هناك عدد من العقد النفسية تعاني منها الذهنية الإدارية العربية ترسبت عبر قرون طويلة، نستعرض بعضاً منها في سلسلة من المقالات على أمل التعامل معها بما يضعنا على طريق بناء فكر إداري متجانس نابع من مضامين محلية.
القوالب الجاهزة
كثير من المدراء تعتمد قوالب جاهزة في تعاملاتهم اليومية وأساليب إدارتهم، في الغالب تكون هذه القوالب مستوردة. هؤلاء المدراء من النوع الذي يقرأ، ويميل إلى التقليد، ولا ينزع إلى الإبتكار.
بمعنى يقرأ عن نظام في إدارة الإنتاج أو في الجودة أو في حفظ الملفات، وتعلق في ذهنه بعض العبارات فيتخذها شعارات يكررها بنصها الأصلي، وغالباً ما يكون بالإنكليزية، لإثبات وجهة نظرة، وربما .. ليترك إنطباعاً قوياً على الآخرين.
من الجميل أن نقرأ ومن الحكمة أن نتعلم من الآخرين، ولكن ليس من المنطق أن نستورد قوالب جاهزة ونعمل على تطبيقها كما هي، دون أن نعيي الفروقات الثقافية وتباين درجات التطور بين مجتمعاتنا وبين المجتمع الذي إنبثقت من محرابه الأنماط المستوردة.
لم يفعل ذلك اليابانيون. قام اليابانيون بجلب المعلمين الغربيين، كما أرسلوا من ذهب لدراسة الحضارة الغربية، ثم أضافوا لمساتهم إلى ما تعلموا من الغرب، فطوعوا النظريات والأنماط والتوجهات والأفكار القادمة من الغرب وألبسوها العباءة اليابانية‘ فظهرت مدرسة جديدة، سرعان من هرع الغرب لينهل منها. على كل حال ينبغي القول أن اليابانيين تاهوا مائة سنة عمدوا فيها إلى التقليد، ولكن التصحيح جاء بعد الحرب العالمية الثانية، على يد الجيل المهزوم، الجيل الذي خذلته التكنولوجيا القائمة على التقليد.
كذلك، لم يفعل الأوربيون مثل ذلك قبل سبعمائة سنة، عندما إنفتحوا على العلوم العربية، وتعلموا وأضافوا وجاؤوا بحضارة عظيمة. تعلموا التحليل المنطقي وأضافوا إليه البحث والتقصي
inquiry
.
كل حالة هي حالة خاصة. تختلف المتطلبات من مجتمع إلى آخر، بل من مؤسسة إلى أخرى. لذلك ينبغي عدم تطبيق أي نظام دون أن يكيف ويطوع ليتناسب مع وضع الحالة موضع التطبيق. لا مكان للقوالب الجاهزة، فما يصلح لحالة قد لا يصلح لحالة أخرى.
ينبغي الإنتقال إلى مدخل أكثر إبداعية لعمليات بناء النظم والإجراءات العملياتية.
نديم أسـعد