قادة لا مدراء، الفصل الرابع, بناء المؤسسة المستنيرة
 
 


الفصل الرابع

بناء المؤسسة المستنيرة

 

في الإستعراض التالي نناقش كيفية بناء مؤسسةٍ قويةٍ، منفتحةٍ، مرنةٍ، متعاضدةٍ، متطورةٍ، ومربحةٍ أطلقنا عليها إسم المؤسسة المستنيرة.

السؤال الهام : هل تظهر هذه المؤسسة بشكلٍ طبيعيٍ وتلقائيٍ أم بناءً على خطةٍ مرسومةٍ تهدف إلى هذه الغاية ؟.

ما من شك أنَّ الصدفة لا يمكن أن ينتج عنها تركيبةً كهذه، ولكن يمكن أن يبني شخصٌ ما مؤسسةً من هذا النوع دون الوعي الى المسميات مدفوعاً برغبةٍ فطريةٍ نحو شئٍ خَيِّرٍ.

 ولكن في الغالب ما تكون المؤسسة المستنيرة ناتجاً لخطةٍ واعيةٍ منذ يوم التأسيس، أو نتيجةً لخطة إصلاحٍ واعيةٍ لإدارةٍ جديدةٍ لمؤسسة قائمة.

الدوافع : في الحقيقة كثيراً ما تكون الدوافع الكامنة وراء خيار المؤسسة المستنيرة دوافع مبدأية كأنْ تكون مبدأية أو دينية أو أخلاقية او آيدولوجية . كما أن هناك دوافع مصلحية، لأن فرص النجاح وحجم النجاح أكبر . إلا أنه لا يمنع أن يكون هناك مزيجٌ من هذه الدوافع مجتمعة.

ففي هذه المؤسسة يتوفر كل ما يدعو إليه الدين والأخلاق من خيرٍ وعدلٍ وإحترام الناس وإعطاءهم حقوقهم والتعاون فيما بينهم.  كما أنَّ هذا الخيار يناسب الذين يميلون الى الإبتعاد عن أجواء التوتر والتآمر والكذب السائدة في كثيرٍ من المؤسسات التي تسودها ثقافاتٌ مغايرة.

كما أنَّ المؤسسة المستنيرة، إذا لم تتحول الى فرقة كشافة، فلها أفضل إنتاجية وأعلى كفاءة وبالتالي أكثر ربحية.

 

البداية

 

لا بد بدايةً من توفر الرغبة المبنية على القناعة لدى المؤسسين . وإذا ما أُنيطت الإدارة الى واحدٍ منهم فعليه تقع مهمة إختيار وتعيين وبناء الفريق الأساسي ( Core Team ).

 

الفريق الأساسي

وعدد أعضاء الفريق ا S لأساسي ليس بالضرورة كبيراً، وقد لا يتجاوز خمسة أشخاص. ومهمة الفريق إتمام عملية التأسيس وإلإستمرار بقيادة المؤسسة في نشاطها اليومي الساعي لتحقيق غاياتها ونموها.

كثيراً ما تقع أخطاءٌ كبيرةٌ فى إختيار واحداً او أكثر من أعضاء الفريق الأساسي تحت تأثير الرغبة الشديدة في الإنطلاق وهذة الاخطاء غالباً ما تكون قاتلة.  وقد تُكلف المؤسسة وقتاً طويلاً كي تُعالِجَ هذا الخطأ، سواءٌ بإلإصلاح او بالبتر.  وغالباً ما يكون الخيار الثاني هو الخيار الوحيد المتاح،  حيث أنَّ قدرة المؤسسة على الإستيعاب والتغيير لا تزال لم تتقوى بعد.

و لذلك فإن إختيار الفريق الأساسي أمرٌ يحتاج الى كثيرٍ من العناية والتدقيق والتمحيص.  والإستعانة بأصحاب الإاختصاص الذين يجرون فحوصات وإختبارات على شكل أسئلةٍ وتمارين تحريريةٍ وشفهيةٍ تُمكنهم من إعداد تصورٍ عن شخصية المتقدم وقابلياته وميوله ونزعاته الخ... إن هذا النهج لم يعد ترفاً.  إنما ضرورةً أساسية.

وعودةً الى الفريق الأساسي.  لماذا لا تبدأ المؤسسة بشخصٍ واحد؟.. وليكن المدير العام او مدير الشؤون الإدارية - فهذا أقل كلفة - ونترك له أعباء مرحلة التأسيس من متابعة البنى التحتية الى تعيين بقية الفريق الإداري.

  إ نَّ تعيين فريقٍ من ثلاثة الى خمسة أشخاص ليحتلوا مواقع أساسية فى المؤسسة، يتم إختيارهم بعناية، بحيث تكون لديهم قابليات العمل الجماعي وبعيدين عن النزعة الفردية والأنانية وكل ما ينافى ثقافة المؤسسة المستنيرة.

 

ان فكرة البدء بفريقٍ مؤسسٍ تمهد الأرضية لبناء ثقافةٍ قائمةٍ على العمل الجماعي من اليوم الأول، فتكون اللبنة الأُولى في صرح المؤسسة المستنيرة وثقافتها.

تُباشر الإدارة الجديدة عملها بتوجيهاتٍ مكثفةٍ من مجلس الإدارة مستفيدةً من دراسة الجدوى التي تَقرر إقامة المؤسسة بناءً عليها، وتعتمد أُسلوب الإجتماعات المكثفة لغاية زيادة التجانس بين أعضاء الفريق الجديد.  ولا بأس ان تبدأ عملها بمراجعة دراسة الجدوى، التي يُفترض أن يكون قرار إنشاء المؤسسة قد بُني عليها.  وعلى أساسها، ربما، تم إقناع بعض الشركاء والمساهمين أو بعض البنوك.  وبما أن إحتمال أن تكون أُعدت لتلبي رغبة شخصٍ أو أكثر، فقد يُشكك في موضوعيتها عندما توضع على المحك، وهذا ما يجعلها، حقاً، بحاجةٍ الى مراجعة. وبحاجة الى رجلين لتقف عليهما على الأرض وتمشي عليهما.

