بعد ما يزيد على أكثر من نصف قرن من إستقلال ما تبقى من مستعمرات في إفريقيا وآسيا تبرز قضية الإستدامة في التنمية كسبب هام في تخلف الكثير من هذه الدول صناعياً وزراعياً وتعليمياً وثقافياً. كما بدأ مفهوم التنمية وإستدامتها يجذب إنتباه الباحثين بشكل متزايد.
وتتحقق الإستدامة بالبناء التراكمي المتواصل والذي يأخذ طابعاً شمولياً ، وعدم التراجع عن المكتسبات بإدامتها وصيانتها وإنمائها بالإضافة الكمية والنوعية جيلاً بعد جيل بغض النظر عن تغير الإدارات والحكومات.
وتنتفي الإستدامة في العادة نتيجةً لغياب المؤسسية بالدرجة الأولى كنمط ونهج للأداء الإداري يعتمد على سيادة النظم والتعليمات وليس على مزاج الريس، أو في أحسن الأحوال حسب إجتهاداته؛ ولم تكن للمؤسسية وجود في الأداء العربي العام سياسياً وتعليمياً وعسكرياً وعلمياً، فبينما أخذت أوربا ببناء نظام قضائي قائم على وجود محاكم إبتداءاً من القرن الثالث عشر كان العرب قد عرفوا قضاءاً نزيهاً منذ القرن السابع ولكنه كان قائماً على قضاة وليس على محاكم، كما عرف العرب وزراء عظام وحكام كبار وعلماء مبدعين ولم يعرفوا وزارات وحكومات وإدارات ومراكز أبحاث، بالشكل المنظم، وعندمت ظهرت الجامعات الأوربية بعد الجامعات العربية بعدة قرون، إستمرت الجامعات الأوربية بمؤسسيتها وإختفت الجامعات العربية، على عظمتها، وبعد أن لعبت دوراً عظيماً في تقدم العلوم والمعارف الإنسانية، بإختفاء العلماء الذين كانوا يديرونها والحكام الذين كانوا يدعمونها.
لا يضير الحضارة العربية وما أضافته من إضافات جليلة لحصيلة البشرية من علوم ومعارف، الإقراربأنها إفتقدت إلى المؤسسية، كنهج وفلسفة أداء، وخاصة أن غياب المؤسسية لا يزال أحد أهم المشاكل التي تواجهنا في إداراتنا على جميع الصعد.
كما أن غياب الإتساق في الأنماط والفلسفات الإدارية, وشيوع المزاجية وضعف روح الفريق يؤدي كذلك إلى ضعف الإستدامة. وهذا ينطبق على مؤسسات الدولة بقدر ما ينطبق على مؤسسات القطاع الخاص.
نديم أسـعد