هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان. ولد بالقرب من دمشق سنة 728م. هرب من بطش العباسيين عندما تمكنوا من الإستيلاء على بلاد الشام سنة 750 م ( 132 هـ )، وتوجه إلى المغرب، مستفيداً من بعدها عن مقر الخلافة الجديد في العراق، ومستفيداً من كون أخواله من قبيلة نفزة البربرية.
مكث في شمال المغرب، ما بين طنجة وسبتة، متخفياً لمدة ست سنوات، حيث كان قد تمكن من حشد بعض التأييد، كما إنضم إليه بعض الأمويين بناء على مراسلات قام بها إلى الشرق.
وفي العام 756م أرسل بدر مولاه إلى الأندلس، حيث عاد بتقرير إيجابي. لقد كان المزاج السياسي للأندلسيين منقسماً على الدوام. فلم يكن من المستبعد أن يلقى شاب طريد تأييداً من قبل البعض، وأن يخوض هذا البعض معارك لإعادة تأسيس للأمويين، الذين تخلى عنهم الجميع في الشرق.
عبر عبد الرحمن بدوره المضيق، حيث إلتف حوله جيش من المؤيدين، خاضوا حرب ضد والي الأندلس، الذي عارض الحركة ، ولكنه هُزم، ودخل عبد الرحمن قرطبة، العاصمة وحكمها لمدة 32 سنة.
تمكن عبد الرحمن من ترسيخ قواعد دولة واسعة ، غطت معظم إيبيريا. وكانت دولة غنية مزدهرة إقتصاديا، كما كانت منارة للعلم.
كما كانت دولة عبد الرحمن قوية، فقد إستطاعت هزيمة شارلمان، الذي كان نجم أوربا في ذلك الزمان، والذي عبر جبال البرانس من فرنسا على رأس جيش كبير، ولكنه هُزم. لقد خاض شارلمان 58 حرباً طوال حياته، كانت هذه أسوأها. ولكن العاهلين توصلا لمعاهدة سلام فيما بينهما لاحقاً وأوشكا أن يرتبطا بمصاهرة، ولكن ذلك لم يحصل.
لم يتلقب عبد الرحمن بلقب الخلافة، ولكنه قطع الخطبة للخليفة العباسي بعد عشرة أشهر من توليه الإمارة. وإتسمت علاقاته ومن جاء بعده من الحكام بالقطيعة مع العباسيين، ولكن الدولتين لم تتحاربا. ولكن حالة العداء لم تمنع الأندلسيين من تقديم المساعدة لولاة بني العباس أثناء فتحهم لصقلية.
وصف ابو جعفر المنصور عبد الرحمن الداخل بصقر قريش، وأصبح يُعرف بهذا اللقب، وقد برر ذلك المنصور بأنه " .. الذي عبر البحر وقطع القفر ودخل بلداً أعجمياً مفرداً، فمصر الأمصار وجند الأجناد ودون الدواوين، وأقام ملكاً بعد إنقطاعه، بحسن تدبيره، وقوة شكيمته".
لقد كان عبد الرحمن نموذجاً فذاً من القادة، وضع لنفسه هدفاً وعمل له بروية، لم يتصرف كضحية يستدر العطف ويبكي على ما فات.
نديم أسـعد