في مجتمعنا تعاني الصناعة، وهي جزء من الكيان التنموي في البلاد، من مؤثرات ثقافية سلبية تتمثل ببعض أشكال ثقافة العيب، نوع غير تقليدي، لدرجة يختلف حول وجوده الباحثون، ينجم عنه إدمان البطالة. وكذلك الميل إلى الفردية والشخصنة والمزاجية. وبنفس الوقت هناك ثقافات إيجابية، بعض منها كامن يفشل البعض في إدراكه وإستثماره مثل النخوة والفزعة والرغبة في تحقيق الذات لدى الكثيرين من الشباب والميل إلى الإنتماء. هذه القيم الإيجابية والمنحدرة من المجتمع مع جموع العمال العاملين في المصانع وغيرها لو أمكن الإستفادة منها ومأسستها لأمكن أن نكون نعزز الكفاءة والجودة ونحارب الهدر بأنواعه ونقلل الكلف وننافس عالمياً.
لقد تغيرت عناصر المنافسة في عالم اليوم، وأصبح من الممكن أن ننتج سلع وخدمات بأسعار وجودة مقبولتين وتسمحان بدخول أسواق ترتادها دولة منافسة مثل الصين وغيرها من الدول المتغولة صناعياً، وذلك من خلال بناء ثقافات في مؤسساتنا قائمة على الإنصاف والإنتماء والمشاركة والتحسين المستمر بالتدريب والتحفيز وتفهم إحتياجات الزبائن ومحاربة الهدر وإحترام الوقت. وهذه قيم ومسلكيات يساهم المجتمع إما بتعزيزها أو بمحاربتها. وهي قيم ليست غريبة عن مجتمعنا وعن موروثنا الديني والأخلاقي.
من هنا نرى أن للمجتمع وللثقافة المجتمعية أثر كبير في بناء تنمية منافسة عالمياً، كما أن لها دور مهم في إستدامة التنمية وبالتخلص من ثقافات الشللية والمحسوبية وثقافة اللوم والأعذار والفهلوة والبعد عن الشفافية والبعد عن الصراحة وحتى .. ثقافة إستباحة المال العام، التي، مع الأسف أقول، ترشح من أوساط مجتمعنا إلى مصانعنا ودوائرنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الأخرى وتحد من تقدمها مما يؤدي إلى هدر الموارد وأضاعة الفرص وقمع الإبداع.
من حسن الحظ أن القيم السلبية المذكورة وغيرها ليست متجذرة في التكوين الخلقي لمجتمعنا، بل هي سمات طارئة يمكن إستئصالها بجهود متناغمة تشارك فيها المدارس والجامعات والأجهزة الإعلامية المختلفة والنقابات وجمعيات الأعمال وغيرها من منظمات المجتمع المدني، إضافةً إلى جهد على صعيد المؤسسات التنموية بإعتماد برامج توعية منظمة ومتواصلة.