 

وبناءً على ذلك يُعد برنامجٌ زمنيٌ ينتهي ببدء مزاوله العمل التي أُسست المؤسسة من أجله، يتضمن تسجيل المؤسسة وإكمال المعاملات الرسمية المختلفة ومراحل إنشاء او إعداد البناء وشراء المكائن وتعيين وتدريب العاملين على مختلف مراتبهم.

 


وفيما يلي ندخل الى التفاصيل، ولنسهل ذلك نأخذ حالاتٍ أربع حسب طبيعة المؤسسة:

 

مؤسسة صناعية

إنَّ أهم المهام الملقاة على عاتق المؤسسين للقيام بها لضمان بدايةً ناجحة يمكن إيجازها بما يلي:

 

المباني

والمباني قد تكون مستأجرةً وهذا يجعل هذة المهمة أقل كلفةً وإستهلاكاً للوقت في مرحلة التأسيس.  وهذا خيارٌ له محاسنه في السنوات الأُولى من عمر المؤسسة.  وعموماً ينبغي، لمعظم الصناعات الكبيرة، أن تُؤَسَسَ وفق خطةٍ مُمَرْحَلَة.  بحيث يُبْتَدأ بتنفيذ المرحلة الاولى.  وهذا ينطبق، لا على المباني فحسب، إنما على المكائن والقوى البشرية عموماً.  الأمر الذي يجعل مهمة الطاقم الإداري الأساسي تنحصر في المرحلة الاولى، مع الأخذ بعين الإعتبار متطلبات المراحل اللاحقة.

وسواءٌ كان الخيار إستئجار مباني أم إنشاءها ( حتى المبنى المستأجر بحاجةٌ الى وقتٍ لإجراء بعض التعديلات ) فإنه من الضروري أن يكون المبنى جاهزاً تماماً في الموعد المحدد.  فلا يكون سبباً في تأخير بدء الإنتاج . 

بما ان من سمات المؤسسة المستنيرة توفير بيئةٍ مريحةٍ  للعاملين؛ من تهويةٍ وإنارةٍ وإستخدامٍ فعالٍ للمساحات المتاحة، فإنه حريٌ بنا التذكير هنا أنًّ أي جهدٍ إضافيٍّ يعطى في متابعة التفاصيل، يعتبر إستثماراً يؤتي أُكله لسنواتٍ آتية.  وهنا يُنصح بإشراك الفريق بكاملة، حتى اولئك الذين ربما يكونوا في مكانٍ آخر يتلقون تدريبهم.  وعدم ترك القرارات للمقاولين والمهندسين وحدهم.

وهنا تخيل وقع هذه المشاركة على الموظف الجديد، الذي سيعلم طبيعة عالمه الجديد والذي قد يفاجئ مديره بوجهة نظرٍ جديدةٍ وبناءة.

كما لا يُنصح تأجيل إنشاء مرافق أساسيةٍ لأسبابٍ ماليةٍ او على سبيل المرحلة( Phasing ).  مثل تأجيل بناء قاعة طعام او إستراحة للعاملين.  إن الضرر هنا أكبر من التوفير.

والتصميم العام للمباني يجب أن يأخذ بعين الإعتبار التوسعات المستقبلية، بحيث تتكامل جيداً عند بناءها.  كما يجب ان تضمن حركةً سهلةً وآمنةً للعاملين، وخصوصاً من ناحية الإتساع وتصميم الأبواب والسلالم، وذلك لضمان سلامة العاملين في حال يستوجب إخلائهم على وجة السرعة.  وكذلك يجب ان تُسهل طبيعة المباني حركة المواد، سواءاً كانت مواد خام ام منتجاتٍ في مرحلة التصنيع، ومدى إنسيابية الحركة هذة قد يكون لها أثرٌ قويٌ على الكفائة الكلية للوحدة الصناعية- سواءٌ كانت خط إنتاج او مصنع الخ..

 

الآلات

في العالم الثالث غالباً ما تكون الآلات مستوردة، او على الأقل بعض أجزاء خطوط الإنتاج.  وهذا يجعل من عامل الوقت قضيةً هامةً قد تؤدي الى تأخيرٍ في بدء عمل المصنع، وهذا ما لا يريدة أحد.  ولذلك يجب عدم إضاعة الوقت والبدء فوراً بإستقدام عروضٍ من أكبر عددٍ من المصادر.  ثم العمل على الإطلاع على تجارب الآخرين حيثما أمكن، ولو تطلب ذلك الى السفر.  وفي حال الحصول على فرصة زيارة مصنعٍ مشابه،  فيجب العمل على الإستفادة القصوى من هذه الفرصة.  وذلك بتعلم كل ما يمكن تعلمه بالسؤال والملاحظة والإستنباط، ومن ثم تدوين الملاحظات وإن إمكن إلتقاط بعض الصور.  وهذا مفيدٌ في جوانب كثيرةٍ تتعلق بإدارة المصنع وتشغيلة بالإضافة الى إختيار الآلات.

ان الإختيار الأمثل للآلات ينقذ المصنع من مشاكل جمة، قد يتطلب التخلص منها وقتاً طويلاً  كما أن الإختيار السليم يجعل من إنطلاقة المؤسسة ومصنعها امراً موفقاً، مما يترك أثراً إيجابياً على إندفاع العاملين وادائهم لسنوات .  وبعد الاختيار يتم التفاوض على الأسعار ومدة وشروط التوريد. 

فمن واجب الإدارة العمل بكل جهدٍ لتخفيض الأسعار.  وهذا لا تخفى نتائجة على أحد.  كما أن إتخاذ كل التدابير للحئول دون الإخلال بالمواصفات ومواعيد التوريد.  وإتخاذ جميع الإجراءات القانونية مسبقاً لحماية مصلحة المؤسسة في حال حدوث ذلك.

كما يشترط على المورد أن يقوم بتدريب عددٍ من فنيي الصيانة وفنيي التشغيل اذا ما وُجد ذلك ضرورياً.  وتوريد كميةٍ من قطع الغيار. ومهما كانت الآلات بسيطةً ومألوفةً ( مثل ماكينات الخياطة مثلاً ) فيجب إستلامها بعد تركيبها وتشغيلها من قبل فنيي المورد. وكذلك الحرص على أن تكون هناك فترة ضمانٍ تكفي للتأكد من إستمرار عملها دون أعطالٍ كبيرةٍ ناشئةٍ عن خطأٍ في صناعتها.

