الفصل الثالث
المؤسسة المستنيرة
المؤسسة المستنيرة هي المؤسسة التي تتوفر فيها البيئة والثقافة التي يسعى من خلالهما جميع العاملون فيها بكل قواهم نحو الارتقاء بالمؤسسة متعاونين متشاركين في الأفكار والأفعال، مما يؤدي الى تحقق غاياتها والتحسين المستمر في أداءها.
وهذا يعني درجةً عاليةً من الإنتماء وميلاً شديداً نحو الإبتكار والتجدد وغياب النزعة الفردية بين العاملين، ويعني بيئةً خاليةً من التحاسد والتباغض وغياب ثقافة اللوم وسرقة مجهود الآخرين، وتفشي روح الفريق ورغبةً قويةً نحو الإرتقاء بالمهارات الفردية لدى العاملين، وشيوع كثيرٍ من العادات الحسنة مثل حسن الاستماع، وتثمين الوقت والتراجع عن الخطأ وعدم التمسك بالرأي و تقبل الإنتقاد وممارسة النقد الذاتي.
هل هذا ممكن ؟؟ هل ممكن بناء مؤسسة بثقافةٍ من هذا النوع؟؟.
أقول أنه عندما جاء الانبياء والرسل والمصلحين والقادة التاريخيين عبر التاريخ الى هذا العالم برسائلهم، ماذا كانوا يأملون ؟ ربما كان لبعضهم أحلاما وردية بمجتمعٍ مثالي، ولكن أؤكد أنَّ أكثرهم مات كمداً معتقدين أنهم فشلوا، بينما خلدتهم شعوبهم وأتباعهم الى يومنا هذا على أنَّهم غيروا التاريخ. وقد فعلوا.
وربما كان للبعض الآخر نظرةً واقعيةً عمليةً، وكان هؤلاء يفهمون النفس البشرية ونزعاتها وضعفها وطبائعها، وكانوا على قناعةٍ تامةٍ أنَّ الخطأ واردٌ وكذلك الخطيئة إحتمال، وأنَّ المجتمع المطلق بمثاليته غير ممكن، ولكن بالسياق النسبي يمكن أن يُبنى مجتمعٌ يُحقق الحد الأدنى من الأمان والعدل والرخاء في أوساطة الخ..
وهذا المفهوم النسبي غير معلن. فلا يجوز أن يسمح مجتمع ما بالسطو على المال العام مثلاً يوماً في الاسبوع او لمن بلغوا الخمسين، حتى تتطبق النسبية. ولو أمكن أن نعبر عن ذلك رياضياً فإن مثلاً 90% من الأفراد يتقيدون ب 90% من الممارسات الإيجابية في 90% من الحالات أو الأوقات . وربما إرتفعت هذه النسبة وربما إنخفضت، وربما بدأت متدنية وأخذت بالإرتفاع، ولكن يبقى المفهوم واضحاً أنَّ إدامة التقيد بالممارسات الإيجابية في المجتمع قضيةٌ نسبيةٌ ولا يَتوقع أحدٌ أنْ تكون مطلقة. وكذلك لا يُقصد انَّ هناك تحديدٌ للعشرة بالمائة المتبقية؛ أي أنَّ العشرة بالمائة من الناس محددةٌ بفلانٍ وفلان أو الفئة الفلانية. أو العشرة بالمائة من الممارسات تعني يسمح بكذا ويمنع كذا.
.
إنما هي نظرةٌ عامةٌ واقعيةٌ الى النتائج بعد مسعى لتحقيق ال 100% من الناحية القانونية والأخلاقية دون تمييز.
إنَّ الغاية من النقاش الوارد أعلاة، والمعبر عنة بنسبٍ مئوية، لا تتعدى محاولةً لإفراغ الطرح العام من أيِّ نزعةٍ طوباويةٍ قد تلتصق بة. إنها تهدف لجعل النموذج المنشود قابلاً للظهور الى الوجود والإستمرار.
ولكن هل هذا الأمر يستحق العناء ؟ وما الفائدة؟
الإجابة قطعية بكل تأكيد؛ فهل يُعقل أن يكون هناك شخصٌ يملك او يدير مؤسسةً لا يتمنى أن تُصبح مؤسستة تسودها هذة الثقافة.؟ وهل يعقل أن يكون هناك من يعمل في مؤسسةٍ ولا يتمنى أن تكون مؤسستة التي يعمل بها تسودها مثل هذة الثقافة؟.
فيما يلي إستعراضٌ لأهم ميزات الثقافة المستنيرة ومردود ذلك على المؤسسة:
1- بيئة العمل :
إنَّ بيئة العمل هي الوعاء الذي يتم بة تناول كافة أنشطة المؤسسة. ويعتمد عليها الى حدٍ بعيدٍ الأداء العام والنتائج الناجمة عن هذا الاداء الى حدٍ بعيد. ومن هنا لا بد أن تكون هذة البيئة مؤاتية، بحيث تُتيح الحد الأقصى للعطاء والإبداع، ولا يضطر أيُّ من العاملين الى بذل أي مجهودٍ او وقتٍ على أُمورٍ غير مهنيةٍ، مثل "غطاء الظهر" كما هو حاصل في كثيرٍ من أماكن العمل؛ حيث يبذل العاملون الكثير من الوقت والجهد في حماية أنفسهم في حال وقوع خطأ. كما لا يضطر أحدٌ للتبرير وكسب التأييد عند حصول الخطأ. او التجاوز عن أخطاء الآخرين مقابل تجاوزهم عن أخطائهم. إنَّ بيئة العمل التي لا تضطر العاملين الى إيلاء هذة الأُمور أية أهمية، ويكونوا في طمأنينةٍ تامةٍ الى عدم حاجتهم الى ذلك، إنَّ هذة البيئة تُوفر الوقت والجهد للتركيز على النشاط الأساسي والإبداع بة.
يقول البعض من أصحاب الخبرة أنهم يستطيعون أن يحكموا على مدير مؤسسة (او إدارة مؤسسة) حال دخولهم الى مبانيها . وهذا الأمر لا يخلو من صحة. فبمجرد أنْ تقابل أول العاملين وتتفقد المكان، بإمكانك أن تلمس مؤثرات هذه الإدارة، وبالتالي الحكم عليها.
أذكر أني زرت دائرةً حكوميةً في إحدى العواصم العربية، أدركت على الفور أنَّ هناك جواُ مريحاً وتعاملاً غير متوقع، فانتابتني رغبةٌ شديدةٌ لرؤية مدير هذة الدائرة، الذي إستنتجت أنه وراء هذه البيئة الإستثنائية، وفعلاً رأيت مديراً شاباً يتعامل بأريحيةٍ ويناديه موظفوه بإسمه الأول في بلدٍ يبدو امرٌ كهذا مستغرباً.
فمن أهم ما تمتاز به بيئة العمل في المؤسسة المستنيرة هو غياب التوتر، وهذا ينجم عن العلاقات الإيجابية المُقامة بين العاملين والاحترام المتبادل بينهم، وإحساسهم بأنَّ أحدهم يُكمل الآخر، وكذلك عن درجة التفاهم العالية القائمة ضمن التسلسل الإداري. فلا يوجد من ينتظر الخطأ من الآخرين، كما لا تهتز الدنيا عند وقوع خطأ، إنما يتم التعامل مع ذلك بأساليب هادئة، التى ربما لا تخلو من نتائج مؤلمةٍ من فترةٍ لإخرى. ولكن الأهم أنَّ الجميع يتعاون على أنْ لا يقع الخطـأ بالعمل على تجنبة، والأهم أنْ لا يتكرر. ثم العمل علىالتقليل من الضرر إذا لم يمكن تجنبه . ولا يوجد، قطعاً، من يسعى الى حدوث الخطأ وولا من يعمل على تضخيمه والمبالغة في آثاره، وبكل تأكيدٍ لا يوجد من يُحَمِّل أخطائة على الآخرين.
