يقاس أي عمل بمقياسين أساسيين وهو مدة إنجازه ومدى مطابقته لما صنع من أجله-أي الجودة. وهذا ما يعطي أهمية خاصة لمهارة العمل بسرعة.
لذلك فإن التمرس على هذه المهارة مفيد ومريح وله جوانب إجتماعية. هناك مثل شعبي يقول " كل مثل الجمال وقم مثل الرجال "، ففي الولائم، من المحرج للمرء أن يستمر في الأكل حتى النهاية، فينصح المرء أن يتعلم الأكل بسرعة – مثلما تأكل الجمال – لكي ينتهي بسرعة ولا يتعرض لحرج. وإذا بقينا في مجال الأكل، فإن الفرق بين الشخص السريع والبطيء لا يقل عن نصف ساعة في وجبتين كل يوم. أي أنه يهدر 15 ساعة في الشهر، أو 180 ساعة في السنة، أو 900 ساعة في 50 سنة. وهي مدة زمنية ليست بالقليلة. ويمكن أن نرى أنها أكبر من ذلك بكثير إذا ما إحتسبنا الوقت المهدور يومياً في طقوس أخرى مثل قهوة الصباح والحمام وإرتداء الملابس وغير ذلك. فالعمل بسرعة .. يطيل العمر!.
إن مهارة العمل بسرعة لها أبعاد حضارية ولها دلالات عميقة فهي تنم عن تقدير الفرد الوقت وإحترامه. وبتقديري، لا يوجد ما يسمو على هذه القيمة كمؤشر حضاري. لذلك ينبغي علينا جميعاً أن نتمرس على العمل بسرعة سواء كان الواحد منا مديراً أو ربة منزل أو سكرتيرة أو عامل إنتاج أو مزارع .. جميعنا نتفق على أهمية الوقت، أو هكذا يفترض.
كيف نتمرس على العمل بسرعة:
العمل بسرعة حالة ذهنية بالدرجة الولى فالأمر يتطلب قراراً بعدم هدر الوقت والإنجاز السريع والتمرس على ذلك. كما يتطلب تنمية القدرة الضرورية لذلك.
كنت أضرب مثلاً بالعمل بسرعة بالفران، الذين كان يعمل بالأفران ما قبل الآلية، كان الواحد منهم يحرك كل عضلة في جسمه لساعات طويلة، يذرف فيها كميات كبيرة من العرق، يفعل هذا على الرغم من أن العمل مرهق ومتعدد المهام، فقد كان يتضمن رق العجين ووضعه داخل بيت النار وإخراجه والتحدث مع الزبائن ومحاسبتهم. كنت أجد هذا يصلح مثلاً يحتذى به لإقناع المشاركين في الدورات التدريبية، ولكن قبل أسابيع حضر إلى منزلي كهربائي للقيام ببعض التعديلات وبعض اعمال الصيانة. أثار إعجابي الشديد لسرعته في الإنجاز، فتركت مشاغلي وبدأت أدرسه. لعل ملاحظاتي التي سجلتها تشكل جواباً للسؤال المدرج أعلاه، كيف نتمرس على العمل بسرعة؟.
من الواضح أن هذا الرجل كان لديه الدافعية والأسباب والرغبة بأن ينتهي من العمل بسرعة، كما كان واضحاً أنه معتاد على العمل بسرعة لأن عمله كان ممنهجاً ولم يحاول إختصار أي عمل.
أعتقد أن أهم أسلحته كانت معرفته الفنية العالية والتنظيم والتخطيط. فقد كان كهربائي جيد يمتلك الخبرة والمعرفة، أنجز كل شيء قام به بشكل صحيح، فلم يضطر لإعادة أي عمل أو أي جزئية. وكان منظماً؛ يعرف أين وضع كل قطعة عدة وأين ترك كل الأجزاء التي فكها، لم يكن يضيع جزء من الثانية في البحث عن شيء إحتاجه. وكان يعمل وكأنه لديه خطه، فقد كان دائماً يعرف الخطوة التالية، فلا يتردد ولا يتساءل. أي إنسان يمكن أن يكون مثل صاحبنا إذا:
أ-
تشكلت لديه الرغبة في السرعة، وإقتنع بأهميتها وكان لديه أسبابه.
ب-
إمتلك القدرة على أن يسرع، التي تتطلب مهارة فنية والتمكن من الأدوات ( إمتلاك الأدوات والقدرة على إستخدامها ) وتوفر بعض القدرات الذاتية، مثل اللياقة البدنية.
ت-
معرفة العمل، أي معرفة المطلوب وتسلسل خطوات إنجازه، وهذا قد يتطلب بعض التخطيط.
ث-
معرفة مكان العمل، بما في ذلك أدوات الإنتاج، حتى لا يضيع الوقت في الإستكشاف.
ج-
معرفة الفريق، في حال العمل الجماعي، معرفة أعضاء الفريق وإمكانات وطباع كل واحد منهم.
العمل بسرعة ثقافة
culture of speed
يمكن بثها وإعتيادها.
من أهم ما يعيق العمل بسرعة كثقافة ونهج هو الأعمال الخاطئة، حيث يضطر الشخص او الفريق لإعادة العمل
rework
. وهذا يتطلب التمرس على العمل بدون أخطاء من خلال التدرب على العمل الصحيح من المحاولة الأولى
first time right
، وهو نهج دعى إليه بعض الباحثين و يتطلب الإلتزام الكامل بجودة المخرجات بحيث لا يعاد عمل او جزء من عمل – أي لا يتم إصلاح أخطاء.
العمل الصحيح من المرة الأولى يخفض الكلف ويحسن الجودة ويرفع معنويات العاملين. وهذا يمكن تطبيقه بصورة نسبية من خلال التوعية والتدريب والتحفيز.
العمل بدون أخطاء والعمل الصحيح من المرة الأولى يمكن ان يصبح نهجاً شخصياً، فيصبح الشخص المتمرس على ذلك أسرع من ذي قبل في إنجاز أي عمل، كما يكسبه ذلك إحترام الزملاء والرؤساء.
نديم أسـعد