وفي حال شراء ماكينات من أكثر من مصدر فمن الضروري  التأكد من موائمة كل ماكينة للعمل ضمن نظام متكامل يعمل بيسرٍ وكفاءةٍ عاليةٍ في خطوط الإنتاج.

كثيرٌ من المصانع التي أُغلقت بعد سنتين او ثلاث يعود السبب في ذلك الى خطأٍ في هذا المجال. ولم تستطع الإدارة إستيعابه.  والأمثلة من حولنا كثيرة.  مثل "الإكتشاف" أنَّ خط الإنتاج هذا يعمل على نظامٍ قديمٍ او معادٍ للبيئة الخ..

إنَّ أخطر ما قد يواجة مشروعٍ صناعيٍ في مرحلة التأسيس ولدى شراء الماكينات هو تولية هذة المهمة لشخصٍ فاسدٍ يجد فيها فرصة للكسب من خلال تلقي عمولات يقدم مقابلها تنازلات في مواصفات وأسعار هذة الماكينات قد تحتاج المؤسسة الى سنواتٍ لتجاوز نتائجها.

 

تعيين وتدريب الطاقم الاداري والاشرافي

قد يكون تدريب مدراء الإنتاج والمشرفين وفنيي الصيانة التحدي الأكبر في دول العالم الثالث وحسب طبيعة الصناعة.  فاذا كانت صناعةً جديدةً تماماً على البلد، او قليلة الإنتشار،  وبسبب نقص الخبرات المتوفرة في السوق، لا بد من الإستعانة بجهةٍ أجنبية، والتي قد تكون الشركة المصنعة للآلات وخطوط الإنتاج أو شريكاً أجنبياً أو أحد كبار الزبائن الذي ستعمل المؤسسة لصالحه. ففي الحالة الاولى حيث يتم شراء مصنعاً بكاملة من مصدرٍ واحدٍ ( وهو خيارٌ غالباً ما يُشك في صحتة ) بحيث يكون هناك بندٌ في الإتفاق يُلزم المورد القيام بتدريب عددٍ من الإداريين والفنيين لفترةٍ من الزمن كافيةٍ لإستمرارهم معتمدين على أنفسهم.  حيث يُرَتِّبُ المُوَرِّدُ ذلك في بلدٍ قريبٍ جغرافياً وثقافياً يعمل بة مصنعٌ مشابةٌ في ظروفٍ مشابهة.

وفي الحالة الثانية حيث يوجد شريكٌ أجنبيٌ يعمل في نفس المجال - وهذا في غاية الأهمية – فيكون من الطبيعي ان يستند الإتفاق بين الشريكين على أساس تزويد المؤسسة الجديدة – الشراكة -  بالمعارف التقنية والإدارية المطلوبة والضرورية لتسيير المصنع على أفضل وجه.  وهذا يتم عادةً إما بإيفاد عددٍ من الإداريين والفنيين الى أحد مصانع الشريك العاملة او بإحضار عددٍ من الفنيين أصحاب الخبرة ليدربوا الطواقم المحلية.  أو بدمج الإسلوبين، بتقسيم مرحلة التدريب الى قسمين، يكون القسم الثاني في المصنع كمرحلة تشغيلٍ تجريبيةٍ وجزءاً من مرحلة الإنتاج الفعلي.

وفي الحالة الثالثة حيث يكون إنتاج المصنع –كلة او معظمة- مباعاً الى زبونٍ معين ٍ-ضمن ترتيبٍ تعاقديٍ معين- دون أن يكون شريكاً،  ولديه مواصفاتٌ وتعليماتٌ يَشترط ان تُتبع. ومن أجل ضمان ذلك غالباً ما يقوم بعملية التدريب والتعريف بمواصفاتة ومتطلباتة، سواءٌ منها ما إرتبط بالصناعة مباشرةً او بصورةٍ غير مباشرة – كالمتطلبات الإنسانية والبيئية الخ..

وفي حال تعذر وجود أيٌ من الحالات الثلاث، كما قد يحصل في بعض الخصوصيات، فالخيارات المتبقية تتمثل بالإستعانة بمدربين من بلدان تتوفر فيها هذة الخبرات، او جلب خبرات أجنبية للعمل في المصنع لفترةٍ محددةٍ مسبقاً مشروطةٍ بتدريب كفاءات محلية.

ويبقى خيار الإستعانة بخبراتٍ أجنبيةٍ الخيار ناجمٌ عن عدم توفر الخبرات المطلوبة في السوق المحلي ومبرراً بذلك.  الا أنَّ الإستعانة بخبرات الآخرين تجلب معها معارف وتقنياتٍ جديدةٍ وضرورية. 

في جميع الأحوال على الإدارة ان تدرك جيداً أن المرحلة هي مرحلة بناء ثقافة المؤسسة، وهي مرحلةٌ في غاية الحساسية. فالفريق المتدرب والذي هيأ أعضاءه أنفسهم لإكتساب مهاراتٍ فنيةٍ جديدةٍ عليهم، هم أيضاً مهيئون لتلقي ثقافةٍ جديدة،  فلا يجوز للمدير الإبتعاد عن أعضاء هذا الفريق، وتركهم يقعون تحت تأثير ثقافاتٍ مغايرة، تحت تأثير مدربيهم بشكل واعٍ ومقصود او بشكلٍ لا إرادي. فعلى الإدارة أن تكون قريبةً منهم بمتابعة تحصيلهم التقني والإداري وإكتسابهم للمعارف المختلفة، وتوجيههم وحثهم على الإستفادة من الفرصة المتاحة لهم.  بحيث لا تتحول هذة "الغربة" الى مجرد سياحةٍ ومتعة.  كما يجب أن لا تنتظر الإدارة حتى يبدأ العمل الفعلي – الإنتاج- حتى تبادر الى غرس القيم والسلوكيات الإيجابية في نفوس الإداريين والفنيين، إنما تبدأ ذلك الجهد منذ بداية التدريب حيث يكون الفريق أكثر تقبلاً في جوٍ يسوده الإسترخاء ويملؤه التطلع المتفائل للمستقبل.  فيُطلب منهم تشجيع بعضهم ومقارنة ما تعلموه كل يومٍ باليوم السابق.

