نجم عن الخطأ التاريخي الفادح المتمثل بتصفية الدولة الأموية في الأندلس قيام دول الطوائف، حيث ظهر ما لا يقل عن ثلاثين دولة صغيرة. فأصبحت هدفاً سهلاً للإسبان، فهاجموا المدن والقلاع وإستولوا على الواحدة بعد الأخرى.
وفي العام 477هـ ( 1085 م ) انتهت دولة طليطلة بسقوطها بيد الإسبان، بعد أن حكمها ثلاثة من أبناء أسرة ذنون، كان آخرهم القادر بالله بن ذي النون. وقد حاصرها الأذفونش (ألفونسو السادس)، ملك قشتالة سبع سنين . وتلى طليطلة العديد من المدن، كما تم تهديد مدن أخرى.
واستطاعت جيوش قشتالة من الاستيلاء على مواقع عديدة، بالإضافة إلى طليطلة، حتى بلغت جزيرة طريف بالقرب من مضيق جبل طارق، فزادت حماسة الإسبان. وكان للاستيلاء على طليطلة، عاصمة القوط القديمة، وقع كبير في جميع أنحاء أوربا. فسمى الفونسو نفسه "إمبراطور جميع الإسبان".
عند ذلك قرر ملوك الطوائف الاجتماع في قرطبة، حيث أشار عليهم المعتمد بن عباد الاستعانة بالمغرب. فردوا عليه أن سيفين لا يجتمعان في غمدٍ واحد، وأن المرابطين، حكام المغرب، سيسيطرون على الأندلس، فقال لهم المعتمد قولته المشهورة أن "رعي الإبل خيرٌ من رعي الخنازير"؛ أي أن يكون في خدمة سلطان المرابطين ويرعى إبلهم خير من أن يكون في خدمة ملك الإسبان ويرعى خنازيرهم.
دولة المرابطين
كانت حركة المرابطين ودولتهم واحدة من الحركات الدينية التي ظهرت في القرن الخامس الهجري في أقاليم إسلامية مختلفة حيث إستطاعت أن تملأ الفراغ الناجم عن ضعف الخلافة وتنهض بالإعباء الملقاة على كاهلها. وقد لعبت دوراً دينياً وسياسياً وعسكرياً، كما لعبت دوراً نشطاً في نشر الدين الإسلامي في بقاع لم تصلها الفتوحات.
كان يحيى بن إبراهيم ( الجوهر ) الجدالي، وهو من أبناء قبيلة جدالة الأمازيغية، عائداً من الحج عندما التقى في القيروان بالشيخ أبي عمران الفاسي وأُعجب بعلمه وشخصه، فشكى إليه حال أهله وقبيلته جدالة، وحاجتهم للتفقه في الدين. وكان الشيخ أبو عمران الفاسي متبحراً بالدين محباً للخير، فطلب من بعض طلبته المنتشرين في أصقاع المغرب المختلفة، أن يتوجهوا إلى حيث تقطن هذه القبيلة في الصحراء الواقعة بين جنوب المغرب وموريتانيا ومالي والنيجر. فلبى النداء أحد طلبته وإسمه عبد الله بن ياسين.
ودخل الجوهر وابن ياسين الصحراء، فانتهوا إلى قبيلة لمتونة. ولما رأى وجهاء القبيلة الجوهر يقود جمل ابن ياسين، وكانوا يعرفونه ويعرفون مكانته. فأخبرهم أن الذي يركب الجمل فقيه جاء يعلم أهل الصحراء، فرحبوا به. ومكث فيهم زمناً، ولكنهم لم يقبلوا منه أموراً مثل معاقبة السارق، فرحلا عنهم حتى التحقوا بقبيلة جدالة، قبيلة الجوهر، وكانت تسكن بالقرب من الساحل. فوعظهم عبد الله فاستمع إليه قسمٌ من أبناء القبيلة وأعرض عنه قسمٌ آخر. ولما يئس منهم عبد الله ، طلب عبد الله ممن تبعه من جماعته أن يغزوهم، وعرض القيادة على الجوهر فرفض، فعرضها على أبي بكر بن عمر ويذكر أن المرابطة حركة ظهرت في الشام، وكانت حركة ذات طابع ديني عسكري، كان بمقتضاها " يرابط " الراغبون في الدفاع عن البلاد من هجمات الروم في الثغور لبعض الوقت أو لبقية حياتهم. ثم استحدث نوعٌ آخر من الرباط يقتصر على العبادة في أماكن منقطعة. اللمتوني فقبل، وسماه أمير المسلمين، وسمى الجماعة المرابطين . وهكذا نشأت حركة المرابطين.