يُسمح في المؤسسة المستنيرة بوجود منافسةٍ بين الأفراد وكذلك بين الجماعات، ولكن لا يُسمح أنْ تصل هذة المنافسة الى درجةٍ محمومة، بحيث تقضي على مفاهيم وقيم لم تتحقق إلا عبر جهدٍ مضني، مثل القضاء على الفردية والشللية والتآمر وإطلاق الإشاعات والنميمة والتحاسد والتباغض . لذلك فإنَّ المنافسة يجب أن تكون مدروسةً ومقرونةً بحملة توعيةٍ للتقليل من الأضرار الجانبية. أما المنافسة غير الشريفة فلا وجود لها على الاطلاق.
وتُمكن بيئةُ العمل السائدة في المؤسسة المستنيرة، القائمة على الثقة، العاملين أن يتمتعوا بصلاحيات أوسع دون الخوف من إرتكاب أخطاء ناجمة عن نقص خبرة. وتزداد هذه الصلاحيات مع إزدياد الخبرة ونتيجةً لضرورة الموقف والموقع.
إنَّ مجتمعَ المؤسسة المستنيرة مجتمعٌ حالم. يحلم بالإستمرار والارتقاء والتحسين والتطوير . وهي أحلامٌ يُشجع الجميع على إشراك الآخرين فيها، ومناقشتها ووضعها موضع التنفيذ حيثما أمكن. إنها أحلام تتحقق في معظمها. وهذا يجعل العاملين في المؤسسة متفائلين وواثقين بغدٍ أفضل دائماً ويعملون على ذلك.
إنَّ بيئة المؤسسة، من الناحية الفعلية، بيئةٌ نظيفةٌ، جيدة التهوية والإنارة وتخلو من الضوضاء والروائح الكريهة . كما يحترم العاملون مشاعر بعضهم البعض، فلا يُسمع بها كلاماً خادشاً للحياء أو جارحاً بأي صورةٍ من الصور.
2- العنصر البشري:
يولى العنصر البشري في المؤسسة المستنيرة على أهميته المعروفة، اهميةً أكبر. وذلك من خلال فهمٍ أفضل وإحترامٍ أكثر وإيمانٍ أعمق بالإنسان.
فإحترام الإنسان من أهم ميزات المؤسسة، وكذلك التعامل معه بتقديرٍ دون الإبتعاد عن الحزم، فالقائمون على المؤسسة المستنيرة متمرسون في فهم النفس البشرية ويولون ذلك أهميةً كبرى، ويتدربون على ذلك مما يؤدي الى نتائج إيجابيةٍ في التعامل. فلا يدعون قناعاتهم بضرورة التعامل بمنتهى الإحترام مع بعضهم البعض، أن تتحول الى بابٍ يتسرب من خلالة التسيب وإنعدام الإنضباط.
كذلك يؤمن جميع العاملين في المؤسسة المستنيرة بالإنسان . يؤمنون بقدراته على الفعل وقدراته على التأقلم والارتقاء. ولذلك فإن من أهم ما تمتاز بة المؤسسة المستنيرة هو إعطاء الأولوية للعاملين بالمؤسسة أولاً عند إستحداث وظيفةٍ جديدةٍ أو حدوث شاغر. أي في حال إستحداث خط إنتاج جديد، الأمر الذي يوجب تعيين مشرف خط، فيتم ترفيع أحد العاملين لهذا المركز. وهذا نهجٌ له إيجابياتٍ وإنعكاساتٍ كثيرةٍ على العاملين، فيتعزز إنتمائهم وتكون المؤسسة المكان الذي يحققون فية أحلامهم.
يظهر العاملون مواقف وآراءٍ (
Attitudes
) إيجابيةٍ تجاه كل ما هو بنّاء ويُنبذون السلبية والتخاذل، ويتعاونون فيما بينهم للتعامل اليومي مع مشاكل العمل، وفي العمل المستمر المتواصل لتحسين الأداء والإنتاج ولو لم يُنسب المجهود الى أحدهم شخصياً.
وهذا ينجم عنه تغيب أقل، وإستقالات أقل، مما يُعزز الطابع المؤسسي، ويعمق ثقافة المؤسسة ويُخفف عن كاهل المؤسسة تكاليف تدريب بدائل جدد.
العاملون في المؤسسة متفائلون ويعملون على هذا الأساس، وهم كذلك يتمتعون بثقةٍ عاليةٍ بفريقهم وقدراتهم على تحقيق أهدافهم، وكذلك ثقة الواحد منهم بالآخر، وهذا ينجم عنه تحسينٌ في الأداء العام وإقتراب أكثر من تحقيق الأهداف.
يتمتع العاملون في المؤسسة المستنيرة بحسٍ عالٍ بالإنتماء، وهذا يُترجم بحرصهم الشديد على المؤسسة وممتلكاتها، وكذلك بنوعية الأداء ومقدار العطاء الذي يقدمونه . كما أنهم يتابعون نتائج أداءهم وإنعكاس ذلك على تقدم المؤسسة وربحيتها . وهم على قدرٍ عالٍ من الوعي الذي يمكنهم من إدراك أهمية هذه الأمور جميعها مهما صغرت أو بدت كتفصيلة صغيرة معزولة . فعادةً ما يهمل العاملون، على إخلاصهم الظاهر، أموراً صغيرةً مثل عدم إقفال النور في صالة الإنتاج، هدر في بعض مواد التغليف، التحدث لفترةٍ أطول على التلفون، إستقبال زوارٍ في المكتب أكثر مما هو مسموحٌ به الخ.. إنَّ الوعي الذي يتمتع به العاملون في المؤسسة المستنيرة يجعلهم يدركون فداحة الإهمال في هذه الأمور على صغرها الظاهري.
كذلك فإنَّ هذا الوعي يجعلهم يتحملون نتائج أداءهم . فلو تعرضوا لموقفٍ ما فلا يسارعوا الى تقديم إستقالاتهم او البدء بالبحث عن عملٍ آخر، وبالتالي فإن درجةً عاليةً من الثبات تسود في المؤسسة مما له مردودٌ عالٍ من الحفاظ على الخبرات وتوفير تكاليف التدريب الى رفع كفاءة الفريق..الخ.
كما أنَّ التغيب عن العمل يصبح أقل، نتيجةً للجو المشجع السائد في أوساط المؤسسة.
كما يتقن العاملون أسلوب الحوار والنقاش، فهم لا يبدؤون النقاش متحصنين برأيٍ محددٍ لا يحيدون عنه، وإنما بحياديةٍ نسبيةٍ تجعل أحدهم يقتنع بالرأي الآخر إذا وجده صواباً دون مكايدة، وهذا يوفر كثيراً من الجهد والوقت.
يحرص العاملون في المؤسسة على سمعتها في مجتمعها المحلي ويسعون أن يكونوا خير سفراءٍ لها حيثما تواجدوا.
يتعاون العاملون على الإبتكار والتطوير، ويشجع أحدهم الآخر . وهم بالتالي بعيدون عن أساليب التحبيط والاستهزاء والحسد السائد كرد فعلٍ تلقائيٍ لأي فكرةٍ مبتكرةٍ في العادة . وهذا له فوائد لا تحصى.
يؤمن العاملون أنهم جزءاً من سلسلةٍ مترابطةٍ في عملهم، وبالتالي، لكي تكون هذه السلسلة قويةٌ يجب أن تكون جميع حلقاتها قوية. وهذا يُترجم بمبدأ "العمل بدون أخطاء" وهذا المبدأ يجب أن يصبح ركناً أساسياً في ثقافة المؤسسة بمضمونٍ نسبيٍ معقول، بحيث يولي كل شخصٍ أهميةً كبرى لكل عملٍ يقوم به حتى يكون الناتج الكلي خالياً من الأخطاء بسبب خلو مكوناته من الأخطاء . على أنَّ هذه الثقافة لا تعني أنَّ وقوع الخطأ هو نهاية الكون. فتَقَبُّل الخطأ وحرص الجميع على إصلاحه وإصلاح آثاره جزءٌ مهمٌ من هذه الثقافة.
إنَّ تغييب التوتر وإشاعة الأريحية في أوساط العمل يفجر طاقات الإبداع بين العاملين وكذلك يساعد على غياب أجواء التحاسد والتباغض والتحزب من أوساط العاملين.
وهذا يؤدي الى نمو علاقات عملٍ جيدة، تُفعل روح التعاون فيما بين العاملين وتُقوي روح الفريق . وهذا بحد ذاته يخفف بعض الحساسيات التي تنشأ عن بعض الممارسات التي لا يرتاح لها الكثيرون عموماً مثل التجاوز، والتدخل الخ.. الأمر الذي يجعل التواصل الداخلي قوياً وسلساً وفعالاً، بغياب الحواجز المفتعلة التي يضعها البعض " حفاظاً على الخصوصية "، فغياب هذه " الخصوصيات " يجعل إنتقال المعلومات في جميع الاتجاهات سواءُ كانت أُفقية أَم عمودية أمراً أكثر يسراً وفعالية،و بهذا يسود إنفتاحٌ معلوماتيٌ يصبح جزءاً أساسياً من ثقافة المؤسسة.
و يُشكل هذا الإنفتاح ركناً أساسياً من أركان الثقافة المستنيرة. ويعمل، كعاملٍ إضافيٍ على ديمومة هذة الثقافة. ويجعل من عمل الفريق، كنمط عمل، إمكانيةً أكبر وأكثر نجاعة. كما يوسع الطاقة الإستيعابية لذاكرة المؤسسة؛ فلا تخسر المؤسسة الكثير نتيجة مغادرة أحد المدراء صفوفها، فهو لا ينفرد بالكثير من المعلومات. كذلك يُعتبر الإنفتاح المعلوماتي وسيلة إغناءٍ لخبرات العناصر الشابة في أوساط المؤسسة، وبالتالي تسريع نضوجهم وتسلمهم مسؤولياتٍ أكبر.
ومثلما يتقن العاملون في المؤسسة المستنيرة العمل مع بعض فإن لديهم قواعد تدير الإختلاف فيما بينهم. فهو قطعاً لا يأخذ الطابع الشخصي، كما لا يثير أي مشاعر عدائية، ولا يطلق آليات دفاعية (
Defense mechanism
) بشكل تلقائي لدى أطراف الخلاف، ولا يُشكل عُصَباً تتكتل فيما بينها وتتمترس وراء حواجز من صنعها. وبعكس ذلك فهم يبدأون ببحث أوجة الالتقاء لتضييق الخلاف وبحث نقاط الخلاف بإسلوبٍ علميٍ هاديءٍ يُسهل التراجع ولا يترك آثاراً جانبية.
3- أُسلوب العمل:
يمتاز أسلوب العمل في المؤسسة المستنيرة بالموضوعية والهدوء وبتوخي الدقة في المعلومات المستنبطة التي يبنى عليها قراراتٌ وأفعال، وكذلك بالأسلوب العلمي في التعامل مع كافة الأمور.
لا يترك العاملون في المؤسسة المستنيرة المجال للصدفة، إنما يُحَضِّرون لمواجهة أي موقفٍ أو لانجاز أي عملٍ التحضير الكافي، الذي لا يدع مجالًا لثغرةٍ، ولا يبنون حساباتهم على أوهامٍ او تمنيات، إنما على حقائق ثابتةٍ موثوقٍ بصحتها . وهذا نهجٌ يتغلغل في ثقافة المؤسسة، ويصبح جزءاً منها.
تعمل الفرق والأفراد في المؤسسة المستنيرة ضمن قواعد وتعليمات وقوانين تغطي جميع نشاطات المؤسسة فيها، وهي وإنْ بدت كقيدٍ يعيق الحركة، فإنَّ المرونة المتضمنة فيها ومستوى الوعي الكامن في أوساط العاملين يزيل هذه السلبية او يخفف من آثارها.
تعتبر المرونة من أهم سمات العمل الإداري والمهني في المؤسسة المستنيرة . وهي مرونةٌ واعيةٌ ديناميكيةٌ تمكن المؤسسة أو اجزاء منها من مواجهة ظروفٍ طارئةٍ إستثنائيةٍ تتطلب حلولاً سريعة ومبتكرة . وهذا ينطبق على جميع أنواع المؤسسات . فالصناعية منها على سبيل المثال؛ نورد حالة تغيير نوع المنتج بدوقتٍ قصير.
والتعاون والتكامل بين العاملين في غاية الأهمية، وهو يعني التخلي عن الأنانيات والنظرة الفردية للامور. والتعاون لا يمكن أن يسود بقرار، إنما بقناعة العاملين وبتشجيعٍ من الإدارة، بحيث يكون الأمر طبيعياً ويُصبح العرف السائد في أوساط العاملين في المؤسسة، وبذلك يُصبح جزءاً من ثقافتها . وكذلك التكامل بين المجموعات والفرق والأفراد بحيث يُعَوِّض النقص في مجالٍ ما بالإستعانة بكفاءاتٍ من أقسامٍ أُخرى. والتكامل لا يشترط وجود نقصٍ حتى يُصبح مطلوباً . ففي العالم الثالث، النقص مفترضٌ والكفاءات، مهما كثرت وعظمت بحاجةٍ الى من يعضدها ويؤازرها ويتم هذا بالتعاون والتكامل. وقد يكون التكامل أفقياً بين الفرق التي تؤدي نفس الوظائف أو عمودياً بين الفرق التي تؤدي وظائف متتابعة . وفي كلتا الحالتين هناك فوائد كثيرةٌ وإغناءٌ لأفكارٍ غايةً في الأهمية.
من أهم ما تمتاز به المؤسسة المستنيرة الانفتاح المعلوماتي؛ حيث تُزال الحواجز بين الأقسام والمجموعات المختلفة في المؤسسة وكذلك بين الأفراد ليصبح الكل مطلعاً على ما يجري في الأقسام الأخرى، لعله يستطيع طرح فكرةٍ أو الاستفادة من معلومه.
إن فوائد هذا الإنفتاح كثيرةٌ جداً، فمثلاً عند نقل موظفٍ من قسمٍ الى آخر، فلا يحتاج الى تدريبٍ طويلٍ ومنحنى تعليمي مزعج بعد سنين من الخبرة.
كذلك يجعل الإنفتاحُ التغذيةَ العكسية تسير بدون حواجزٍ وتجعلها مفيدةٌ وفعالة.
والمشاركة هي إعطاء الفرصة لقطاعٍ أكبر من العاملين في نقاش أمورٍ تتعلق بأدائهم ونتائجهم ودخولهم، وحتى أمورهم الشخصية من خلال آلياتٍ محددةٍ منتظمة، مثل إجتماعٍ إسبوعيٍ أو مجلةٍ دوريةٍ الخ..، وهذه من أهم سمات المؤسسة المستنيرة، وتعمق الحس بالإنتماء لدى العاملين وتغني المؤسسة بأفكارٍ خلاقةٍ مفيدةٍ جداً.
إنَّ إجتماعاً يُعقد بشكلٍ منتظمٍ يُشارك به عمال أحد خطوط الإنتاج ويعطوا الفرصة للحديث بكل حرية، ويتوصلوا بالتدريج الى أن ما يناقشوه في هذا الإجتماع يُولى أهميةً كبيرةً من قِبَل الإدارة، إنَّ هذا الإجتماع يتحول الى أداة توعيةٍ وإنتماءٍ مؤثرةٍ جداً، ووسيلةٍ فعالةٍ لحل كافة مشاكل هذا الخط ورفع سوية الأداء فية. إنَّ إجتماعاً كهذا كفيلٌ بأنْ يجعل هذا الخط، من الناحية العملية، يُدير نفسَه بنفسِه ويُصبح أداءه متميزاً من كل الجوانب وكذلك يُصبح عاملوه القاعدة الصلبة التي يصعد فوقها صرح المؤسسة المستنيرة.
4- آلية صنع القرار:
لا شك أن أهم ما تمتاز به آلية صنع القرار في المؤسسة المستنيرة هو البعد الكامل عن الإنفراد بصنع القرار وبالتالي جماعية القرار . وهذا مما ينجم عنه قراراتٌ أكثر صحةٍ وإحساسٌ عامٌ لدى الغالبية العظمى من العاملين بالإنخراط والمسؤولية تجاه تطبيق هذه القرارات.
و الحديث عن جماعية صنع القرار لا تعني تطبيق الديموقراطية، فلا يُعقل أنْ يتوقع أحدٌ من مؤسسةٍ إقتصاديةٍ أنْ تُمارس الديمقراطية بمعناها المفهوم والمعروف، ولكن يُمكن أنْ تُمارس بشكلٍ نسبيٍ أثناء إعداد القرار، وذلك بتوسيع دائرة التشاور وبالتالي ضمان دراسة وفهم القرار من قبل شريحةٍ واسعةٍ من الإداريين والاستفادة القصوى من آراء عدد كبيرٍ منهم. إن التشاور وإستقصاء الآراء يجب أن لا يؤخذ على أنة ملزمٌ (ما لم ينص النظام الداخلي على ذلك- مثل التصويت على قرارٍ في مجلس إدارة )، او أنَّ رأي الأكثرية يجب أن يُتَّبَع، فللإدارة حساباتها وإعتباراتها التي قد لا يعرفها الكثير من الإداريين.
ربما تبدو آلية صنع القرار في المؤسسة المستنيرة بطيئةٌ ومقيتةٌ بعض الشىء من وجهة نظر الإدارة العليا، وخصوصاً في البدايات، وقبل أنْ يعتاد القائمون على هذا الأسلوب، ولكن على المدى البعيد يصبح الأمر أفضل، فالوقت الإضافي " المهدور" في صنع القرار إنما هو إستثمارٌ في تثقيف أعضاء الفريق، وبناء مهاراتٍ وترسيخ عاداتٍ ديمقراطية وتعميق روح الفريق وبالتالي فهو ليس هدراً.
5-النتائج:
يُعنى العاملون في المؤسسة المستنيرة عنايةً شديدةً بالنتائج . فالنتائج هي التي يُقَيَّمُ من خلالها الاداء العام للمؤسسة. إلا أنهم يولون المجهود ايضاً عنايةً كبيرة . وقد يبدو هذا متناقضاً.
فأنْ تكون المؤسسة موجهة نتائجياً (
Result Oriented
) يعني أنها تهتم بالنتائج بالدرجة الأولى، كأنْ يمر المسؤول أو صاحب المؤسسة على فرعٍ (مركزٍ ربحي) من فروع المؤسسة ويسأل عن الأرباح أو المبيعات أو الإنتاج مرةً بالشهر. بحيث لا يكترث للكيفية التي أُدير بها الفرع طوال الشهر.
أما أن تكون المؤسسة موجهة حسب المجهود (
Effort Oriented
) فربما، على عكس ذلك تقريباً، يتم التركيز على الجهد المبذول للحصول على النتائج المرجوة، فإذا أُعتبر ذلك كافياً فلا بأس إنْ كانت النتائج قد قصرت عن المطلوب.
إنَّ المؤسسة المستنيرة والعاملون بها يولون النتائج أهميةً كبيرةً ويعتبرونها مقياس الأداء الأهم لعملهم، وكذلك يولون المجهود المبذول لتحقيق هذة النتائج أهميةً كبيرةً أيضاً ويثمنونه ويعملون على تطويره والتعاون فيما بينهم على دعمه بشتى السبل، وهم بالتالي لا يعتبرون الإخفاق نهاية العالم، إنما فرصةً للتعلم وإستنتاج الدروس (
fail more often to succeed sooner
)
.
فهذا يعني أن المؤسسة المستنيرة موجهة نحو العناية وتوجية الجهد العام نحو النتائج والمجهود كليهما.
وهذا بحد ذاته يجعل المؤسسة، بالتدريج، محصنةً أكثر وأكثر تجاه الأخطاء والإخفاق وبالتالي الحصول على نتائج أفضل ناجمةٍ عن نظامٍ قويٍ وأداءٍ ممنهجٍ وليست بالصدفة. والنتائج المنشودة تشمل جميع جوانب النشاط العام للمؤسسة مثل الإنتاج والمبيعات والجودة والتكلفة بالنسبة لمؤسسةٍ صناعيةٍ، كما تتعدى ذلك الى جوانب أخرى مثل تخفيض نسبة الغياب ونسبة الدوران، وكذلك الأرباح الخ. .
و لا يقصد بالنتائج دائما النتائج النهائية كالأرباح السنوية أو النتائج الشهرية والربعية، إنما كل ما يتعلق بقياس الاداء لأي فترةٍ زمنية؛ مثل كميات الإنتاج ليومٍ محدد، مبيعات إسبوعٍ معين، أرباح الربع الثاني من السنة الخ.. ويجب أن تكون النتائج - كما تظهر في التقارير - دقيقة . ويظهر فيها الجانب السلبي مثلما يظهر الجانب الإيجابي. ففي المؤسسة المستنيرة يشجع العاملون على أن لا يخجلوا من طرح مشاكلهم أو التصريح عن عدم تمكنهم من تحقيق النتائج المطلوبة . وهم على أي حال، لا يزيفون النجاح. ومواجهة النتائج الغير مقبولة بشجاعة وعدم محاولة إخفائها، يشكل الخطوة الاولى نحو تصحيح الوضع والتوصل إلى النتائج المطلوبة وبسرعة. أما إخفاء النتائج السيئة ومحاولة تجميلها وتبرير أسبابها، فيؤخر بدء عملية التصحيح وبالتالي يتم هدر وقتاً ثميناً، يسبب إستفحال المشكلة بحيث يصبح حلها أصعب ويحتاج إلى وقت أطول.
6- التواصل مع المجتمع المحلي:
يسعى العاملون في المؤسسة المستنيرة إلى خلق انطباع إيجابي عن مؤسستهم وسمعة طيبة في اوساط المجتمع المحلي. وذلك من خلال التواصل المستمر مع هذا المجتمع، على الرغم من أن هذا الأمر يبدو ظاهريا لا علاقة له بجهد المؤسسة المُكرس لتحقيق غاياتها إلا أنَّ الحقيقة، أنَّ وجود تواصلٍ قويٍ ناتجٍ عنه سمعةٌ طيبةٌ وإنطباعٌ إيجابيٌ يساعد المؤسسة بصورةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة في كثيرٍ من الأمور، من أهمها زيادة الإقبال على العمل فيها وبالتالي إمكانية جذب نوعيةً أفضل من العاملين وكذلك، في حال كون المؤسسة تطرح إنتاجها أو خدماتها في الأسواق المحلية، زيادة الإقبال على خدماتها ومنتجاتها . كما أن التواصل الناجح يسهل إنجاز الكثير من المعاملات الرسمية وغير الرسمية في دوائر الدولة والقطاع الخاص .
ويقوم هذا التواصل على أساس قناعةٍ مترسخةٍ في ثقافة المؤسسة، يَعتبر، بناءاً على ذلك، جميعُ العاملين أنفسهم غير منسلخين، وبالتالي فهم جزءٌ من مجتمعهم وعليهم التفاعل معه من خلال المشاركة بكافة النشاطات والمناسبات . وكذلك دعوة ممثلين عن المجتمع للمشاركة في نشاطات المؤسسة، بحيث تغتنم هذه الفرصة للاستماع لهم والتعلم منهم.
كما أن التواصل مع المجتمع المحلي ينعكس إيجاباً على العاملين فيجعلهم أكثر إنتماءاً وأكثر فخراً بهذا الإنتماء.
7- الثقافة:
تسود المؤسسة المستنيرة ثقافةٌ إيجابيةٌ توفر جو عملٍ بنّاءٍ وإبداعيٍ ومريح. تجعل من العاملين جنوداً أصحاب قضية، ويحملون على كاهلهم مهام تحقيق أهداف المؤسسة وتطوير أساليب عملها والإرتقاء بمكانتها وتحسين أوضاع العاملين النفسية والمهنية والمادية. ووفق هذة الثقافة السائدة، لا يخجل أحدٌ أن يُفصح عن حاجته للمساعدة، أو أَنه حاول ولم يستطع، ولا يسعى لإخفاء فشله في جانب ما، وبكل تأكيدٍ لا يحاول خلق نجاحاً مصطنع . كذلك لا يبخل أحدٌ في تقديم المساعدة . بل يفعل ذلك بكل كيانه.
يفكر العاملون معاً بطرقٍ خلاقةٍ مبتكرةٍ بأساليب علميةٍ مثل العصف الدماغي، حيث لا يخجل أحدٌ من طرح أيَّةَ فكرةً حتى لو بدت سخيفة. لأنه واثقُ أن زملاءه لن يهزؤا منه، بل ربما حاول أحدهم أن يطور الفكرة قليلاً بحيث تصبح قابلة للحياة.
إنَّ الغرور والمكابرة من الأمور المُغَيَّبة تماماً، ويحل محلها التواضع والموضوعية وحب التعلم وحسن الإستماع. والإجتماعات لها أُسسها، فهي ليست مطولة، وتخلو من التكرار والنقاشات الحادة والتمترس لعدم التنازل عن الآراء والتمسك بمواقف قابلة للنقاش.
العاملون يُشجع أحدهم الآخر، ولا تصدر عنهم عبارات أو إشارات محبطة. وتقف الإدارة، في هذا السياق، كقدوة حية للجميع.
كما أن ثقافة اللوم والتقريع ورمي الأخطاء على الآخرين لا وجود لها في أوساط العاملين في المؤسسة .
يؤمن العاملون في المؤسسة المستنيرة بوجود مجالٍ للتحسين بإستمرار . وهم يسعون لذلك بالتعلم والنقاش والتطوير .كما تحتل الإدارة الناجعة للوقت موقعاً مركزياً في ثقافة المؤسسة بحيث تجعل الجميع يتمتع بحسٍ عميقٍ بقيمة الوقت، وقدرةٍ عاليةٍ على إستثماره والإستفادة منة كمورد.
لا يؤمن العاملون في المؤسسة بأنصاف الحلول ولا يرضون بها. ولا يقبلون بالتنازل عن مقاييس ومواصفات عملهم . كما أنهم يتبعون التعليمات والنظم بشكلٍ واعي.
الإيجابيات
وفي النهاية فإنه بإمكاننا إجمال الإيجابيات الناجمة عن خلق مؤسسةٍ من هذا النوع بثقافةٍ من هذا القبيل فيما يلي :
1-إنتاجية أفضل
في المؤسسة التي تُوفر بيئةً إنتاجيةً مؤاتية، ويعمل بها عاملون منتمون متعاونون فيما بينهم لحل مشاكلهم ولتكامل خبراتهم (التي قد تكون محدودة)، والذين يتعاملون مع مشاكلهم بشجاعةٍ ويتعلمون دروساً منها، ويحترمون الوقت ويحرصون على المواد المدخلة في الإنتاج وينظموا حركتها على أفضل وجه، في مؤسسةٍ من هذا النوع لا بد أن تكون الإنتاجية عالية، خصوصاً وأنَّ فِرَق العمل تعمل باستمرار متشاركةً ومتعاونةً على دراسة معيقات الإنتاج وإيجاد حلولاً لإزالتها، والعمل معاً على الإرتقاء بأساليب الإنتاج وطرق مناولة المواد وإستخدام الآلات ووسائل الإنتاج الإستخدام الأمثل.
و رفع الإنتاجية يتأتى من خلال رفع الكفائة الفردية للعاملين، بقدر ما يتأتى من رفع كفائة الفريق ككل، وتحسين قدرتة على العمل كفريق. ورفع الكفاءة الفردية، حتى بالنسبة للعمال الجدد، يُصبح قضيةً أسهل في المؤسسة المستنيرة، حيث يجد العامل الجديد التشجيع والدعم والتوجية من جميع زملائة.
و كذلك تكون كفائة الخطوط ( او الكفاءة الكلية ) أعلى في المؤسسة المستنيرة حيث قدرة العاملين في خط الإنتاج على العمل الجماعي المتناغم أفضل.
2- إنتاج أو خدمة بجودة عالية
تسود ثقافة المؤسسة مفاهيم وأساليب عمل تجعل من الجودة العالية هدفاً أساسياً غير قابل للمساومة ويسعى الجميع للوصول الى أهدافٍ محددةٍ مسبقاً في هذا المجال، من خلال تطبيق مفاهيم ثقافية مثل " العمل بلا أخطاء"
(
ZeroDefect
)،
وأسلوب ( منتج بجودة عالية من المحاولة الأولى ) (
(
First time right
.
هذه المفاهيم والأساليب وغيرها المعروفة والمبنية على قناعاتٍ متأصلةٍ في ذهنيات أعضاء فريق العمل كافة تضمن بكل تأكيد، جودة عالية بمجهود معقول وتكلفة أقل متدنية، مع تقليل الهدر في المواد وساعات العمل.
3-هدر أقل للوقت
إن الوعي المتفشي في أوساط المؤسسة المستنيرة ينجم عنه حالةً من التفهم الأفضل للوقت، والتعامل الأكفأ معه، كما أن الوعي والإنتماء والنزاهة تجعل إضاعة الوقت المتعمد، سواءٌ كان ذلك بإستضافة ضيوفٍ شخصيين في مكان العمل أو إجراء مكالماتٍ هاتفيةٍ شخصيةٍ طويلةٍ، أو إضاعة الوقت في أحاديث جانبية أمراً لا وجود له او قليلاً جداً. وبالتالي فإنَّ معظم وقت العمل يُخصص لتحقيق غايات العمل، بل ويُستخدم إستخداماً أكفأ، سواءٌ في إنجاز ألأنشطة المختلفة او في ألإجتماعات .
4-هدر أقل للمواد
يعي العاملون في مؤسسةٍ من هذا النوع الأبعاد المترتبة عن الهدر والإستخدام الجائر للمواد، وبالتالي فهم حريصون على الإستخدام المقنن للمواد الأساسية الداخلة بالانتاج واكسسواراتها، والحفاظ عليها بالتخزين السليم والحركة المنظمة وفق أنظمةٍ وتعليماتٍ محددة.
وتولى مواد التغليف كذلك الأهمية التي تستحق، بحيث تُستهلك بالقدر المطلوب حسب المواصفات والمقاييس المقررة مسبقاً من قبل قسم التصميم في المصنع او أي قسم مناطةٌ بة هذة الوظيفة، وهذا يوفر مبالغ طائلةٍ على المؤسسة، كما يجعل إمكانية توريد طلبيات كاملة للزبائن أكبر.
إنَّ نشر ثقافةٍ ينجم عنها إنعدام الهدر، يعني شراء كل مادة على قدر الإحتياج دون زيادة لتعويض النقص المفترض. وهذة الزيادة سواءٌ إستخدمت لتعويض المهدور ام لم تستخدم، لعدم وجود هدر، تعتبر خسارةٌ لأنها لن تفيد بشيء، بل غالباً ما تعتبر عبئاً تخزينياً على المؤسسة. وهذة النسبة كثير ما تصل الى 10% او أكثر في بعض المؤسسات.
كما أن الحفاظ على المواد وضبط إستهلاكها لا يقتصر على مدخلات الإنتاج، بل يتعداها الى القرطاسية وقطع الغيار وجميع المواد المساعدة الأخرى.
5- ربحية أعلى للمؤسسة
في مؤسسةٍ ينجح العاملون فيها بتقليل هدر المواد والتقليل من إضاعة الوقت الى الحد الأدنى ويسعون أيضاً الى رفع كفاءتهم في العمل والتقليل من التوالف في الإنتاج، في مؤسسةٍ كهذة وبأداءٍ كهذا لا بد أنَّ الربحية تصبح أعلى.
كما أنَّ حرص العاملين في المشتريات يجعلهم، كأشخاص منتمين، يسعون الى الحصول على المواد بأقل الأسعار وهذا يجعل الربحية أكثر فأكثر.
إلا انه يبقى من اهم أسباب الوضع المالي المتين للمؤسسة المستنيرة هو شيوع النزاهة بين موظفيها.
و بما أن بقاء وثقدم أي مؤسسة يعتمد الى حد بعيد على ادائها المالي، فإن هذة الايجابية تحتل اهمية خاصة، وإذا إستطاع شخصٌ ما أن يبني مؤسسةً مستنيرةً لا تحقق أرباحاً لأصحابها وللعاملين بها، فربما كان في نيتة بناء معسكراً كشفياً لا يدوم أكثر من صيفيةٍ واحدة.
6-استقالات أقل : (تدوير منخفض)
Low turn over
ينجم عن الأجواء الإيجابية السائدة في المؤسسة المستنيرة المتمثلة في تغييب الظلم وتشجيع الإبداع والترابط الأُسري، وتُوفر المناخ الملائم لتحقيق الطموحات الفردية للعاملين وأُموراً أُخرى، ينجم عن ذلك رغبةً أقل لدى العاملين في انْ يسعوا الى تحسين أوضاعهم الفردية بالبحث عن فرص عملٍ في مؤسساتٍ أُخرى، وبالتالي البقاء لفتراتٍ أطول في المؤسسة.
وينجم عن هذا الإحتفاظ بالكفاءات والخبرات لفتراتٍ أطول، وبالتالي توفير مصاريفٍ وجهودٍ ووقتٍ في تدريب عاملين جدد. كما يُعمق ويديم ثقافة المؤسسة ويجعل ذاكرتها الجماعية أكبر وأشمل.
و على عكس ذلك تجد في المؤسسات التي تعاني من نسبة دورانٍ عالية، إنعدام تكون شخصية خاصة بالمؤسسة ناهيك عن إمكانية تَشَكُّل ثقافة.
7-حالة نفسية أفضل لدى العاملين
في هذه الأجواء التي تسودها الطمأنينة والتكاتف والتشجيع المتبادل، يتمتع العاملون بحالةٍ نفسيةٍ أفضل، الأمر الذي ينجم عنه مزيدٌ من العطاء المبدع والإنتماء الواعي والإخلاص في العمل.
إنَّ العاملين في مؤسسةٍ ما يستطيعون، جماعةً، انْ يُحَوِّلوا مكان عملهم الى جنة أو الى.. جحيم . والفرق بين الإثنين كبير.
ففي الحالة الأولى، يكفي القول، انَّ العاملين عادةً ما ينتظرون بزوغ الصباح وبدء الدوام ليذهبوا الى عملهم بكل قواهم الجسمانية والعقلية والذهنية .
اما في الحالة الثانية حيث يسود جو النكد الناجم عن إدارةٍ سيئةٍ وموظفين متناحرين وأجواء مسممة، فإنَّ الموظف يصحو في بيته كل صباح متخيلاً صوت السجان ليقوده الى حبل المشنقة.
8- دخل أعلى للعاملين
يجب أنْ لا يغيب عن ذهن أحد أنَّ العاملين إنما يغيبون عن بيوتهم ساعاتٍ طوال من أجل الحصول على دخل. وهم دائماً يتمنون أنْ يكون أكبر قليلاً أو كثيراً . وبالتالي فإنَّ كل برامج التوعية والتثقيف والمعاملة الحسنة لا يمكن أن تخلق الحس بالإنتماء لدى موظفٍ لا يغطي راتبه مصاريفه . ولذلك فإنَّ أهم إنعكاسات ونتائج بناء المؤسسة المستنيرة هو زيادة دخل العاملين وذلك بزيادة الراتب الأساسي وزيادة الحوافز وغيرها من العلاوات وذلك نتيجةً لزيادة أرباح المؤسسة ومساهمة العاملين في ذلك.
وهذا يعني أن يحصل العاملون على حصتهم في الارتفاع في أرباح المؤسسة . وهذا عين العدل.
و لا يمكن أن يتوقع أحدٌ من مؤسسةٍ لا تحقق أرباحاً أن تسعى الى زيادة دخول عامليها وإنْ تغيرت إدارتها الى إدارةٍ تتعاطف مع العاملين وإحتياجاتهم، إلاّ ضمن نطاقٍ ضيقٍ جداً. ولا بد هنا – أي ضمن عمليةٍ تصحيحيةٍ تحت إدارةٍ جديدة -من ربط المشكلتين معاً والسعي جميعاً الى تحسين الوضع العام ضمن برنامج يسودة التفاهم.
9- تطوير مستمر لأساليب العمل
يتصف فريق عمل المؤسسة المستنيرة بالديناميكية، متحررين من الجمود في نظرتهم إلى أساليب العمل ( وكذلك أساليب الإنتاج وأُمورٍ أُخرى ) . وهم بذلك يسعون باستمرار لتطوير أساليب عملهم بحيث تتماشى مع المتغيرات وروح العصر، ساعين بذلك لإفراغها من أي معيقات، مبتعدين عن البيروقراطية، وهذا التطوير يأتي من خلال ما يعرف ببرنامج "التطوير المستمر
(
CIP
)
الذي يُشكل جزءاً عضوياً من ثقافة وأسلوب عمل المؤسسة .
إلا أنه هنا يجب التحذير من التغييرات السريعة المتلاحقة، التي تخلق تشويشاً لدى العاملين وتضعفثقتهم بالنظام وتجعل إستقبالهم لأي فكرةٍ جديدةٍ بارداً .
إن التطوير المستمر يتطلب مداولاتٍ متواصلة ضمن ما يعرف
(
Think Tank
)
وكذلك يتطلب من المشاركين بعملية التطوير سعة الإطلاع من خلال القراءة وغيرها وكذلك دراسة تجارب الآخرين. ومن المهم هنا كذلك تشجيع التفكير الإبداعي والتغذية العكسية وإحترام آراء الجميع بدون استثناء، وإعطاء طروحاتهم مهما بدت بسيطةً أو هزيلةً وزناً مناسباً .
10- تطوير مستمر للمنتجات وأساليب الإنتاج
ضمن أجواء عمل وثقافة المؤسسة التي تتصف بالإنفتاح يسعى العاملون جميعاً إلى تطوير منتجاتهم وخدماتهم التي يقدمون، معتمدين على المعلومات الدقيقة والتي تصل أولاً بأول، من العاملين بالميدان وهم موظفو المبيعات والتسويق (والدراسات إن وجد) بحيث يُصبح همُّ التطوير هذا، مُلقى على عاتق الجميع، وليس على عاتق الإدارة او على عاتق دائرةٍ مختصةٍ بالتطوير، قد تكون منغلقةً على نفسها لا تتواصل مع أحد.
في هذه الأجواء يكون التطوير مناسباً، أي كما يريده أو يتمناه المستفيد النهائي، وكذلك يكون توقيت هذا التطوير مناسباً، ويكون أقل كلفةً ويكون تدريجيا وغير مؤلم.
11- علاقة أفضل مع المجتمع المحلي.
تُملي ثقافة المؤسسة المستنيرة على العاملين فيها أن لا ينفصلوا مع مجتمعهم المحلي ويقيموا أفضل العلاقات مع مؤسساته، ويستفيدوا من إنتقاداته ونصائحه، وهذا يترك المؤسسة في موقعٍ تتمتع فية بشعبيةٍ كبيرةٍ، مما ينجم عنه إقبالاً اكثر على العمل في هذه المؤسسة وإقبالاً أكبر على منتجاتة.
12- موائمة أفضل لمتطلبات الزبائن
في المؤسسات القائمة على التصدير وخصوصاً للزبائن في الدول الغربية، تحتل الموائمة لمتطلبات الزبائن (
(Compliance
ركناً أساسياً في إستمرار العمل مع هؤلاء الزبائن بالإضافة الى الجودة والتوريد في المواعيد المطلوبة.
والمؤسسة المستنيرة تمثل الهدف النهائي لهؤلاء الزبائن في الموائمة من النواحي القانونية والصحية والبيئية والإجتماعية . ولا تحتاج الى أي جهدٍ يذكر عند التعرض لعمليات التقييم التي يجريها الزبائن
(
(Evaluation
فكل شئٍ معدٌ ومرتبٌ حسب ما تتطلبه مواصفات الزبون دون أن يكون معدا أصلاًً لهذه الغاية . وهذا ينطبق أيضاً على الموائمة مع قوانين محلية، مثل الدفاع المدني والصحة المهنية وقانون العمل الخ...
وهذة إيجابيةٌ مهمةٌ للمؤسسة المستنيرة، فبينما تجد كثيرٌ من المؤسسات صعوبةً في الحصول على موافقة مندوبي الزبون عند إجراء التقييم، الذي ربما يتكرر مراراً حتى تأتي هذة الموافقة، فتجد الإدارة نفسها وقد "إضطرت" لتطبيق كثيراً من متطلبات المؤسسة المستنيرة وخصوصاً المحسوسة منها (
physical
) وبصورةٍ أكثر كلفة، وبإمتنانٍ أقل من العاملين لأنها لم تعدل من أجل راحتهم.
السلبيات المحتملة
إنَّ محاولة دراسة السلبيات المحتملة للمؤسسة المستنيرة قضيةٌ شاقة، فلا يكاد يكون هناك سلبيات في حال بناء مؤسسة مستنيرة بشكلٍ ناجحٍ، ولكن قد لا يخلوا الأمر من بعض السلبيات التي قد تظهر أثناء عملية التحول او في حال وجود خطأ في التطبيق، مثل:
1-التسيب
في ظل غياب ثقافة عمل أو إعتياد العاملين على ثقافاتٍ سلبيةٍ مغايرةٍ قد ينجم عن محاولة تغيير أنماط التعامل سلوكٌ مغايرٌ للمتوقع، يظهر على شكل تسيبٍ وعدم إنضباط.
وهذا يتطلب متابعة حثيثةً من قبل الإدارة لتمييز هذه الحالات الشاذة التي تستغل الجو الأسري الجديد في المؤسسة وكأنه دعوةٌ للتلكؤ وعدم التدقيق وقلة الإكتراث ومزيدٌ من الإتكالية.
وهنا يجب أنْ نُنَوِّهَ أنَّ مؤسسةً من هذا النوع تحتاج الى إدارةٍ حازمةٍ بقدر ما هي رحيمةٌ ومتفهمةٌ وصبورة . وهذا يتأتى بالتمييز بين أنواع الأخطاء الناجمة، ومع إفتراض حُسن النوايا تكثف حملات التوعية والتوجية، مع التأكيد دائماً على نتائج أفضل، وعدم الإكتفاء بأقل من المطلوب
target
أ
بداً. إنَّ التسيب ظاهرةٌ عادةً ما تعيش قصيراً؛ فإما أنْ تقضي على المؤسسة وتنتهي بنهايتها، أو تجد من يجتثها من أوساط العاملين وينقذ المؤسسة. وهذا يتحقق بالحزم والتوعية وتعزيز الإنتماء.
2-الشخصنة
إنَّ طول العهد من التزامل في مؤسسةٍ تسودها العلاقات الأُسرية يجعل هناك علاقةٌ شخصيةٌ خاصةٌ تنشأ بين الزملاء، إما انْ تكون صداقةً قويةً أو خصومةً متجذرة .
وهذا عادةً ما يكون له إنعكاسه على العمل وخصوصاً في أجواءٍ تُشجع العمل الجماعي والتداول والتشاور والتعاون .
وهنا يأتي دور التوعية وتشجيع الفصل بين العلاقة الشخصية والمهنية . وكذلك يقظة الإدارة وإنتباهها من أن لا تتحول بعض فرق العمل الى دوائرٍ مغلقةٍ لا تعرف عنها شيئاً وبالتالي يصعب عليها وضع حلولاً لمشاكلها، كما يصعب معرفة وجود هذة المشاكل في بداياتها، حيث يسهل وضع الحلول وإمكانية القضاء على المشكلة سريعاً أكبر.
و أخطر ما في هذة السلبية هو صعوبة العلم بوجودها وذلك لعدم الإفصاح عنها من قبل ايٍّ من العاملين. وهي من الظواهر الصعب قياسها وخصوصاً إذا وجدت في أوساط فئةٍ مثقفةٍ من العاملين الذين، غالباً، ما لا يظهرون مشاعرهم عياناً. وكذلك فإن التعامل معها أمراً مقيتاً وثقيلاًعلى الإدارة، ولهذا ولأسبابٍ أُخرى كثيرةٍ يُستحسن العمل من البداية على أن لا تحصل أبداً. ويتم هذا بالإبتعاد عن التمييز بين الزملاء والأقسام والتعامل العادل مع جميع الأفراد والجماعات، وعدم القيام بمايثير التحاسد بين الزملاء. وكذلك بالحرص على التواصل الداخلي ضمن المؤسسة، وإتباع مزيد من البرامج التي تُعزز ذلك مثل برامج التعايش والمشاركة وعقد الندوات وورش العمل المشتركة بين الأقسام. وبإتباع الوسيلة الأهم وهي التوعية.
3-صعوبة التخلص من العناصر الغير منتجة
إنَّ طبيعة العلاقات السائدة بين العاملين في المؤسسسة المستنيرة تُنشئ روابط عاطفية بينهم بما في ذلك بين الإداريين والعاملين معهم وهذا الأمر يجعل التخلص من العناصر المقصرة والغير منتجة أمراً صعباً.
وإنْ كان النهج المتبع في المؤسسة المستنيرة إعطاء العاملين فرصاً متعددة وإمكانية (إصلاحهم)، إلا أنه لا يخلو الأمر من حالات تتطلب البتر، وفي هذه الحالة فإِنه سوف يكون بتراً مؤلماً قد يترك ردود فعلٍ لدى جزءاً من العاملين .
إن الأمر يتطلب حزماً من قِبَل الإدارة، على الرغم من ردود الفعل، لكي لا تتحول المؤسسة الى دائرةٍ حكوميةٍ أو جمعيةٍ خيرية.
4- تقبل نتائج أقل من المتوقع
في الأجواء الودية السائدة بين العاملين في المؤسسة المستنيرة، وخصوصاً بعد مضي وقتٍ طويلٍ على تأسيس المؤسسة، فقد تفرض طبيعة العلاقات السائدة على بعض الإداريين في مواقع المسؤولية تَقَبُّلَ نتائج أقل من المتوقع مجاملةً، الأمر الذي يؤدي الى إنحطاطٍ تدريجيٍ في الأداء العام، وهذا قد يُدخل المؤسسة في مرحلة الشيخوخة .
إنَّ نظام المتابعة القوي العلمي الحثيث، الذي يشمل تقييم كافة النشاطات بشكلٍ يوميٍ وأسبوعيٍ وشهريٍ وسنويٍ يُشكل نظام تصحيحٍ ذاتيٍ للمسار، بحيث يُحَذِّرَ من أي تدنٍ في الأداء، كما يُشكل شبكة أمان تحمي المؤسسة من إنحرافٍ من هذا النوع .
5-عدم الإفصاح عن السلبيات في حينها
إنَّ العلاقات الشخصية الممتدة عبر حقبةٍ طويلةٍ من الزمن بين الزملاء قد تجعل من الصعب عليهم الإفصاح عن التقصير والاداء السلبي. وهذا الأمر يُحَلُّ بالتوعية ضد الشخصنة والتشجيع على تقبل النقد والمتابعة القوية من الإدارة .
بناء الأرضية
إنَّ من أهم شروط تحقيق مؤسسةٍ من هذا النوع هو رغبةٌ صادقةٌ وقويةٌ لدى القائمين عليها، مقرونةٌ بقناعةٍ عميقةٍ بهذه الفلسفة . وهذا ربما تم إختصاره بشخص المدير الذي يُمثل أعلى منصب تنفيذي بالمؤسسة، كالمدير العام أو الرئيس، الذي يجب أن يتوفر فيه، بالإضافة الى الرغبة والقناعة المقدرة، كقائدٍ، على التأثير على الآخرين وتوجيههم وبالتالي نشر هذه القناعة في أوساط العاملين معه وخصوصاً مساعدية وبقية الإدارة العليا بالمؤسسة. إن مؤسسةً من هذا النوع تحتاج الى قائدٍ يتصف بالقوة والحزم بالإضافة إلى حبه للناس وعمل الخير.
فالقوة والحزم ضروريان لكيلا تتحول المؤسسة المستنيرة الى جمعيةٍ خيريةٍ أو فرقةٍ كشفية . فيتوجب عليه إدراك وتمييز الخيط الرفيع الذي يفصل بين البيئة الخلاقة التعاونية المتكاملة المتعاضدة السعيدة وبين البيئة المتسيبة المنفلتة.
إنه أسهل بكثيرٍ تأسيس مؤسسةٍ جديدةٍ على هذا النمط وهذة الثقافة من تحويل مؤسسةٍ قائمةٍ تسودها ثقافات سلبية. الأمر الذي قد يتطلب القيام بعملياتٍ جراحية مؤلمة لإجراء هذا التحول في الثقافة، وكذلك التضحية بوقتٍ طويل وتقديم جهدٍ كبيرٍ، وقد تتدنى أثناء العملية الإنتاجية الى قريبٍ من الصفر، بل غالباً ما يصاحب عملية الإصلاح، وخاصةً في بدايتها، تراجعٌ في الأداء العام.
كما أنَّ على قائد المؤسسة أن يُحسن إختيار مساعديه وأعضاء الإدارة العليا، بحيث يكون لديهم إستعدادٌ طبيعيٌ للعمل في مؤسسةٍ من هذا النوع ويمتلكون الحد الأدنى من القناعات بها وبمنهجها، ويتحملون أعباء بناء ثقافةٍ من هذا النوع.
كما يجب أنْ يتحلوا بالصفات المطلوبة مثل الإنخراط في عمل الفريق والبعد عن حب السيطرة والدكتاتورية، ولديهم القدرة العالية على توجيه الآخرين وإقناعهم ومتابعة الأداء العام بشكلٍ يضمن بقاء هذه الثقافة وتنميتها، والأهم من هذا كلة أن يشكلوا القدوة والنموذج الذي يتصف ويعمل ويتصرف من وحي الثقافة المُراد نشرها، وهي الثقافة المستنيرة.
وهذا ينطبق على الإدارة الوسطى، وعلى الطاقم الإشرافي الذي يجب أن يخضع أعضاءة الى تدريبٍ شاملٍ يطور من مهاراتهم الإدارية والفنية، ويوجههم نحو العمل الجماعي والتدرب على العمل في أجواء المؤسسة المستنيرة والتخلق بأخلاقها والتشرب بثقافتها.
كما يجب أن يتم توجية عمال المؤسسة أثناء التدريب، وتوعيتهم وتنمية الحس بالإنتماء لديهم، واعطائهم الإحساس بأنهم جزءٌ من الفريق، وجعلهم يفخرون بعملهم ويحبونه.
ثم يُتوج هذا الجهد بوجود نظام "مشاركةٍ بالأرباح" إما على شكل حوافزٍ شهريةٍ تُحتسب وفق قوانين واضحةٍ ومعروفةٍ وغير قابلةٍ للتغيير مزاجياً، وتكون واضحةً ومفهومةً من قبل جميع العاملين، أو بالمشاركة الفعلية للأرباح وذلك بتوزيع نسبةً من الأرباح سنوياً.
كذلك فإنَّ الثقافة السائدة تمنح الموظف حداً مقبولاً – غير مطلق، كما هو الحال في الدوائر الحكومية - من الأمان الوظيفي، وهذا له وقعٌ لا يخفى على أحدٍ على حالة الموظف المعنوية والنفسية وأداءه . كما أن وجود نظام تأمينٍ صحيٍ للموظف وعائلته، وخدمات أُخرى مثل صندوق إدخار وصندوق إسكان وخدمات قروضٍ ميسرةٍ ولفتةٍ من الإدارة تجاه أي موظف يتعرض لحاجة من يقف الى جانبه مادياً ومعنوياً.
إن هذا النهج لا شك يولد انتماءاً لا مثيل له ويجعل العطاء غزيراً، كما أن سياسة المشاركة بالنقاش والتداول في الأمور والإنفتاح المعلوماتي (الأفقي) تجعل من العاملين في أغلبهم فريقاً متجانساً قوياً متعاضداً يكمل بعضه بعضاً، يتشارك في حل الإشكالات ويعمل بإخلاصٍ وكفاءةٍ عالية . هذه خلية نحلٍ واعية.