كما أنَّ هناك أداةٌ فعالةٌ جداً يمكن إستخدامها في هذه المرحلة وهي المحاكاة.  حيث يقوم الفريق المتدرب بمحاكاة عملهم اليومي، حسب ما يرونه، وما قد يواجهون من مشاكل وذلك تحت إشراف الإدارة نفسها ممثلةً بأحد أعضائها، وهذا أُسلوبٌ يساعد على بناء الفريق وإزالة مخاوف أعضاءة أحدهم من الآخر.

كما أنَّ البرنامج التدريبي يجب أن يحوي دروساً وورشات عملٍ تحت إشراف إخصائيين في علم النفس وعلم الاجتماع، وممن لهم درايةٌ بشؤون الصناعة لبذر روح الفريق والميل الى العمل الجماعي وكل قيم وثقافة المؤسسة المستنيرة.  إنَّ تأثير هذه الدروس في هذه المرحلة أكبر بكثيرٍ من أنْ تُنظم في مرحلةٍ لاحقة. 

 

العمالة الماهرة

في مشروعٍ صناعيٍ كبيرٍ، يُبنى على مراحل، يجب إعطاء تعيين الدفعة الأُولى من العمالة الماهرة أهميةً خاصة.  ليس من أجل ضمان إنطلاقةٍ ناجحةٍ فحسب –على أهمية ذلك-  بل لأن معظم أفراد هذه الدفعة قد ينتهي بهم المطاف خلال سنواتٍ ويصبحوا مشرفي خطوط او حتى  مدراء إنتاج او أي مناصب إدارية أُخرى.  ولهذا السبب يجب وضع أُسس إختبارٍ مدروسةٍ لا تعتمد كثيراً على التقدير الشخصي.  ويؤخذ التحصيل العلمي بعين الإعتبار، وكذلك عوامل تتعلق بالشخصية والبنية والقدرات القيادية.  وبإختصار يجب وضع إحتمال هذا الترفيع بعين الإعتبار عند إختيار الدفعة الأُولى من العمال فهم مشرفون محتملون.

يفضل أن يكون من بين أول المعينين في الإدارة مدير القوى البشرية، وهو مسؤولٌ عن التعيين والتدريب.  كما أن أول مرفق تنبعث فية الحياة في المؤسسة الصناعية، هو مركز التدريب.

على الرغم أنَّ إجراء المقابلات والإختبارات والتعيينات يأخذ طابعاً جماعياً، فالمهمة كبيرة والآخرون لم يبدأ عملهم بعد، يبقى الدور المركزي لمدير القوى البشرية الذي يضع أُسس التعيين ( بالتعاون مع المستشار الذي يساعد في وضع النظم والقوانين وهذه من ضمنها – في إستخدام أحدهم ) ويُعد نظام ملفاتٍ لهذه الغاية ويعمل على تأسيس مركز التدريب.

ومركز التدريب ليس حدثاً طارئاً ومؤقتاً.  فستبقى له أهميته لسنين آتية.  فعلى الرغم من الأهمية الخاصة التي يتمتع بها أثناء مرحلة التأسيس، فان أهميتة تدوم في ظل الثقافة المستنيرة.  حيث يستمر بجهدٍ متواصلٍ يعمل على إغناء معارف العاملين بشتى صنوف المعرفة، حتى وإن بدت ليست بذات علاقة.  مع التركيز على نقاط الضعف، التي يجب على إدارة المركز – او قسم القوى البشرية - رصدها وتصميم برامج على شكل دوراتٍ لمحتاجيها.  ومن الأمثلة على ذلك اللغة الانكليزية او  مهارات الحاسوب او إدارة الإنتاج بمستوياته المختلفة ومبادئ المحاسبة الخ..

يستحسن ان يتم تجهيز مركز التدريب كخط إنتاج، حيث يُبدأ بتدريب المشغلين (العمال المهرة !) تحت ظروفٍ لا تختلف عن ظروف الإنتاج الفعلي في شئ، مهما كان ذلك مكلفاً.  ويضع المدرب هدفاً له، يتخطى فية تعليم العامل كيفية تشغيل الماكينة، او إتقان مرحلةٍ إنتاجيةٍ معينةٍ إنما العمل بكفاءةٍ عاليةٍ وبالجودة المطلوبة.

وهذا يتطلب توعيةً أكثر مما يتطلب تدريباً مهنياً.  بحيث يبدو مركز التدريب وكأنه "مدرسةً حزبية".  فخلق قناعاتٍ جديدةٍ والتهيئة لثقافةٍ جديدةٍ، يبدأ من اليوم الأول ويترسخ لاحقاً بالممارسة، اذا لم يصطدم العامل بواقعٍ مغايرٍ بعد دخوله الى خطوط الإنتاج.  الأمر الذي قد يسبب لة صدمةً وردة فعل.  وهنا يجب التنبه الى نقطتين؛ الأُولى عدم المبالغة في وصف مجتمع المصنع المفترض، الذي سينضم إليه المتدربون.  فمهما بُذل من مجهودٍ، سيبقى إمتداداً للمجتمع الكبير المحيط بمنطقة المصنع بسلبياته وايجابياته، ولا بد أن يتأثر بة الى درجةٍ ما.  والنقطة الثانية التي يتوجب الإنتباه إليها هي ضرورة متابعة خريجي مركز التدريب بعد إنتهاء التدريب ومنع وقوعهم تحت مؤثراتٍ سلبيةٍ، سواءٌ كانت من اشخاصٍ او ممارسات.

 

العمالة الغير ماهرة

لا أكاد أذكر أنني عملت مع او سمعت بعاملٍ غير ماهر المطلق – إلا أن يكون مستجداً.  وذلك لأنَّ العامل الذي يقوم بعملٍ ما، مهما كان بسيطاً تجد أَنه يراكم خبرةً وتتكون لديه مهارةً تستحق التقدير، وبالتالي لا يعود عاملاً غير ماهراً.  وهنا بإمكاننا الحديث عن العمال الذين يقومون بمهامٍ مساعدة (مع التمسك بالمدخل أعلاه) مثل عمال المستودع وعمال التحميل والتنزيل وعمال النظافة.

وهي مهن لا يستهان بأهميتها.  ويتم تدريبها بالموقع مع الحرص على التوعية والتوجية مع عدم إستبعادهم لاحقاً من برامج التوعية والإجتماعات الإسبوعية وغيرها التي تعتبر مصدر توعية وتوجية غايةً في الفعالية.

و هي فئة يجب عدم الإستهان بها، فالأعمال المساعدة التي يقومون بها لها أهميتها وبدونها لا تكتمل العملية الإنتاجية.

 

بناء النظم والقوانين لتنظيم الأداء اليومي

إن المؤسسة المستنيرة تعمل وفق نظمٍ وقوانين وتعليماتٍ واضحةٍ ومكتوبة، ولذلك فمن الضروري أثناء مرحلة التأسيس وقبل البدء بالإنتاج الفعلي أن يتم إنجاز " نظامٍ داخليٍ" يغطي كافة نشاطات المؤسسة، وكل ما يحتاج الى تحديدٍ في الحقوق والواجبات.

وهذه ليست بالمهمة السهلة وخصوصاً اذا ما استعرضنا المهام الجسيمة المُناطة بها إدارة المؤسسة في مرحلة التأسيس.  وهذا يتطلب الإستعانة بمكتب إستشاري ممن يساعدون المؤسسات على الحصول على شهادة "الآيزو" مثلاً.  وبما أنَّ الغاية ليست الآيزو وإنما وضع نظامٍ  للعمل به، فإنَّ أُسلوب الإعداد يجب أن يكون مختلفاً؛  فدور الإستشاري لا يتعدى إعطاء المشورة و الصياغة والتبويب وضبط سير المشروع ضمن إطارٍ زمنيٍ معينٍ مرتبطٍ بتاريخٍ محدد، وهو تاريخ  بدء الإنتاج التجريبي.

وهذا يعني أنَّ القوانين والتعليمات تصبح نابعةً من فريق المؤسسة ( الحديث التكوين ) وإكتسبت ثوباً مهنياً على يد أصحاب الإختصاص.  ولا تنتهي مهمة المكتب الإستشاري بمجرد إستلام نسخةٍ من كتاب القوانين والتعليمات ( Manual ) وإنما يستمر لفترةٍ طويلةٍ قد تمتد الى  سنةٍ كاملة،  يوضع أثنائها تحت الرقابة ويُراجَع بشكلٍ شاملٍ ودوريٍ حتى نهاية العام الأول على الأقل.  وهذا يُعطي النظام القوة والمصداقية والشرعية التي يحتاج اليها.

و بدون هذا المنهاج وهذا الأُسلوب تأخذ القوانين والتعليمات بالتساقط الواحد تلو الآخر لدى ظهور أدنى قدرٍ من الصعوبة في تطبيقه.  فيتساقط القانون دون أن يُعلن ذلك أحد، وهذا قمة اللامؤسسية.

وهذه القوانين من الشمولية بحيث تنبئ عما ستؤول اليه المؤسسة من حيث الطابع والثقافة.  فعلى صعيد الجودة لا تُحدد كيفية منع الخطأ والكشف عنه وإنما  تعريف ما هو هذا الخطأ وكيفية اكتشافه ومتى.

و لدى جُهوزية كتاب النظم والقوانين – النظام الداخلي- يُصبح جزءاً من المنهاج الذي يُدَرَّس لجميع الموظفين الجدد الذين ينضمون الى المؤسسة.  ويعطى قدسيةً خاصةً وإحتراماً عميقاً، وتشكل الإدارة العليا من نفسها القدوة والمثل الذي يَحترم ويتقيد بهذة القوانين والنظم حتى لو يُعتبر ذلك " يقلل من قدرهم ".

 

وضع خطة تسويقية وإختيار علامات تجارية

لا يُشترط، في عالم اليوم،  أنْ تقوم المؤسسات الصناعية بتصنيع كافة منتجاتها  بصورةٍ مباشرة – أي بإمتلاك خطوط إنتاجٍ خاصةٍ بها،  فهناك ما يُعرف بالإنتاج التعاقدي ( Contract manufacturing ) بحيث تُباع الطاقة الإنتاجية لمؤسسةٍ صناعيةٍ ما – جميعها او جزءٌ منها - لشركةٍ تجاريةٍ تمتلك علاماتٍ تجاريةً خاصةً بها.  وهذا لا يُعيب أي من الطرفين؛ فهو يُساعد على التركيز والإبداع بتقسيم العمل.  وهنا لا تحتاج المؤسسة الصناعية الى "دائرة تسويق" بالمفهوم الشائع؛  فلن يكون هناك أكثر من أربعة او خمسة زبائن، يتم التعامل معهم من خلال الإدارة العليا لإعداد العقود والإتفاق على الأسعار والمواصفات وتواريخ التوريد، اما ما يتعلق في التعاملات اليومية، فيتم من خلال دوائر الشحن او الإنتاج او أي ترتيبٍ آخر تراة الإدارة مناسباً.

ولكن اذا ما كان الوضع مختلفاً وتوجب وجود جهدٍ تسويقيٍ خاصٍ بالمؤسسة، فيجب الإستناد بدايةً الى دراسة الجدوى التي أُسست المؤسسة على أساسها، فعلى الإدارة الجديدة وضع خطةٍ تسويقيةٍ مفصلة.  ودائماً أفترض وجود هكذا دراسة، لأنني أفترض أننا نتحدث عن مؤسساتٍ كبيرةٍ تستحق عناء إعداد دراسةٍ من هذا النوع.  ولكن هذة الدراسة تستحق المراجعة، عند البدء بالعمل الفعلي.  قالت العرب " النائحة المستأجرة ليست كالنائحة الثكلى" فبعد أن أصبح المشروع واقعاً، أصبح لا بد أن يُعاد النظر بكل الدراسات التي أُجريت قبل التنفيذ. كأن تكون "خطة سنواتٍ خمس" او غير ذلك.  ومَنْ أفضل من الإدارة الجديدة للقيام بهذه المهمة، فهي الجهة التي ستضع هذه الخطط موضع التنفيذ.  وبالتالي فان الخطة المُراجَعَة لا تُعتبر خطة عمل ومنهاجاً فحسب، وإنما أيضاً إلتزاماً. 

