يظهر الرجال العظام في زمن الشدة حيث يعز توفر أمثالهم. والقائد الشهيد هو عسكري سوري استشهد في مواجهة الجيش الفرنسي الذي جاء ليحقق حلم فرنسي قديم وهو إحتلال سوريا.
وكان القائد وزيراً للدفاع في حكومةسوريا العربية التي أسسها الملك فيصل الاول، وهو يوسف بن ابراهيم بن عبد الرحمن آل العظَمة. ينتمي إلى عائلة دمشقية عريقة ترجع إلى جدهم الأعلى حسن بك التركماني. ولد في دمشق عام 1884م الموافق 1301هـ، و ترعرع و تلقى تعليمه الأولي في دمشق، وأكمل دروسه في المدرسة الحربية في إستانبول، عاصمة الدولة العثمانية، التي كانت سوريا إحدى ولاياتها، وتخرج منها ضابطاً عام 1324هـ الموافق 1903م.وتنقّل في الوظائف العسكرية بين دمشق ولبنان وإستانبول .
ثم أُرسل إلى ألمانيا للتدرب على الفنون العسكرية، فمكث فيها سنتين، وعاد، حيث عين كاتباً للمفوضية العثمانية في مصر. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى عاد إلى الجيش متطوعاً، حيث عين رئيساً لأركان حرب الفرقة العشرين ثم الخامسة والعشرين. وكان مقر هذه الفرقة في بلغاريا ثم في النمسا ثم في رومانيا. وعاد إلى العاصمة إستانبول فرافق أنور باشا (ناظر الحربية العثمانية) في رحلاته إلى الأناضول وسوريا والعراق. ثم عين رئيساً لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في القفقاس، فرئيساً لأركان حرب الجيش الأول بإستانبول.
كان القائد ملتزماً منتمياً يعيي واجبه التاريخي . كما كان عسكرياً كفوءاً وقائداً فذاً وكان يتكلم العربية والتركية والفرنسية والألمانية. وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى عاد إلى دمشق، فاختاره الملك فيصل مرافقاً له، ثم عينه معتمداً عربياً في بيروت. فرئيساً لأركان الحرب العامة برتبة قائم مقام، في سوريا. ثم ولاه وزارة الحربية سنة 1920 بعد قيام الدولة في دمشق، فنظم جيشاً وطنياً يناهز عدده عشرة آلاف جندي.
عندما بلغته أخبار قرب الفرنسيين من دمشق قرر مواجهتهم دفاعاً عن وطنه وقال للملك فيصل آنذاك كلمته الشهيرة:
|
" لايسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم ".
|
|
ثم إلتقى مع الفرنسيين في معركة غير متكافئة عرفت بمعركة ميسلون في السابع من ذي القعدة الموافق 24 يوليو (تموز) (1920)، وكان الجيش الفرنسي الذي جاء ليحتلّ سوريا بقيادة الجنرال هنري غورو.
سقط القائد شهيداً ودفن في مقبرة الشهداء في ميسلون التي تبعد ثلاثين كيلو متراً غربيّ دمشق.
حيث برز فيها حوالي ثلاثة آلاف من الجنود المتطوعين بأسلحة قديمة، في مواجهة تسعة آلاف ضابط وجندي فرنسي، مسلحين بالدبابات والسيارات والمصفحات والطائرات وأحدث الأسلحة الاخرى، واستشهد مع وزير الدفاع البطل يوسف العظمة أربع مئة مجاهد. كان يوسف العظمة أول وزير دفاع عربي يستشهد في معركة. كانت معركة ميسلون غير متكافئة، فالدولة السورية كانت قد تشكلت للتو، وكانت شحيحة الموارد ولا تملك من الخبرات ما يفيدها أمام دولة عظمى بحجم فرنسا. كما كانت المعركة بمبادرة من القائد الشهيد الذي دفع حياته ثمناً. لم تقف ميسلون وقائدها أمام الجيش الفرنسي، ولكنها صنعت تاريخ وتركت إرثاً يُفتخر به ويُقتدى به، فلم يتخلى عن واجبه رغم معرفته بالنتائج، كما لم يتنحى عندما تنحى رأس الدولة خضوعاً للتهديد الفرنسي. رحمه الله.
الشهيد في الزي العسكري