معركة نهر طلس
لقد حقق المسلمون إنتصاراً تاريخياً في العام 751 م (133 هـ)، في السنة الثانية لقيام الدولة العباسية، على الصينيين في معركة طلس، والتي دارت على ضفاف نهر طلس Talas في تركستان. هذه المعركة التي حدثت في زمن الإمبراطور الصيني زوان زونج من أسرة تانج Tang الذي كان عهده عصراً ذهبياً، غيرت التاريخ الصيني، كما غيرت تاريخ وسط آسيا . لقد شجع ذلك الكثير من الدول التابعة للإمبراطورية الصينية على الثورة ضدها. ولكن من أهم ما نجم عن المعركة إيقاف توسع الصين السياسي والعسكري والثقافي بإتجاه الغرب. كما نجم عن المعركة إنتشار الدين الإسلامي قي أقاليم وسط آسيا، وتغلب ديانة التبت، حلفاء الدولة العباسية، وهي البوذية التبتية على الكونفوشية في منغوليا إلى الشمال. كما كان من بين نتائج المعركة غير المباشرة هو حصول العرب على تقنية صناعة الورق المكتشفة حديثاً في الصين. نتج ذلك بسبب وقوع عدد من الأسرى في أيدي المسلمين بينهم عدد من عمال صناعة الورق، حيث نقلوا هذه الصناعة إلى العالم الإسلامي، سمرقند أولاً ثم غرباً مروراً بالكوفة فدمشق فمصر ثم القيروان والأندلس حيث نقلت إلى أوربا خلال أقل من قرنين.
وكان الجيش الإسلامي الذي خاض المعركة قد إنطلق من خراسان من قبل أبي مسلم. وكان أبو مسلم قد عاد لتوه من العراق بعد أن قاد الخراسانيين الموالين للعباسيين في ثورتهم ضد حكم الأمويين.
حدثت الأزمة عندما نشبت صراع بين مملكة فرغانة ومملكة الشاش، ال م تحالفة مع الدولة العباسية، فطلب ملك فرغانة مساعدة إمبراطور الصين. الذي أرسل جيشاً بقيادة كاو Kao ، الذي كان ينتمي إلى العرق الكوري. قاد كاو جيشه حتى حاصر عاصمة الشاش Chach ، حيث عرض على ملكها إنسحاباً آمناً، ولكنه غدر به وقتله.
على أثر ذلك تحرك ابو مسلم، حيث تشكل حلف من دولة التبت ودولة العباسيين الفتية وقوى تركية متفرقة تقطن آسيا الوسطى.
إلتقى الجيشان على نهر طلس، الواقع في كيرغيزستان اليوم. جيش ولاية خراسان العباسية بقيادة زياد بن صالح، نائب والي خراسان ومعه جيش التبت وجيش الإمبراطورية الصينية بقيادة كاو الكوري ومعهم قوات متحالفة محلية .
إستمر القتال لمدة أربعة أيام إنتهت بهزيمة الجيش الصيني وتمزيقه وأسر عدد كبير من الجنود. ولم ينجو من القتل والأسر إلا قلة قليلة كان كاو من بينهم.
من أغرب ما حدث أن العرب لم يحاولوا التوغل في الأراضي الصينية ويستثمروا إنتصارهم. وهذا ما أثار ولا يزال يثير حيرة الباحثين التاريخيين لغاية يومنا هذا. إهتم المؤرخين السوفييت والصينيين بهذه المعركة، وأظهروا إستغرابهم من هذا التصرف. ولكن المطلع على تاريخ الدولة العباسية يمكن أن يعزي ذلك إلى عدم إستقرار قواعد الدولة الجديدة، وإنشغال والي خراسان، أبي مسلم، بأولويات أخرى متعلقة بالخلافة والصراع عليها.
على أن الأغرب من ذلك هو تجاهل المؤرخين المسلمين لهذا الحدث، فلم يعطه الطبري، مثلاً، أكثر من سطور قليلة، وسمى النهر الذي وقعت على ضفافه المعركة نهر طراز. كما لم يدخل شعراء العصر على السفاح مهنئين. وعندما تواجه أبو مسلم والمنصور بعد ذلك، لم يقل ابو مسلم للمنصور"أنا الذي أوقف الزحف الصيني".
توقف الزحف الصيني فعلاً، وجد الإسلام الفرصة للإنتشار في أواسط آسيا، ولكنه لم يتوقف عند الحدود التي فرضتها معركة طلس، فقد أصبح إقليم سينكيانج مسلماً بكامله، ولكنه أٌخضع للصين، فيما بعد، كما أٌخضعت التبت. ودخل الإسلام الصين، وكان لهم وضعهم، حيث كانوا مسيطرين على التجارة الصينية، كما كانوا مقربين من الحكم لأكثر من ثمانية قرون.
***
رحم الله زياد بن صالح، ذلك القائد الذي سطر صفحة ناصعة في تاريخ أمته ولم تعطه غير التجاهل.
الدرس العميق الذي يمكن تعلمه كإداريين هو أن إدارة النتائج لا تقل أهمية عن إدارة الجهد المؤدي إلى صنع هذه النتائج. صنع نتائج طيبة تقل أهميته إذا لم تُستغل هذه النتائج جيداً.
نديم أسـعد