وقد لا يكون هناك الشئ الكثير للإعتماد عليه، فقد تخلو دراسة الجدوى من ما يمكن أن نسميه "إستراتيجية تسويق"، فعلى الإدارة أن تتبع الأُسلوب الجماعي والبحث الميداني الموسع، قبل إعداد الخطة، التي يجب أن تتسم بالموضوعية وإنعدام المبالغة.

و البحث الميداني يمكن أن يقوم به البائعون والمسوقون في مرحلة ما قبل الإنتاج.  وستكون هذة وسيلةً لربطهم بالسوق وتدريبهم.

كذلك من المهام المتوقعة من الإدارة الجديدة القيام بها في هذه المرحلة، هي وضع العلامات التجارية للمنتجات، وكذلك تصميم عبوات التغليف التي ستُعرض في السوق وأحجامها.  وكذلك وسائل التوزيع ونظام عملها.  كما يجب أن يتم الإعداد جيداً للاعلان عن قيام المؤسسة، وعن قرب طرح منتجاتها في السوق، وبالتالي وضع إستراتيجية إعلانية؛ بإختيار وسائل الإعلان المناسبة ووضع ميزانية لذلك.

 

ثقافة المؤسسة

قلما تستمع الى مديرٍفي مؤسسةٍ مهمةٍ وكبيرةٍ يتحدث عن مؤسسته ولا يشير الى  "ثقافة المؤسسة" كأمرٍ واقعٍ وتحصيل حاصل.  وحقيقةً أن كثيراً من هذة المؤسسات لا تمتلك ثقافة.  وبعضها نمت بأوساطها ثقافاتٌ سلبيةٌ لم يُخطط لها أحد، ثقافاتٌ قائمةٌ علىالرعب والتحاسد والتباغض والإحباط و " تكسير المجاديف" الخ..

وقد ناقشنا ثقافة المؤسسة في فصلٍ سابق، وبينا أنها قلما تكون وليدة الصدفة، وإنما مبنيةً حول قناعات شخصٍ أو مجموعة أشخاصٍ يشكلوا إدارة المؤسسة الأساسيين ( Core team   وهم يخططون إلى الوصول إلى الثقافة التي ينشدون، أو على الأقل يمنعون ظهور مسلكياتٍ وممارساتٍ مضادة.

اذا ما تم إختيار الفريق الإداري الأساسي والمتكون من ثلاثةٍ الى خمسة أشخاصٍ بعناية، بحيث يكون لديهم تقبل، ان لم يكن قناعةً كاملةً بالثقافة المستنيرة، وبكل تأكيدٍ ليس لديهم أفكار مضادة لهذة الثقافة، اذا ما تم ذلك فمن المتوقع أن يعمل هذا الفريق اولاً على رفع درجة التجانس بداخلة؛  بزيادة نقاط الالتقاء فيما بين أعضاءة والتفاهم على عددٍ من المفاهيم المهنية والمسلكية ووضع الأُسس لها، لتشكل نواة ثقافة مؤسستهم ثانياً.

لو قُدِّر لأيٍ منا أن يكون من بين أعضاء هذا الفريق فماذا يا ترى سيقترح.؟؟

لا شك ان كل شخصٍ ذو خبرة سيقدم إقتراحاً او أكثر من واقع خبرتة، ومن تجاربة السابقة، التي قد يكون بعضها مؤلماً، وبالتالي يكون قد مر بتجربةٍ لا يريد أن يكررها ولا يريد لأحدٍ أن يمر بها.  في مكانٍ لاحقٍ من هذا الفصل جدولٌ يحتوي على عددٍ من القيم الإيجابية التي يود الكثيرون ممن إستمعنا الى آرائهم خلقها وتعزيزها، وكذلك قيمٌ سلبيةٌ يودون إزالتها.

 

 

مؤسسة خدمية

و المؤسسات الخدمية أقل إنتشاراً في العالم الثالث مما هو عليه الحال في الغرب.  إلا أنه هناك على الأقل ثلاثة أنواعٍ من المؤسسات الخدمية الواسعة الإنتشار في منطقتنا، وهي المكاتب الإستشارية التي تُعِدُّ دراسات جدوى وغيرها، والمكاتب الهندسية التي تصمم وتشرف على تنفيذ المباني وشركات الدعاية والإعلان.

وهذه وإن إختلفت عن المؤسسة الصناعية في كون البنى التحتية تنحصر في مكتب، او أكثر، وأجهزة إتصالٍ ونقلٍ ليست بذات شأن، من ناحية القيمة المادية، إلا أنها بالنسبة للمؤسسة والعاملين بها تشكل عالمهم وشباك العرض ( Show Case ) الذي يطلون من خلاله على العالم.

ولهذا فإن إختيار مكاتب للمؤسسة من ناحية الموقع والمساحة والمظهر أمرٌ مهمٌ جداً.  فالموقع قربه او بعده عن الزبائن المحتملين، له تأثيرٌ شديدٌ على حجم عمل المؤسسة. 

كذلك التصميم الداخلي للمكاتب وغرف الإجتماعات وسعتها وتوفر أجهزة الإتصال المناسبة تخلق بيئة عملٍ جد مؤاتية، تساعد على عطاءٍ أفضل.

وكما أنه لا يوجد أدوات إنتاج فإن الإنسان يُشكل العنصر الأساس في اداء المؤسسة.

ولذلك فإن حسن إختيار العاملين في المؤسسة الخدمية وتدريبهم وإستيعابهم ضمن ثقافهٍ متجانسةٍ يُعتبر التحدي الأكبر في تأسيس المؤسسةالمنشودة.

وفي الحقيقة إن هذه المهمة أسهل في المؤسسة الخدمية من المؤسسة الصناعية وذلك لأن الأُولى فيها عددٍ اقل من العاملين، ولا يُعَيَّنون بأعدادٍ كبيرهٍ بحيث يسهل إستيعابهم.  كما أن التركيبة التنظيمية بسيطةٌ جداً، فلا يوجد عمالٌ من أي نوع. وهذا ايضاً يسهل المهمة.  الا أن هذا الوضع يُعتبر أرضاً خصبةً للتنافس الذي قد، في حال غياب الثقافة المستنيرة، يؤدي الى شلليةٍ ومجالاً واسعاً للتآمر والتنازع.

وهذا مما يُضفي حاجةً خاصةً للمؤسسات الخدمية الى الثقافة المستنيرة؛ فالعمل الجماعي والإنفتاح المعلوماتي ونكران الذات والميزات الأُخرى التي تفجر طاقات الإبداع لدى العاملين تجعل من المؤسسة الخدمية المستنيرة، متجددةً دائماً، تُسعد زبائنها بخدماتها الإبداعية دائماً.

ما أحوج أي مكتبٍ هندسيٍ أو مؤسسة دراساتٍ إلى جلسات من العصف الدماغي ( Brain Storming ) في جوٍ يُشجع الإبداع، متحاب، حالم، لا يخجل أيٌ من أعضاء فريقه من طرح أي فكرةٍ، لأنه يعرف أنْ لن يهزأ من فكرتة أحد، بل غالباً ما يأخذها أحدهم خطوةً أبعد، معدلاً ومضيفاً. ما أحوج شركة دعايةٍ وإعلانٍ الى جوٍ من هذا القبيل لتناول مشروعٍ جديدٍ او حملةٍ دعائيةٍ جديدة .   

لا تقل أهمية النظم والقوانين في هذا النوع من المؤسسات عن المؤسسات الصناعية وغيرها إلا أن التركيز هنا، ربما كان على جوانب تختلف قليلاً.  فالقوانين والتعليمات الخاصة بشؤون الموظفين، من ترفيعٍ ومكافئاتٍ، تحتاج الى تفصيلٍ ووضوحٍ أكثر، وذلك في وسطٍ يُعتبر فية، معظم العاملين يؤدون نفس العمل.

أنَّ من أهم ما يميز هذا النوع من المؤسسات عن غيرها، هو كون غالبية العملين بها من المثقفين، ولا أقول المتعلمين. ويُفترض ممن يعمل في معظم أنواع هذة المؤسسات أن يكون واسع الثقافة ويكون لدية القابلية، في مرحلةٍ ما من مراحل حياتة، أن يُشكل فلسفتة الخاصة في الحياة.  وأن يكون لة القدرة على التأثير على غيرة، بل أكثر من هذا، ربما، التأثير في مسار الأحداث في محيطة، إنْ بصورةٍ فرديةٍ او من خلال مؤسستة.  فمن هنا تزداد أهمية أن تسود هكذا مؤسسات، ثقافةٌ مستنيرةٌ، التي، لهذا السبب، يأخذ بناؤها طابعاً خاصاً ومجهوداً إضافياً.  ولا تحتاج إدامتها الى كثيرٍ من الجهد بعد ترسيخها. 

 

  مؤسسة تجارية

بينما المؤسسة التجارية تبيع سلعاً محسوسةً ( ليست خدمات) فهي تشتري ما تبيع ولا تصنعه.

  والمؤسسات التجارية قديمةٌ في هذا الجزء من العالم.  وقد إزدهر بعضها في مدن المنطقة الرئيسية منذ قرون.  ولا يزال كثيرٌ منها يُدار بنفس الإسلوب وان تحوسبت وتغلفت بغلاف من الحداثة.

و يُقلل كثيرون من دور هذا النوع من المؤسسات في التنمية، والبعض ربما إعتبرها طفيليةً ولا تساهم في إرتقاء المجتمع اقتصادياً وإجتماعياً.  وهذا خطأٌ فادحٌ، فلهذه المؤسسات دورٌ مهمٌ وتطورها وتحديثها أمرٌ ضروريٌ للتنمية.

فهذه المؤسسات مهما كبرت وتفرعت تقوم، عموما،ً على ثلاث أزواجٍ من النشاطات:

1.    الشراء والتخزين

2.    البيع والتوريد (التسليم)

3.    التحصيل والمحاسبه

 

و غالباً ما يكون صاحب المؤسسة او المدير مسؤولاً عن الشراء، وقسم مبيعاتٍ يقوم بالجهد التسويقي ومحاسبٌ او مديرٌ ماليٌ يُتابع الأُمور المالية بما في ذلك التحصيل.

 ولهذا فإن المؤسسات التجارية هي أيضاً بحاجةٍ الى ثقافةٍ مستنيرةٍ تفجر طاقات الإبداع لدى العاملين بها فيطوروها ويحدثوها، كما تخلق أجواءاً يسودها التعاون البناء.

كما ان المؤسسة التجارية بحاجةٍ لأن تكون متواصلة مع مجتمعها المحلي وتتمتع بسمعةٍ جيدةٍ أكثر من أي نوعٍ آخر من المؤسسات.  والثقافة المستنيرة تؤدي إلى هذه الغاية بصورةٍ تلقائية.

 

مؤسسة إنشائية

تكمن  وجهة الإختلاف الأساسية بين مؤسسة تعهداتٍ إنشائية ومعظم الأنواع الأُخرى من المؤسسات، في كون العمل في المؤسسة الإنشائية لا يستمر على نفس الوتيرة لفتراتٍ طويلة.  وذلك لأنَّ المؤسسة غالباً ما توظف عامليها – من كل المراتب – على إسم مشروعٍ معين، تنتهي الحاجة إليهم بإنتهاء المشروع.   بإستثناء عددٍ قليلٍ من الإداريين يعمل في المركز، وآخرين يُحتفظ بهم لإستمرار الحاجة اليهم – في أعمال  الصيانة والتسعيرالخ..  وهذا يجعل إمكانية بناء ثقافة من أي نوعٍ أمر عسير نسبياً، فالثبات الوظيفي شرطٌ أساسيٌ لتكون ثقافة مؤسسة.

ومع هذا فإعتقادي بأهمية الثقافة المستنيرة لهذا النوع من المؤسسات، يعادل إقتناعي العميق بضرورة وجود قطاع إنشاءات قوي وفعال ويتمتع بسمعةٍ طيبةٍ في بلدٍ يرغب في تحقيق برامج تنميةٍ طموحة.

و قد كانت عملية البناء على الدوام، من أهم العوامل التي يُحْكَمُ من خلالها على أداء مجتمعٍ ما في  حقبةٍ ما.  وعلى ما في ذلك من إختلافٍ في وجهات النظر، فان المباني الباقية من الحضارات القديمة تعتبرمؤشراً على الإستقرار السياسي والقوة المالية والقدرة على التنظيم لدى تلك الحضارة.  بالإضافة الى إمتلاك المهارات الفنية.  وبالتالي فهناك مؤشرٌ حضاري.  وهذا ايضاً ينطبق على الحاضر.  فتخيل دولةً كثيراً ما نسمع عن إنهيار مباني سكنيةٍ و وقوع جسورٍ وتحطم سدودٍ فيها، هل يستطيع أحد قادة هذا البلد ان يدعي أن الفساد لا وجود لة، وأن نظام التعليم، مثلاً، في أحسن حال الخ..  لن يصدق ه أحد.  إنها قضيةٌ حضارية.           

 وهذا القطاع – في أي بلدٍ- بحاجةٍ الى ثقافةٍ قائمةٍ على الصدق والبعد عن الغش والتمرس على إدارة الوقت بشكلٍ فعالٍ وواعي، والعمل  بجودةٍ عاليةٍ وذوقٍ رفيع.  كذلك العمل بفاعليةٍ أكبر والقضاء على الهدر في المواد بإستخدام الكميات المناسبة وكذلك شراء الكميات المطلوبة لا أكثر. 

إنَّ المقارنة بين مؤسسةٍ إنشائيةٍ تعمل في الدول الآخذة في التطور ( Developing countries ) والأُخرى العاملة في الدول المتطورة ( Developed countries )، تُظْهِرُ فارقاً حضارياً بَيِّناً؛ فكثيراً ما ترى في مشروعٍ في عالمنا الثالث الآخذ في التطور كثيراً من العمال، الغير متجانسين في مظهرهم، يعملون ببطءٍ مستخدمين أدواتٍ بدائيةٍ ( وعادة ما يكون أكثرهم من نفس البلدة او الإقليم، لأنَّ الذي وظفهم شخصٌ معين، آخر إهتماماتة الكفاءة).  بينما في الجانب ألآخر تجد عدداً أقل يعتمرون خوذاتٍ للسلامة، ويلبسون لباساً موحداً مناسباً للقيام بالعمل المطلوب، ويعملون بآلاتٍ وأدواتٍ حديثةٍ مناسبةٍ، تساعدهم علىالعمل بكفائةٍ أعلى وبمجهودٍ عضليٍ أقل. إنَّ هذة الصورة، التي لها دلالتها الثقافية والحضارية تجعل الضرورة لثقافةٍ إيجابيةٍ كبيرةً جداً.

وهذا يتأتى من خلال تعزيز الحس بالإنتماء لدى الطاقم الأساسي على الأقل، ونشر قيمٍ مهنيةٍ وسلوكيةٍ بشكل غير قابلٍ للتساوم في أوساط كافة العاملين.  مثل إتقان العمل ونظافة محيط العمل. والإهتمام بمواعيد التسليم النهائي وتسليم المراحل. 

و هذا يتطلب من الإدارة إنتهاج عددٍ من السياسات القائمة على إعطاء الحقوق كاملةٍ وفي مواعيدها دون تأخير.  وتبني نظام حوافزٍ ومكافئات.  وتشجيع الأداء المتميز أدبياً ومادياً.  ورفض الأداء المتدني في كل الأحوال.  والعمل على رفع الكفائة والمهارة الفنية للعامل.  وإستخدام أفضل وأحدث الأدوات، والمعدات للتسهيل على العامل من جهة وللحصول على نتائج أفضل من جهةٍ ثانية.

أن المعاملة الحسنة للعاملين وإعطائهم حقوقهم تخلق إحتراماً وتفهماً وبالتالي إنتماءاً لدى العمال وإن كان العمل متقطعاً حسب توفر المشاريع كما هو الحال، فبعض العمال ربما إختار المكوث في بيتة إنتظاراً لفرصةٍ أُخرى للعمل في المؤسسة، على أنْ يعمل في مؤسسةٍ أُخرى.

كذلك عدم تشجيع المهندسين وحاسبي الكميات على مخالفة المواصفات عند شراء المواد، وعدم العبث في جداول الكميات عند تحضير الدفعات الشهرية، لأن الأمر لايتوقف عند هذا الحد.

كما أن بناء فريقٍ مركزيٍ مقتدرٍ ومتعاونٍ ومتعاضدٍ وملتزمٍ بأهداف الشركة وبالثقافة المستنيرة، وبنفس الوقت قادرٍ على أنْ يُنشئ سريعاً وعند الحاجة فريقاً من العاملين على هذة الثقافة وإنْ كان لفترةٍ غير طويلةٍ من الزمن، أنَّ فريقاً على هذة الشاكلة قادراً على إنشاء شركة تعهداتٍ ذات سمعةٍ عالميةٍ وخصوصاً اذا ما توفرت القدرة المالية كذلك.

إنَّ وجود قطاع تعهداتٍ قويٍ يتمتع بسمعةٍ مهنيةٍ عاليةٍ يُضفي مزايا هامةٌ جداً؛ فالمنظر العام للبلد يصبح أفضل والمباني أمتن.  كذلك يجر هذا القطاع الناجح وراءة قطاعاً صناعياً مهماً وهو قطاع الصناعات الإنشائية الذي ينمو بنموة.

و تؤدي السمعة الطيبة الى إمكانية الفوز بعقودٍ في الخارج وهذا يأتي بمزايا إضافية مثل العملة الصعبة وخلق مزيدٍ من فرص العمل .

 

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter