هناك عدد من العقد النفسية تعاني منها الذهنية الإدارية العربية ترسبت عبر قرون طويلة، نستعرض بعضاً منها في سلسلة من المقالات على أمل التعامل معها بما يضعنا على طريق بناء فكر إداري متجانس نابع من مضامين محلية.
البحث عن نتائج سريعة وعدم الإستثمار في المستقبل
يجنح الكثير
من
مدرائنا
إلى العمل لتحقيق أهداف قصيرة المدى. وبالتالي عدم إيلاء المدى البعيد، بنتائجه وخططه وإمكانياته، أهمية كبيرة. وهذا النهج يأخذ منحى أكثر خطورة حين تتحول الإدارة إلى التضحية بالمكتسبات المحتملة في المستقبل البعيد والمتوسط من أجل مكتسبات فورية على المدى القريب.
وهذا يرجح كفة المكتسبات قريبة المدى على المكتسبات بعيدة المدى
short term vs long term
في المقارنة بين التوجهين القريب المدى والبعيد المدى.
ولذلك يجب على الإدارة إعطاء إحتياجات المستقبل حقها من العناية والتحضير ورصد الميزانيات والتدريب وتحديث التكنولوجيا ودراسات السوق إلخ..حتى لو أدى ذلك إلى رفع تكاليف المرحلة وتراجع نتائجها المالية ( أي التضحية ببعض مكتسبات الحاضر لصالح مكتسبات المستقبل ). ويجب كذلك على مجالس الإدارة أن تعتاد أن تتفهم مثل هذا النهج، بل يجب تثقيف جمهور المساهمين وتوعيتهم لأهمية ذلك، وبالتالي تقبل نتائج متراجعة قليلاً بسبب توسعات أو برامج تدريب أو تحديث خطوط إنتاج أو غير ذلك.
تهدف كل مؤسسة في العالم إلى النمو والتوسع، وعلى أقل التقدير تسعى إلى البقاء. وهذا لا يأتي من فراغ ؛ بل بالإعداد المسبق الذي يبدأ بالوقت المناسب. فهناك كثير من الأمور والقضايا لا تحلها النقود لوحدها، وإنما تحتاج إلى مزيج من المال والوقت والجهد. من الأمثلة على ذلك إعداد الكوادر الإدارية. فللحصول على مدير إنتاج يعمل في مؤسسة تتبنى ثقافة محددة، وتعمل وفق نظم وتقاليد خاصة، لا يمكن أن يأتي ذلك من خلال إعلان في جريدة، أو من خلال توظيف خريج هندسة صناعية جديد. وذلك لأن هناك تدريب خاص في الشركة ضروري في جميع الحالات، وهناك ثقافة ينبغي لهذا المدير المحتمل أن يستوعبها ويتشربها، قبل أن يتسلم عمله ويصبح مؤتمناً عليها وعلى مقدرات المؤسسة وكذلك الحفاظ عليها وتدريب الآخرين عليها وإدامتها. فليس من المستغرب أن ندعو إلى تعيين شخص كهذا قبل البدء ببناء قاعة الإنتاج التي سيتولاها.
إن إختيار البعض، في بعض الظروف، السعي وراء نجاحات سريعة، إنما هو مثل تناول المخدرات سعياً وراء سعادة زائفة ومؤقتة. الأمر الذي يعطي إنطباعاً لا يمثل الواقع، بل يصرف النظر عن عيوب في النظام فلا يتم التعامل معها في حينه، وربما تستفحل بعد زمن ويصبح تصليحها أكثر كلفة وأكثر
صعوبة
.
نديم أسـعد