لم يلجأ المرابطون إلى قتال قومهم والقبائل الأخرى إلا بعد أن بقي زمرة منهم أصروا على المضي في الفساد فاستأصلوهم. وكثرت الجماعة وتتبعوا المفسدين بين القبائل. وقد أسسوا مدينة قريبة من مصب نهر السنغال ، فكانت رباطاً لهم. وكان قد زاد عددهم عن الألف، فطلب منهم الاستمرار بوعظ أقاربهم وأهلهم، واستمروا على ذلك إلى أن تضاعفت أعدادهم وغلبوا على الصحراء، بقبائلها، التي تعود إلى قبيلة صنهاجة، ومن بينها لمتونة وجدالة ومسوفة ومسراتة ومداسة وبنو وارث. وكانت هذه القبائل تستخدم الجمال في تنقلها الدائم بحثاً عن الماء والكلأ. وبقي عبد الله بن ياسين هو الزعيم الحقيقي للحركة، يعين من يراه مناسباً لقيادتها، وكان يثبت أنه قادر على الاختيار الصحيح، فقام بتعيين يحيى بن إبراهيم الجدالي أميراً. وقد تلقى الزعيمان رسائل من سجلماسة، يدعوه بها أهلها لتولي المدينة وإنقاذهم من ظلم حكامها، وكانت تحكمها قبيلة زناتة. فغزاها جيش المرابطين وتمكن من السيطرة عليها وقتل زعيمها بعد قتال شديد وكانت مدينة سجلماسة تقع في جنوب المغرب الحديث، بينما تقع مدينة أوغشت، وهي مدينة أخرى سيطر عليها المرابطون، تقع في موريتانيا الحديثة.
وفي العام 450 هـ (1058م) قرر قادة المرابطين غزو الشمال، ويعزو ذلك بعض المؤرخون إلى جدب أصاب الصحراء ذلك العام، ولكن عبد الله بن ياسين توفي قبل مغادرة الصحراء، فاستمر أبو بكر بن عمر في تولي القيادة، فكان أول صدام لهم بقبيلة مصمودة التي تسكن الجبال. وتقدم المرابطون يفتحون المدن المغربية، الواحدة بعد الأخرى، وقبل أن يكتمل فتحها، وصلت أخبار عن خلاف وقع بين قبيلتي لمتونة ومسافة في الصحراء، فرجع أبو بكر في سنة 452هـ إلى الصحراء، بعد أن ترك القيادة لابن عمه يوسف بن تاشفين في المغرب . وفي الصحراء تمكن من إصلاح ذات البين، ووجه أتباعه للجهاد في الجنوب. أما يوسف بن تاشفين فقد مكث فترة على أطراف المغرب ثم تقدم واستولى على مدنها واحدة بعد أخرى. وبعد أن فرغ أبو بكر من الصحراء عاد إلى المغرب، ليجد ابن تاشفين قد أصبح القائد المطلق للجيش والحركة، ومما يدل على نبل نوايا رجال هذه الحركة، لم يجنح أبو بكر إلى منازعة ابن تاشفين، فقفل راجعاً إلى الصحراء. وتوفي فيها سنة 480 هـ.
ثم قام يوسف بن تاشفين ببناء مدينة مراكش سنة 454 هـ (1062 م)، وقد اشترى موضع بنائها من قبيلة مصمودة، وأسكنها اتباعه من القبائل المختلفة ومن المهاجرين الأندلسيين الذين انضموا للحركة. وقد قدر لهذه المدينة أن تلعب دوراً محورياً في الدفاع عن الأندلس وأهلها وحضارتها لأكثر من أربعة قرون.
