويؤمن بأهمية وجود ثقافةٍ إيجابيةٍ ويمتلك الحد الأدنى من الإنتماء لبلدة ومجتمعة، سيتمنى أن تسود هذه الثقافة مجتمعة بأسرة، ولا تقتصر على المؤسسة التي يعمل بها او يمتلكها.  ومن هنا فلا بد للعاملين في المؤسسة المستنيرة، العمل على نشر الثقافة التي تبنوها في مؤسستهم في مجتمعهم الكبير، والمتضمنة قيماً ومسلكياتٍ إيجابيةٍ يُرحب بها هذا المجتمع.

وهذا أمرٌ يجب أن يكون طبيعياً؛ فلا يُعقل أنْ يعتاد العامل الحفاظ على الماكينة التي يعمل عليها، ولا يحافظ على مقعد الحافلة التي يذهب بها الى البيت.  ولا يعقل أن يعتاد الموظف على نمطٍ معينٍ من العلاقات في العمل، ويتعامل بصورةٍ مختلفةٍ في بيتة.  فهذة الإزدواجية في القناعات والممارسات ظاهرةً ليست صحية.  وهذا، حقيقةً، يحدث؛ فتجد بعض المدراء يتشددون تجاة بعض الأُمور في أماكن عملهم ويتغاضون عنها في بيوتهم، او العكس.   

 

نحو ثقافة مستنيرة تشمل المجتمع بأسرة

 

ولهذة الأسباب وأسبابٍ كثيرةٍ أُخرى، يتوجب التوجة، بعد إتمام بناء الثقافة المستنيرة في المؤسسة،يتوجب التوجة إلى مؤسساتٍ أُخرى وإن أمكن إلى المجتمع بأسرة في محاولةٍ للتأثير إيجابياً وبالقدر المتاح، مهما كان صغيراً. او على الأقل التأثير في الجسم الإقتصادي للمجتمع ( Economic body ) وهذا لا يعدو كونة خدمةً صغيرةً وقليل عطاءٍ يقدمه المواطن لمجتمعة.  فحقيقةً يمكن، الى حدٍ ما، تطبيق ثقافةٍ مستنيرةٍ في مؤسسةٍ تعمل في محيطٍ تسيطر علية ثقافاتٌ مغايرة.  سواءاً كان هذا المحيط مؤسساتٍ أُخرى صناعية او تجارية او حتى إجتماعية او سياسية او المجتمع بكل شرائحة.  ولكن هذا يتطلب جهداً كبيراً؛ إذ على القائمين على المؤسسة الإختيار بين أن يمتنعوا عن تعيين ذوي الخبرات- لأنهم غالباً ما يجلبون معهم عاداتٍ وسلوكياتٍ مهنيةٍ وشخصيةٍ مغايرة،قد تؤثر سلباً على ثقافة المؤسسة – او تعيين عديمي الخبرة.  وهذا، إن كان ممكناً في كثيرٍ من الحالات، فهو غير قابل للتطبيق في حال الحاجة الى من يملأ شاغراً إدارياً على سبيل المثال.  ولذلك فإن فرص المؤسسة المستنيرة في البقاء كمؤسسة، والحفاظ على ثقافتها تعتمد على مدى شيوع هذة الثقافة في محيطٍ أوسع من المؤسسة ذاتها.  ولهذا ينبغي للمؤمنين بهذة الثقافة العمل على نشرها خارج نطاق عملهم؛ إن لم يكن بدافعٍ وطنيٍ فبدافع ضمان بقاء الثقافة المستنيرة في مكان عملهم وإزدهارها.

 ويمكن إختزال رغبة أي شخص يود التأثير في محيطة ببرنامج الحد الأدنى – أضعف الإيمان - والمتمثل في عددٍ من الممارسات التي تترك أثراً لدى الآخرين، ولا تكلفة الكثير مثل:

·        أن يُشكل من نفسة قدوةً للآخرين بالقول والفعل.

·        أن يعمل على إشاعة القيم الإيجابية بالتوجية المباشر ضمن دائرة معارفة.

·        أن لا يتقبل المسلكيات السلبية وذلك بعدم السكوت عليها.

