عندما تؤسس شركة، فإنها تؤسس لغايات محددة. وسواء كانت هذه الغايات موثقة ومعلنة أم كانت غير ذلك، فإن الشركة جاءت إلى الوجود وجميع نشاطاتها البنيوية في مرحلة التأسيس والعملياتية لاحقاً، مكرسة حول هدف إمتلاك القدرات والمهارات وتأسيس البنى التحتية ووضع النظم والإجراءات لتسهيل تحقيق هذه الأهداف. فينبغي أن لا يُشتت إنتباه وجهود وموارد القائمين على الشركة على قضايا وغايات أخرى، فهذا من شأنه أن يصرف جزءاً من قدرات المؤسسين على أمور غير التي أسسوا الشركة من أجلها، وهذا سيتسبب ، في الغالب، بالخروج بتركيبة خداج، غير مكتملة النمو وغير واضحة المعالم والتوجهات.
إن تركيز كافة الجهود على تحقيق غاية واحدة محددة ( أو غايات قليلة متقاربة ) يساعد على الإسراع في مراكمة الخبرات وتحصيل المعارف التقنية في هذا المجال مما ينجم عنه منتجات عالية الجودة تُنتج بكفاءة عالية وبكلف أقل فتحقق للمالكين أرباح أكثر وللزبائن توقعاتهم.
فمثلاً عندما تظهر إلى الوجود شركة إنتاج ملابس توظف 500 عامل ويواجه القائمون عليها بفاتورة نقل شهرية لا تقل عن 25000 دينار، فسرعان ما تظهر بعض الأصوات التي تدعو إلى شراء باصات وتشغيلها لغاية نقل عمال الشركة وتوفير المبلغ المستنزف شهرياً. وبغض النظر عن كلفة هذه الباصات ، فإن الشركة بحاجة إلى ما لا يقل عن 25 باص ( كوستر ) ، وهذه بحاجة إلى سائقين ومساعدين وصيانة وكراج وإدارة. بهذا تكون الشركة قد تحولت من إنتاج الملابس إلى شركة نقل، بل شركة نقل كبيرة الحجم، فكم شركة نقل يوجد لديها 25 باص؟. وهذا يؤدي إلى تشتيت جهود الإدارة ، بما في ذلك إدارة الإنتاج. لقد إنحرفت الشركة عن غاياتها، وغالباً ما تكتشف خلال أشهر أنها لم تحقق توفير في المصاريف عندما إعتمدت خيار إقتناء الباصات بدل إستئجارها.
والأمثلة على ذلك كثيرة. مثل شركة تنتج عبوات بلاستيكية لمصانع الأدوية البيطرية، وهي مبدعة في ذلك، فرأى القائمون عليها أنهم سيحققون أرباح أكثر إذا ما أقاموا خط خلط وتعبئة العبوات التي يصنعونها بنفس المادة التي ينتجها زبائنهم. فالأمر سهل ولا يتعدى الخلط والتعبئة والتسويق!!. هذا كفيل بأن يجعل الشركة أقل تركيزاً على صناعة العبوات وأقل إبداعاً في جهود التطوير والبحث والتحديث.
يتزايد توجه المؤسسات الإقتصادية في العالم إلى تبني مهارات وقدرات أساسية
core competence
والتركيز عليها من أجل الإبداع بها. وترك النشاطات الأخرى لمؤسسات أخرى تأسست لهذه الغاية وأبدعت بها من خلال التعاقد الخارجي
outsourcing
، الذي إنتشر مؤخراً وزاد الإعتماد عليه.
والدول غير المصنعة والتي تفتقر إلى المهارات الفنية وثقافة العمل أكثر حاجة إلى هذا التوجه، فالتركيز على نشاط واحد
يكون أقل كلفة في التأسيس والتشغيل ويحتاج إلى جهود أقل في التدريب وإعداد الإدارة الوسطى وينجم عنه منتجات أفضل وبكلف أقل.
كما يعطي هذا التوجه المجال للتجديد الإبداعي
innovation
والتحسين المستمر
continuous improvement
والخروج بمنتجات جديدة وتطوير أساليب إنتاج جديدة على الدوام. وهذا يُضفي ميزة تنافسية كبيرة ويشكل عنصر إستدامة تحتاجه مؤسساتنا.
[ يتبع مقال آخر حول الموضوع: على ماذا نركز وماذا نيرك للتعاقد الخارجي ؟..]
[ إقرأ في باب الموسوعة
competency mapping
]