لنتعلم الإدارة من التراث العالمي - 11 - القوانين وهامش الحرية
 
 



إعتاد الباحثون والمدونون والكتاب، في جميع الثقافات، على توثيق وتخليد إقتباسات منقولة عن أصحاب الفكر والتجربة تتضمن حكمة وتقدم دروس ذات فائدة عظيمة.  هذه الإقتباسات أضحت موروث كبير يغني الثقافات ويضيف قيمة عظيمة  للبشرية جمعاء.  الإقتباسات الواردة في سياقنا هذا تتعلق بالإدارة ومنسوبة لباحثين وممارسين إداريين، نطق بها أشخاص لديهم المعرفة في سياق كتاب او مقالة او خطاب.  سنقوم، تباعاً بتناول إحدى هذه الإقتباسات بالشرح والتعليق بما يناسب خصوصية أوضاعنا، في منطقتنا العربية، وطبيعة إحتياجاتنا.

                                                                                    

-11-

القوانين وهامش الحرية

 

“...every time you make a rule you take away a choice and choice, with all of its illuminating repercussions, is the fuel for learning.”
?
Marcus Buckingham , First, Break All the Rules: What the World's Greatest Managers Do Differently

تماماً كما في السياسة والدين، هناك مذاهب في الإدارة.  وبعض هذه المذاهب قد لا يروق للبعض، وبعضها قد يناسب مجتمعات دون مجتمعات، إعتماداً على مدى تطور هذه المجتمعات وعلى طبيعة الثقافات السائدة في أوساطها.

المقولة المقتبسة والمدرجة أعلاه تنتمي إلى مذهب يمارس بعض التطرف في طروحاته الإدارية، قد لا نستسيغ مضامينها ولكنا لا نستطيع أن ندمغها كطرح غير مقبول أو خاطئ. هذه المقولة منسوبة إلى الكاتب ماركوس بكنجهام وهو كاتب أميريكي وهو صاحب توجه يدعو إلى الإقلال من سن القوانين وفرضها وترك المدراء والمسؤولين يجتهدون، وقد أوضح ذلك في كتابه " حطم جميع القوانين ".

إن منح هامش حرية واسع يمكن المدراء من الإبداع وإتباع الطرق التي تناسبهم في إنجاز أعمالهم، وهذا ينعكس على النتائج فهناك فرص أكبر للخروج بنتائج متميزة بالحجم والنوع.  هناك أكثر من طريقة للقيام بأي عمل. هذا إعتقاد حديث حل مكان إعتقاد قديم بأن هناك طريقة واحدة مثلى للقيام بعملٍ ما، وبالتالي ينبغي معرفتها والتمرس عليها والتقيد بها.  , وهذه الطريقة يحددها قانون أو تعليمات، وهذا القانون أو التعليمات تحدد مسار وكيفية القيام بعمل.   وهذا يعني أن إتباع أي طريق آخر سيؤدي إلى نتائج مختلفة وغير مقبولة.  الإعتقاد الحديث، والذي ينتسب إليه معظم الباحثين اليابانيين، يؤكد على أن الإنسان قادر على إيجاد طرق تناسب الظرف والإمكانات والموارد ونوع العوائق والمحددات الزمنية والكلفية الموجودة.  وهذا يتطلب الحد من المعيقات التي تفرضها القوانين، من خلال الحد من القوانين.  هذا الطرح – في هذا السياق – يبدو مقبولاً، خاصة مع وجود المدراء المقتدرين والفريق المتكامل المتعاون والذي يملك المهارات المطلوبة للقيام بالعمل. 

أما طرح إلغاء القوانين بالمطلق، فلا نجد أنفسنا إلا مضطرين أن نتحفظ عليه تخوفاً من إشاعة الفوضى وإضاعة الوقت في إجتهادات قد تتناقض وتتعارض مع ما يعمله الزملاء وأعضاء الفريق الآخرين.  تجميد القوانين يعني إعادة إكتشاف أمور أساسية في كل مرة نقوم بالعمل نفسه، وهذا مضيعة للجهد والوقت.

تغييب القوانين قد يكون أكثر فائدة في عمل فرق أو لجان مكلفة بإيجاد حلول إبداعية أو التوصل إلى إبتكارات جديدة، فالقوانين تحد من فرص التوصل إلى إبتكارات وتطوير أساليب جديدة.

لا يجوز، في الجانب الآخر، أن نسمح للقوانين أن تتحول إلى قيود، مما يعزز البيروقراطية ويتسبب في تراجع كفاءة الأداء العام والحد من التحسين والإرتقاء والإبتكار.

إن دعوة ماركوس لتحطيم القوانين لا يمكن القبول بها في مجتمعاتنا، حيث القدرات الإدارية والمهارات المرتبطة بها غير كافية، ولكن أيضاً لا يمكن السماح بتسخيفها فهي تتضمن توجهات حديثة، قد يأتي زمن قريب تصبح فيه مقبولة تماماً.

                                                                                       نديم أسـعد    

 
 

 


تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل

 

Counter