تولى الناصر لدين الله الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 575 هـ (1180 م)، وهو من أطول الخلفاء العباسيين حكماً حيث إستمر في الحكم إلى أن توفي سنة 622هـ (1225 م).  وقد حكم في الوقت الذي كان العالم العربي والإسلامي يخوض الحروب الصليبية مع القارة الأوربية، حيث كانت تتابع الحملات الصليبية كلما دعت الحاجة.
كان داهية متقلب الأطوار فكان يتأرجح بين الجد واللهو ، وكان العامة يعتقدون أن له قدرات خارقة، ويعود ذلك إلى قدراته في الحصول على معلومات.  وقد إستطاع أن يستعيد بعض أملاك الدولة في خوزستان وتكريت وهمدان ، وقد كان يخطب له على المنابر في المغرب وخراسان.  وكان معاصراً للسلطان صلاح الدين بن أيوب، الذي كان يتبع الخلافة العباسية ولو إسمياً، كما كانا، الخليفة والسلطان يتلقبان بنفس اللقب وهو الناصر،  وفي زمانه إستعاد المسلمون بيت المقدس من الصليبيين .  وقد كان صلاح الدين يخطب للناصر على المنابر ، وكان يتلقى منه الدعم بأنواعه ، فقد كان يرسل إليه بالنفط المستخدم في حصار المدن والمتطوعين.  وعلى الرغم أن نصر حطين وتحرير القدس لا يعزى فضلهما، ولو جزئياً، إلى الخليفة الناصر، فقد يكون ذلك إجحافاً، فقد كان هناك تنسيق فيما بينهما ، كما كان هناك دعم.
توفي الخليفة الناصر بعد أن حكم 47 سنة وفقد إحدى عينية وضعف بصره وفلج ثلاث سنين وبلغ عمره سبعين سنة، وكان قبيح السيرة في رعيته فخرب في زمانه العراق.
لقد ظهر الخليفة الناصر في زمن ضعف الخلافة، كما ظهر في زمن إحتدم فيه الصراع بين الشرق والغرب.  ولكنه كان يمتلك مهارات قيادية وإدارية إستثنائية ومستغربة وكانت ميكافيلية بطبيعتها، وقد إستطاع أن يحقق بعض المكاسب، ولكنه لم يوظف قدراته وهيبة الخلافة بشكل ناجح ومستدام كما لم يستطيع توظيف اللحظة التاريخية المؤاتية، والمتمثلة بالحروب الصليبية والخطر المغولي الداهم، حيث كانت الأمة تبحث عن قائد يخلصها.

                                                                                                                             نديم أسـعد