وتابع يوسف بن تاشفين فتح شمال المغرب، ففتح مدن طنجة ومليلة وسبتة، كما اتجه شرقاً ففتح مدن تلمسان ووهران والجزائر. ثم راسل أمير برغواطة في مدينة أنفا، وهي الدار البيضاء الحديثة، التي كانت تحشد المقاتلين لقتال المرابطين، فقاموا بقتل الرسل، فغضب لذلك يوسف غضباً شديداً، فجمع جيشاً كبيراً ووصل إقليم برغواطة خلال ثلاثة أيام. واستطاع الاستيلاء على كامل الإقليم بعد تشتيت جيشه، وأصبحت فاس في متناول يده، فدخلها، وكانت تعاني من حرب أهلية بين سكانها من الأندلسيين والقرويين، وكان يفصل بينهما سور فقام يوسف بهدمه، وذلك سنة 467 هـ. وعظم أمر المرابطين وأصبح جيشهم يزيد عن المائة ألف مقاتل .
وفي العام 478 هـ ( 1085م ) جاء الصريخ من الأندلس، بعد استيلاء الإسبان على طليطلة وبلنسية . وكان ابن تاشفين قد وظف الكثير من الأندلسيين في إدارته، مستفيداً من خبراتهم وعلمهم، مما حولها إلى دولة عصرية تسك نقودها ولها دواوينها. كما ضم إلى جيشه الكثير من المقاتلين الأندلسيين الذين كانوا قد هاجروا من الأندلس في العقود السابقة. وجلب من الأندلس العبيد والسلاح. وجاء طلب النجدة في كتاب من أمراء الأندلس، وبعث يوسف رداً مصاغاً بدقة، لم يتضمن وعداً قاطعاً بأن لا يضم إماراتهم إلى مملكته، ويذكر أن يوسف بن تاشفين لم يكن يتقن اللغة العربية. ثم بادر بالكتابة إلى القبائل البربرية للمساهمة في الجهاد في الأندلس، فقدموا عليه وبايعوه، كما كتب بذلك إلى قبائل الصحراء ولقي منهم نفس التجاوب. كما جال أنحاء المغرب ليرتب أوضاعها ويضمن ولاءها أثناء انشغاله في حربه في الأندلس .
ثم أرسل إلى الخليفة العباسي يطلب منه الولاية على المغرب، فحصل على ذلك، وكانت أخبار المرابطين قد وصلت إلى بغداد ولاقت استحساناً لدى علماء الشرق، ومن بينهم الغزالي، الذي كاتب ابن تاشفين.
كما وصلته، في هذه الأثناء، رسالة من ألفونسو السادس، ملك قشتالة، يهدده، ويتبجح فيها ويستعرض قوته، ويقول له فيها أنه مستعد أن يعبر إليه إلى المغرب، وكان رد إبن تاشفين حازماً.
واستعد المرابطون للعبور بصورةٍ مفصلة، لم يهملوا فيها شيء. فقد طلبوا إخلاء الجزيرة الخضراء في الجانب الأندلسي، لتكون قاعدة انطلاق لهم، فأرسلوا إليها طليعة من الفرسان وقاموا بتحصينها. وعبر يوسف بن تاشفين إلى الجزيرة الخضراء وتفقدها، ثم عاد إلى سبتة للإشراف على عبور قواته.
ثم عبر المضيق وتقدم في البلاد الأندلسية حتى التقى مع جيش قشتالة في معركة الزلاقة سنة 479 هـ (1086 م) حسب الكثير من المؤرخين، و سنة 481هـ حسب ابن خلدون . ألفونسو السادس
تولى حكم قشتالة، وهي إحدى الممالك التي تشكات منها إسبانيا، الملك الفونسو السادس (1072- 1109)، بعد أخيه سانشو الثاني، الذي كان العرب يسموه شانجه.
وكان ألفونسو السادس يلقب بالشجاع، كما أطلق على نفسه لقب إمبراطور جميع إسبانيا، لأنه كان حاكماً على ليون وقشتالة وتوسع كثيراً على حساب دول الطوائف. وكان شخصية حيكت حولها الكثير من القصص الرومانسية في التاريخ الإسباني.
وقد كانت تربطه بالمأمون، أحد أمراء الطوائف، صداقةً قوية، حيث كان يقول عنه أنه فارس على الرغم من كونه موري، أي مسلم وعربي أندلسي. وفي زمنه ظهر الفارس الإسباني المعروف المعروف بالسيد.
ويروى أنه لعب الشطرنج مع أمير أندلسي، وهو ابن عمار في زمن المعتمد بن عباد، فكان الاتفاق أن للغالب الحق أن يطلب ما يشاء، ففاز ابن عمار، فطلب من ألفونسو الرجوع عن مهاجمة إشبيلية ففعل. ولم يعرف عنه اضطهاده لرعاياه من المسلمين.
تمكن ألفونسو السادس من إنتزاع طليطلة سنة 1084م من أيدي المسلمين.
وعاش ألفونسو حتى العام 1109، وكان قد خسر معركة أخرى، بعد الزلاقة، أمام المرابطين سنة 1108 قُتل فيها ابنه وولي عهده، سانشو. وكان سانشو ابنه من أميرة أندلسية اسمها زيدة، يقال أنها كانت زوجة ابن المعتمد بن عباد. ويعد سانشو ابناً غير شرعياً لعدم شرعية العلاقة الزوجية بسبب دينها.
المعتمد بن عباد
كان المعتمد بن عباد أحد أبرز ملوك الطوائف، وكان يحكم في إشبيلية، وكان مبادراً للإقتراح الداعي للإستعانة بالمرابطين، فأبدى الحاضرون من تخوفهم من سيطرة المرابطين. فكان رد المعتمد بن عباد أن " رعي الإبل خير من رعي الخنازير". أي أنه يفضل أن يصبح تابعاً ليوسف بن تاشفين ويرعى إبله على أن يصبح تابعاً لألفونسو ويرعى خنازيره. فأثبت أن يمتلك حس عميق بالتاريخ، ويصدر أحكامه بناء على حسابات ليست شخصية أو عائلية. يوسف بن تاشفين
تولى يوسف بن تاشفين قيادة حركة المرابطين في مرحلة مبكرة من نشوءها، وذلك بتقليد من إبن عمه، كما أسلفنا. ولكنه إحتفظ بالسلطة وقاد الحركة حتى تحولت إلى دولة واسعة وقوية وعصرية.
وقاد جيشه الذي كان في إزدياد مستمر حتى تحطى المائة ألف مقاتل، حتى فتح مدن المغرب جميعاً وأجزاء واسعة من الجزائر وموريتانيا والنيجر.
ثم بنى مدينة مراكش، التي أصبحت عاصمة الدولة، وأسكن فيها أعداد كبيرو من أبناء القبائل ومن المهاجرين الأندلسيين، فأصبحت مدينة مزدهرة يطلبها طلاب العلم ويقصدها التجار والباحثين عن فرص.
كان إبن تاشفين حسن السيرة خيراً عادلاً يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم ويصدر عن رأيهم.كما كان حليماً كريماً، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام.
وعندما جاء الصريخ من الأندلس، بعد استيلاء الإسبان على طليطلة وبلنسية طالباً للنجدة لم يتردد في تقديمها. وعندما وصله كتاب الملك القشتالي الفونسو يتوعده طلب من أحد مساعديه أن يكتب جواباً، فكتب رداً مطولاً، فلم يعجب ذلك يوسف، فأخذ كتاب الفونسو وكتب على ظهره الذي يكون ستراً له. ولما وصل الرد إلى ألفونسو عرف أنه بُلي برجلٍ له عزم. وكان ابن تاشفين قد وظف الكثير من الأندلسيين في إدارته، مستفيداً من خبراتهم وعلمهم، مما حولها إلى دولة عصرية تسك نقودها ولها دواوينها. كما ضم إلى جيشه الكثير من المقاتلين الأندلسيين الذين كانوا قد هاجروا من الأندلس في العقود السابقة. وأرسل إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله يطلب منه الولاية على المغرب، فجاءه التقليد من ديوان الخلافة ولقب بأمير المسلمين فسر بذلك سروراً كثيراً. وكانت أخبار المرابطين قد وصلت إلى بغداد ولاقت استحساناً لدى علماء الشرق، ومن بينهم الغزالي والطرطوشي، الذين كاتبوا السلطان يوسف بن تاشفين، وأفتوا له ببعض الأمور.
