الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد الثورة في شمال المغرب التي إستعرت ضد المستعمرين الفرنسي والإسباني في عشرينات القرن العشرين، وحقق إنجازات باهرة.
في بداية العشرينات كان المستعمرون الأوربيون يستمتعون بما حظوا به من مستعمرات، حيث إقتسموا العالم فيما بينهم، وكانت الأوضاع مستقرة في الغالبية العظمى من المستعمرات في آسيا وإفريقيا والعالم الجديد. ولكن الأمير المجاهد المغربي الأمازيغي خرج عن سرب الإستكانة وقاد تحالف من القبائل الأمازيغية الشمالية وصنع تاريخ مجيد.
محمد بن عبد الكريم من مواليد بلدة
أجدير
بالريف في شمال
المغرب
سنة 1882. تتلمذ على يد والده فدرس القرآن أولاً، وكان والده يحظى بمكانة سياسية ويقود حركة معارضة للإستعمار في الريف. ثم أتم دراسته
بمدرسة الصفارين
والشراطين
بفاس
. ثم إلتحق ب
جامع القرويين
بفاس
. بعد أن تعمق بالفقه الإسلامي والحديث.
بعد إتمامه تحصيله العلمي عمل معلما ثم قاضيا ثم قاضي القضاة في مدينة
مليلية
المحتلة من قبل الإسبان منذ أكثر من أربعمائة سنة. ثم عمل محرراً في جريدة تلغراف الريف. وسرعان ما تم إعتقاله في
مليلية
من طرف سلطات الإحتلال الأسبانية، حيث سجن لمدة 11 شهراً، ثم أُطلق سراحه بعد أن تبرأته من التهم المنسوبة إليه.
وبعد ذلك أعيد تعيينه قاضيا للقضاة من جديد. ولما فشلت المفاوضات بين أبيه
والإسبان
، عاد بصحبة أخيه إلى
أجدير
لتنظيم صفوف القبائل خلف والدهما الذي كان يقود المقاومة
بتفرسيت
.
وهناك تمكن من توحيد صفوف قبائل
الريف
شمال المغرب. قبائل آيت وياغر وآيت تمسمان وآيت توزين وأبقوين وباقي قبائل الريف وجبالة. وشكل منها مجلس القبائل. وإتفقوا على مقاومة المحتل الإسباني، الذي قام بالإستيلاء على معظم المناطق المحيطة بمليلة لغاية
تمسمان
و
أنوال
.
وفي أنوال دارت
معركة حاسمة إختبر الطرفان معدن بعضهما. فعلى الرغم من فرق التسليح والتنظيم والعدد إنتصر الثوار. فكانت معركة أنوال
في أيار 1921 الشهيرة، التي انهزم فيها الإسبان أمام الثوار.
اندحر الجيش
الإسباني
المنَظٌم والكثير العدد أمام قلة من المجاهدين، وانهزم الجنرال سلفستري، الصديق الحميم للملك ألفونسو الثالث عشر، ملك اسبانيا آنذاك. الذي وعد ملكه وجيشه والعالم بأنه سينتصر على الريفيين وسيشرب
الشاي
في بيت عبد الكريم الخطابي
بأجدير
، فخاب ظنه.
وما إن ذاع خبر انتصار الخطابي ورفاقه في معركة أنوال، حتى هبت قبائل الريف تطارد الإسبان أينما وُجدوا، ولم يمض أسبوع إلا وقد ظفر الريف عليهم، وأصبح وجود الإسبان مقتصرًا على مدينة تطوان وبعض الحصون.
ثم قام الأمير بإستثمار إنتصاراته فأسس جمهورية الريف في
18 سبتمبر
1921
، جمهورية عصرية بدستور وبرلمان، وعاصمتها
أجدير
وعملتها الريفان وعيدها الوطني هو يوم استقلالها (18 سبتمبر). أعلن
محمد بن عبد الكريم الخطابي
أميرا للريف. تم تشكيل الجمهورية رسميا في
1 فبراير
1923
، وكان الخطابي رئيس الدولة ورئيس الوزراء في البداية، ثم تم تعيين رئيس للوزراء.
ولكن الجمهورية لم تعش طويلاً، فتحالف الفرنسيون والإسبان على تدميرها. ويذكر هنا أن جمهورية الريف لم تكن مترامية الأطراف، فقد كان سكانها لا يتخطى عددهم العشرين ألف نسمة. فهاجموها بقوة مشتركة يزيد عددها على عدد سكان الجمهورية بأضعاف كثيرة، وقاموا بإستخدام الأسلحة الكيماوية بكثافة، حيث ما زالت المنطقة تعاني لليوم من آثارها. نجم عن الحملة حل الجمهورية في
27 مايو
1926
.
على أثر إجتياح جمهورية الريف قام الأمير بتسليم نفسه، فنفوه وعائلته إلى جزيرة لارينيون وبعد أكثر من عشرين عاما في المنفى، قرروا نقله إلى فرنسا، وأثناء مرور الباخره التي كانت تقله ببورسعيد طلب حق اللجوء السياسي من الملك فاروق، ملك مصر آنذاك، فأستجاب فورا لطلبه. فأقام في مصر حتى توفى.
وبعد نفيه تخلى المجاهد الكبير
محمد بن عبد الكريم الخطابي
عن المشروع الإقليمي القبلي وأخذ ينادي باستقلال كل المغرب من الحماية الإسبانية والفرنسية. كما ساند انطلاقا من القاهرة ومن خلال راديو صوت العرب في عهد عبد الناصر الحركات التحررية في كل من
الجزائر
و
تونس
و
ليبيا
، وباقي الدول العربية والإسلامية، إلى أن توفي في
القاهرة
، في
6 فبراير
1963
.
قبل أن يُتوفى شهد القائد الكبير إستقلال المغرب وعودة محمد الخامس إلى المغرب ملكاً عليها. كما شهد إندحار الإستعمار، الذي حارب ضده، من عدد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية. ولكنه إستمر في منفاه ولم يعد إلى المغرب، إلا أنه كان موضع تقدير الملك محمد الخامس، الذي كان يحرص على زيارته في مقر إقامته في القاهرة كلما حضر إليها. وبعد وفاة محمد الخامس وتولي الحسن الثاني، لم يلق منه المجاهد الكبير المعاملة التي تلقاها من والده.
توفي الأمير المجاهد في القاهرة بمصر، ودفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة. تمتع القائد الفذ بقدرات فريدة، فقد كان قائداً جامعاً إستطاع توحيد قبائل شمال المغرب وحشد قواهم لمقارعة المستعمر. وكان متواضعاً محباً للناس ولا يعبأ بالأضواء والمناصب والنياشين.
كما كان قائداً عسكرياً مبدعاً. فقد تأثر بأساليبه كبار قادة حروب العصابات في العالم؛ مثل ماو تسي تونج وهو شي منه وفيديل كاسترو وتشي جيفارا. كما تركت التكتيكات التي إبتكرها أثرها على الثورة الجزائرية والحرب الأهلية الإسبانية.
يمكن القول بحق أنه مؤسس مفهوم حرب العصابات
guerilla warfare
وحرب التحرير الشعبية people's war ، ويروى أن بعض الثوار العرب الذين قصدوا الصين بقصد الحصول على تدريب عسكري، قيل لهم هناك أنكم جئتم إلينا للحصول على المعارف العسكرية ولديكم إرث
عظيم تركه
الخطابي. رحمه الله.