|
مهاتير محمد
|
|
|
يعد مهاتير محمد من أكثر القادة السياسيين تأثيراً على تاريخ بلادهم، وهو من أطول الحكام الآسيويين حكماً ( بإستثناء منطقتنا العربية ) ، فقد حكم لمدة 22 سنة، وترك الحكم طواعية بقرار ذاتي، وبقي تأثيره قائماً حتى بعد تقاعده الإختباري. كانت ماليزيا قبل تسلمه الحكم دولة فقيرة فأصبحت من أغنى دول آسيا. تقع ماليزيا في شبه جزيرة المالايو ، وقد عرفت الإستيطان البشري منذ عهود بعيدة، كما تأسست فيها دول منذ القدم. وفي القرن الخامس عشر، حيث كانت تتنازعها مؤثرات سيامية ( تايلندية ) وصينية وهندية ( إمبراطورية الهند المغولية المسلمة )، قام أمير ملاوي بتأسيس إمارة تحت النفوذ السيامي . ولكنه دخل في الإسلام تحت تأثير التجار المسلمين القادمين من الهند. وهكذا إنتشر الإسلام في أوساط الشعب الملاوي. ولم يمض وقت طويل حتى كانت القوى الأوربية تفرض سيطرتها على المنطقة، فظهر البرتغاليون في القرن السادس عشر، ثم الهولنديون ثم الإنكليز في القرن التاسع عشر. وفي هذه الأثناء كانت البلاد مقسمة إلى كيانات سياسية صغيرة يحكم كل منها أمير، وكانت تربط كل أمير معاهدة تبعية للمستعمر. كما ظهر بعض المستوطنين الأوربيين الذين تملكوا مزارع واسعة في البلاد. كان الإقتصاد الملاوي في القرن التاسع عشر يعتمد على زراعة النخيل وإنتاج زيت النخيل منه، وعلى زراعة المطاط، الذي جلبه المستعمر من البرازيل، وعلى زراعة التوابل مثل الفلفل وعلى إستخراج القصدير ، الذي كان يستخدم في تعليب الشاي الذي كان يزرع في الهند المجاورة ويصدر إلى أوربا. إحتاج التوسع في هذه النشاطات إلى عمال، فقام الإنكليز بجلب عمال من الصين والهند، بدلاً من تدريب أبناء البلاد، الذين إعتبروهم كسالى ولا يصلحون. ومع مرور الزمن غدت ماليزيا دولة متعددة الأعراق والأديان والثقافات، فأصبحت مهددة بحروب أهلية على الدوام، وخصوصاً أن المهاجرين الصينيين، الذين شكلوا 30 % من السكان كانوا يملكون معظم الثروة في البلاد. على هذه الخلفية ظهر مهاتير محمد، فقد كانت رسالته تخاطب هذه التركيبة، كما كان هو نفسه من نتاجها، فجده مهاجر من الهند، وتحديداً من ولاية كيرالا الجنوبية. ولد مهاتير في العام 1923م وبعد إتمامه التعليم المدرسي إنضم إلى كلية الطب في سنغافورة ، التي كانت جزءاً من ماليزيا قبل الإستقلال. وفي الجامعة كان مهاتير رئيس إتحاد الطلبة المسلمين. وأذكر أني عندما كنت في الجامعة في الهند في السبعينات كان للطلبة الماليزيين المسلمين إتحادهم، وكان للصينيين إتحاداً آخر. هكذا كان المجتمع الماليزي عندما دخل مهاتير معترك السياسة، مجتمع منقسم على نفسه، متخلف إقتصاديا وسياسياً، لا يزيد دخل الفرد فيه على 1000 دولار سنوياً. في العام 1957م إستقلت ماليزيا عن بريطانيا، وفي العام 1964 فاز مهاتير بالإنتخابات النيابية بفارق كبير على منافسه، ولكنه خسر إنتخابات 1969 بنفس الدائرة بفارق بسيط. وفي العام 1969 حدثت إضطرابات بين الملاويين والصينيين، على أثرها تم طرده من الحزب، بعد أن تم توزيع رسالة بعث بها إلى رئيس الوزراء تانكو عبد الرحمن والتي إتهمه بها أنه يميل إلى الجانب الصيني. على أثر ذلك ألف كتابه " المعضلة المالاوية "، حيث قدم تشخيصاً للوضع الماليزي وأسباب تخلف البلاد منتقداً سيطرة الصينيين على الإقتصاد. ولكن الكتاب منع من التداول، ولم يُسمح ببيعه في مكتبات ماليزيا إلا بعد أن أصبح مهاتير رئيساً للوزراء. في العام 1974 تم إنتخابه للبرلمان بعد أن عاد إلى الحزب ثم تعين وزيراً للتربية. وخلال الأعوام القليلة التالية أصبح نائب رئيس الحزب، ووزيراً للصناعة ونائباً لرئيس الوزراء. وفي العام 1981 أصبح رابع رئيس وزراء لماليزيا، والأول من عامة الشعب، فقد كان سابقيه جميعاً من عائلات ملكية. بدأ حكمه بتحدي النظام الماليزي نفسه، فقد تمكن من إجراء تغييرات دستورية حدت من تدخل الملكيات في الحكومة. كما أجرى إصلاحات هامة على النظام القضائي. ولكن أكبر إصلاحاته كانت في المجال الإقتصادي. ففي كتابه أوضح مهاتير فلسفته بدون مواربة. فإنفراد الصينيين بالثروة وحرمان الملاويين من فرص التنمية شكل السبب الرئيسي في تخلف البلاد. وباشر بوضع خطة إقتصادية لمدة عشر سنين، وأعطى التعليم أهمية كبيرة، فخصص لذلك ميزانية كبيرة، وأبدى إهتماماً خاصاً بالبحث العلمي والتدريب المهني. وشن حرباً على الفساد، وفي هذا السياق يكسب القائد معظم حربه على الفساد لمجرد كونه غير فاسد. كما أبدى شفافية عالية أكسبته شعبية كبيرة، حيث إعتاد على مشاركة شعبه فيما يطرأ بكل أمانة. حقق في المجال الصناعي تقدماً مذهلاً، فدخلت صناعات جديدة إلى السوق الماليزي. وفي حقل السياحة حول البلاد إلى منطقة جذب سياحي، فحول معسكرت الأسر اليابانية إلى منتجعات، وبنى الطرق والمطارات والفنادق. وعلى الصعيد الزراعي إتسعت الرقعة الزراعية وزاد إنتاج زيت النخيل نتيجة لزراعة ملايين الأشجار. وكان من بين إنجازاته بناء الجامعة الإسلامية، التي يؤمها الطلاب العرب وغيرهم بالآلاف. يكفي القول أن مهاتير ترك المنصب بإرادته سنة 2003 بعد أن أصبح معدل دخل الفرد السنوي في بلاده 16000 دولار، بعد أن كان لا يزيد عن 100 دولار عند توليه رئاسة الوزراء. لقد إمتاز مهاتير بالقوة والأمانة ( نموذج القوي الأمين ) ، فقد كانت له وجهات نظره لم تعجب الغرب، فأتهم بمعاداة السامية، كما أتهم بمعاداة الغرب، ومحلياً إعتبره الصينيون عنصرياً. ولكنه خدم بلاده، فأفاد من ذلك جميع فئات الشعب، فلم يكن فئوياً، ولا يمكن أن يكون كذلك لكونه من أصل غيرمالاوي.. نديم أسـعد
|
|
|
|
|
|