معركة الزلاقة
وقعت المعركة بالقرب من مدينة بطليوس ، حيث وقفت جيوش الأندلسيين في ميدان المعركة منفصلة عن جيش المرابطين. فرابط جيش المعتمد بن عباد والجيوش الأندلسية الأخرى على سفح جبل في مقابلة الجيشين القشتالي والأرغوني البالغ عددهما ستين ألف مقاتل، بينما عسكر يوسف بن تاشفين خلف الجبل الذي عسكر عليه الأندلسيون، فظن ألفونسو أن ما يراه هو جميع جيوش المسلمين. وكان الإسبان قد عسكروا على بعد ثلاثة أميال من موقع الجيش الأندلسي، على الضفة الأخرى لنهر جيريرو. فأرسل ألفونسو للمعتمد يحدد موعد بدء المعركة بعد يومين ، فكتب له أن غداً الجمعة وهو عيدكم، وبعده السبت وهو عيد اليهود وهم كثر في دولتنا وبعده الأحد وهو عيدنا فنقاتلكم يوم الإثنين، فتركوه وما يريد . ولكنه هاجم الجيوش الأندلسية في يوم الجمعة الثاني عشر من رجب سنة 479هـ ( 23 تشرين أول سنة 1086م ) ، التي تزحزحت عن مكانها ما عدا جيش إشبيلية فقد بقي صامداً. فتعقبت خيالة أرغون البقية. ويذكر المؤرخون أن قادة المسلمين عرفوا أن ألفونسو أراد بما قال خداعهم، وأنهم لم يتفاجئوا.
ثم قام جيش المرابطين، بقيادة داوود بن عائشة وسيرين أبي بكر اللمتوني، بشن هجوم على معسكر الإسبان وأحرقوه، عند ذلك أدرك الإسبان أن هناك جيش جديد دخل المعركة وقام بحركة إلتفافية، فتراجع إلى المعسكر، بصورة فوضوية تحولت إلى هزيمة. فلحقهم المرابطون والأندلسيون، فلجأ ألفونسو السادس إلى تلة مع خمسمائة من فرسانه، حيث انسحبوا تحت جنح الظلام. وقد أُبيد معظم جيش الإسبان في هذه المعركة، بل يؤكد بعض المؤرخين أن الخمسمائة فارس الذين نجا معهم ألفونسو، كانوا كل ما نجا من الجيش، ولم يصل جميعهم سالمين إلى طليطلة، حيث مات بعضهم متأثرين من جراحهم.
تسمت المعركة على إسم السهل الذي وقعت فيه والواقع في الجزء الجنوبي من بلاد الأندلس يقال له الزلاقة. يقال أن السهل سمي بذلك نسبة لكثرة انزلاق المتحاربين على أرض المعركة بسبب كمية الدماء التي أريقت ذاك اليوم وملأت أرض المعركة. وتسمى المعركة لدى المؤرخين الغربيين بنفس الاسم العربي لها، وتسمى أيضاً Sagrajas .
موقع معركة الزلاقة، ما بعد المعركة
وبعد المعركة توجه أمراء الطوائف إلى عواصمهم، وعاد السلطان يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك جزءاً من جيشه للمشاركة في الدفاع عن الأندلس في حال تجدد القتال. أما ملوك الطوائف فعادوا إلى حياتهم الطبيعية.
ما إن عادت جيوش المرابطين إلى المغرب، حتى استأنف الإسبان تحرشاتهم. وقد نشبت الصراعات بين الأندلسيين من جديد، كما أنهم لم يستثمروا انتصار الزلاقة كما يجب. واستأنف ألفونسو السادس هجماته على الحصون الأندلسية، بعد أن أعاد تنظيم جيشه وعوض خسائره. فقد نشبت صراعات بين المعتمد بن عباد وأمير آخر اسمه ابن رشيق. كما بدأت جماعات من المقاتلين الإسبان بمهاجمة مواقع أندلسية.
ثم قام الفونسو ببناء حصن منيع، سمي لييط في موقع متقدم اتخذوه قاعدة لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشرق والغرب والجنوب. وخلال العامين التاليين لمعركة الزلاقة تردت الأوضاع أكثر وأكثر، فقام فقهاء الأندلس بالاستغاثة بالسلطان يوسف بن تاشفين ثانيةً، كما قام المعتمد بن عباد بمقابلة يوسف بن تاشفين بالقرب من تطوان. ومرة ثانية لبى السلطان المرابطي النداء وعبر المضيق بعد أربع سنوات من حملته الأولى، وذلك سنة 483 هـ (1090م).
فالتقت الجيوش الإسلامية بالقرب من حصن لييط، وكان منيعاً جداً فلم يقدروا على اقتحامه. ثم وصل ألفونسو على رأس جيش، حيث تمكن من إخلاء المحاصرين واحراق الحصن والمغادرة. ولم يشتبك الجيشان، فقد تجنبا ذلك لأسباب مختلفة، فقد كان ألفونسو قد تلقى ضربة قاسمة مؤخراً، أما ابن تاشفين فلم يكن راضياً عن جبهته الداخلية.
مكث ابن تاشفين في الأندلس أربعة أشهر، وعندما قفل راجعاً كان قد حزم أمره على ضم إمارات الأندلس إلى دولته. وكان شعب الأندلس وفقهاؤها يؤيدون هذا المسعى، بل إن بعض الفقهاء حرضوا الناس على عدم دفع الضرائب لأمراء الطوائف. الذين كانوا يدفعون إتاوات لملك قشتالة، فقد قام الأمير عبد الله بن بلقين، أمير غرناطة بدفع إتاوة ثلاث سنوات مقدماً. وكانت هذه الإتاوات تهدف، بين أمور أخرى، إلى استنزاف قدرات إمارات الأندلس المالية.
ثم قام ابن تاشفين بمراسلة الخليفة للحصول على تفويض لحكم المغرب والأندلس، فحصل عليه، وكان ذلك في زمن المقتدي العباسي. وفي سنة 483 هـ (1090م) عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس، ولكن هذه المرة بدون دعوة. فقد دخل إلى بلاد يعدها من ضمن مملكته، بتفويض من الخليفة، وبفتوى من فقهاء المغرب والمشرق. فبعث الرسائل للأمراء يطلبهم الدخول في طاعته. فقام بضم غرناطة ثم قرطبة وإشبيلية، وكانت مقاومة إشبيلية شديدة، وهرب المعتمد إلى الشمال الإفريقي، حيث عاش بقية عمره في فقر مدقع. ثم سيطر المرابطون على بلنسية ومرسية ودانية وشاطبة. ثم سيطروا على المرية فأصبحت معظم الأندلس في أيديهم. وكانت بلنسية تحت حكم يحيى بن ذي النون، وكانت تحت حماية قشتالة، وكانت تعسكر فيها حامية بقيادة الأمير الإسباني السيد، ومع هذا استطاع المرابطون هزم القوة المشتركة المدافعة عن المدينة. ولم يبق سوى سرقسطة، المجاورة لمملكة أرغون. فعاد ابن تاشفين إلى المغرب دون العمل على ضم سرقسطة، بل أوصى إبنه بعدم ضمها.
ولكن في العام 485 هـ (1092 م) أرسل ابن تاشفين جيشاً بقيادة أحد قادته للتعامل مع أحد أمراء الطوائف المتحالفين مع الإسبان، فسيطر على شرق الأندلس. فقام عند ذلك ألفونسو بمهاجمة بلنسيا والسيطرة عليها. ولكن المرابطين استطاعوا استعادتها.
وقام ابن تاشفين بزيارة رابعة للأندلس في العام 496هـ (1103 م)، وكان قد شاخ وهرم، ومع هذا فقد تجول فيها وتفقد حصونها، وكان في صحبته اثنان من أولاده.
توفي يوسف بن تاشفين سنة 500 هـ (1107م) في مراكش وقد تجاوز عمره المائة. وقد بلغت دولته أوج قوتها واتساعها بعد ضم الأندلس، والتي ضمت النيجر وموريتانيا الحديثة والجزائر والأندلس، إضافةً إلى المغرب.
توفي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين سنة 500هـ وتولى بعده الحكم إبنه على بن يوسف، وسار على نهجه.
نديم أسـعد