الأمير عبد القادر الجزائري
 
 


قامت فرنسا بمهاجمة الأراضي الجزائرية في العام 1830 بغية إحتلاله.  ولفرنسا أطماع في العالم الإسلامي تعود إلى زمن الحروب الصليبية، التي لعبت بها دوراً محورياً.  وكان جيشاً آخر قد قام بإحتلال مصر قبل هذا التاريخ بعقود قليلة بقيادة نابليون.  وكانت الجزائر، كما كانت مصر ومعظم الدول العربية تحت الحكم العثماني، تدار من قبل ولاة وفق ترتيبات معينة.  في الجزائر كان الحاكم يسمى باي.

هب الشعب الجزائري لمجابهة الإحتلال، وشارك عبد القادر في أعمال المقاومة بجانب أبيه محي الدين، وينتمي الأب والإبن إلى عائلة جزائرية ذات شأن ومكانة وتعود بأصولها إلى الحسن بن علي.  

ولد  عبد  القادر  بالقطنة قرب  معسكر  عام  1808 م وتلقى  تربيته بالزاوية القادرية التي  كان  يتكفل   بها  أبوه  محي الدين، لأتباع الطريقة القادرية الجيلانية، ثم  تابع  عبد القادر دراسته  بأرزيو  ووهران على  يد  علماء  أجلاء  حيث  أخذ  منهم أصول  العلوم الدينية والنحو والشعر والفلسفة والتاريخ والرياضيات وعلم الفلك والطب وعلوم أخرى كما كانت معروفة ودارجة في ذلك الزمان.  وقد نبغ في كثير من العلوم وأثبت فيما بعد أنه إستفاد كثيراً من تعليمه.

وفي العام  1826 رافق أبيه  في  رحلة  لأداء  فريضة  الحج، توجه بعدها إلى بغداد  لزيارة  ضريح  الولي  عبد  القادر الجيلاني،  مؤسس  الطريقة  القادرية  التي كان ينتمي إليها والده محي الدين.

أظهر عبد القادر شجاعة نادرة  خلال المعارك كما أظهر قدرات قيادية وحنكة  نادرتين. ومع إتساع رقعة المقاومة تجمع عدد من قبائل غرب الجزائر لاختيار  قائد  يتولى توحيد وقيادة جهود المقاومة فوقع اختيارهم  على  محي الدين. غير  أنه إعتذر  بسبب  سنه وإقترح، بدلا منه،  ابنه  عبد  القادر.  فوافقوا وقاموا بمبايعته أميرا  عليهم  في  تجمع  ضخم  بتاريخ  21 تشرين ثاني ( نوفمبر ) 1832.

باشر الأمير عبد القادر الجزائري بتنظيم المجهود الحربي للمقاومة، بالوقت الذي باشر فيه ببناء دولة تشمل الأراضي الجزائرية كافة، فقام بتشكيل وزارة من خمس وزراء، إختارهم من ذوي الكفاءة والنزاهة والمقدرة.  ثم قام بتقسيم البلاد إلى وحدات إدارية عين لكل منها حاكماً إدارياً.  وفي الوقت ذاته باشر ببناء جيش وأسس لصناعة حربية لتوفير السلاح والعتاد للجيش المقاوم.

تحت وقع ضربات المقاومة إضطرت القوات الفرنسية إلى التفاوض بعد سنتين، حيث وقعت إتفاقية ديميشال في شهر شباط ( فبراير ) 1834، أقرت بموجبها سلطة حكومة الأمير عبد القادر على غرب الجزائر، حيث تم إعتماد الإتفاقية من قبل الحكومة الفرنسية.   

 

  وخلال ثلاث سنوات أظهر الأمير ودولته وشعبه من القوة وصلابة المعدن ما جعله يرغم   الفرنسيين على  العودة  إلى طاولة  المفاوضات حيث تم الإتفاق مع الجنرال بيجو على معاهدة التافنة  الشهيرة  بتاريخ 30 أيار ( مايو ) سنة 1837م.

 

إستطاع  الأمير  بحكم  هذه  المعاهدة من السيطرة  على  الغرب الجزائري ومنطقة التيطري  وجزء من منطقة الجزائر في الوسط.