·        التحدث عن الإيجابيات على أنها آخذة بالإنتشار وعدم التحدث عن السلبيات.

ودور الفرد في التغيير يستحق نقاشاً أوسع، نرجو أن نعود إليه لتبيان أهميتة.

 

ومرة أُخرى :   لم العناء؟؟؟...

 

وكما أجبنا على هذا السؤال في السابق فإن موجبات بناء مجتمعٍ يتمسك الغالبية العظمى من أفرادة – ولا نقول جميعهم بالضرورة- بالغالبية العظمى من القيم الإيجابية المعروفة في الغالبية العظمى من الحالات، إن موجبات ودواعي بناء مجتمعٍ من هذا النوع أكبر من أن تُناقش وأن يُحاول أحداً أن يُقنع آخر بها. 

 

بناء الثقافة المستنيرة في المجتمع

 

والثقافة المستنيرة في المجتمع تأخذ شكلاً أكثر بساطةً؛ وهو إشاعة القيم الإيجابية ونبذ القيم السلبية.  وكذلك تشجيع التوجهات وأساليب العمل الإيجابية، مثل الميل للعمل الجماعي وحب الإبتكار، لدى النشء بحيث يصبحوا رافداً جيداً لمؤسسات البلد الإقتصادية وأجهزتة الرسمية، بما في ذلك جيشة وشرطتة ومؤسساتة التعليمية والإعلامية الخ..

ونشر هذة الثقافة يتطلب تضافر جهود جهاتٍ عديدة ضمن توجةٍ وطنيٍ شاملٍ مقرونٍ بالأفعال – توجيةٍ وتوعيةٍ مقرونةٍ بالقدوة الصالحة والممارسة السليمة-.

 

دور المؤسسة التعليمية

 

وللمؤسسة التعليمية الدور الأعظم في تشكيل ثقافةٍ جديدة.  وقد سُئِل رئيس وزراء سنغافورة - وهي البلد الذي لا يملك مقومات دولة بالمعنى الشائع– عن سر نجاح برامجهم الإقتصادية، فقال: التعليم.

وهذا يتطلب نظاماً تعليمياً تقدمياً تقوم علية هيئةٌ تدريسيةٌ ملتزمةٌ وبدافعيةٍ عالية.

    

 دور الجامعات

 

والجامعات هي التي تعد الغالبية العظمى من الادارات العليا والوسطى.  وبالتالي فهي تملك الفرصة وكذلك الامكانية لتخريج اجيال من المؤمنين بالثقافات الايجابية والمستعدين للمساهمة في بناء ثقافة من هذا النوع في اماكن عملهم.

وهذا يتطلب وجود هيئةٍ تدريسيةٍ ملتزمةٍ بهذا التوجة.  وكذلك العمل بشكلٍ لصيقٍ مع المؤسسات الإقتصادية العاملة في محيط الجامعة، وذلك لغاية ربط التوجهات التوعوية بالواقع وعدم تحويل الطروحات الى أفكارٍ طوباوية غير قابلةٍ للتحقيق.

 

دور جمعيات الاعمال

وجمعيات الأعمالغالباً ما لا تتعدى كونها منتدى يضم رجال الأعمال – او مؤسساتهم – الذين يمارسون نفس النشاط او يعملون في منطقةٍ جغرافيةٍ محددةٍ الخ.. وهذة غالباً ما تكون طوعيةً وغير ملزمة في قراراتها قانوناً.  الا أنة يبقى لها دورٌ كبيرٌ في خلق مسموعياتٍ جيدةٍ لأعضاء الجمعية وتنظيم العلاقات فيما بينهم وكذلك بينهم وبين زبائنهم والقطاعات الأُخرى التي يتعاملون معها.

 

دور النقابات

 

تشكل النقابات قطاعاً مهماً في أي مجتمع، سواءاً من ناحية الدور المتوقع او القوة العددية للمنضوين في صفوفها.  وهي بالتالي بإمكانها لعب دوراً غايةً في الأهمية.  ولكن يجب عليها التحول أولاً لتتبنى ثقافةً مستنيرةً هي نفسها.  وبالتالي لعب دور القدوة والموجة.

لا تعتبر النقابات جديدةٌ على مجتمعنا العربي، فقد كان في جميع المدن الكبيرة تنظيمات تربط بين ابناء المهنة الواحدة، يرأسها ما كان يسمى في بلاد الشام " شيخ الكار " – وربما كان هناك تسميات أُخرى في أ قاليم أُخرى.  وكان هذا يضمن عدداً من الأُمور البسيطة، مثل:

 

1.    إتقان العضو للمهنة.

2.    الحفاظ على أخلاقيات ومسموعيات المهنة.

3.    تنمية روح التعاضد بين ابناء المهنة.

4.    حل الخلافات بأنواعها وخصوصاً مع الزبائن.

 

دور الإعلام

 

ودور الإعلام لا يخفى على أحد، فإذا ما وُجة لترسيخ بعض القيم الإيجابية ضمن حملة شاملة، فسيكون لة الأثر العظيم.  وخصوصاً اذا ما ركز على قصص النجاح الناجمة عن تبني ثقافةٍ من هذا النوع.

 

دور المساجد والكنائس

 

إن لدور العبادة دوراً كبيراً في التوجة نحو ثقافةٍ مشتقةٍ اصلاً من قيمنا الدينية المتجذرة عميقاً في مجتمعاتنا.  فلو تم توجية هذا الدور لكي يتناغم مع الجهد المبذول من قبل المؤسسة التعليمية وذاك المقدم من قبل الجهاز الإعلامي، فستكون النتيجة جد عظيمة.

 

 

 

علاقات وثوابت

 

إن أكثر ما هو مطلوبٌ تنظيمة هو العلاقات بين فئات وقطاعات في المجتمع، ينجم عن تنظيم هذة العلاقات بثوابت مبنية على قيم ومسلكيات نبيلة جو إيجابي يدفع بعجلةٍ التنمية والإبداع الى الأمام، ويجعل من المجتمع خليةً واحدةً تنصب مجهوداتها في إتجاةٍ واحد، فلا يُلغي بعضٌ منها بعضاً، كما هو الحال في كثيرٍ من المجتمعات، فتصبح المحصلة، في ناتجها العام، أكبر وموجهة أفضل نحو الهدف العام.

       

 مهنة ومهنة

 

هناك نقاط التقاءٍ بين ممارسي بعض المهن، كثيراً ما تؤدي الى إحتكاكٍ وربما  الى صدام.  وخصوصاً في غياب ضوابط لهذة العلاقة وتردي أخلاقيات السوق وإنعدام وجود ثقافه عمل .  وهذا الإحتكاك يحدث بإحدى طريقتين:

 

الأُولى : الإحتكاك ضمن سلسلة التوريد.  مثل العلاقة بين النجار والصباغ، حيث يعمل الأول كزبونٍ للثاني.  والثاني بمثابة مورد للأول.

الثانية : ممارسة المهنة في نفس المكان والوقت.  مثل العمل في موقع إنشائي.

 

القطاع العام والقطاع الخاص

 

لقد أصبح الكثيرون يؤمنون بضرورة التعامل بين القطاعين العام والخاص.  وقد كان هذا أمراً غير دارجاً، وقد أُطلق تعبير " الاقتصاد المختلط" ( Mixed economy ) على هذا النسق في بعض الدول مثل بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية.  كما أُطلق إسم " القطاع المشترك " في بعض الدول العربية في الثمانينات.

والغاية المرجوة من هذا التعاون هي الحصول على نقاط القوة الموجودة في القطاعين، ولكن كثيراً ما كان التطبيق الخاطئ ينجم عنة " مِسخاً " يحمل سلبيات القطاعين.

 

لعلاقات ضمن القطاع الخاص

 

كثيراً ما تنعدم الضوابط التي تنظم القطاع الخاص.  وفي حقيقة الأمر إن الحاجة الى هذة الضوابط كبيرةً جداً.  فالقطاع الخاص لة دورٌ كبيرٌ في التنمية، ولا بد أن يكون لة دورٌ كبيرٌ في خلق وإدامة ثقافةٍ إيجابيةٍ في أوساط الجسم الإقتصادي في البلاد.  ولذلك لا بد أن يسود العلاقات ضمن القطاع الخاص جوٌ من التفاهم والتواصل والحوار الدائم الساعي الى خلق لُحمةٍ وتكاتفٍ وتعاونٍ وتنسيقٍ وتبادل معارف.

