وللمجتمعات دور مهم في مسلك ونجاح وإستمرار المشاريع التنموية في محيطها، وهي تشكل بيئة المشروع التنموي، ولا يمكن عزله عن بيئته.
وهذا الدور حيوي إلى حدٍ كبير؛ فالمجتمع هو المصدر الذي يأتي، في العادة، منه المستثمر وأعضاء الإدارتين العليا والوسطى.. وهو كذلك المصدر الذي يأتي منه العمال . كما أن منتجات وخدمات المصنع أو المؤسسة الخدمية تباع لمستهلكين ومستخدمين ينتمون لهذا المجتمع. وأن جميع التراخيص والوثائق الضرورية لتأسيس وتشغيل المشروع التنموي يصدرها موظفون حكوميون ينتمون لهذا المجتمع. والأهم من ذلك أن المشروع التنموي، سواءاً كان مصنعاً أو فندقاً أو شركة إتصالات أو شركة مقاولات تتأثر ثقافته المؤسسية بثقافة المجتمع المحيط .. تتأثر بثقافة البيئة، التي تقصفها بمؤثرات ثقافية لا يمكن تجاهلها لما لها من تأثير قوي سلباً وإيجاباً.
تختل العلاقة مع المجتمع إذا ما كان المشروع التنموي مملوكاً لمستثمر أجنبي، أو يدار من قبل إدارة أجنبية أو يشغل عمالة أجنبية وقائم على تصدير منتجاته إلى الأسواق الأجنبية. هنا تنشأ ثغرة كبيرة ناجمة عن التباين الثقافي الذي يجعل الفهم المتبادل أمراً صعب المنال، كما تنشأ هذه الثغرة نتيجةً لإعتقاد هؤلاء المستثمرين وهؤلاء الإداريين أنهم لا يحتاجون المجتمع ولا يحتاجون إلى إقامة علاقة معه وغير معنيين بتجسير الثغرة القائمة. ومن هنا تنشأ علاقات غير صحية مع فعاليات المجتمع المختلفة تختل فيها المعادلة تماماً، فقد تصبح فوقية أو تصبح واهية لا يكاد يلاحظ لها وجود. وهذا ينبع من فشل هؤلاء المستثمرين في تفهم إحتياجات المجتمع المحيط وأيضاً من عدم رغبة بعضهم في بذل جهد لهذه الغاية، ويعزز ذلك قناعتهم أن وجودهم في البلاد مؤقت.
إن هذا يدعونا إلى إعادة النظر في مفاهيم " تشجيع الإستثمار " وجلبه، فلو بذلت نفس الجهود على الإستثمارات الأردنية المهاجرة وأعطيت نفس المزايا لكانت النتائج أفضل بكثير.. فلا يمكن أن تُبنى تنمية مستدامة على إستثمارات أجنبية لا ترغب في أن يكون لها جذور في الأرض الأردنية.
ويحصل في كثير من الحالات أن يتصرف أبناء المجتمع مثل الأجانب، ويعزلون مشاريعهم عن المجتمع ويتقوقعون بطريقة مستغربة. وينجم ذلك عن عدم إدراكهم أهمية المسئولية الإجتماعية لمؤسساتهم.
وفي حقيقة الأمر أن العلاقة القائمة بين المجتمع وعالم الأعمال برمته لا تقوم على أسس سليمة، فمجتمعنا قلما ينظر إلى المشاريع التنموية كذخر وطني ينبغي دعمه وحمايته بشتى السبل. وفي المقابل نرى الإنعزال وتفضيل توظيف الأجانب وإستخدام مدخلات إنتاج مستوردة وعدم التفاعل مع المجتمع وفعالياته ومراعاة ضوابطه وتقاليده، يظهر من البعض في الطرف الآخر.
إضافة إلى ذلك نرى المؤثرات الثقافية بما في ذلك السياسية والدينية والفكرية والمذهبية تلقي بظلالها بقوة على المشاريع التنموية؛ فيمكن لمجتمع المصنع او الشركة الصغير أن يكون منقسماً على نفسه مثل إنقسام المجتمع الأم الذي أتى جميع العاملين منه. كما يمكن أن تسود قيم إيجابية وقيم سلبية وصلت بالنقل والتأثير من المجتمع الكبير.