سيف
الدولة ( 334 – 356 ) ( 945 – 967 ) هو علي بن حمدان ، وأبوه أبو الهيجاء ، وأخوه ناصر الدولة، وتعود أصولهم إلى قبيلة تغلب العربية. وقد نشأ جندياً في جيش أخيه ، حيث حارب الروم عام 326 وواجه جيشاً كبيراً ، وحقق بعض المكاسب . كما تمرس في حروب أخرى مع خصومهم الكثر . وغزا الروم وتوغل في بلادهم في العام 328 ، وقدم خدمات جليلة للخلافة . ولكنه لجأ إلى نصيبين ، ولم يجد بين يديه ما يلبي طموحه ، فطلب من أخيه ناصر الدولة أن يوليه أحد الأقاليم . فقال له عليك بالشام . وكان يحكمها والٍ آخر مستفرد بالحكم دون الخلافة، وهو الإخشيد. فتوجه بجيشٍ إلى الشام حيث إستطاع هزيمة جيش كافور الإخشيدي ، ويضم معظم الأراضي الشامية، من الحدود الشمالية حتى مدينة دمشق
. حيث أسس له قاعدة في حلب ، وأسس دولة لعبت دوراً مهماً في مقاومة وصد هجمات الروم ، في وقت ضعفت فيه الخلافة .
وقد عاصر سيف الدولة برداس فوكاس و أخيه نقفور فوكاس ، وكان الثاني من أعظم قادة الروم العسكريين ، قبل إعتلاءه العرش . وهو عسكري محترف ، يملك من الصفات الخلقية ما جعله أسطورة بين جنوده .
فأما برداس فقد إلتقى بسيف الدولة في عدة معارك ولم يحرز نصراً مشرفاً واحداً ، بل خسر معظمها، وتمثل ذلك بخسائره البشرية الكبيرة التي كثيراً ما تضمنت قواد . وقد جرح في معركة مرعش سنة 342 هـ ( 953 م ) ووقع إبنه أسيراً في يد سيف الدولة
.
وقد كان لمعركة مرعش وقعاً قاسياً على بيزنطة ، إذ دخل برداس على أثرها الدير مترهباً . وقد عيره المتنبي ، الذي كان معاصراً لسيف الدولة ويرافقه في حاشيته ، قائلاً :
أتسلم للخطية إبنك هارباً ويسكن في الدنيا إليك خليل
وقد كان الإمبراطور البيزنطي رومانوس الثاني معاصراً لسيف الدولة ، فسحب قائد جيوشه المشهور نقفور فوكاس، قبل أن يتولى العرش البيزنطي، من الجبهة الغربية وأرسله لمقارعة سيف الدولة.
لقد إنشغل الحمدانيون والروم بمعارك سنوية موسمية ( الصوائف والشواتي ) وقد سجل كلٌ منهما إنتصارات على الآخر. ولكن حدث في هذه المرحلة من الصراع إختراق غير عادي، فقد تمكن نقفور فوكاس من الإستيلاء على حلب، عاصمة سيف الدولة . وكان قد أعد جيشاً ضخماً قوامه مائتي ألف جندي بعد نقله من الجبهة الغربية سنة 350 ( 961 م ) ، وقام بمهاجمة حلب مباشرةً . حاول سيف الدولة أن يجعل اللقاء في مكان آخر ولكنه لم يتمكن ، فوصلت طليعة جيش الروم المكونة من ثلاثين ألف فارس ، فإلتقوا بجيش سيف الدولة خارج أسوار حلب ، وأثناء القتال إنسحب سيف الدولة ، فإنهارت جبهته . فحاصر فوكاس المدينة ثم فاوض أهلها ، فدخلها وإستعصت عليه القلعة . فحرروا أسراهم الموجودين في المدينة وأخذوا أسرى من صبيان وصبايا المدينة بأعدادٍ كبيرة . وعلى ما يبدو أنه كانت هناك مقاومة منظمة في المدينة فقد قُتل أحد أكبر قادة الروم إبن الشمشقيق
Jean Tzimisces
، مما أغاظ نقفور فقتل كثيراً من الأسرى الذين كانوا بيده .
عاد سيف الدولة إلى حلب في نفس الشهر ، وكان الروم قد إنسحبوا منها . وقد برر سيف الدولة إنسحابه للإنضمام إلى جيشه الذي كان موغلاً ببلاد الروم .
عاد سيف الدولة إلى غزو الروم حتى وصل ملطية . كما عاود نقفور حربه فحاصر المصيصة لمدة سبعة أيام وعاد عنها . ولكنه عاد وإستولى على المصيصة وطرسوس وهدد بالس وقنسرين في داخل حدود الشام
.
لقد كانت الدولة الحمدانية صغيرة الحجم ومحدودة الموارد ، ولكنها لعبت دوراً مهماً في إبعاد الخطر البيزنطي ، وإن تلقت ضربات قوية ، فقد حققت أيضاً بعض الإنتصارات .
لقد ظهر الحمدانيون في وقت كان ميزان القوى يميل لصالح الإمبراطورية البيزنطية، فملأت الفراغ وأجهضت محاولات بيزنطة لإستعادة سوريا، ولكن الحمدانيين بقيادة سيف الدولة تمكنوا من جعل هذا الهدف بعيد المنال. لقد تمكن فوكاس من إستعادة جزيرة كريت من العرب، ولكنه فشل في تحقيق نجاح في صقلية.
كانت دولة الحمدانيين محدودة الموارد، إذا ما قورنت بالإمبراطورية الرومانية، ولكنهم كانوا يتلقون مساعدات ومتطوعين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، مثل الخرسانيين الذين قاتلوا مع سيف الدولة بعد حصار المصيصة.
كان سيف الدولة قائداً تميز بخصائص خاصة، فقد كان كريماً شجاعاً
. ويبدو أنه كان ماهراً في إستخدام الموارد المتاحة، على قلتها. وكان يتذوق الشعر ويقوله. وقد أُشتهر بلاطه بالمناظرات والمماحكات بين المتنبي وأبي فراس الحمداني.
في نفس السنة التي مات فيها سيف الدولة مات فيها غريميه نقفور وكافور الإخشيدي.