ثم بدأ يولي إهتماماً ببناء وتقوية الدولة الجزائرية الناشئة، فشرع في بناء القلاع والطرق و تحصين المدن  و تأسيس  ورشات  للصناعات العسكرية والعمل على بناء حس بالمواطنة قائم على مفاهيم جديدة.

ولكن الفرنسيين لم يتقيدوا بالمعاهدة التي كانت  تحمل  في  طياتها مبررات نقضها   من  طرف الحاكم الفرنسي فاليه فإندلعت  الحرب ثانيةً في ( تشرين ثاني ) نوفمبر 1839 م.  فبدأ الفرنسيون يعملون على السيطرة على جميع البلاد، فطبقوا سياسة   'الأرض المحروقة'  فعملوا تدميراً في المدن والقرى والمزارع، مما أضر بإقتصاد البلاد.  ومع هذا فقد سجل الأمير عبد القادر وجيشه إنتصارات جلية  مثل إنتصارهم في معركة سيدي ابراهيم في 23 أيلول ( سبتمبر )1845.  و لكن   كلفة الحرب و سياسة التدمير المتبعة  من طرف المستعمر  أنهكت موارد البلاد،  سيما  بعد توقف المساعدات المغربية تحت وقع التهديد الفرنسي، مما إضطر الأمير إلى إيقاف المعارك وقبول عرض فرنسي بالإستسلام في كانون أول ( ديسمبر ) سنة 1847. 

فتم نقله إلى فرنسا وأودع أحد سجونها. 

وفي العام التالي قامت ثورة في فرنسا تغير نتيجة لها النظام، حيث تم عزل الملك وأُعلنت الجمهورية الثانية، فأُطلق سراح عبد القادر، الذي توجه على أثر ذلك إلى إستانبول حيث تم إستقباله إستقبال الأبطال، فإستقر لبعض الوقت، ثم توجه إلى مكة لأداء فريضة الحج، وأثناء عودته من الحج إختار الإستقرار في دمشق.

وفي دمشق تفرغ الأمير للعلم والتدريس، فألف عدة كتب من بينها كتاب موجه للفرنسيين تُرجم للفرنسية من قبل قنصل فرنسا في دمشق ونشر في فرنسا.  وهو كتاب قيم في سياق حوار الحضارات بقلم إنسان عانى من الفجوة الحضارية وعمل على تضييقها دون الإعتقاد بدونية حضارته.

وفي دمشق سطر الأمير عبد القادر صفحةً إخرى ناصعة من سيرته المليئة بالرجولة والمواقف القيادية الفذة، ففي إحدى الصفحات التي لا نفتخر بها بتاريخنا تفجرت أحداث دامية بين بعض الطوائف الإسلامية وبعض الطوائف المسيحية، على خلفيات إقتصادية وإجتماعية، حيث إتسعت رقعتها إلى أن وصلت إلى دمشق، فهب الأمير لإيقاف التعديات بين أبناء الأمة الواحدة، فقام بتقديم الحماية لآلاف المسيحيين بالتضافر مع عقلاء وحكماء الأمة الذين لم تكن لتخلو منهم عبر العصور.  

توفي  الأمير  في  منفاه  بدمشق  بتاريخ  26 أيار ( مايو ) 1883م فشاركت جماهير  غفيرة  في  مراسيم تشييع  جنازته إلى مثواه الذي لم يكن الأخير، حيث تم نقل جثمانه إلى الجزائر بعد تحريرها بعد ثمانية عقود.

لقد كان الأمير عبد القادر الجزائري نوعاً خاصاً من الرجال، بعلمه وأخلاقه وحسه العميق بالواجب.

محظوظ من كان قائده من نمط الأمير، ومحظوظ كذلك من كان عدوه من نمط الأمير عبد القادر رحمه الله.  ما أحوج البشرية لرجال مثله.

                                                                                نديم أسـعد  
 

 

 

 
 

 

تعليقات

1  
الاسمخالد هياجنة 
التعليقليس بجديد ما اقراء ولا هو بالمستغرب بل ان الجزائرين هم من اعمدة النضال الشعبي الذي ترك بصمة في سجل تحرر الشعوب من الظلم والقهر والاستبداد اني اعتقد ان الشهداء ليموتون بل ينجبوب وينجبون قلثد انجب شهداء الجزائر شعب الجزائر العظيم . وفي الختام شكرا لمن سجل هذا التاريخ واوصله لنا 
   

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter