في بداية القرن التاسع كانت الجغرافية السياسية للعالم بسيطة للغاية، فقد كانت الأقاليم الواقعة ما بين جبال الهيمالايا والمحيط الأطلسي تخضع بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأربع قوى سياسية لا غير؛ وهي الخلافة العباسية وتحكم من بغداد والإمبراطورية البيزنطية ( الروم )  وتحكم من القسطنطينية والإمبراطورية الرومانية المقدسة ( الفرنجة ) وتحكم من آخن في غرب ألمانيا اليوم وإمارة الأندلس وتحكم من قرطبة من قبل الأمويين. 

سادت شبكة معقدة من العلاقات بين هذه القوى الأربعة.  فقد كان العداء مستحكم بين العباسيين وبيزنطة ( الروم )، ولكن العلاقات بين العباسيين والإمبراطورية الرومانية المقدسة ( الفرنجة ) كانت ودية، تبادل حكامها، شارلمان وهارون الرشيد وشارلمان والمأمون، فيما بعد، السفارات والهدايا. 

وكانت العلاقات بين الأندلس بقيادة الحكم الثاني والفرنج سيئة لدرجة الإقتتال الدائم.  كما كانت علاقات الفرنج والروم، الإمبراطوريتين الشرقية والغربية تتسم بالمنافسة على قيادة العالم المسيحي، ومحاولة كل طرف تدجين الطرف الآخر تمهيداً إلى ضمه، وكان شارلمان قد حاول الزواج من إمبرطورة الروم إيرينا، التي عاصرت هارون الرشيد والتي كانت تدفع له إتاوة سنوية.  وكانت علاقات الأندلس مع الروم ودية إتسمت بتبادل السفارات والمراسلات.  وكانت علاقات الأندلس بالعباسيين تتسم بتجاهل كل منهما الآخر دون تسخين.

في هذه الأثناء وقعت مؤامرة ضد إمبراطورة بيزنطة إيرين في العام 802م، حيث تآمر عليها الجيش والبلاط وخلعها.  وقام المتآمرون بتعيين نقفور، الذي كان وزيراً للمالية، إمبراطوراً.  وهكذا إنتهت السلالة الإيسورية وبدأ حكم نقفور، وهو من أصل عربي غساني. 

بدأ نقفور حكمه، كرجل ينحدر من خلفية مهنية مالية، بإجراء بعض الإصلاحات في النظام المالي والضريبي، فقد فرض نظاماً يُحدد بناءاً عليه الضريبة بمبلغ معين على منطقة معينة، وهو نفس النظام الذي إقتبسته الدولة العثمانية لاحقاً.  كما قام بفرض ضرائب على ممتلكات الكنيسة وأجرى إصلاحات إدارية ومالية أخرى. 

بادر نقفور إلى إرسال كتاب إلى هارون الرشيد ينقض فيه المعاهدة الموقعة في زمن إيرينا، ويطالبه بإرسال الأموال التي دفعتها له، وإلا " فالسيف بيننا ".  فرد عليه الرشيد " من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، الجواب ما تراه دون أن تسمعه ".  فتقدم الرشيد على رأس جيشٍ كبير، حتى وصل إلى هرقلة، في أواسط الأناضول. فطلب نقفور الصلح، على أن يقر الإتاوة، التي كانت تدفعها إيرينا.  فعاد الرشيد بجيشه، ثم بلغ الرشيد أن نقفور نقض الإتفاق، فعاد رغم البرد الشديد، حتى أقر نقفور بالإتاوة من جديد. ومع هذا تعامل الرشيد بكرم شديد مع نقفور في السنوات التالية، ففي سنة 190 هـ ( 805 م ) قاد الرشيد الجيش وفتح هرقلة، فكتب نقفور إليه كتاباً يطلب منه فتاة من أهل هرقلة، قال أنه خطبها لإبنه، فطلب الرشيد من يبحث عنها، ويرسلها إلى نقفور معززة مكرمة ومحملة بالهدايا.

على أن الخطر الأكبر الذي واجه الإمبراطورية في عهده كان من البلغار، الذين قاموا ، بدورهم، بمهاجمة البلقان تحت قيادة ملكهم كروم Krum .  فقام نقفور بمهاجمتهم بنفسه، بعد وفاة هارون الرشيد في العام 809م.  فهزمهم وإجتاح عاصمتهم ونهبها.  ولكن الجيش البلغاري فاجأ البيزنطيين بحركة إلتفافية ومزق جيشهم، وقام بقتل نقفور نفسه سنة 8011م، حيث صنع الملك البلغاري من جمجمته كأساً يشرب فيه.

جرح في المعركة أيضاً إبن نقفور الوحيد، وعلى الرغم من أنه كان قد تتوج في حياة أبيه، إلا أنه لم يتمكن من الإحتفاظ بالعرش لعدة أشهر فعزله ميخائيل، زوج أخته، وتسلم الحكم.

لم يتمكن نقفور من تأسيس سلالة حاكمة، فقد أسسها زوج إبنته ميخائيل.  ولو لم يجرح إبنه في المعركة لتأسست سلالة عربية في دولة الروم.  لقد ترك نقفور إرثاً إدارياً إستمر أثره لعدة قرون، بل إستمرت الكثير من الأساليب والنظم والقوانين إلى زمن الدولة العثمانية.  كما كان نقفور جزءاً من لحظة تاريخية نادرة حكم فيها ثلاث حكام عرب عظام في ثلاث دول كبيرة غطت معظم العالم المتمدن في ذلك الزمان.

                                                                                                               نديم أسـعد