الملكة ماوية، ملكة العرب
 
 


 
دخل العرب في الديانة المسيحية منذ مرحلة مبكرة جداً. ورد ذكر كنائس الديار العربية في رسالة أُرسلت الى البابا اسطفانوس ( 254-257 ) . وفي تلك الحقبة كانت الخلافات المذهبية محتدمة بين التيارات العقيدية المختلفة.  وقد كان للعرب دور هام في النقاشات والحوارات الدينية التي كانت تدور في مدن العالم القديم المختلفة مثل الإسكندرية والقدس وإنطاكية والقسطنطينية وروما وغيرها من مراكز الدعوة المسيحية.  وقد أظهر العرب نزعة شديدة نحوالاستقلال الروحي، فقد ذكرت بعض المصادر اليونانية اسم ملكة عربية حكمت في القرن الرابع،  في جنوب سورية،  وكانت تدين بالمسيحية، واسمها ماوية، وكانت تطالب بتنصيب أُسقف عربي اسمه موسى.  وقد خاضت حروباً طاحنة مع الدولة الرومانية لتحقيق هذا الهدف.  وقد عاصرت الإمبراطور الروماني فالينز الذي حكم من 364 الى 378 م، فذكر روفينوس:    " أشعلت ماوية ملكة القبائل العربية نار حرب شعواء في فلسطين ومنطقة الثغور العربية، خربت بها القلاع والمدن والقرى، ولقد أضعفت بهذا القتال المتواصل القوات الرومانية ".ويظهر أن اسمها معاوية، وليس ماوية، حيث أُسقطت العين، فيذكر يعقوب الرهاوي في تاريخه:  " أغار العرب على بلاد الروم .. وملكت عليهم امرأة اسمها معاوية .. وعقدوا السلم ".  أي عقدوا صلحاً بعد قتال فيما بينهم.  واسم معاوية، في صيغة مؤنث،  ومن غير المستبعد أنه كان يطلق على امرأة في القرن الرابع.
ويذكر مؤلف آخر اسمه سوزومينوس عاش في النصف الأول من القرن السادس أن :      "ماوية ملكة العرب .. نقضت الاتفاقية مع الرومان" وتم "تجديدها على يد الأسقف موسى الذي تم تنصيبه".  وذلك بعد أن أرسل الرومان مبعوثاً لطلب الصلح، فوافقت وتم تنصيب موسى. 
ولكن الملكة العربية التي حاربت الإمبراطورية الرومانية تدخلت لحمايتها عند الحاجة.  ففي  العام 378 قُتل الإمبراطور الروماني فالينز حرقاً في إحدى معاركه مع القوط في البلقان.  ثم ما لبثوا أن حاصر القوط  القسطنطينية، بعد إنتصارهم في معركة أدرنة على الجيش البيزنطي.  وقد لعبت كتيبة عربية بعثتها ماوية    " بوصفها حليفة لبيزنطة " دوراً هاماً.  وقد أكد مؤرخ معاصر أن الكتيبة العربية هي التي حسمت الدفاع عن القسطنطينية.  وتختم المستشرقة الروسية نينا فكتورفنا حديثها عن ماوية بالعبارة التالية : " ولا يمثل تاريخ ماوية سوى حلقة من سلسلة العلاقات التي ربطت العرب بالامبراطورية ".  وكانت سياسة الإمبراطورية موجهة نحو إحلال الوفاق  ما أمكن مع القبائل العربية وربطها بمعاهداتٍ واتفاقياتٍ تجعل منهم حلفاء حتى يكونوا في وضع يمكنهم من تقديم العون لها في كفاحها مع البرابرة الآخرين ".  أي استخدام البرابرة العرب ضد البرابرة القوط والهون والآفار والفرس وغيرهم. 
لقد كانت ماوية ملكة عربية لم يترك التاريخ لنا الكثير عن سيرتها، قادت شعبها في الدفاع عن حقهم في الإستقلال الروحي وربما السياسي ولعبت دوراً حاسماً في الدفاع عن القسطنطينية وإنقاذها بعد أن خسر إمبراطورها المعركة، فخدمت أمتها وعقيدتها فسطرت لأمتها صفحات من المجد خلدتها.. أو كادت.
 

                                                                                                                         نديم أسـعد  
 

 
 

 

تعليقات

1  
الاسمهشام محمد عزمي 
التعليقهمة ايقظت امة 
   

الإسم 
البريد الإليكتروني (ليس للنشر)
التعليق
هل توافق على الانضمام لمجموعتنا البريدية؟
  أرسل


 

Counter