 

 

الصناعة والتعليم

 

إن علاقةً قويةً وبناءةً بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصناعية ضروريةً جداً لكلا     الطرفين، على الرغم من قدرة كل من الطرفين أن يمتلك ترف الإعتقاد أنة يستطيع الإستمرار دون الآخر.

 

مسلكيات

 

وكذلك هناك عددٌ من المسلكيات الإيجابية ينبغي تشجيعها وعددٌ آخر من المسلكيات السلبية ينبغي محاربتها.  ويجب أن لا يقتصر التوجية على مرحلةٍ معينةٍ- مرحلة البداية مثلاً – فهذا معمولٌ بة في الغالب .  ولكن يجب المداومة في جميع المراحل التعليمية وبأساليبٍ مبتكرةٍ لا تخلو من التمارين العملية.  كما أن الواقع المحيط يجب أن يعطي بدورة صورةً ليست مناقضة لما هو مطروح، وهنا تظهر أهمية الحملة الشاملة التي تتعاون بها المؤسسة التعليمية والاجهزة الاعلامية ودور العبادة.

 

الفردية – العمل الجماعي

 

تتفشى العقلية الفردية في كثير من مجتمعات العالم الثالث.  غير أن بعض مجتمعات العالم الثالث لا تعاني من هذة الظاهرة السلبية.  وسلبية هذة العقلية تتسم بعدم سعي الفرد لحل مشاكلة بصورة جماعية وإنما بصورة فردية.  وهذا غالبا ما يكون مسلك قليل الفعالية ولا يأتي بنتائج الا اذا ما طرق قصيرة قد تتضمن خروج عن القانون والعرف وكذلك قد تتسبب في أذى للآخرين.

وعلى عكس ذلك فإن العمل الجماعي يأخذ طابعاً أكثر زخماً بحيث يمضي الفريق متعاوناً متكاملاً نحو هدفة، فيحققة بوقتٍ أقل وفعاليةٍ أكبر.

 

 

الموقف من الوقت

 

لا يختلف إثنان أن نظرة الكثيرين منا الى الوقت تتسم بالسلبية.  فالوقت غير مُقدر من قبل الكثيرين، وقلةٌ يتقنون التعامل الفعال والذكي مع الوقت.  والحاجة الى التغيير تزداد مع الزمن.  ويقاس أداء المؤسسات ( وكذلك الأفراد ) من خلال قياس نشاطاتٍ مرتبطةٍ بالوقت.  وبالتالي فإن تحولاً ثقافياً مرتبطٌ بتحسين النظرة الى الوقت لا بد من إحداثة كي تتحقق التنمية التي يطمح اليها ويتمناها الجميع  وتتغير أُمورٌ كثيرةٌ في حياتنا وفي علاقاتنا.  وهنا لا بد للمؤسسة التعليمية من أن تلعب دوراً تربوياً تزرع في نفوس النشء، منذ الصغر، التعامل الإيجابي مع الوقت. وكذلك الجامعات والمعاهد المهنية المختلفة يمكن أن تتضمن مناهجها أساليب وأدوات إدارة الوقت والتعامل معة.  كما للأجهزة الإعلامية الدور الأكبر في تعميق مفهوم قدسية الوقت وعِظَم خطيئة الإستهتار بة.   

 

النظرة الى المال العام

 

في كثيرٍ من دول العالم الثالث تسود نظرةٌ سلبيةٌ تجاة المال العام.  ففي نظر الكثيرين هو " مستباح " وقابل للنهب من قبل من يملك الإستطاعة.. أي النفوذ.  وهذا يجعل المتعدي على المال العام – ومن ثم على أي مال – لا يواجة مشاكل إجتماعيةٍ تذكر، وإنما ينظر إلية البعض على أنة بطل.

 

الصدق

 

والصدق كقيمة لا يحتاج الى تزكية، فتفشي الصدق في الأوساط الإقتصادية عموماً وفي الأوساط التجارية والإنشائية خصوصاً، يرتقي بالأداء العام الى مستوياتٍ عاليةٍ جداً.  وقد قال الرسول (ص): " التاجر الصدوق، يحشر مع الانبياء ..".

 

الوفاء بالعهد

 

وعملياً وبلغةٍ معاصرةٍ يعني هذا التقيد بالعقود المكتوبة والإتفاقات الغير مكتوبة  والوعود المقطوعة.  وهذة مسلكيةٌ يعني شيوعها الإرتقاء بالأداء العام في قطاعاتٍ كثيرةٍ كالتعهدات والصناعة والتجارة والشحن الخ..

إن هذة القيمة الإيجابية البسيطة والتي شجعت عليها جميع الأديان وجعلها الإسلام شرطاً من شروط الإيمان، تعني إنجاز الأعمال وتوريد المواد في مواعيدها، مما يُضفي صفة المصداقية على " السوق " ويوفر الكثير من الجهد والمصاريف الإضافية ويُشيع إحساساً عاماً من الطمأنينة.  ويجعل نظاماً حديثاً تقدمياً مثل ( Just In Time ) قابل للتطبيق.

 

تقدير الإبداع

 

من أهم الفوارق الثقافية مع العالم المتطور هو الموقف من الإبداع؛ فبينما يقدر الغربيون أية فكرةٍ تضيف جديداً، تجد أكثر ردود الفعل على الأفكار الجديدة في عالمنا تتمثل بمحاولةٍ محمومةٍ لإثبات أنها " قديمةٌ " أي مسروقةٌ، او تقابل بالتجاهل التام.

كما أن لدينا صعوبةٌ في تمييز الأفكار الإبداعية المبتكرة، ناهيك عن القدرة على رعايتها والتشجيع على أطلاقها.

 

البعد عن المبالغة – الإسراف

 

بينما يفترض أن تكون الثقافة العربية/الإسلامية نابذةً للمبالغة والإسراف، تجد أنَّ الواقع عكس ذلك تماماً.  فالمواقف من أي قضيةٍ غالباً ما تأخذ طابعاً حاداً مبالغاً فية.  وهذا النمط "المتطرف" في التعامل مع الأُمور ترك آثارة على الأداء الإقتصادي العام – وكذلك على الأداء العام برمتة- مما يؤثر بدورة على القرارات وعلى النتائج.  وهذا أمرٌ يستحق أن يُدرج ضمن برامج التوجية والتوعية التي تتبناها المؤسسات والنقابات والجمعيات للتخلص من هذا الأُسلوب في التعاطي مع الأُمور والنتائج الناجمة عنة.

 

الحسد

 

وقد يبدو غريباً أن يُدرج الحسد بين الممارسات السلبية التي ينبغي التخلص منها.  فهو يبدو تعبيراً غير معاصراً.  ولكن يمكن أن يوضع بقالب معاصر وذلك بتفنيطة الى شقين:

·        محاربة النجاح

·        عدم تقدير الإبداع

و الدافع الأكبر وراء هذين المسلكين السلبيين، غالباً ما يكون الحسد،  وهذا في حدة الأدنى، اما في حدٍ أعلى فقد تصل الأُمور عند البعض الى التآمر وإلصاق التهم والإفتراء بأنواعة. 

 

اللامبالاة

 

يتصف باللامبالاة الكثيرون ممن لا يكترثون بما يجري حولهم، فهم سلبيون بالمطلق.  وآخرون لا يحركون ساكناً إعتقاداً منهم أن لا تأثير لهم، او خوفاً من أذى او إحراج.

و في كل الأحوال فإن اللامبالين يشكلون طاقةً غير مستغلةٍ في المجتمع وموردٍ مهدور،  وتعظم المصيبة بزيادة عددهم من مجتمعٍ الى آخر.

وهم، بكل تأكيدٍ ليسوا من الساعين الى التغيير او الى المساعدة علية، بل هم من بين أهداف التغيير الرئيسية.  بحيث يتم تحويل نسبةٍ منهم الى عناصر إيجابيةٍ متفاعلةٍ مع مجتمعها ومدافعةٍ عن مكتسباتة، وبالتالي يتحولوا الى أدوات تغيير.

 

عدم الربط ( تأثير ممارسة سلبية صغيرة على الوضع العام )

 

يعجز كثيرونمن أبناء مجتمعاتنا على الربط بين بعض الممارسات السلبية ومصير المؤسسة التي يعملون بها وذلك بعدم تقدير الخطر الذي ينجم عن هذة الممارسات السلبية على وجود المؤسسة.  فبينما يشعر العاملون بإلإمتنان العميق تجاة مؤسستهم، التي غيرت حياتهم وحلت كثيراً من مشاكلهم، تجدهم يقفون دون حراك تجاة بعض الممارسات التي تسيء الى مؤسستهم الى درجة إحتمال إغلاقها.  وهذا ينجم، غالباً، عن عجز البعض تخيل أن ممارسةً سلبيةً يمكن أن يكون لها هذا التأثير، وليس عن لامبالاة.

وهذا النهج غير موجودٍ عند شعوبٍ أُخرى كثيرة، فتجدالأفراد المنتمين يترجمون إنتماءهم الى عمل، مدافعين عن ما ينتمون إلية مقدرين الأخطار المحتملة ولو بدت صغيرة.

    

التعاون التكاملي

 

في مجتمعات العالم الثالث، حيث يظهر نقصٌ في بعض الخبرات، يمكن أن يعوض هذا النقص من خلال التعاون المؤدي الى تكامل الخبرات والمهارات.  فالعمل ضمن الفريق، يُمَكِّن جميع أعضاءة أن يضع كلٌ منهم ما لدية من تجارب ومهارات في خدمة زملاءة، مما يؤدي الى ملء الفراغات وتراكم كمٍ هائلٍ من الخبرات.

فليكن العمل في مؤسساتنا يتم بنفس الطريقة التي نرقص بها في افراحنا – الدبكة.  فالدبكة أداءٌ قائمٌ على العمل الجماعي؛ فإذا أخفق أحد المؤدين او أظهر براعةً أقل فإنة يستطيع أن "يتكئ" على الفريق للتقليل من أثر أداءة المتدني ولتحسين نوعية أداءة.  كما أن هناك ميزتان إضافيتان الأُولى أن المبتدئين يستطيعون أن يتدربوا ويُغنوا مهاراتهم أثناء ألأداء – العمل، مستمتعين بذلك.  والثانية أن دور القائد خفيٌ ومحدود.

 

إدارة الخلاف

 

إن تطوير منهاجٍ حضاريٍ وبناء لإدارة الخلافات والتعامل معها عند وقوعها، خطوةٌ في غاية الأهمية على درب بناء ثقافةٍ إيجابيةٍ شاملةٍ في الجسم الإقتصادي للبلاد.  فالخلاف طبيعيٌ بين الناس.  ولا يجوز ان يؤدي الى قطيعةٍ كاملةٍ او حربٍ شاملة.  فنمط التعامل أثناء الخلاف ( إدارة الخلاف ) لة دلالاتٌ عميقةٌ ويدل على طبيعة الثقافة السائدة في الجسم الإقتصادي في بلدٍ ما.  والخلاف ليس حالةً دائمةً، ولهذا يجب ترك المجال للعودة الى ما بعد الخلاف، حالة اللاخلاف او حالة الالتقاء.  وذلك بعدم التمادي والإسراف في العداء، بحيث يبقى مجالاً لعودة الأُمور الى سابق عهدها.  

   

إدارة المنافسة

 

وكذلك المنافسة تتطلبوجود قواعد وأُسسٍ تتحكم بكيفية ممارسة التنافس بين الأفراد وبين المؤسسات، وذلك بوضع خطوطٍ حمراء لا يجوز تجاوزها.  وذلك بالتفاهم وإشاعة القيم الداعية الى ذلك ووضع ضوابط من قبل جمعيات الأعمال وغرف التجارة وغرف الصناعة.

    

 

 التكافل ضمن القطاع – التعاضد

 

وهذة سمة تنم عن نبل عميق، فبينما المتوقع أن تسود المنافسة بين ممارسي النشاط الواحد، تجد إمكانية التكافل والتعاضد فيما بينهم تسود عند الحاجة اليها.  وهذة السمة كانت ولا تزال معروفة في كثير من المدن العربية العريقة في التجارة والصناعة.  فإذا ما تعرض أحد أعضاء المجتمع التجاري في أحد الاسواق لضائقة ما تجد الجميع يهبون لمساعدتة.  فهذة السمة ربما كانت بديل " التأمين" في العصور القديمة.         

 

المؤسسة-عشيرة اليوم

 

لا احد ينكر أن هناك رواسب قبلية في عقلية الغالبية العظمى من سكان المنطقة، تتدرج من إقليم الى آخر، وقد تكون عاملا مهيمنا على مجريات الامور بشكل مستمر وشامل، وقد تكون موجودة في قعر الذاكرة البشرية تظهر وتختفي حسب الظروف، وتبدو كأن لا تأثير لها في معظم الاحيان ولكن سرعان ما تظهر كقوة فاعلة.  ولكن في كل الاحوال لا يستطيع أحد أن يتجاهل عظم هذة العقلية كقوة محركة.  ولا يستطيع أحد إنكار   وجودها.  فقد تأخذ اشكالا اخرى كمكون من مكونات الهوية، ولكنها لا تختفي.  

وقد اثبت النظام القبلي انة عصي على الالغاء عبر الزمن؛ فرغم ان الاسلام اتخذ موقفا سلبيا من القبلية، الا ان هذا لم يمنع ان يكون هناك إعتبارات قبلية واضحة في تعيينات القادة العسكريين وتشكيل الجيوش وحتى في التوطين في البلاد المفتوحة خلال القرن الاول من عمر الدولة.

وفي جميع الاحوال فإن هذا النمط الاجتماعي – وإن لم يكن غرض هذة الدراسة تزكيتة  على ما فية من سلبيات وايجابيات- شكل ملاذا آمنا لابناء القبيلة/العشيرة/العائلة.  ومن هنا اود ان اربط بين عشيرة الامس واليوم ومؤسسة اليوم والغد؛ لتصبح المؤسسة التي يعمل بها الفرد عشيرتة التي يلجأ اليها عند الحاجة.

وهذا ليس خيارا مبتكرا او نمطا مقترحا جديدا.  فهو قائم بدرجات متفاوتة.  فكثير من الافراد يلجأون الى مؤسساتهم التي يعملون بها عند الحاجة بدل اللجوء الى الاقرباء، ولكن مطلوب من المؤسسات الاقتصادية الاستعداد للعب هذا الدور بتبني ثقافة مستنيرة تعزز الانتماء وتخلق الجو الاسري في صفوفها.  وهذا لا يضعف دور القبيلة ولا يعني إحلال مظلة مكان اخرى، ولكن الاستفادة من روح التعاضد والتكافل المفروض ان تكون ضمن العشيرة والتي نملك الاستعداد الفطري لممارستها وإشاعتها في اوساط مؤسساتنا الاقتصادية والتعليمية الخ.. والتي بدورها تخلق الارضية المناسبة لغاية تقويتها وإدامتها وتقدمها.

و تقوم هذة الارضية على الثقافة المستنيرة التي يحس عامليها بالانتماء وبالامان وبالعدل وبالثقة العالية بإدارة المؤسسة وبقدرتها على تقديم الحلول وتوفير "ألحماية" عند الحاجة.  وهذا لا يعني ان تلعب المؤسسة دور الدولة، وإنما تنخرط ضمن تركيبتها إنخراطا تكامليا تاما.  

 

قادة لا مدراء

 

ومن أجل تحقيق ذلك فإن مؤسساتنا الصناعية والتجارية والزراعية والانشائية والخدمية بمختلف انواعها بحاجة الى قادة اكثر من حاجتها الىمدراء. بحاجة الى قيادة ملتزمة بأهداف خاصة وعامة و تتبنى ثقافة تمكنها من ذلك. وهؤلاء القادة لن يأتوا بالتمني ولا بالدعاء المجرد، وإنما بتضافر جهود المؤسسة التعليمية وأجهزة الاعلام المختلفة مع المؤسسات بمختلف انواعها والاجهزة الحكومية المساندة للجهد الاقتصادي والجمعيات وغرف التجارة والصناعة.

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter