الأشرف خليل
 
 


مات السلطان اللمملوكي قلاوون سنة 1290م وهو يستعد لفتح عكا وإنتزاعها من الصليبيين، فأوصى لإبنه أن يتابع ذلك.  فبادر الأشرف بالزحف على رأس جيش بإتجاه عكا متجاهلاً محاولة صليبية لإقناعه بالعدول عن ذلك.  وقام بإرسال رسائل إلى جميع الولاة يطلب منهم حشد كل مواردهم لهذه الغاية.  وقد تجمع ستين ألف فارس و مائة وستين ألف من المشاة.  وجمعوا أدوات الحصار، بينها اثنين وتسعين منجنيقاً ضخماً.

وكانت عكا عاصمة الصليبيين في الشرق، كما كانت مدينة حصينة للغاية. 

تحركت الجيوش فإستغاث صليبيو عكا بأوربا ، فلم يصلهم الكثير من المدد والدعم.  فوصلهم عدد من الفرسان الإنكليز ، كما أرسل ملك قبرص الصليبي عدد من الجنود، فبلغ ما حشده الصليبيون ثلاثين إلى أربعين ألف مقاتل ، منهم ثمانيمائة فارس، وأربعة عشر ألف من المشاة والباقي حجاج متطوعين للقتال.

أطبق المماليك حصارهم على المدينة ، وأخذوا يقصفونها بالمنجنيق.  وفي هذه الأثناء شن الصليبيون هجمات خارج أسوار المدينة ولكنها فشلت ووقع في صفوفهم قتلى وأسرى، فتوقفوا عن ذلك.  ثم إنضم إليهم الملك هنري الثاني مع مدد ومؤن فرفع معنويات المدافعين.  ولكن الملك بادر إلى التفاوض، فأرسل برسولين إلى السلطان خليل، الذي بادر بسؤالهما إذا ما كانا قد أحضرا مفاتيح المدينة معهما، مضيفاً أنه لا يرضى بأقل من ذلك، ففشلت الدبلوماسية ونجح المحاصرون في إحداث نقب في السور وتسرب بعض المقاتلين إلى الخرائب التي أحدثها الضرب المتواصل في تحصينات المدينة.  ثم أمر السلطان بهجوم شامل من جميع الجهات ، فتحرك الجميع وهم يهتفون بصيحات الحرب فتسبب ذلك في نشر الهلع في نفوس المدافعين ، فلم يمر وقت طويل حتى تمكن المسلمون من الدخول إلى المدينة، فدار القتال في شوارع المدينة ، وقام الملك هنري الثاني بمغادرة المدينة على الفور، مما إنعكس سلباً على من تبقى في المدينة ، فإندفعوا يتزاحمون على القوارب والسفن الراسية في ميناء المدينة.  وقد وقع عددٌ كبيرٌ في الأسر ، كما قُتل الكثيرون منهم .  وكان آخر المواقع سقوطاً هو مقر فرسان الداوية البارز في البحر.  فقد إستمر فرسانه في القتال ببسالة حتى تداعى المبنى وإنهار. 

وبعد المعركة قام المماليك بتدمير المدينة ، لكيلا يحاول الصليبيون إستخدامها كنقطة إنطلاق لغزو بلاد الشام ثانية.  وقد تحولت إلى قرية صغيرة لايسكنها إلا عائلات قليلة من صائدي الأسماك لمدة خمسمائة سنة حتى أعادها إلى الخريطة السياسية ظاهر العمر في القرن الثامن عشر.        

ولم تحتاج المواقع الصليبية المتبقية إلى الجهد الذي إحتاجته عكا، فأرسل السلطان الجيوش بقيادة أمراءه إلى صور وصيدا وبيروت وجبيل وحيفا وعتليت ففتحوها جميعاً خلال أشهر.  ولم يتبقى سوى مجموعة من الفرسان الذين تحصنوا في جزيرة أرواد لغاية العام 1302 حيث هاجمهم أسطول مملوكي في زمن السلطان الناصر ، فقتل وأسر جميع من في الجزيرة.  وبهذا أُسدل الستار عن فصل دامي من العلاقة بين الشرق والغرب إستمرت قرنين من الزمان دون طائل.  زاد من حجم الكراهية وعمق الفجوة بينهما. 

لم يحكم السلطان الأشرف خليل سوى ثلاث سنوات ( 1290 – 1293 م)، ولكنه صنع تاريخ، صنعه بالتصميم والمثابرة والقدرة على حشد الموارد.

                                                                                                                                           نديم أسـعد

 

 
 

 

تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter