أسد بن الفرات
 
 


كان أسد بن الفرات فقيهاً عالماً وعمل قاضياً ,إنتهت حياته قائداً لجيش فتح صقلية.  وكان قد قدم إلى القيروان وتونس بصحبة أبيه الذي كان ضابطاً في الجيش العباسي في زمن إبي جعفر المنصور.  ونشأ هناك وتعلم على إيدي بعض الفقهاء، ولكنه توجه إلى الشرق للإستزادة من معاصريه من أمثال الإمام مالك في المدينة.

ثم إنتقل أسد بن الفرات إلى العراق حيث الإمام محمد بن الحسن صاحب الإمام
أبي حنيفة، فلزمه، فكان يحضر دروسه العامة، ثم أحب أن يكون له درس خاص يغرف فيه ما استطاع من علم الإمام محمد ليحمله إلى بلاده، فأخذه الإمام محمد إلى بيته، وأعطاه غرفة كان يسهر معه فيها الليل كله، ويضع أمامه قدح ماء، فإذا نعس نضح وجهه بالماء ليستعيد نشاطه.

كان أسد بن الفرات أول من جمع بين مذهب الإمام مالك ومذهب أبي حنيفة، ولم يكتفِ بذلك العلم، بل رحل إلى مصر حيث كان يوجد بها عالمان من تلاميذ الإمام مالك هما أشهب بن عبد العزيز
وابن القاسم، وهناك جمع ما أخذه من ابن القاسم من مسائل، وأفاض عليها من ذهنه وجعلها في رسالة فقهية مفصلة وضع فيها أفكاره التي لم يعارض فيها أحد، ونسبت إليه فيما بعد وسميت بالأسدية.  عاد أسد بن الفرات إلى القيروان حيث كانت مقر ولاية إفريقيا وكان ولاتها لبني العباس من الأغالبة، وكانوا قد بدأوا يتمتعون بشيء من الإستقلالية عن بغداد، وبنوا كياناً يتمتع بقدر كبير من القوة السياسية والأقتصادية والعسكرية، كما إزدهرت في زمنهم العلوم والفنون وإتسعت الرقعة الزراعية.     
 

فبعد إنقضاء العام العاشر من حكم زيادة الله بن الأغلب، تغيرت الأحوال في جزيرة صقلية، حيث  ثار شخص إسمه يوفيميوس على الإمبراطورية البيزنطية وقام بالإتصال بزيادة الله طالباً مساعدته.    وكان مما شجع على قرار فتح صقلية، قيام قوة بحرية إسلامية بفتح جزيرة كريت منطلقةً من مصر، مما أعطى إنطباعاً عن ضعف الأسطول البيزنطي في تلك الفترة.  وكانت هذه الجزر لها أثر كبير في حال وقوع حروب، فكانت تستخدم من قبل الأسطول البيزنطي للإغارة على سواحل الشمال الإفريقي.

إتخذ زيادة الله قرار فتح صقلية وعين أسد بن الفرات قائداً لحملتها، وكان من الرجال المعروفين بشجاعتهم، فجمع بين القضاء والقيادة العسكرية. 

أقلع أسطول إبن الفرات في صيف سنة 212هـ (827م) في عهد الإمبراطور البيزنطي ميخائيل العموري  ، وكان جيشه يتكون من البربر والعرب والخراسانيين والأندلسيين. 

رسى الأسطول بعد إبحار أربعة أيام في ميناء مازر، وهي ضعف الفترة المعتادة.  ولم يلق أحداً سوى سرية، فأسرها وأطلق سراحها بعد أن تبين أنها من حزب يوفيميوس.

تذكر بعض الروايات أن أسد طلب من يوفيميوس أن يعتزله.  وهذا غير منطقي، فقد أثبت يوفيميوس للتو أن له حزب وأن له أتباع فلماذا يستعديه، كما أن أسد كان بحاجة لمن يعرف الجزيرة ويفاوض أهلها، كما أنه ليس بحاجة إلى عدوٍ إضافي. 

وعندما سمع حاكم صقلية وتسميه المصادر العربية بلاطة، حشد جيشاً وخرج لملاقاة جبش أسد، الذي أحرز نصراً سريعاً.  ثم سيطر على عدة حصون في الجزيرة. ثم إتجه أسد نحو سراقوسة، التي كانت عاصمة الجزيرة.  وتقول بعض المصادر أن يوفيميوس أرسل إلى أهل سرقوسة يحضهم على الصمود.  وهنا يصفه بعض المؤرخون الغربيون بأنه إرتكب خيانة مضاعفة.   وحاصر أسد المدينة ولكنها صمدت على الرغم من تدمير مينائيها.  وكاد اليأس والإحباط يسيطر على المقاتلين، لولا وصول مدد من إفريقيا والأندلس.  كما بعث الروم بتعزيزات لحامية الجزيرة، وطلبوا مساعدة البندقية، التي كانت تملك أسطولاً قوياً ,  ولكن هذا لم يغير من الصورة شيئاً.  كما حاول حاكم بليرم أن يفك الحصار، إذ تقدم على رأس جيش، ولكنه هُزم، وإستمر الحصار.  ثم تفشى المرض في أوساط الجيش الإسلامي. مات أسد بن الفرات أثناء الحصار، بسبب المرض أو من جراحات أو من كليهما.  وكان أهل المدينة يفاوضون من أجل التسليم. إختار الجيش محمد بن أبي الجواري قائداً له، الذي تابع ما بدأه أسد بن الفرات إلى أن تم فتح الجزيرة بعد جهد ووقت كبيرين.

دفن أسد عند أسوار سراقوسة، ولكن قبره إندثر.  ولم يندثر علمه وإرثه الفكري الراقي.  كان أسد بن الفرات نوعاً فذاً من القادة، فكطالب علم أعد نفسه بطريقة منهجية وإجتهد وكافح وأبدع.  وكفقيه كان يقر بالإختلاف ومشروعيته ولكنه لم يكن يعمل على إظهاره والتبجح به.  وكقائد عسكري كان مثالاً للصبر والتضحية وقد أظهر قدرة على الإستفادة من الموارد المحدودة المتوفرة لديه، كما أظهر قدرة في الحفاظ على الحالة المعنوية للجيش.  رحمه الله.    

                                                                    نديم أسـعد  
  
 


                                

 
 

 

تعليقات

لا يوجد تعليقات

الإسم   
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)    
التعليق  
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter